تختبئ الطيور لكي تموت
تخْتبئ الطّيور لكـــــــــــــــــــي تمــــــــــــــــــــــوت
(قصيدة الغضب)
اغضبْ!
اغضبْ، وكن حمماً ونيرانا
لا عذْر إن لم تغضب الآنا
اغضبْ! وإلا فلتكن حجراً
كن ما تشاءُ، فلستَ إنسانا
إن أنت لم تغضبْ
ولم تـشربْ دماً بدمٍ
ولم تركب طريق أحبّةٍ
سبقوك للفردوس إسراراً وإعْلانا
اغضبْ وكن لهباً على الأعداءِ.. بُـــرْكانا
اغضبْ
فإنّ الأرضَ غاضبةٌ
وكفاكَ آلاماً وأحْــــزانا
اغضبْ..
وهل شرفٌ أعزُّ اليومَ من غضبِ؟
لا صُــلْــحَ حتى تَــنْــحَطَ الخيلُ الجريحَـةُ بالقنا
ولوافحُ القُضبِ
لا، ليس ما تتبصّــــرُ العينانِ ماءً
كي تراودَهُ شفاه بنيكَ من ظمأٍ
وليس شعاعَ زرعٍ، أو رغيفٍ،
كي يردّ النفس عن سغبِ
لكنّـــــه أشلاءُ موتانا
يا سيـّـــدَ الفُــرسانِ،
يا نصْـــراً من الرحْمــــنِ،
أنت نشيدنا القدسيّ في ليل الطغاةِ
وأنت قدوتنا، وأنت ربيع قتلانا
ما زلت في مرج الزهور،
وفي الجنوبِ، ندىً،
متألقا عطْــرًا وإيمانا
علّمتنا الغضبَ المقدّسِ
بعدما سكَـنَـتْ رياحُ الثأر في أعراقِ مَـنْ هانا
منعوا عن الرُّهْــــــبَـانِ قُــــرَّتـَـهُـمْ
وما منحوا سيوفَ الهند فرسانا
والحبر يتلو اليوم قرآنا
زوراً وبهتانا
فيجيبه ..من باع للأعداء إخوانا
يتلو: "وإن جَــنَـــحُوا"، وما جنحُوا
لكنهم ذَبحُوا
شيباً وشُــبَّانا
اغضبْ، فديتكَ، أو دمٌ بدمٍ
فالصَّـــفْـــحُ صار اليومَ خذْلانا
المسْجِدُ الأقْصى،
وتشْهَــدُ أنتِ، مغْــتَـصَبٌ
يمشي به جالوتُ سَكْـــــــرانا
يُــغْــريه حِلْــمُـكَ بالذي صَـنَعَــتْ
فتكـــــــــــــاتهُ، فارتدّ نشْوانا
ويظنُّ عزمَـــكَ لان من خورٍ
لـــــــــــــــــــــــــــــــــــولاهُ ما لانا
ويرى على الجدرانِ بطشته
فيزيده صـــــلَـفاً ..وطُـغْيَـانا
ماذا نُــــعَــــــــدِّدُ مِنْ جرائمِهِ؟
ماذا ننادي من ضحَــــــايانا؟
يا كفر قاسمَ، ولْـتَمِــدْ غضباً ،
يا دير ياسينٍ..ويا قــــــــــــانا..
يـــا عُـــرْسَ قَـــــانا
أمّي نداءٌ من سماءِ الغيبِ يحْــمِلُني
لحْــــناً على وتر الغيابِ المـــــُـــــــــرِّ يا وطني
وتقولُ: لن ترْتــــــــاحَ يا ولدي
إلا على كبدي
لكنَّ مهرك لن يكون سوى الشَّهادَةِ.
كيف يا ولدي تأخّرَ عن ربيع العُـــمْــرِ موعِدُكَ البهيُّ؟
لِــــمِ اسْتَكَـــــــنْـــتَ لزهرةِ الدُّنْــــيا؟
وأعراسُ الشَّهادة، كابتهاجِ الزَّورقِ المحْـــمِـيِّ بالشُّـهَدَاءِ،
جِـسْــرُ العابرينَ إلى الحياه؟
أمّاه، مُدّي مِـنْ وراءِ الغيبِ كفّكِ لي
أسيرٌ للذُّنوب أنا، وتغْـــمُــــرُني المياه
إنّي لأغْـــرَقُ في بحارِ الإثْــمِ يا أمّي،
وقلْــــبي قدْ تعَــــثَّـــرَ في خطاه
والمسجد الأقصى أسيرٌ للبغاة
يا لَــيْـتَــــهُمْ مرّوا على جَـدَثي، ولم يَـــرِدُوا حِـــمَاه
داسَتْ على ظلّ الشَّهيدِ فلُـــولُ جيشٍ منهكة
لم يَــسْـــقُــــطِ المفتاحُ من يَـــدِهِ،
وفوق جبينِـهِ ما قَـــدْ تناثرَ من غُـــبَارِ المعْــــــــركـــــة
لم يَـــثْـــنِــهِ دَمُـــهُ الموزّعُ في الحــُــــــــــــقــُـــول
عَــمَّـا تَـــخُــطُّ يمينُــه قبل الرَّحيلِ إلى بساتين الرّسُول
لـمّا تهـجَّـرَ ظلّلَـتْـهُ غَـمَامَةٌ
وتبطّنتْ دَمَــهُ الشَّـريدَ حَــمَامَةٌ
وحماهُ نسْـجُ العنكبوتْ
هو لَـــنْ يمُوتْ
فَـلْتأسِرُوا دَمَهُ إنِ اسْطَـعْــــتُمْ،
وخلُّوا وجْــهَــهُ للـــرّيـــحِ جَلَّـــلَـهُ القنوتْ
رقَــصَــتْ مجنّدةٌ على أشلائه متهَتِّكة
هي ما تَــــزَال تحنُّ للفودْكا،
لتهربَ من جحيمِ الباصِ في يافا
ومن نصْلٍ تُصَـــوِّبُـــهُ الفلاشا منْ محاجِــرِها
تحنُّ للفودْكا لتنسى عارَ والـــِـــدِها القديمْ
هي تشْـــرَبُ الخمْــــر العتيقة، وهْــيَ تسألُ أورشليمْ
من ذا الذي أعطى يهوذا اللندنيّ عليّ سلطاناً؟
ومن في غفلةٍ عنّا علينا مَلَّكَــــهْ؟
رقصَتْ على ظلّ الشهيدِ وآدَهَـا طفلٌ يطاردُ واثقاً دَبـّـــابَـــةً..
هتفَتْ على حَــذَرٍ: خسرنا الحربَ حتى إن ربحْنا معْــــركة
وتّـــقُــولُ لي قَـــانـــا
والــصّــبْحُ يَــطْـــلُــعُ من بَــقــايانا:
اغضبْ حبيبي، واحْذر الوهَـــنَا
مِــفْـــتَاحُ بَــيْــتِــكَ ما يزالُ هُــنَا
كالشّــوْقِ يَــعْــتَــنِــقُ البيوتَ، ويحرُسُ الوطَــنَا
يتأمّـــلُ المفتاحَ وهْــــوَ مُعَــلــَّــّقٌ
كتوهُّــجِ المصْباحِ، يحْــلُمُ بالإيــَابِ، يحاصِرُ الحزَنا
لن تُـطْـفِـئُوا الأملَ المـُـخَـبَّأَ في الجفُــونِ سَنَا
لكُــمُ الأذَى، ولنا احْتمالُ
لكم الــرّدى، ولنا اشْتعالُ
لكُــمُ اجتثاثُ الكـــــرْمِ في يافا، وزرعُ الغَـــرْقــَـدِ احتقنا
ولنا
أن نحْــــرق السُّفنا
ونعانقَ الأقصى وإن طال الزّمان بنا
لن نُـــسْـــلِــــمَ الوطَــــنا
قَــمَـــرُ الأسيرةِ شُرفـةٌ منه تطلّ الأنجمُ
وحديقةٌ تمتصّ نبضَ الجُـــرْح، لا تتَـــبرّمُ
حصنٌ تعالى من إباءٍ، دونه سيفُ العدوّ محطَّـمُ
كم ذا يُغيّبُني عن الأحبابِ سورُ الحقْــدِ!
كم سيضمّني سجني؟
وكمْ سيظلُّ هذا الوحشُ يشربُ من دمي ولهيبُــهُ يتضرّمُ؟
خمسٌ من السنواتِ؟ عشرٌ؟ ألفُ عامٍ؟
لا يضير، فجبهتي لا تنحني ، وعزيمتي لا تهزمُ
وجهُ الأسيرةِ خيمةٌ في ظلّـــــها كـــــرْمُ الشَّهادَةِ يُـــزْهِــرُ
وعلى حجارتها سيوفُ الظالمين تَــكَسَّـرُ
يتأمّلُ الإسكندرُ:
طعْـمُ الهزيمة منْـكَـرُ
لكنه مطرٌ يذوبُ يشوبهُ صحوٌ يكاد من النضارة يمْـطِـرُ
يتأمل الإسكندرُ
في قلبه همٌّ، وفي شفتيه هَـــمــْهَمةٌ،
وفوق ذراعه سيفٌ يصيح ومِــــغْــــفَـــرُ
نملٌ على ظهر الصفاة إلى الذرى يتبصّر
يسْعى، يحاول، يُـــدْحَــرُ
يسْعى، يحاول، يَـــعْـــثُــرُ
يسْعى، يُـــصِــرُّ، ويظفرُ
يا أيّــها الظّفـــــرُ
الطفلُ منطلقٌ
في كفّه حجَــــــرُ
جالوتُ مندحر
والطّفلُ منتصرُ
أحبابَ قلبي! بالشهادة فزتمُ
من أين؟ من أين الطّــــريق إليكمُ؟
الخوف يلْجم خطْـــوَنا
وسيوفنا مرهونةٌ وفمُ الشعوبِ مكمّمُ
وعلى الأسرّة زمرةٌ ما أبرموا
شيئا.. وأنى للمقيّد يُـــبْـــرِم؟
قانونهمْ أهواؤهمْ،
وشعارهمْ: "إنّ الكلامَ محرّمُ"
لكنّ ألوية الشهيدِ تقول: لا تستسلموا
قمَـــرٌ تأبّــطَ في صلاةِ الفجْــرِ قلبَـــهْ
قمرٌ ملامحه فلسطينيّة الأبعادِ
يرحلُ عن سماءِ القدس عند الفجْـــرِ
كي يرقى إلى المسْــرى
وكي يلقى الأحـبّة
قمرٌ لغزّة منهُ طعم ُالكبرياءِ
ورفّ أجنحةٍ تسافرُ في المدى
وله صمودُ العائدين من الردى
قمرٌ له من عسقلانَ إباؤها المتكلم
وطيورُ غزّةِ هاشمٍ من حول عرشِهِ حُــوَّمُ
تتعلّمُ الإقدامَ في الغمراتِ وهْو مُـعَلِّمُ
هو لم يمتْ إلا ليحْيى فالشهيدُ منعّم
لا تحجموا
لا تحجموا
وتقدموا
إن العدوّ سيــُـهـــْزمُ
والليل يرحلُ، والبشائِـــرُ تقْدُمُ
فتقدّموا
قمرٌ يعانقُ برعماً
من قبلِ رحلتِهِ،
فيسكر من شذاه البرعمُ
في كفه حجرٌ،
وفي شفتيه ميثاقٌ،
وفي النبضات عهدٌ مبرمُ
ورعودُه من تحت أقدام العدوّ تدمدمُ
الجرحُ نافذةٌ يطلّ الجرحُ من دمها
وتنطلقُ العصافير الشريدة في مداه
ويخطُّ صوتُ الشاعرِ المنفيّ في الكلماتِ فوق قباب نيسابورَ:
"تختبئ العصافيـرُ الشريدةُ كي تموتْ"
وقرار(لكنيسيت)يلتهم البيوتْ
لكنّ أطفال الجليلِ وعيترونَ على جدار العنكبوتْ
كتبوا: "ونحن نقبّلُ الموتَ المباغتَ كي نعودَ إلى الحياه
ولكي تعودَ البسْمةُ الجذْلى إلى شفة المياه
ولكي تعودَ القُـدْسُ ترفل في فساتين الصلاة"
احفظْ وصيّتك الأثيرة
احفظْ وصيّةَ من رعتْـــكَ، وأرضعتْك لِـــــبَانَـهَا،
فهي المسدَّسُ والذخيرة:
لا تُـسْـلِمِ المِـفْـتاحَ!
واحذرْ أن تموتَ على فراشِكَ في الشتاتِ
فإنَّ نازيـّا جديداً جاءَ من بلد بعيدٍ
كيْ ينام على فراشِكَ في الخليلِ
وتستبيحَ جيادُه القدسا
لا تُـسْـلِمِ القُـدْسَا
وابذلْ لها الأموالَ والأولادَ والنَّــفْــسَا
.............................
.............................
لا تُسْلِــمِ المِــفْتَاَحَ يا مجْـــنُونَ أمِّـــكَ...
لم تزلْ غرناطةٌ تبكي فتاها
ليس في غرناطةٍ قرميدةٌ إلا وتهتفُ: بعْـــتَـني!
هل تستجيرُ بزفرة العربيِّ؟
والأطفالُ في سوقِ البيازينَ انتضَوْا حُلُــمَ الأصَائلِ
وامتطوا شهبَ الجيادِ الصافنات ووقّعوا بدمائهمْ:
"لا يأسَ إلا من ظلام اليأسِ.
نحن بيأسنا الخلاّقِ ندفعُ عن حمى غرناطةٍ
ونقاتلُ اليأسا
تعساً له، تعسا
لن نُسْلمَ المفتاحَ، يا غرناطةَ الشهداءِ،
وليرفعْ أميركِ – إن أرادَ – الـــــرَّايةَ البيضاءَ
قلْبُ الأمّ لم يُـخْطئْ، فخلّ متوّجاً لم يحفظِ الدَّرسا!"
مِـنْ بعدما أدّتْ صلاةَ الفجر ريمٌ قبّلتْ أطفالَـهَا..
قالت محاسنُـهَا: "فإنّ الحوضَ موعدُنا
لقد كنتمْ لأمّكمُ أنــْسا..."
يا ريمُ، إنّ العشْــقَ أشرفُـــهُ ببابِ العرش موصولٌ،
وقلبُ الأمّ لم يخْطئْ،
أهانَ بنوكِ؟
كيف يهونُ قلبُ الأمّ؟
لكني فديتُ لحبـِّــهِمْ شعْباً فديتُ لحبّه القدْسا
يا شعبُ لا تنسَ !
يا شعبُ لا تنسَ !
في القصيدة عدد من المرجعيات، هذه إشارة إلى بعضها:
1 ـــ منذ ألف عام، خرجت حمامة مطوقة من محبرة شاعر من نيسابور، واسمه عمر الخيام. طوفت في الدنيا مشرقا ومغربا حتى ظفر بها الروائي كولن ماك كولاف CollenMcCullough،ثم احتجزها بعض قراصنة هوليوود، ودخلت القفص. وخوفا من اغتصاب براءتها قررت أن أفك أسرها وأعود بها إلى الشرق.
2 ــ يقول زفر بن الحارث الكلابي بعد وقعة مرج راهط:
فلا صلح حتى تنحَطَ الخيل القنــــــا
وتثأر من نســـوان كلب نسائيـــا
فقد ينبت المرعى على دمـــن الثرى
وتبقى حزازات النفوس كما هيا
3 ـــ في الحديث الشريف: "....وجُــعِــلَتْ قُــرّةُ عيني في الصلاة".
وفي أوصاف الصادقين الأول: "...رهبانٌ بالليل، فرسانٌ بالنهار".
4 ـ قال تعالى: "لنْ يضرّوكم إلا أذى".
5 ـــ في حديث طويل:"....إلا شجر الغرقد، فإنه من شجرهم".
الدّخول إلى شعب أبي طالب
{1}
في العام الأول من تاريخ العشق القدسيّ
أضأتُ قناديلي
ونشرتُ مواويلي
وتملّكني الحبّ الغالبْ
فذرعت الأرضَ أطارد خيطا من أمل هاربْ
وفزعتُ، فطمأنني صوتٌ من أعماق الجبّ
لا تخش الليل ولا البيداءَ فآخرُ هذا الدربْ
أيكة أمن وأطايبْ
وحبيبٌ يفـــرشُ مبتهجاً للقصواء الهُــدْبْ
فنقشت على شرفات القلبْ
بالأخضر إيقاع قصيدي
وهتفت: لقد أبصرتكِ يا سنبلةً طلعتْ كالفجر بكنعانْ
أبصرتكِ من خلف القضبانْ
مقبلةً في شهقة زنبقةٍ
يختلط صداها بمزامير الحكمة تملأ صوتي
أبصرتك في النارنجة تطلع من بيتي
أبصرتك في زهر الرمّان
يتفيأ أكناف القدس وبيسانْ
أبصرتك في نيسانْ
في شمس البتراء الناعمة
وفي نجم يعزف ليل الغربة عند معانْ
في ترنيم يمامة عشق تصدح في تطوانْ
في ليل يتألق في وهران
ويرنّقُ من تسبيحة إبراهيم القادم من ركّان
إبراهيم الآن
يُسْكِنُ صوتي المفجوعَ غرابا يبحث في الأرضِ
ويطعمني من ثمر الأحزانْ
يتدثر موكبه بدم الشهداءِ
ويلقي فوق صقيعي بردة إيمانْ
يا إبراهيم رمضانْ
وهران الآنْ
لا تتألم من وقع (الطاعون) ولا من طعم (الغثيان)
فحوافر (كامي) انتحرتْ
وبواتر صاحبه اندثرتْ
لكنّ سماءً تمطر في وهران
تشكو من جور الخلانْ
فجميلة بوحيردْ
ما زالت، كالأمس، تصاول ليل القضبانْ
وتمدّ بصائرها من خلف الأسلاك المغروسة في لبنان
فترى شعب العزة وحده
يشحذ سيفا غادر غمده
من بعد حصار باركهُ نسل بني عبس وبني ذبيانْ
قلت لشمس البتراء: هنا لا عين ترى إلا ظلّ كواكبْ
قالت: ومكوكبها؟
فعلمتُ بأني ما زلت غريرا في درب العشق،
أجيراً في قافلة الشهداء، وإنْ تيّمني السفر الناصبْ
{2}
في العام السادس من تاريخ العشق الدمويّ
وجأت وريدي
حين رأيت بكلّ مريدِ
مشروع شهيدِ
فاستوقفني النجم الثاقبْ:
أيّ الطرقات تريدُ؟
رأيت على الرمضاءْ
جبلا تحت الصخر ترواده الدنيا فيردد في سمع الصحراءْ
(أحدٌ..أحدٌ..)
وطّنتُ النفسَ على الصبر، وآخيت اللأواءْ
ما عدتُ وحيدا..
أنا في كوكبةٍ من إخواني الفقراءْ
حين هتفنا: (البيْتُ لنا)
دمدمت الريحُ المخبوءة في الأعماقِ،
تجمعت الأحزابُ، وألجأنا الأعداءُ إلى شعب أبي طالبْ
ها نحن تظللنا أفياء الغربة في أحراش الشِّـعبْ
وتحاصرنا الدنيا، لا شرق يواسي الغرباء ولا غربْ
قد حاصرنا قبل البـُــعداء ذوو القربى
وسيوف الإخوة تقتلنا قبل سيوف الأعداءْ
لا معبر يُــفتح، لا ميناءْ
لا حبّة قمحٍ تأتينا.. لا قطرة ماءْ
لا النيل يُـــفيض علينا من بركات الأرضِ
ولا نهر الأردنّ يسيلْ
والزاد قليلْ
لا زاد سوى ما خبأه من ميراث في ليل الغربة هذا القلبْ
الزاد قليلْ
وأحابيش ابن سلولْ
تتناسل كالطاعون وكالجربِ
من شرم الشيخ إلى العقبــة
وقريظة تسخر من (وادي عربة)
الصبية في سغبِ
والنسوة في نصبِ
عانينا القحطَ..
أكلنا الخمطَ..
وكان النفط الطالع من أرض القوم النجبِ
يحرقنا في صمتٍ
ويضيء ديار المغتصب
ويضيء سلاح المغتصبِ
من ظاهر جيش قريظة ضدّ أخ وأب؟
من ناصره؟
من آزره؟
أو لستم عربا؟
إي والله، لأنتم عربٌ عربٌ، لكن لا كالعربِ
هل أنتم في زمن الردة هذا من نسل أبي بكــرٍ؟
أم أنـــّــكمُ من نسل أبي جهل وأبي لهبِ؟
قل لنواطير السوء:
لقد بشمتْ من أعناب القدس ورام الله ثعالبها
والأمة في كرب
هل من غضب؟
{3}
من أقصى الأرض تجيء امرأةٌ
تدعى (راشيل كوري)
لتحرر أمريكا من عقدة خوف مشتبكة
وتقارع بطش مجندة تدعى (راشيل شوارزنبورغ)، كالطعنة، مرتبكة
جاءت من ظلمات بلونيا كي تسكن غصبا عني داري
راشيل كوري بالصدر العاري
تحمي أطفال فلسطين من اللهب الفوار
تحمي داري
دم (راشيل كوري) منتصراً
يهزم جرافة (راشيل شوارزنبرغ)
ويعيد لأمريكا صولتها المغتصبــة
فمتى تتحرك في وجه الغازي النصبُ؟
ومتى يعرف طُـــهْــرَ الغضبِ المشتعلِ العربُ؟
قل لنواطير السوء المختبئــة
في جبة ذلتها المهترئـــة
قامة (راشيل كوري) أمضى من أسيافكم الصدئـــة
هامتها أبقى من زيف عروش مغتصبـــة
{4}
أنا رغم العطش المحتدّ
لن أشرب إلا من حبر دواتي
أنا رغم الظلم الممتدّ
لن أتسول بين موائدكم نصرا
لن أخذل أنصاري المنشورة أعلامهم
من أقصى الأرض إلى أقصاها
رغم جحيمٍ حاصر في بلدي كلّ حصاةِ
لن أدعو، بعد الله، سوى شعبي
كي ينشر عزمُ سواعده
في بحر الصبر الصاخب مرساتي
أنا لا أملك إلا كفيّ الضارعتين إلى المولى
وسأبني بهما السدّ
بهما عزمي يشتدّ
سيكون عدوي، رغم فيالقه وبوراقه وصواعقه،
سيكون عدوي جزرا، وأكون أنا المدّ
{5}
شعبٌ أعزلْ
يمشي، ويقول لقاتله: لك هذا الحاضرُ
تشرب فيه مرارة كابوسك، والغد لي
فأنا المستقبلْ
أغلق سبلي
بالحقد وبالمدفع
أنا لن أركعْ
سأقاتلُ بالقسّام وبالمغزلْ
شعبٌ أعزلْ
كشعاع الشمس يسابق غايته للظلّ
المصحف في يمناه
وبيسراه مشعل
{6}
شعب يحترق الآن وحيدا
وكنور الله الغامر يخترق الآفاق وحيدا
ويواجه قاتله الهمجيّ وحيدا
ويقول له: ارحل أنت، فلن أرحلْ
أرسل بقنابلك الفوسفورية، لن أرحلْ
أجلب بالخيل وبالرجل، ودمّرْ
مدرسةً، مئذنةَ باذخةً، مستشفى
مالي غيرَ الوطن الشامخ منفى
ارحل أنت، فإني لن أرحل
قد يرحل هذا البحرُ،
وقد ينقل هذا الجبل الراسخ،
لكني لن أرحلْ
قد تجعل من وطني سجنا
سيكون السجن هو الأبهى
ويكون الوطنُ الوطنَ الأجملْ
سيقول الشجر الأخضرُ، والحجر الأحمرُ:
خلفي أفعى، فاقتلها يا عبد الله!
ستردّد كل مدارسنا: لا للمحتلّ
وستهتف كل كنائسنا: لا للمحتلّ
وستصرخ كل مساجدنا: لا، لن نرحلْ
فيسوعُ هنا كان يصلي في المحرابْ
ومحمدٌ الأوابْ
قنديلا كان بأركانِ الإسراءْ
ولذلك كل جريحٍ سيغني للفجر المقبلْ
ويدوّي كلّ شهيد في وجه المحتلّ:
اقصفْ.. واعصفْ..
سلسلْ.. واقتلْ...
سنعلم كلّ جنينٍ كيف يقاومْ
كي تُــــرفعَ أعلامُ العزة من غزّة هاشمْ
حتى آخر حبة زيتون في وطني
ونصلي للفجر القادم
وجدة ـ الشارقة: يناير 2009
اعتذار إلى الياسمــــــــــــــــــــــــــــــــين
تدانى وقد زارني طيفه
فهتفت به: ينبت العشب حين تغني
وسربُ الطيور يؤوّب،
والضوء يسكن جفني
وأنت الذي تتغنى
فتنسجُ ثوبَ القصيدة ِ
تجعلُ أرضَ القصيدة مغنى
وتُسْكنني البيتَ، أمشي إليكَ
على الهدب، قلبي يوقّــع لحنا
فتغمرني باخضرار المنى
أنت تنسج ثوب القصيدة، لستُ أنا
ولكنني سوف أقرؤها بالنيابة عنك،
لأنك أنت أنا
حبيبي الذي ليس يعرفه أحدٌ
والذي ليس يملك أشواقه جسدٌ
كم من الوقت مرّ علينا
ونحن هنا
ندجّن مُهــر القوافي الحرون
ليعدوَ هوناً، كلون الفراشة، بين يدينا
لماذا إذن نلتقي في زمان الحروب
كالغريب يلاقي الغريب؟
ووجهك كالنجم في القلب والذاكرة
وأنا الروح تسرح في صبوات الجليل
وفي دمعة الناصرة
وفي شهقةٍ من صباحاتِ نابلسَ
تذبحني في اشتهاءْ
وتُلبسني الكبرياءْ
أراكَ حبيبي
كأنكَ خلّــفْــتَ وجْهكَ خلْـــفكَ، عند جدائلِ ناسكةٍ شاعره
كنورسةٍ إذ تُـــــقَـــــبّــــلُ وجهَ السماءْ
وتسعى إلى أمّــها كي تهدهد أحلامها
فيستوقف العسكريّ ملامحها الثائرة
ويوجّـــهُ نحو قصيدتكَ البندقية
كأنك يا واحة العمرِ
خبَأتَ حلْـــمَــكَ، قُــــنبلة الوقتِ، في مزهرية
تعال حبيبي
نسافرْ إلى الياسمين الدمشقيّ، نسأله : كيف نمسح عنا التعبْ؟
قد اسْتوطنَ الحزنُ أعماقنا،
واستقرتْ بها شفرات اللهبْ
تطاول ليل الأحبة حتى
كأن الكواكب موصولةٌ
بحبالٍ من الغضب الملتهبْ
وما قلب قيس تلظى
ولا قلب ليلى تشظى
ولكن هذا الهوى المقدسيّ أليمٌ
وهذا الفؤاد سقيم سقيمٌ
كأرض إذا غاب عنها المطرْ
فيا أيها الياسمين الدمشقيّ،
هل حملتْ لك زرقُ العصافير هذا الخبر؟
فما زال قومُك من بعد ستينَ عاماً
يلوكون أحلامهم، ويلوذون بالأمل المنتظر
وأحلامهم في الملمات: (خبز... حشيش... قمر...)
وحين صرختَ بهم أشعلوا النار حولكَ
لكنّ صوتك صاح: (متى يعلنون وفاة العرب؟)
فهل كنت تقرأ من عالم الغيبِ
أنّ عزيمة قومك كأسٌ سريع العطبْ؟
هنا (فنزويلا) توقّــــع صكّ وفاة العرب
هنا شي غفارا يدوّن في (يوميات بوليفيا)
انقضاء زمان العربْ
ومن ثار منهم أعدّ سيوف الخشبْ
فيا أيها العندليبُ الدمشقيّ لا تلق بالاً
لمن يدّعون الغضبْ
وهم يرفعون سيوف الخشبْ.
فلم تبق غير سواعد غزّة هاشمْ
تقاومْ
وترفو ثياب الكرامةِ من بعد ما مزّقتها حراب العربْ
ولم تبق غير قناديل غزة هاشمْ
تضيء الطريق، وتهتف: لا لن نساومْ
وإن خذلتنا العواصمْ
فقل للذي جاور المسجدا
وقدّم من دمه وافتدى
وطار إلى الخلد مستشهدا
لئن ظاهر المرجفون العدا
لقد أشرقت بك شمسُ العربْ
الشارقة يناير 2009
حدائــــــــــــــق الحســـــــــــــــــــــــــــين
{1}
وكان في حدائق الحسينْ
غزالةٌ تتلو كتاب البينْ
دامعةَ العينينْ
قلتُ: فدى يساركِ اليمينُ،
بل فداؤك الروحُ
وليس التبر واللجينْ
{2}
الله يا غزالةً
صفاؤها بحيرة مثيرة
يحبها النارنج والبلوط
والأطفال والسلاحف الصغيرة
وعندما تبسم عن أقاح
تندمل الجراح
ويضحك القمر
لكنها غزالة تهابها الأسود
فليس يدنو الوحش من كناسها المرصود
إلا على حذر
{3}
وكانت الغزالة العذراءْ
تقرأ منذ عانقتْ
في أرض كنعانَ عيون الماء
نشيدَ كربلاء
تقول لي: يا أيها الملكْ
يطير كل الخلق في الفضاء
لكن قلبي وحده
يطير نحو الشام برّا،
وحده يعرج للسماءْ
كي في صلاة الليل، في الحلكْ
ننعم باللقاء
{4}
مرّتْ على خيْمة ليلى الأخيليّــةِ
كأنفاس السّـــحَـرْ
وجالستْ رابعةً تحت بهاء العشْـقِ،
تُـمْعنُ النّـظَــرْ
ثمّ بكتْ من أجل طفلٍ جائــعٍ
وطفلةٍ تبْـكي الأبَ السّـابحَ في الدّماءْ
(يا با.. يا با)
وا صرخة تهتز من أنينها السماءْ
فداكِ يا غزالتي
كلّ ملوك العصْرِ، حين بايعوا الأعْداءْ
أرانبٌ لكنّــهُمْ ملوكْ
يحْـكُمُهُمْ شيلوكْ
{5}
يا شيخُ محيي الدينْ
ماذا إذنْ لو أنّ عين الشمْسِ
لم تمـرَّ يوماً عبْـرَ بُـسْتانِـكَ؟
هلْ كنتَ عرفتَ لذَّةَ اليقينْ؟
{6}
قالتْ: أنا أسيرُ في معرّة النعمانْ
قلتُ لها: ألم يزلْ
زوبعةُ الدّهور فيها يندبُ الإنسانْ؟
والضابط العبْـريُّ
يسْتوقفُ صوتَ الشّاعر الضّرير: قفْ
محرّضٌ أنْتَ على العصيانْ
(دمُ الشّهيدينِ على الدّهْـرِ شهيدٌ): إنّـهُ البيانْ
يرْسـلهُ أعْـمَى، فتغْـدو أمَّـتي
كمقْلةِ الغضْبانْ
{7}
خولــةُ في حَلَبْ
تسْـتصرخُ العربْ
والمتنبّي ـ العاشقُ المقْـتولْ ـ
مخبّـئ ٌ ديـــوانَها ..
مغترباً عند رُبى العــاقولْ
والضابط العبْـريّ فوق رأسه كوفيّــةٌ
يلـوّثُ المحْـرَابْ
يُـصْدِرُ أمْـرَ الحُكْمِ ضدَّ قامة السيّابْ
{8}
لا يأس إلا من ظلام اليأس والمتاه
ما زال سيفُ اللهْ
يطْـلُـعُ من مخيّمِ اليرْموكْ
يُـقَــاتلُ الملوكْ
{9}
يا بنْـتَ خيرِ أبْ
يا وردةً كالشّمْسِ تحت الغيم تحتجبْ
وليس غير الله وحدهُ
يعلم بالشّنبْ
ما حجّتِ المطيُّ ، مذْ صرتِ إلى حلبْ
إلا إلى حلبْ
يا بنتَ خيْـرِ أبْ
لمن تعدّ هذه القضبْ
والفتية النجبْ
إن بقيت صرختك العذراء ُ
تحت الرّيح لم تُجَـبْ؟
{10}
وعندما عانقَـتِ الثّــريّـا
مع الأصيل البحَــرَ الميّتَ صار حيّـا
يروي عن الأرضِ
عن الماءِ
عن الأطفالِ
عن حجارةٍ مشعّةٍ زرقاءَ في عباءةِ الحسينْ
قصّة عاشقينْ
{11}
وعندما تخذلني نرجيلةُ الوقتِ
وأحتمي من صولة الشّوق بأحزاني
وفيما بيننا مسافةٌ..
وموعدٌ يأتي ولا يأتي
ألوذ بالصَّمْـتِ
وحْدكِ من يمدّ لحنَ الكَـوْن فيما بيننا
وحْدكِ من يمنحني صوْتي
دمشق – وجدة:
أغسطس- سبتمبر2006
آخر ليلة من ليالي
ربيعة بن وقاص الحارثي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ألا يا لَــتَيْمٍ أطلقوا من لسانيا
ربيعة بن وقاص الحارثي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وغداً حين أصلّي عند قبري
لا تقوموا للعزاء
فهباء
كل هاتيك التهاني والمراثي
وهباء كل ضوء لم تباركه السماء
لا تقيموا خيمة للنادبين
ليس يبقى غير ما خطت
يد العشق بسفر الخالدين
لا تقولوا: رحل اليوم أمير الشعراء
(وسواء كان صعلوكا فقيرا
أو تجلى بعد صمت القبر في الناس أميرا)
فلكم أزعجكم صوتي
لكم أزعجكم صمتي
لكم أزعجكم أني أغني
والسلاسل
تأكل المعصمَ مني
ولكم أزعجكم أني أغني
للحساسين وأسراب الأيائل
رغم آلات الدمار
ولكم أزعجكم أني أغني
وأقاتلْ
رغم أنياب الحصارْ
وغداً حين أغني من وراء القبر،
أو تنمو على قبري السنابلْ
حسب قلبي أن تلبيه العنادلْ
كم أقمتم لي ألفَ (غوانتنامو)
كم منعتم روضتي أن يدّني منها الحمامُ
ولكم كنت إذا اشتد الحصار
أحتمي منكم بشجوي وشجوني
وجنوني
وبوعد من حبيبي
آه ما أعذبه وعد حبيبي
كيف لا أقدر أن أهتف حتى باسم من أهوى؟
ولا أملك أن أعلن عشقي..
وكأن العشق في الأرض حرامُ ؟
يا حبيبي
فليكن حبك حصني
وإذا هبت علي الريح يوما
أو عدت يوما على بيتي الأعاصير
فبيتي ليس يأبه
إن بيتي يحتمي منها بشوقي
وبوعد منك يا أبهى الأحبّة
وأنا لست من الإرهاب يا ينبوع فني
لا ولا الإرهاب منّي
غير أنّي
عندما ألقوا علي القبض فجرا
وجدوا قلب الفتى ينضح ذكرا:
(أيها الشّعب الذي يسري ولا يملك شيئا
غير آثار القيود
وأنين كالعبيد
كسّر القيد وحطّمْ ما تراه من سدود
وطن ليس به غير العيون
وطن لا يملك المرء به إلا الجنونْ
وثنٌ يعبده من ذلّـــةٍ كلُّ سجينْ)
لا تشدّوا من لساني
فأنا صوتكم عبر الزمانِ
أيّ نسع ألجم القلبَ؟
دروب الوطن الممتدّ، يا حبّي،
من البحر إلى البحر دجنّـه
حرستها ـ عجبا ـ زرق الأسنّة
ـ يا بن وقاص تكلّم
أين تيم؟ أين أهلوك؟
ذوو النجدة فيكم والكرامة
ـ لا تسلني عن بني تيم
ولا عن معدن العز تميمْ
بعدما صار على أبوابها الذل يقيمْ
إن تيماً ليس فيها رجل يصغي إليا
إن تيماً أسلموني
ظاهروا اليوم عليّـــا
غازيا فظا عتــــــــيّا
أجنبيا
غازيا ما عرفته أرض نجد
لا ولا أرض تهامة
إنّ كلّ امرأة دقّــــــــتْ ببابي
لم تكن تعرف ما بي
تحسب الصمت ذهولا
ولو اسطاعتْ إلى السلب سبيلا
جردتني من إهابي
وإذا أقبلت الروح على محراب صمتي وعذابي
أرسلت غضبتها ضدي
وهبّت ريحها تقتلع الأشجار من أعماق غابي
وتجلى نوركِ الوهّـــــــــــاج من دون ارتياب
فأضاء القلب، وارتاحت يماماتي،
إلى شدوك ..وانساب بأرضي
نهر موسيقى، وأحلامٌ إلى الحبّ دعتني
وفراشات كساها ألف لونِ
عندما فتّحتِ شبّاككِ
أضحى كونيَ الشاحبُ رسْما عبقريّا
يبعث العشق نديّا
ولكم طاب نشيدُ العشق وحْــــــيا
عندما بايع شعري
قمراً يطلُع من أرض الحجازْ
واتخذت الحرف في الحرب الجُـرازْ
وتقلدت هواي
لم أكن أعلم أن الــ F.B.I.
يتحــــــرّى كلّ خطو من خطاي
ولقد قالوا: رأينا ظلك الممدودَ يوما
في رحاب المسجدِ الأقصى،
ويوما كان يجتاز جبال التوربورا
ويصلّي عند أقصى مسجد في قندهار
قلت: لم أبرح مكاني
ذاك شوقي كان يسعى
ويرجّي نفحة من نفحات الأنبياء
أو شذا يسري إلى الأحشاء من غزة هاشمْ
ويصلي، وهو يتلو ساعة الإسراء: قــــــــاومْ
ثم قاوم
ثم قاومْ
واحفظ المفتاح إن البيت لكْ
وجيادَ النصر لكْ.
آذن الفجر بإقبالٍ، يجلّي كلّ أستار الحلكْ
آن أن ينكشف الآن الحصارُ
آن أن ينفلق الصبح، وينهار الجدارُ
فلقد بايعك النهر وأسراب الفراشات،
وأضحى اليوم يزهو بالتسابيح النهارُ
سبتمبر2006/يناير 2009
بكائيّات لـمـلوك الطوائف
{1}
برانا الشوقُ يا شمْساً
فلسطينيةَ الأبعادِ والرؤيا
ويا قمرا تنزّل في دمي وحْــيا
أنا من قبل قطْعاً لم أكن أحيــا
وكيف حياة من تستعبد الدنيا
خلاياه
وينسى أن رجعاه
إلى ربّ إليه الموت والمحيى؟
براني الشوق، يا روْحي وريحاني
وهل للشوق ميناءُ
لديه أحط أحزاني؟
وهل لي إن أتيتك ظامئا ماءُ؟
{2}
هبيني فرصةً أخرى
لكي أبكي على كتفيكْ
هبيني فرصةً أخرى
لأمسح كلّ أتعابي
إذا أدنيتني يوما إلى عطفيك
أنا الزورقْ
وأنت اليوم رُّباني
إذا خلّفتني أغرقْ
أضيّع كل شطآني
إذا ما قلتُ يوما: إنني مرهقْ
فصبّي صوتك الحاني
بكأسي ..إنّ كرْمك مورقٌ مغدقْ
{3}
ــ يأسن الماءُ إذا الماءُ ركـــــدْ
هل على قلبيَ إثمٌ
إن أنا أجريتُ خيلي في رشَدْ؟
فأجيري غُــــرْبـــــَـةَ الــــرُّوحِ
فتصهالُ حنيني في مروج الروح زادٌ للجسدْ
وينادي: (إنما العاجزُ من لا يَــسْـتبِدّْ)
ـ أنا أعطيتكَ نفسي
لم يقيّدْني أحدْ
لم يصادرْ جسدي اليومَ أحدْ
لم يحاصرْ بلدي اليوم أحدْ
فإذا ما حاصر الأطفالَ والماءَ الثعابينُ
ولجـّوا في عتوّ،
ومشت أحذية الجند على الأشلاءِ
في صورَ وبيروتَ ونابلسَ وحاراتِ صفدْ
فاتخذني لك قُـــرطاً..
وحُساماً وزردْ.
{4}
(هدى) فوقَ شاطئ غــزَّةَ أرجوحةٌ نازفه
تُـــنْذرُ الجمْــــعَ بالعاصفــة
فدعْ زخرف القولِ
أبهى القصائدِ أسْــوِرَةٌ ناسفـــة
{5}
لكَ المجْــدُ يا قمراً في الفلكْ
لكَ المجْـــدُ يا من يُــــقاتِــــلُ في صَفّـِــهِ اليومَ ألفُ ملكْ
لكَ المجْــدُ يا من يوحّد بين الفريقينِ عند البلاء
ويا من يقاتل عنّا
ويمسح عن وجه أطفالنا الحُـــزْن إن نحن هنّا
فوحْدكَ تعرفُ كيف تردّ نصال العدى
وكيف تميّـــزُ بين عداتك والأولياء
{6}
تخـــرّ الأرائكُ
تصطكّ من خوفها الأعمدة
يعفّ لساني
ولكنها نفثة السيف في غمدِهِ
ضدَّ من أغمَــدَهْ
مخطئ من يشبّهكمْ بملوك الطوائفِ..
كلا، ملوكُ الطوائفِ أشرفُ من همّة القعدة
ملوك الطوائف ما عانقوا (الفردناند)
ولا زحفوا ركّعا نحو كرسيّــهِ
ولا شربوا معه دم إخوانهمْ
ولا قبلوا ساعةً من نهار
برعي الخنازيرِ
لكنكم قد شربتمْ
شربتمْ
شربتمْ
شربتمْ مع الشاربينَ دماءَ النبيين حتى الجمام
وصرتم عبيد الخنازير والقردة
يعفّ لساني
ولكنكم قد رهنتم سناني
وحبستمْ لساني
وإلا فمن ألجم الشعْبَ؟ من قيّـــــدَهْ؟
{7}
برانا الشَّــوقُ يا صوتا
ترقرق في مفاصلنا فأحياها
بإذن الله فائتلقت خلاياها
أيا ملكا تراوده الجبال الشم من ذهب
وحُــرّ العاجْ
فيرجع عنه محسوراً غثاءُ بريقها الوهَّاجْ
برانا الشوق يا من عانق المضطــرَّ والمحتاجْ
ويا من جُـنْــدُه في الليل رهبانُ
وفي الغمرات فرسانُ
يشوقهم إلى الفردوسِ
نورٌ قد تجلى ليلةَ المعراجْ
سلاما يا ندى المستضعفين
لقد وجدنا المنّ والسَّلوى
فلم نستبدل الأدنى
بما في القلب من بشرى الشهادة
والزمان قد استدار، فهذه أفواجْ
على أبواب مملكة السماء
أتت تبايعُ صوتك المجبولَ من عزم الصحابة
يا مليكا ما له من تاجْ
سوى التقوى
وأجنحة الملائك فجّرتْ نبع السكينة
في قلوب العاشقين
فعرسنا من (عرس قانا)
فاسقني يا من تنزّل في دمي وحيا
أيا قمراً سرى في البيدِ، يا شمساً
فلسطينيّــةَ الأبعادِ والرؤيا
وسوم: العدد 738