قلتُها في أوَّلِ يومٍ من أيام دخولي التاسعة والسّتين من عمري...
خطوي يجرجرني إلى سبعيني=ويثيرُ بي خوفاً من السّبعينِ
وتجولُ في ظنّي تجاربُ من مَضَوْا=فأرى خلاصةَ ما رأوْا تشجيني
مالتْ بيَ الدُّنيا، وكنتُ أُميلُها=وأُحسُّها تعدو لكي تطويني
زحفَتْ تهدِّدُ ضعفَ نفسي من غدي=فلعلّها عن فاطري تُقصيني
ما عدتُ ألقى من بقايا هِمَّتي=ما كانَ أمسِ بريقُهُ يُغريني
أسعى لنشرِ الحُبِّ سعيَ مُجاهِدٍ=فإذا المُحالُ أراهُ طوعَ يميني
هيهاتَ يوماً أن أكِلَّ وأنثني=هيهاتَ أرضى ساعةً بالدُّونِ
واليومَ؟ يا لليومِ والَهفـي لِما =قد صارَ عمَّا أبتغي يُلهيني!
السّمعُ قلَّ، ورؤيتي محدودةٌ=والعزمُ ليسَ بمنجدي، ومعيني
والأهلُ قد ملُّوا مقامي بينهمْ=وتضجَّروا من عِلَّتي، وأنيني
وحصادُ سعيي لمْ يعُدْ سبباً لِما=ألقى الذي أمَّلتُهُ يُغليني
والصَّحبُ شتّتهمْ زمانٌ لمْ يزلْ=للقائهمْ تحتَ الثَّرى يدعوني
أرنو أمامي لا أرى أثراً لهُمْ=إلاَّ مزيدَ تأسُّفي، وشجوني
وورائيَ السَّبعونَ يُلهبُ سَوْطُها=ظهري لأمضي نحوَ ما يُرديني
وأنا الذي عشرونُه رسمتْ لهُ=ما فوقَ كلِّ الظنِّ، والتّخمينِ
أعددتُ نفسي واستقمتُ لمطمحي=ومَضيتُ أهزأُ بالذي يَثنيني
أسعى لكلِّ النَّاسِ أُسعِدُ عيشَهُمْ=وعلى المَعارِضِ لا أُرى بضنينِ
هذا الذي رسمتهُ لي عشروني=ومضى الزَّمانُ بكلِّ ما يَعنيني
أهلُ الزَّمانِ تبدَّلتْ أخلاقُهمْ=فإذا بعيشِ النَّاسِ جِدُّ مُهينِ
ماذا أُحدِّثُ عن مهازلِ عالمٍ=أدنى مخازي أهلِهِ تُرديني!
ظلمٌ تجذَّرَ في نفوسٍ خِلتُها=يوماً بكلِّ مطامحي تأتيني
ومذاهبٌ شتّى تُصارِعُ بعضَهاو=وتظنُّ فُرقتَها من التّمدينِ
وتمسُّكٌ بمصالِحٍ لا تنتهي=حتَّى بسرقةِ لقمةِ المسكينِ
وغيابُ ما قد كانَ من قيمٍ بها=كنَّا أولي الأمجادِ، والتّمكينِ
فإذا بنا… واحسرتاهُ لِما بنا=باللهِ عمَّا نحنُ فيهِ دعوني
للسمعِ والإبصارِ ما تؤذى بهِ=صمتي، وتبياني لها يؤذيني
ورَجعتُ للقرآنِ أتلو آيَهُ=فرأيتُ في الآياتِ ما يُنجيني
خطوي!! أجلْ خطوي إلى السَّبعينِ=وأخالُ أمنَ العيشِ في السّبعينِ
فهيَ الوقارُ بما أنالتْ حِكمةً=ولحكمتي أهلُ النُّهى تُدنيني
النَّاسُ تُكبرُ ما أقولُ، وتنتهي=لمشورتي من غيرِ ما تبييني
فأنا بما قد عِشتُ من عِبرٍ أرى=إمَّا دَعوتُ أُجِبتُ بالتّأمينِ
فأعيشُ لا أخشى غدي فكفيلُهُ=ربٌّ إلى غفرانِه يدعوني
حسبي بأنّي ما شككتُ بعفوِهِ=وبهِ تعاظَمَ واطمأنَّ يقيني
لا أيُّها الوهمُ المراوِدُ أنفُساً=لِتُضِلَّها... أنا عِصمتي من ديني
فأنا بفضلِ اللهِ في سبعيني=أحيا بروحِ العشرِ، والعشرينِ
اللهُ أحياني إلى السَّبعينِ=كرماً، وآملُ منه للتسعينِ
فأنا علِمتُ بأنَّهُ لي فاطِرٌ=وعلى مدى الأيَّامِ كانَ مُعيني
ولكَمْ أفاضَ الرِّزقَ منهُ تكرُّماً=وازدادَ منهُ بمدِّهِ تطميني!
فاكتُبْ نجاتي يا إلهي رحمةً=إنْ لمْ يكُنْ عملي لها يكفيني
ألهمتني أدباً فعِشتُ أصونُهُ=فإذا بهِ دونَ الحصونِ حصوني
وبهِ التزمتُ بما قدرتُ أُعِفُّهُ=ولعِفَّتي لمْ ألقَ من يُقليني
فلكمْ إلى الآفاقِ طرتُ مبلِّغاً=أمراً إلى إبلاغِهِ تهديني!
ما قلتُ غيرَ الحقِّ فيهِ فقدرُهُ=لا شيءَ عنْ إعلائهِ يُغريني
والآن بتُّ أسيرُ للسبعينِ=يا طيبَ لطفِ بشائرِ السّبعينِ!
سربٌ من الأحفادِ حولي يغتدي=ويروحُ مغتبطاً لكي يُرضيني
في كلِّ وجهٍ قوَّةٌ أحيا بها=وتثيرُ في قلبي كُمونَ حنيني
فأعودُ كالأحفادِ أمرحُ لاهياً=لا شيءَ مثلَ سرورِهمْ يَجلوني
فأرى الحياةَ حبيبةً من أجلِهمْ=ولأجلِهمْ أهوى الذي يعروني
وبِدمعةٍ حرَّى أُنادي ضارعاً=يا ربِّ كن للأجيالِ خيرَ مُعينِ
وأعدْ بهم يا ربِّ عزَّةَ أمَّتي=وابعثْ بهم ذكرى "صلاح الدِّينِ"
هذا الذي إنْ مِتُّ قبلَ مجيئهِ=لأحِسُّهُ رغمَ البِلى يُحييني
حسبي بأنّي عشتُ للسبعينِ=مهما لقيتُ غداً من السَّبعينِ
إنَّ الذي أرجوهُ من سبعيني=قد فاقَ آمالي من العشرينِ