شرق القدْس .. غرب يافا

الإهداء

إلى أروى

وقد نذرتها، ربّ، لك فتقبل مني إنك أنت السميع العليم

وإلى دلال المغربي .. سناء محيدلي .. وفاء إدريس .. نضال ضراغمة.. آيات الأخرس.. دارين أبو عيشة.. عندليب خليل...

وكل الاستشهاديات اللواتي أضأن نجوما في ربوع فلسطين

سحْرُ عينيْكِ تحت ضوء القنابلْ

أين منْه لو أنْصَفوا سحْرُ بابِلْ؟

يا تراباً صلّى عليه النبيّونَ

وأضحى المسيحُ عنْه يُقاتلْ

كيف يبغي سواك شعري احتساباً؟

كلّ شعْر لِغيْر وجْهِك باطلْ

                               ح.أ.

نجوم في الأرض

موعد مع الموت

ساعة الموت تجلّيت أمامي

نجمة توقد في جوف الظلام

يهتدي من نورها قلبي الذي

ضلّ في الصحراء عاماً بعد عام

وبَساتينُ الرُّؤى تَسأَلُني

عنْكِ يا ورْدةَ شوْقِ متَنام

وحّد الموت خطانا..

مرّتين..

وألقى رحله

وسط خيامي

فلماذا البعدُ يجثو بيننا؟

وعلام الخوفُ يجتثّ قيامي؟

يأكل الجسمَ اللظى لكنّما

تصعد الروحُ إلى أعلى مقام

فأعينيني

امنحيني لحظةً

نور كفّيك..

نطرْ فوق الغمام

وافتحي دربي إلى القتل نجدْ

بَرَدَ الجنّة في حرّ الحسام

أيّ فوز يُبتغى أكبر من

فوز من مات شهيداً في اقتحام؟

فبراير/أبريل 2002

عرس في السّماء

الدّيك صاح فللصّباحِ

ألق تألق في البطاحِ

طلّقتُ بعدك كلّ شيء

وانطلقت إلى سلاحي

اليوم أغمس ريشتي

فيما تدفق من جراحي

وأقيم للشمس الوليدة..

عرس أحلام فساح

وغداً أقبلُ كلّ لَمّ

احٍ هدى سبل النجاح

من كلّ رشّاش ورم

حٍ قد تقدّس في الرماح

ما للقيود تشدّني

وتفلّ من عزمي المباح؟

وأنا أرى العذراء تع

بر كالصواعق كلّ ساح

وقوافل الشهداء ته

زأ بالعواصف والرياح

وتردّ باللحم الطريّ

رصاصة الغدر السفاح

من كلّ قانتةٍ غدت

كالشمس تزري بالملاح

خرجت تُزف إلى السما

ء وتمتطي الدم والأقاحي

وتخطّ من دمها الوصية:

حيّ، حيّ على الفلاح

توّجتُ عُمري بالشها

دة، فأنظروا: هذا وشاحي

جملته… هيّأتُه..

لترفّ ألوية الباح

إني بسطت لك الجنا

حَ فشدّ يا ربّي جناحي

عروس من الزّنج

( نهر النّيجر منتفضا )

راكدٌ يقطع الحياة ذهولا

بعدما أوسعوا يديه كبولا

يحتسي من قرارة الكأس أحزا

ن فتى تُلبس السليم نحولا

جفّ من ضرعه الرواء فأضحى

يكتسي روضه النضير ذبولا

يا إلهي! مرّت عليّ دهور

كنت فيها الفتى الأبيّ الجليلا

المطايا حولي فوارس نور

جعلت من إيمانها قنديلا

فجرّوا الأرض بالصلاح فسالت

بين قومي عيونها سلسبيلا

وأقاموا التوحيد صرحا منيرا

واستقاموا فحققوا المأمولا

وأنا الفارس المتوّج وحيا

منذ أضحى مُحَمّدٌ لي رسولا

الغداةَ الغداةَ ينتفضُ القلبُ..

فهيّا..لقد عرفتُ السبيلا

ليست القدسُ قطعةٌ من ترابٍ

بل هي الوحيُ مُنزلا تنزيلا

إنّ جوعي مقدّسٌ وِحصاري

صار عندي إلى المعالي دليلا

فاصنعوا ما بدا لكم: قيّدوني

واجعلوا سيفكم عليّ وكيلا

وارفعوا عني من أطايبكم ما

شئتمُ، وامنعوا الندى أن يسيلا

واشربوا دِجلةً إذا ما ظمئتمْ

وامنعوا النيل أن يغيث الحقولا

ما جديدٌ والله أن تستبيحوا

دجلة الخير أو تسمّوا النيلا

إنّ من يقتل النبيّين عدْواً

لا يرى قتل العالمين وبيلا

فاذبحوا في البلاد كلّ أبيّ

يحرسُ القدسَ أو يُفدّي الخليلا

لن تلاقوا منّا الذي يقْبل الهون

ولن تملكوا علينا سبيلا

ومضى يكْسر القيود، يُدوّي:

إن عزمي أعزّ من أن يدولا

سأصلّي وفي الجوانح عزمٌ

نبويّ يُرَدّ عني السيولا

وحده ينفض المذلّة عنه

جلّ من يرفض الحياة ذليلا

  على ضفاف نهر النيجر، الاثنين: 24/04/2002م

 

يا قُدْس

غوصي كسكّين على نبضاتي

يا غادتي، يا أنبل الصبوات

عبثاً أحاول أن أسدّ نوافذي

أو أن أصدَّ هواك عن ساحتي

ما « فوز عبّاس»؟

و« ليلى توبة»؟

إِن شقّ نورك أحلك الظلمات!

خمسون عاماً..

والحرائق في دمي..

كتوقّد النيران في الغابات..

حتّى تجلّي نور وجهك مصلتا

وهمي بهاء الحق في كلماتي

لم أعرف امرأةً تردّ مواجعي

جذلى، ويسري سرّها في ذاتي

لم يكتشفْ جسدي سواكِ ولا دمي

لم يغترف إلاك من آياتي

يا قدسُ...

يا وتري الحزينَ

ورايةً تعلو

إذا برزت

على الراياتِ

فتزيّني بدمي

لعلّي أحتفي بشهادتي

يا أعظم القرباتِ

نيامي الجمعة 19 أبريل 2002م.

المسيح يقاتل ...

سحرُ عينكِ…

تحت ضوءِ القنابلْ

أين منه-لو أنصفوا- سحر بابل!

أنتِ تاجُ الصِّبا..

وسرّ الجمالِ الظافر الحرّ..

أنت عطر الرسائل

نهضت تفتديك كلّ عروس

زانها الحسنُ، والتقى، والفضائل

تلك (دارين)..

تقذف الرعب فيهم

ووفاءٌ..

تفي بعهد الأوائل

ودلالٌ..

دَلُّ الإباءِ عليها

ونضالٌ..

بطش الغزاة تناضل

تلك آياتُ..

آيةٌ..

تتهاوى تحت إقدامها

شداد المعاقل

يا ترابا صلّى عليه النبيّون

وأضحى المسيح عنه يقاتلْ

وصلاة الرسول فيه نداء

أزليّ إلى السلام العادل

أنت سيفٌ يمشي عليه اقتراباً

كلّ شهْمٍ عن الدنيّة غافل

ربّ، قد قامت الكواعبُ تبغي

بسمة الطفل، وافترار السنابل

وترى في دمائها سُلّم النصر

وتسعى إليك سعي العنادل

لا ترى غير نور وجهك نوراً

فتباركت بكرة وأصائل

كيف نرجو سواك ربي احتساباً

كل شعر لغير وجهكَ باطل!

نيامي،  ماي/2002م / صفر 1423

IT IS LATE ...

صار وجه الصباح عندي جميلا

منذ أن جاءني شذاك رسولا

أحرفٌ أعجميّةٌ أعربت عن

كلماتٍ تفتّقتْ إنجيلا

صرتُ أصفى روحاً وأطيبَ نفساً

وهْي أهْدى رُشْداً وأقومُ قِيلا

وبساتين العشق تورق ظلا

يدرك الحائرون منه السبيلا

انهض الآن! مالنا اليوم عذراٌ

إِن أقمنا على الهوان ذهولا

أيّ دار سوى الشهادة نبغي

بعدما حوّلوا الديار طلولا؟

أيّ ورد غير الكرامة نرجو

بعدما غوّروا الندى السلسبيلا؟

أمعن الظالمون فيها فسادا

واستباحوا وأكثروا التقتيلا

فانهض الآن! أنت حرّ طليقٌ

واتخذ من قرآنك القنديلا

واجعل العزم منك سيفا إذا ما

حمل الحاكمون سيفا كليلا

شقّت القانتات درب فداء

وتقلّدن الصارم المسلولا

كيف يحلو من بعدهن قعوداً؟

كيف ترضى بمعصميك الكبولا؟

يا ابنة النور قد عرفت طريقي

فأعينيني أدرك المأمولا

إنني في مدائن الحمد أمشي

أذكر الله بكرة وأصيلا

فأطلّي عليّ كلّ صباحٍ

زنجبيلا.. وسوسناً.. ونخيلا..

الأربعاء فاتح ماي 2002م

شمْس دارين

لكِ ما يَروعُ من الجلالِ

ويَزين حُلل الجمالِ

الشمس تسفر من سفورك

تبتغي فلك الكمال

وإذا احتجبت.. فقد لمحتك

عبر سبحات الخيال

وإذا رضيت...

فأنت أعذب من أراجيح الظلال

وإذا غضبت..

فأنت زوبعة الدهور بلا جدال

حسناءُ،..

كم زرعت بأوردتي

يداك من اللآلي

شعراً تألق..

كانبثاق الفجر..

من خلق التلال

بالله زيديني..

تبارك وجه ربّك ذي الجلال

قولي: فهمتك..

أو فقولي: لست أفهمُ..

ما أبالي

سأظلّ أستهدي..

بنورك..

في لياليّ الطوال

هل تسمعين قصائدي؟

حسبي سماعك. من نوال

وبأنّ سجع حمائمي

في مسمعيك..

نشيد ( حالي)..

وبأنّ ضوء فرائدي

بك زان مملكة الخيال

حسناء..

كوني مثلما

عهدت مكارمنا الخوالي

كوني كصارم خولةٍ

ونسيبةٍ..

فخر المعالي

عذراءَ.. ليّنةً..

وتشرس في ميادين القتال

عزماتها أمضى

- إذا حمي الوطيس- من الرجال

يا (عندليب) الروح..

تنهض للشهادة في امتثال

يا شمس ( دراين) ارجمي

بالشهب أصنام الضلال

مُدّي يديك..

إلى ( سناءٍ)..

أو (وفاءٍ)..

أو (نضال)..

مهدُ المسيح دمٌ..

و(شاوولٌ)..

يعربد

في اختيال

لم لا؟

وقد نامت نواطير البلاد

عن الدوالي

وحمائم الأقصى تئنّ..

وتشتكي ظلم الليالي

والحاكمون..

النائمون..

عن المكارم في انشغال

قد أوصدوا درب الجهاد..

فضيّعوا سبل المعالي..

لمن البنود الخافقات...

على السهول..

وفي الجبال؟

لمن الفيالق؟

والبيارق؟

والبنادق؟

والعوالي؟

صدئتْ نفوسهمُ

فكيف تصيح ألسنة النصال؟

وأعزّ منهمْ ساعة الإعصار..

ربّات الحجال

يا أخت هارون انهضي..

تفديك أرواحٌ غوال

أطفالك الشهبُ الصواعقُ

عند أحداث ثقال

ولأنت سيّدة الزمان

فجدّدي الهمم البوالي

واستبشري فدم الشهادة

لن يضيع بأيّ حال

وجدة في 5 ماي 2002م.

إشارة : حالي، هو الشاعر الهندي المسلم خواجة محمد ألطاف حالي، المولود عام 1837 بإقليم البنجاب الشرقي، من دواوينه: ( حياة جاويد)، أي: الحياة  الخالدة

تبتيل في حدائق خَولة المرابطة

أيّ مهر يليق بالحسناء

وقد استرخصتْ زكيّ الدماء

لم يشقها إيوان كسرى ولا ما

خبّأتهُ قصور ماء السماء

وقّعت عندليب..

من جسمها الغضّ عناء..

أعظمْ به من غناء

كتبت..

في سفر البطولة فصلا

قبسته أقلامها من حراء

لم تُخَذّل إباءها بقنوط

لم تُكحّل جفونها ببكاء

وعلى درب خولة

ركضت ترجو لقاء المحبوب

خيل الفداء

(فسناءٌ)..

بألف ألف سناء

(ووفاءٌ)..

بألف ألف وفاء

يا محاريب القدس:

طوفي على الناس

وقومي فيهم بطيب النداء

ليس إثما..

إن تاه طفلك فخرا

ومشى بين الناس في خيلاء

أو لم يجعل الحجارة نارا؟

أو لم يكسر الكبراء؟

أو ما ودّعته..

أمّ رؤومٌ

وهي ما بين خشية ورجاء؟

لا تعُدْ لي. بُنيّ..

إلا وقدْ قرّبت للأرض..

رحمةً في السماء

لا تعُدْ لي..

إلا وأنت شهيدٌ

أين أبهى من خلعة الشهداء؟

يا صبايا الخليل

أنتنّ مسّحتُنّ

بِالحلْم أدمعَ الخنساء

وجعلتنّ النخل أرفع قدراً

ومنحتُنّ الأمن للعذراء

ودفنتنّ وعْدَ كلّ مراء

وصرختنّ صرخة الكبرياء

جنّ من وقعها العدوّ وأمسى

موهن العزم..

خائر الأعضاء

وتهاوى إلى كنيسة مهدٍ

وهو يدعو...

ولات حين دعاء

يا صبايا الخليل..

قد بيّن الصبحُ..

وسائل اللجين في الصحراء

واستدار الزمان..

من بعد إخلادٍ..

ونادى: يا ليلة الإسراء

        واستهلّ البهاء غضّاً..

ولولاكنّ......

لم ندر ما ثياب البهاء

يا بساتين خولة

أطعمينا..

أطعمينا من صولة الكبرياء

وأطلّي بالله كلّ صباحٍ

نقتبسْ من جبينك الوضّاء

أنت علّمتنا بأنّ سبيل النصر:

حرفٌ صلّى، وسيفٌ فدائي

فأفيضي على مساكين إيليّاء..

فجراً بالعهدة الفيحاء

ماي 2002م.

شرق القدس غرب يافا

باب المغاربة

يغازل روحَك

ضوءُ الشُّعاع الذي جاء من طبريّةَ

يحمل همّ الصبايا اللواتي

تَيَتَّمْنَ قبل الغروب

وحُزنُ البحيرة في شفتيه

وأحلامُ عاشقةٍ

نقضت غزلها

أملا في انبثاقة فجر الحبيب

وفوق ملابسه دمُ عيّاشَ

مستنهضاً هِمماً..

غادرت عشّها من زمان بعيد... بعيد...

ثم مسّ حوافرها

في الطريق اللغوب

يهندس عيّاشُ أحلام جولته المقبلة

يمرّ خفيفا كطيف الأماسي

يمرّ شفيفا كعزم الرواسي

يؤثث بيت الذين سيأتون

مثل قناديل تستبق المرحلة

تمرّ فوارسه تحت قبّعة الجندِ..

بين لهيب بنادقهم

يوم لا يسبتون..

ترافق سورة يس رحلتهم خطوة...خطوةً...

ويسترقون الخطى

قبل أن تأتي الجلجلة

يخبئ عيّاشُ

في كفّ طفلته دميةً/قنبلة

تبشّر بالزلزلة

يباكر صوتُ الغزالة صمتَك:

-هل من قصيدٍ جديد؟

أقول لها والفؤاد العميد

يجوس خلال الديار

ويسأل هل من مزيد:

-عمي، يا صباحي، صباحاً

عبيرُكِ للقلب أجملُ عيد

وأحلى قصيد

فلا تمنعيني أريج الصلاة

ولا تحرميني..

مقام الشهيد

يسافر قلبي

إلى صبوات فلسطين

يهتف بي: إن يكن قدّر الله فوزك فالحقْ بنا

إنّ باب المغاربة اليوم يسأل عنك

وعن صبوات الحجيج

إذا عبر الفلْكُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ للقدس

يسأل عن شوقهمْ

للشهادة فوق تراب فلسطينَ.

يهتف بي وهْو تحت الحصار المضاعف:

هذا أبوك يودّع أرضَ سجلماسّةٍ

           كي يعانق أرض الرباط المباركِ

هذا أبوك يرابط-من عهد بلفور- في القدس

نادتك ذكراه: إنّك من شجرٍ ينتمي للنبوّة،

كنْ أول الداخلين إلى القدسِ،

                   كن أول الفاتحين

فريحك يا ولدي بالندى مرسلة

وصوتك بشّر بالفتح والزلزلة

هو الآن لا يسأل الأفق عن نجمِهِ

ولا يسأل النّجم عن موعدٍ ليس يأتي

فموعده أن يقبّل هذا الحجرْ

وأن يعبر الموت مثل الشهابِ

لكي يستحمّ مع الشهداء بنهر الخلود

وكي يستريح على ساعدٍ منتظر

يعْبرون خفافا

يعبرون إلى الصلوات خفافا

شرقهمْ صبوة القدس للصبحِ

غربهمُ صدر يافا

إنّهم يعبرون إلى جنّة الخلد

لا خوف.. لا حزن يسكنهم

جرحهمْ مشرقٌ

يتنوّر من شرفات المدينةٍ

                             منزلة الشهداء

فيستبشرون بمن خلفهم

يلثمون تراب فلسطين

يتخذون التراب فراشا

ويتخذون نداء السماء لحافا

يبصرون دم العُهدة العُمريّة مستصْرخاً

فيلبّون صرخته بالدعاء:

قسماً، سنقاتل دونك حتّى انفراد السوالف

وحتّى تعود إلى القدس أحلامها

والحمام المهاجر...

الشعراء..

يدخلون- كما دخلوا البيت أوّل مرّه-

ينسجون من الشوق

للشهداء الذين يعودون أكفانهم

ويُعِدّون للأمر أمره

ينشدون مع الصبْية الغاضبين:

( انتفاضتنا مستمرّة

إلى أن تعود لنا القدس حرّة)

ويزهرَ في قلب يافا المجرّحِ

من بعد غربته البرتقالْ

ينادي الفدائيَّ: يا ولدي العربيّ تعالْ

نُعِدْ للأذان وقرع النواقيس فيها النضارة

يكتبون قصائدهم بالحجارة

يرفعون سواعدهم

للذين يجيئون من خلفهم أملاً ومنارة

يصلون حجارتهم-

حين ينأى العدوّ الخطى

والصدور مهيّأةٌ لعبير الشهادة طوعاً

ووجه العدوّ المدجّج بالحقد خائفْ

يُرقلون إلى الموتِ...

لا، بل إلى الخلد..

إرقالَ عاشقةٍ شاقها الوجْدُ

يستبقون أعنّتهم والقذائف

يُقْبِلون على ربّهم ركّعاً سُجّدا

يرحلون إلى دمهم ضاحكين

ويستعذبون كؤوس الردى

لكي تشرق الشمس..

فوق قباب فلسطين..

فوق مساجدها..

وكنائسها..

وليأمن في بيته كلّ خائف.

حوار مع

PETERASBJORNSEN *

تُهيّء شَمْسَك في لحظة الصّحْوِ

تبحر شرقاً إلى ملكوت الجمال المبلّل

في أوجه القرويّات من سُبُحات السحر

وتسرق، مثل برومثيوس، من شُرُفات القمرْ

قناديل مُورقةً ناعمة

تستحمّ بأندائها الكلمات التي وقّعتها

أنامل من هتفتْ بك في ليل غربتها الفاغمة:

( ألا انهض، صغيري المدلّل

أمّك خائفةٌ، فهي في البيت مفردةٌ

ترقب الشمس

إني سأغضب إن لم تبادر إليّ

لتمسح خوف دمي.. وغبار السفر

سأحرم سمعك نبض حناني

بيومك هذا..

سأغلق دون هواك الطريق

لتنهشك الوحدة الآثمة

صغيري ارفع الحزن عنّي

وعن صبوات الوتر

لئلا أقول لشدو المساءات: جُنّ حبيبي

إن صمتك يحزنني

ويحزنني أن أراك حزينا

وأكره الحزن.،

فارفع إذن إصره اليوم عني

وبشّر مساكين قومك بالفرح المنتظر)

أقول لها: إنّ حبّك منفاي

حبّك حصني

وآياتك الخضر عن ألمي غرّبتني

ولن يتسلّل يوما إلى القلب

من بعد يومك هذا

سوى ما يضيء

لشعبي السبيل

عبيرُكِ حين يصافحُ قلبي المحاصَر

يمنحه باسقات النخيل

ويمنحني فرصةً كي أفكّ

شتاء الحصار الطويل

إنّهم يدفعون إباء العروبة مهرا

لهذا السلام الهزيل

يُسطّر أحرفَه وعدُ شارون..

لا تفعلوا ويحكمْ

سوف يعرضكم في المزاد

بأسواق نيّويورك:

( كان هنالك شعب وباد..)

صديقي المهاجر في ملكوت الأساطير

هيّأتَ شمسَك، فانعم بما منحتْك أطايبها

فأنا يا صديقي المولّهَ

أعددت شمساً متوَّجةً بربيع المطر

إنها القدسُ،

شمسي التي باركتها خطى الأنبياء

ويافا القمر

[1]-  PETER ASBJORNSEN كاتب نرويجي( 1812-1885)، عرف بجمع الحكايات والأساطير الشعبية وتدوينها واستثمارها في كتاباته، وأجرى الحوار على ألسنة الفلاحين والبسطاء من أعماله: شرق الشمس.. غرب القمر.)

الدُّرّة

يَسْطُرون على بابة القدسِ: دُرّة

وردةٌ من دمٍ

وهبت لهديل الحمام مع الفجر سرّه

وردة في تبتّلها المستقرّ

تحتفي بالحجر

تختفي كالشهاب

وراء غمام الأبوّة حينا

لترجع مؤذنة بالظفر

وردةٌ من عذاب الطفولة

تعبرُ جسرَ الحُسين

وتقرأ سورة يس

أو ما تيسر منها

فلا يبصر الجندُ نور المحلّق فوق

الرؤوس

يُلوّح للعائدين إلى الموعد المنتظر

ويستوطن القدسَ

ها أنت يا ولدي تحتمي بجناح أبيك

ونحن هنا نحتمي من عجزنا المرّ

من خوفنا المستعر

ومن يأسنا المتطاول دهراً طويلا

ومن سيفنا المنكسر

وها أنت يا ولدي تحتمي بجناح أبيك

ونحن هنا

نحتمي بك من همزات ملوك الطوائف

وألف شهيدٍ يُلَوِّحُ:

أقبل إلينا، مُحمّدُ، أقبلْ علينا

وألف مَلَكْ

أما والدي، يا محمّدُ، قد عدّلكْ

فطلعت شهاباً مبيناً بهذا الفلَكْ

أما والذي يا محمّدُ قد أرسلكْ

وأوحى إِليك

لتوقظ آمالنا

وتُشيّع آلامنا

وتؤثّث بالقدس رغم الأعاصير مستقبلك

نحن لن ننحني أبداً

لن نبيع احتماءكَ

خوفكَ..

صبركَ..

صرخةَ صمتك في وجهنا

لن نُسلّم للغاصبين نشيدك

وقّعه دمك الغضّ

لا، لن نُسلّمهم منصلك

لن نسامح

من برصاص الخطيئة قد جدّلك

سوف نكتب أسماءهم واحداً واحداً

وسنحفر في صخرة الموت

أوصافهم واحداً واحداً

ولن يطمئنّوا إلى حلمهم أبداً

لن يمُرّوا إلى بقعةٍ هي لك

سنجرّد سوط عذابٍ عليهمْ

ولن نسلم الشهداء الأحبّة

لا يا محمّدُ، لن نخذلك.

إيمان

الشظايا التي اخترقت صدرها الغضّ

تشهد أن الكواسر لن تستحيل حماما

وأن الطواغيت لا يفهمون الدموع

                             ولا يعرفون الحراما

الشظايا التي نفذت في صباح الطفولة عدْواً

إلى صدر إيمانَ

تشهد أن سكون العواصفِ

يحمل-حتّى مع الصمت- في مقلتيه ضراما

الرصاص الذي راح يغتال وجه البراءة

يعلن أن هدوء العواصف ليس سلاما

وأن السلام المؤقت لا يطعم الجائعين

ولا يمنح الناس أمناً

ولا يستطيع-إذا غضب الناقمون كلاما

والديار التي صدرها احتضن المبعدين إلى أجلٍ

ثمّ أضحت-وقد جرّد الليل أسياف غدرٍ ركاما

سوف تطلع أزرار أطلالها الخاشعات

شهابا يشقّ البحار

ويدحر رغم الزمان العسيرِ الظلاما

طفْل القُدس

يخرج طفلُ القدسِ من حجرتهِ

                     مدججاً بحلمه الجميلْ

إنّ فلسطين بلادي..

نهرَها.. وبحرَها..

والتينَ والزيتونَ

والدُّرَّاقَ وابتسامةَ الترابِ في الأصيل

قال له شاوولْ:

ليس بهذه الربوع غير إسرائيلْ

في كتب التاريخ كان بلدٌ

يُسْمى فلسطينَ،

ولكنْ في كتب الجغرافيا

         لم يرد اسمها، فلا تحلمِ بمستحيل

وقال طفلُ القدس: يا معلّمي

كانت لنا بيّارةٌ خضراءُ في الخليلْ

ومنزلٌ أثيلْ

في قلب حيفا، يحتمي الهديلْ

بظلِّه الظليلْ

قال أبي: إنّ فلسطين التي نعرفها

ليست بقايا من خِوان سائغٍ

يعدّ في أوسلو وفي مدريدْ

لكنّه ميراثنا التليدْ

بلادي فلسطين

يُجَنّ جنون اليهوديّ

حين يردّد في المعهد الأمريكي طفل:

بلادي فلسطين

تمتدّ من عبق العهدة العمريّة

وهي تحرر مسرى النبيّ

تدك جحافل جالوت دكا

وتملأ قلب المساكين أمناً وحباً

إلى صلوات ابن أيّوبَ في الليل

وهو يُؤمّنُ بالحبّ أسوار عكّا

وأحلام قلب الأسد

يردد طفل،

وهو يخرج من تحت أنقاضه:

عندما أطلعت هذه الأرض أشواقها

كنت سنبلة في الجليل

عندما أنزل الله آياته

كنت زهرة نور مباركة من وصايا الكليم

وصفح المسيح

وهدي الخليل

عندما أشرق النور من أرض مكّة

أشربت نفسي سناه

وهيّأته لانطلاقتها في الأبد

إنّني شبل هذا البلد

وما كنت يوما لأترك راشيل

تسكن بيسان أبناءها

وتخلّفني في مهب الرياح

مهيض الجناح، عليل الكبد

ذليلا.. عليلا.. قليلا.. أسير الإرادة

أنا لم أسلّم يوما بأسطورة الغاز..

لن أتعلّم تقبيلَ كفِّ الغزاة

ولن أتحصّن إلا بحبِّ الشهادة

يجنّ جنونُ اليهوديّ حين يُردّد طفلٌ

على مسمعٍ من بنادقهمْ:

إنّ أرضيَ تمتدّ من عبق النهر شرقاً

إلى زبَدِ البحْرِ غرباً

ومن صولة الخاشعينَ إلى عزم عيّاشَ،

من دمعة الصبر في جفن زينبَ حتّى انتفاضة (دراينَ)

من نهر طالوت يشهد بالصبر للفاتحين

إلى ملكوت (وفاء)

وتسبيحة وقّعتها (دلال)

وترنيمة الفتح يرسلها للسماء

صلاة إلى الله عزم (سناء)

رسالة إلى  الإمام البوصيري

ماذا أصاب فؤاد الصبّ من ألم

وما تأَوَّبَه في الليل من سقم؟

أمن تذكّر جيرانٍ وقد نزحوا

مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

والشوق يقطع أحيانا بصاحبه

حبل الرجاء وإن تفطمه ينفطم

أم هبّت الريح تشكو ليل غربتها

والبغي يعبث في حلّ وفي حرم

والناس من أمرهم في حيرةٍ عظمت

كأنّهم صنمٌ يجثو على صنم

لم يدركوا قَبَساً يهدي مراكبهم

ومن يزغ عن سبيل الحقّ ينهدم

يا سيّدي دُلّني فالنار مستعرٌ

أوارها وفؤادي للضياء ظمي

ماذا تخبّئ يا إمامْ؟

ماذا تخبئ يا إمامْ؟

أسَقى جوانحك الغرام

فأنت تلتمس المقام

ومضت عيون الصبّ تستبق الندى

أسكنتَ روحك ما تحدّر من شآبيب الغمام

وطفاءَ واكفةً بأربعة سجام

أمْ أنّ جوفَ الليلِ خبّأ وحشة الأيّامِ

                       في عينيكَ منْ قبْل الفطامْ

فأتيتَ أمّك تستجير بها،

تُروّي ذاتك العطشى،

                       وتطفئ ما تقادم من ضرام

- يا أمّ، إنّ البردَ يلسعني

فضُمّيني إليكِ،

وضمّدي جرحي الذي نكأ الأحبّةُ

آه يا أمّي أحنُ إليكِ،

محتاجٌ دمي لشذاك

ضُميني

   أعينيني

        -   فديتكَ! من سيدفع يا صغيري وحْشتي إلاك؟

أَقْبلْ.. هاك صدري.. إنّه مثواك يا طفلي المدلّلَ

هاك صدري يا صغيري..

                              إنّه عشّ الحمام

وأنا، وحقّكَ، طفلةٌ

محتاجةٌ لكَ فارْوِ بُستاني..

وأوقد شمعتي الخضراء في جوف الظلام

قد أطفأوا من دوننا المصباحَ، يا طفلي..

                 أعنّي أنتَ، ما أقسى الظلامْ

والنفسُ غُرْبَتُها تُجرّحُ ما تبقّى…

                        آه ما أقسى الظلام!

ماذا تُخبّئ يا إمامْ؟

ماذا تُخبّئ يا إمامْ؟

ها أنت تذهل عن حياضكَ بعدما جفّ الكلامْ

وارتدّ في يدك الحسامْ

شفةً تقبّل كلّ همّازٍ ولَمّازٍ،ٍ

                              وتصدأ في الزحام

ها أنت تذهل عن ديارك..

                  لا أغاريد الحمامْ

تُصبي، ولا في حضرة المحبوبِ تسبيك المدامْ

أيهدّك العشق العظيمُ؟

وكان- قبلُ- هداية المجنون..

في تلك المفاوز..

                        كان سرّ المدلجين إلى المقام.

أوَ هَدّك العشق المبارك يا إمام

فغدوت كالقناديل تحت الريح..

                                    يجفوه المنام؟

أم سلّت الأحلامُ دونك سيفَها..

واستصحبتك الطارقاتُ فأنت تُسْلمها الزمام؟

يا سيّدي!

إنّي وقفت بدار من أهوى

ومن سكنت رحابكَ،

واستظلّت بالهوى العذريّ

واعتصمت بصمتٍ..

كم يُجلجل في عروقي كالعبابْ

ألقيتُ من تعبي عصا الترحال في أعتابها

وهتفتُ: فاز من استجار بمن يجير

وضلّ من عن دربه انحرفت سفينته وخابْ

قد جئت بابكِ، يا غزالةُ، ساعة الموتِ..

اسْتَظَلّ بصمتك الزاهي فؤادٌ كم تَعاوره اضطرابْ

وبكيتُ حين بكيتِ.. ساعاتِ..

وهل يجدي التحسّر والبكاءُ؟

                  وهل سيرجع من توارى في الترابْ؟

ثمّ اتفقنا أن نودّع زفرةً ثكلى

ونترك دارة الأحزان في أحزانها

                        مهجورة الأقطار، خاشعة الثيابْ

لا حزن بعد اليوم يا طفلي المدلّلَ،

                         لا دموع تئنّ من وقع الغيابْ

لا زفرة تئد الأماني في الذهابِ.. وفي الإيابْ

لا حزن بعد اليوم

فالأشواق تدعونا

إلى أن نفتح الشباك للرؤيا

                         ونرحل في هوانا المستطابْ

( حتى يكون هواه) وجهتنا، وموئلنا،

وركن الذائدين عن الديارِ،

اللائذين برازق الأسماك في لجج البحارِ،

الهاربين من الخراب المُرٍّ في زمن الخرابْ

قولي إذن: ( لا) إنّها فصل الخطابْ

وبداية التوحيد.. نورُ التاج في أمّ الكتابْ

( لا) أوّل الطرقات للرؤيا الفسيحة:

( قال لا يأتيكما…)

( لا) جلجلت في الطورِ..

فاندكّت لوقعتها الجبالِ..

وخرّ موسى.. ثم آبْ..

سنقول ملء شفاهنا للخسف: ( لا)

لا!

لا!

                سنرسم ضوءها الوهّاج في أبهى كتابْ

في كلّ محبرةٍ.. وفاصلةٍ.. وبابْ..

سنُعلم الصبيان أن خلاصنا

                      ممّا نلاقي من عذاب

في قول: ( لا)

حتّى وإن صبّت علينا من أفانين العذابْ

وسقت هوانا كأس صابْ

سنلقّن الأطيار والأشجارَ

والأسماك والأفلاكَ

أن تتلو: ( ألستُ بربّكم؟ قالوا: بلى)

وليشهدوا:

أنْ ( لا) إله سوى الذي

                        أجرى بقدرته السحابْ

ماذا تخبّئ يا إمام؟

ماذا تخبّئ يا إمام؟

أترى سقاك العشق جامَهْ

فشربتَ.. ثُمّ شربتَ من لهفٍ جِمامهْ

أم أن أحبار اليهود تجمّعوا

كالأفعوان على مشارف بيتكِ المنكوبِ

                          يبغون اقتحامه؟

طال الحصار، ليُغرقوا..

ويفرّقوا من كيدهمْ جمع السّلامة

يا سيّدي!

جاءتك رايات الصليبِ

يظاهرون عليك أعداء السلامْ

لم لا تؤرقك الطوارق يا إمام؟

لم لا تجرّد سيفك النبويّ

في وجه الطغاة الجاثمين على الأنام؟

المانعين الخلق من حمل الحسام

في وجه من سفكوا بلا حرج زكيّ دمائنا

الغاصبين ندى النجوم بأرضنا وسمائنا

المسرعين متى استطاعوا للخنا

الموضعين خلالنا

يبغون فتنتنا، خفافيش الظلام

المقبلين على الحرام.

ماذا تخبئه الطوارئ يا إمام؟

ماذا تخبّئ صولة الأيّام للمستضعفينْ

وقد استطال عليهم الأحلافُ والأحزابُ،

                            في البلد المكينْ

لم يبق غير العشق سيفاَ

                 والعروس ذرى الشهادة

الموت-جلّ الموت- أصبح كالولادة

وعرائس القدس الجريح

يمسْن من شوقٍ إلى حوض القيامة

فلتصدح الأيّامُ،

كم في أرضنا المعطاء من ليلى

بما ملكت تجودُ..

لتشتري ما في الجنانِ..

                           وكم أسامةْ

ماذا سنذكر يا إمام

ممّا نلاقي من مآسينا العظام؟

        مازالت الغبراء تنهش لحمنا

وتمصّ عزّتنا التي هجرت تضاريس العظامْ

ودمُ البسوسِ يصدّ عن خطواتنا سُبُلَ السلامْ

هذا شقيقٌ قد أتانا عارضاً لهبَ الحسامْ

وبنو أبيه فيهمُ

قُضُبٌ تقُدّ لدى المعارك كلّ هام

وتدقّ أعناق المرازبة الجحاجحة الكرام

فإذا تبدّت في الظلام

أعلام قيصر، أغمدوا أسيافهم

وسعوا إلى أعتابهِ

يتبركون بما تناثر من هباء ترابهِ

ويسابقون ظلالهم

للبيتِ الاَبيض، يبتغون لديه أوسمة الرضا

                          ويقبّلون يد الهمام

ويجردون على القرابة حدّ سيف الانتقام

ماذا سأذكر يا إمام

من بعد ما جفّ اللسانُ

وطاف بي فصل الختام؟

إنّي نذرتُ دمي لطيفِ غزالتي

تلك التي وهبت

لأعراس الشهادةِ ظلّها الزاهي

وعانقت السوابق للمنيّة بابتسام.

28 صفر 1423- 1 ماي 2002.

         

موّالُ الجُرحِ الفلسْطِيني

نعمْ...

نعمْ...

نعمْ...

يبْيَضُّ من نشوته المداد في محابري

ويصْدح الموّال في دفاتري

ويورق النّغَمْ

نعمْ..

نعمْ..

نعمْ..

وتزهر الفرحة في التلالِ

          والسهول والجبالِ

                   والسفوح والقممْ

ويكبر الشّممْ

على جبين النسرِ،

                 رغم جرحه الموّارِ،

                            رغم سطوة العدمْ

نعم...

نعم...

نعمْ...

تهلّل الفرحةُ في الأحداقْ

تخضّر من بهجتها الأشواقْ

في صبوة الأطفالِ، ينزفون في الخليلِ.. في العراقْ..

ويسكن العيد دم الأجنّة

رغم الحراب السود والأسنّة

حبيبتي تخرج من معتقل الأحزانْ

تمنحني إكسير حبّ هاربٍ

                          من قبضة السجّانْ

تقول وهْي ترفع العلَمْ:

أقسمتُ بالله الذي علّم بالقلمْ

وأخرج الخبء من الأرضِ،

                   وأحيا ميّت الرممْ

سندحر الألمْ

       ولن يضيع دمْ

سنصنع التاريخ من جديدْ

ليعلو النشيدْ

ويصدح الإنسانْ

بالنصر في اللدّ..

          وفي الرملة والخليل..

في القدس.. في يافا.. وعسقلانْ

نعم..

نعم..

نعمْ..

سوف نردّ جحفل البغي على أعقابه

ونقْلبُ الظلم على أصحابه

ونطرد الظُّلمَ

جالوتُ لن يقهرنا

بكلّ ما أوتي من عتادْ

وكلّ ما يملك من عنادْ

وكلّ ما يحمل من حقدٍ ومن نقَمْ

ففارس القرآن

عاد متوّجا إلى أحبابه

                 في حلل الإيمانْ

يمنحني من حبّه قلادة:

درباً إلى حدائق الشهادة

لندخل القدس بلا استئذان

ونرفع الأذان.

ماي 2002.

لنحترق

من بعيدْ..

لوّحي من بعيدْ..

لحبيبك كي يهتدي للجزيرةِ،

            فهْو بدونك أرجوحةٌ من ورقْ

لوّحي من بعيدْ

واصدحي بالنشيدْ

كي يزور شراعي ضفافكِ.

لا تركبي البحرَ.

إنّي أخاف عليك الغرقْ

بلّلي قدميكِ

إذا شئت من موجه

واعبثي بحصى الرمل في شطّه

واجعليه ربوع ندى

تتزيّن بالحبّ..

والدفء..

                 والفرحة الوارفةْ

بلّلي شفتيّ

بندى وحيك العبقريّ

يتدفّقْ بروضتها نهَرٌ من نغمْ

يتألّق ما بين (لا) و(نعم)

نورُ هذا الصباحِ

يترقرق من شفتيكِ،

يؤسّس في الروحِ مملكةً للعبير،

                        ويرفو جراحي

يُزمّل في لحظتين اثنتين دمي

ويعود إليكِ نشيداً بهيّ الوشاحِ

فأرحل نحو ضفافك مشتعلا بالحنين

ومشتملا ببريق جنوني

ومنتعلا صبوتي ورواء جناحي

لوّحي من بعيد..

لقلب حبيبك..

واقتربي خطوتينِ اثنتينِ..

ولا تلبثي في ذهولك صامتة واجفة

جاءني صوتك الآن مزدهياً بالبشائرِ

يحمل لي من وراء الأفُق

بسمةً.. وعبيراً عبقْ.

إنّ دمعك دَرّ فَوَفّى عصوراً

وشاد مدائن حزنٍ بأقطار روحي

تطير كسرب القطا نحو أمدائهن خفافا

                     وأسكنني دون قصدٍ ديار القلقْ

فابسمي الآن..

هذا أوان انطلاق الشذا

ابسمي كي تعانقَنا الفرحةُ المَقدِسيّةُ

كي يُزهرَ البرتقال بأعطاف يافا

                         وتضيء بحيفا عروق الحبقْ

ابسمي كي يلين الحديدُ

             وتشرقَ شمس الأذان بكل الحَدَقْ

ابسمي كي يبرعمَ نَوْرُ الشهادة في الخافقين..

امسحي الحزنَ عن مقلتيكِ..

امنحينا من العزم والحزم شيئاً قليلا

نُعِدْ لعصافيرنا في الجليل

ندى الكبرياءِ

وسحر الغناءِ

وسرّ الألقْ

إنّني أتنوّرُ وجهك من أعصرٍ

كقميص ابنِ يعقوبَ..

يبسم لي تارةً..

ويُحذّرني تارة من خبايا الطُّرُقْ

أنتِ علّمتنا كيف نستلّ من ظلمة الليلِ

ألفَ يراعٍ خضِلْ

وألفَ شعاعٍ وظلّْ

ومن بطشة اليأس نطرز خيطَ أملْ

تتدفق أنهاره في المقَلْ

أنتِ علّمتنا كيف ندْحر حزن الخطايا

ونغفر إثم البرايا

ونصفح- إن نحن عدنا إلى الدار- حتّى عن المرجفين

وعلّمتنا كيف نكشف سرّ العطايا

ونخترق الحُجْبَ حتّى نلامس ما قد تجلّى

على السائرين إلى النور

                           من نور ربّ الفلقْ.

يتحدّر صوتك نحوي بهيّاً نديّاً

كحلم جميلٍ تحدّر من دمعةٍ في الأفُقْ:

حجَرُ القدْسِ..

يصبحُ في كفّ طفلي المباركِ

                             دبّابة تخترق

ما أقاموا من الجُدُر الهمجيةِ

يهْدم أصنامهم

ويؤثث مستقبل القدس من وعده الحقّ

ينتفض الآن طفلي المباركُ

لا عذر للقاعدينَ

فأرسلْ نشيدكَ

هيئ- إذا شئت حبّي- وريدكَ

                          يا فرحة الروح.. ولننطلقْ

يا حبيبي المتوّجَ بالشَّوقِ حتّى الجنونِ

                 لن يضيء الطريق إذا نحن لم نحترقْ

يا نجي الصباحات..

               يا فرحة الروح..

                                  فلنحترق ..

فلنحترق ..

فلنحترق .

وجدة في 2 ربيع الأول 1423 /  15 ماي 2002

وسوم: العدد 737