بدر أصابه الخسوف الكلي

بدر أصابه الخسوف الكلي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

اللواء زكى بدر «1986 - 1990» رابع وزير داخلية فى حكومات الرئيس مبارك..بدر الذى كان يمتلك لسانا حادا استخدمه فى البداية لتقطيع شرف رموز المعارضة بأحط الفاظ الشتائم وأقذرها مبرراً ذلك للقيادة السياسية بأنهم وراء تزايد عمليات الإرهاب ، مما جعل القيادة السياسية تطلب من الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء وقتها بضرورة التدخل لوقف تجاوزات وزير الداخلية وربط لسانه.

ولكن زكى بدر لم يلتفت كثيراً لنصائح رئيس الوزراء وظل يوجه الشتائم لكل معارض لسياسته الأمنية قاصراً هجومه فى البداية على قادة المعارضة حتى وقع فى المحظور، وتجاوز الخطوط الحمراء فى لقائه بضباط المعهد الدبلوماسى فى المؤتمر الشهير بمدينة بنها، وهو المؤتمر الذى تطاول فيه زكى بدر بالسب والقذف بألفاظ تخدش الحياء ضد رموز المعارضة ، بل ولغ بلسانه الحاد في أعراض عدد من رموز الدولة..من الوزراء وكبار قيادات الدولة ، وخص بالسباب كلاً من عاطف صدقى رئيس الوزراء.. ويوسف والى أمين عام الحزب الوطنى.. وصفوت الشريف وزير الإعلام وكمال حسن على رئيس الوزراء وغيرهم..

 وقام وفد من المعارضة وعلى رأسهم فؤاد سراج الدين وإبراهيم شكرى بزيارة الرئيس مبارك في القصر الجمهورى وسلموه شرائط الكاسيت المسجل عليها بذاءات زكى بدر..فأقاله مبارك من منصبه لا حبا في العدل ـ فالنظام الحاكم لم يكن مشغولا بهذه القيمة الإنسانية ـ , ولكن لأن زكي بدر – بأسلوبه الغبي الأرعن , وسلوكه الهمجي – تطاول على القادة المباركيين . زيادة على المواطنين ، مما زاد من كراهية الشعب المصري للنظام وحكامه . وقابل الشعب قرار عزل زكي بدر بفرح شديد ، وسعادة غامرة .

 وقد نظمت القصيدة الآتية ليلة عزله :

 أنا قلت لكْ...

 لم تستمعْ لي ...

 يا "بدر" .. يا ابن الليلِ ..

 والظلماتِ والزمنِ الرديءْ

 كم قلتُ لكْ

 "المُلكُ لله القدير وليس لك"

 فقلت "كلا أنت كذاب وحاقدْ "

 كم قلت لك:

 "البدر لا يبقى طوال الشهر في كبِـدِ السماءْ

 " ولسوف ينكبه الخسوفُ أو المحاقْ "

 فقلتَ "كلا أنت مرتدٌّ وجاحدْ"

 وشتمتني .. ولعنتَ أمي

 وولغت في أعراض آبائي وأجدادي وعمي

 ووصفتَ كلا منهمو

 بالكلبِ .. والخنزيرِ .. والديوثِ

 والقذرِ النجـِسْ

 وبصقتَ في وجهي النحيلِ الشاحبِ

 ( ملحوظة: ما ذقتُ لحمًا منذ آخر عيدِ أضحى)

**********

 وقذفتني بحذائك اللمِّـيعِ

 والكرسيِّ ...

 ثم بكوبِ ماءٍ فراغٍ مستوردِ

 وطردتني

 ورجالك الأبطالُ

 بالصفعات واللكماتِ في كرمٍ وفيرٍ

 ودَّعوني ..

 يتضاحكونَ ويصرخونْ:

 يا ابنَ الكلابِ مع السلامهْ

 (لا ملامهْ)..

 وفتحتُ "معجم أسرتي"

 متورمَ العينين .. دامي الجفنِ

 مشدوخَ الكرامهْ

**********

 يا بدرُ يا ابن الليلِ...

 والظلمات والزمن الرديءْ

 أضنانيَ السهرُ الدءوبُ

 و " معجمي الأسْرِىُّ "..

 بحثًا عن أصالةِ أسرتي

 يا "بدر" معذرةً فإني لم أجدْ

 فيهم كلابا .. أو ذئابا

 أو أرانبَ .. أو خنافسَ

 أو خنازيرًا تهيمُ مع القذارةِ والعفَـنْ

**********

 وتركتُ "معجمَ أسرتي"

 وهُـرِعتُ نحو "الجاحظِ"

 وكتابِـهِ "الحيوان" .. أوْفَى ما كُـتِبْ

 وقرأته في ضوء بدرٍ شاردٍ متسكعِ

 (ملحوظة: الكهرباء بحينا انقطعت كعادتها لعُطلٍ طارئِ)

 حتى الغلاف قرأته، ووعيتهُ

 فما وجدتُ به الطلبْ

 لا واحدًا من أسرتي

 أو واحدًا من أسرةٍ مصريةٍ

 بكتاب جاحظِنا التليدْ

 فرفضتُ يا بدرَ الليالي والظلامِ الأرعنِ

 أن أهتدي بمسارِكَ المأفونِ

 في ليلِ المآسي الحالكهْ

 (ملحوظة: أستغفر الله العظيمْ

 كادت يراعتيَ المصونْ

 تهوي إلى السبِّ الرخيصْ

 لكنني أحكمتُ شدَّ وثاقِها)

**********

 وعرفتُ بعد قراءتي.. وبفطرتي

 أن ابنَ مصرٍ لم يكن أبدا بكلْـبْ

 أن ابن مصر لم يكن ـ يا بدرُ ـ خنزيرا

 لعينا

 وقرأت سيرتَهم جميعًا

 جدتي .. جدي .. وأخوالي ..

 وأعمامي .. وأيضا عمتي..

 فلربما..!!

 ونظرتُ أول صفحةٍ

 وقراتُ (بعد البسملة):

 "ما كان أبوك امرأ سوْءٍ وما كانت أمك بغيًا ...".

 وقرأت عن جدي الكبير بأنه قد مات في حفر

 القناةْ

 عطشانَ ماتْ

 جوعان ماتْ

 لكنه (يحكي أبي) نطقَ الشهادةَ وابتسمْ

 ومضى ـ على آلامِهِ وجراحهِ ـ عفَّ اللسانْ

 حتى الذي أهوى عليه بسوطِهِ في حُـرقَةِ

 الشمسِ السعيرْ

 إذ كان في النفسِ الأخيرْ

 جدي دعا أن يهتدي

 ليكون إنسانا نقي

 عفَّ الأيادي واللسانْ

 (ملحوظة: إن الذي أهوى بهذا السوطِ يدمي جلدَ جدي لم يكن من مصرَ

 أرضِ النيلِ , لكن .. كان جنرالاً بجيشِ الاحتلال. يُـدعَي بجوني مَرْكُبولُو).

**********

 وبحثتُ عن عمي بمعجمِ أسرتي

 لكنني .. لا .. لم أجده

 قالوا لنا: قد كان ذلك من أسابيعٍ ثلاثةْ

 متلبسًا .. ضبطوه .. ملتحيًا ..

 يصلي الفجرَ في ثوبٍ نظيفٍ أبيضِ

**********

 أما أخي .. فيقول معجمُ أسرتي

 شاءت له شهواتُ قائدِنا الهمامِ الملهمِ

 أن يدفعوه إلى اليمنْ

 ليحررَ اليمنَ السعيدَ من الإمامةِ والمرضْ

 (ملحوظة: البلهارسيا آنذاك بمصر كانت ذات سلطانٍ وجاهْ .. خمسون

 من مائةٍ من السكانِ كانوا من ضحاياها بمصرْ ..)

 وهناك في اليمن السعيدْ

 حرقوا أخي

 ليُسمِّـدوا برفاتِهِ أرضَ الزعيمِ العبقريْ

 ليجودَ محصولُ الزعامةْ

 عاش الزعيم العبقرِيُّ ..

 (ولا ملامةْ)

**********

 ورأيت في عينَيْ أبي المتجلدِ

 دمعا تحجَّر كالدم المتجمدِ

 ولمحتُ بعضَ أقاربي

 عزوه في غَـبَشِ الظلامِ الأسودِ

 وتسللوا لبيوتهم

 مُـتسرْبلين بخوفهمْ

 ( ملحوظة: قد كان محظورًا على أهل الضحايا في اليمنْ، أن ينشروا

 نعيا بمصرْ، أو ينصبوا بجوار بيتهمو سرادقَ للعزاءْ )

 وبعدها من حزنه المكتوم ماتْ

 قال الطبيب "القلبُ ناءَ بما حملْ

 غلبته أحزان ثقيلةُ كالجبلْ

 فتفجرت منه العروقُ ولا أمل"

 لكنه في لحظِهِ الذاوي الأخيرِ

 سمعتُهُ ..

 يدعو لنا بالخيرِ والحبِّ الوفيرْ

 حتى الزعيم " العبقري الملهمِ "

 القاتلِ الآلافَ في اليمنِ السعيدْ

 أبي دعا أن يهتدِي ..

 ليكون "إنسانًا" نقِي

 عفَّ اليدين واللسانْ

**********

 ونساءُ مصرٍ لم يكنَّ بداعراتْ

 بل كنَّ نعم الأمهاتْ

 وأبي (وعفوًا أن أقول أبوك أيضًا)

 وجدودُنا .. ورجالنا ..

 عاشوا علي أرض الكنانةِ أوفياءْ

 عاشوا على عشقِ الوفاءْ..

 وعلى المحبة والصفاء ..

 وعلى التعفف والنقاء ..

 وعلى الكرامة والإباء ..

 لكنهم لا يُـخدَعون

 قد يهدءونَ .. ويسكنونْ

 لكن إذا انتُـهِكتْ كرامتهم وعزُّهمو المصونْ

 الفيتهم يتسابقون

 يتقدمون كما الزلازل والعواصف لا تلينْ

 أما الدمُ الغالي فعندهمو يهونْ

**********

 كم قلتُ له ....

 ومحَضْـتُهُ نصحي، ولكن ما استمعْ

 "الملكُ لله القديرِ" فما استمع

 ورفعتُ صوتي أشهد الآفاقَ

 والأرضَ الجريحةَ والكواكبَ والمراصدَ

 والسُّـدُمْ

 " يا بدرُ فلتسمعْ .. تنبهْ .. ولتفقْ

 فنهاية الظلمِ العدمْ "

 لكنه في الإثمِ غاصَ فما أفاقْ

 متسنما عرشَ البذاءةِ والشقاقْ

 ورصيده الإرهابُ والكذبُ المنمقُ والخناقُ

 يا ويحَهُ .. رصدته عينُ الشعبِ في غضبٍ مبينْ

 "أقسمت يا بدر المهانة لن أموت

 ولن أهون"

 وأصر أن يرميه بالنبأِ اليقينْ

 سهمًا جحيمَ الرأسِ "حراقَ" المذاقْ

 فهوَى الخسوفُ به وأغرقه المحاقْ