هوامش :
لُهاها : هداياها وجمائلها . نعاهـا : أخبر بمجافاتها . الباقيات : الأعمال الصالحات . اليعبوب : الفرس السريع . دانت : اقتربتْ . البخت : الحظ ، والنصيب . المعرقات : ذات الأصل والعلو والمكانة . لُهاها : هباتها وعطاياها .
أيُّ ثاوٍ غفا ، وعافَ سناها = ولِسُقْمٍ في النَّفسِ ما زكَّاهـا
الليالي ، والمستهامون كُثْرٌ = ماتناسوا نوالَهـا ولُهاها (1)
أوْ طَوتْهم غلائلُ التِّيهِ لهـوًا = وانتكاسًا فلم يُجِرْهُم صداهـا
هو ذا الصَّوتُ من غيوبٍ أتاهم = فأشاحتْ نفوسُهم إذْ أتاهـا
فَتَرَدَّتْ ، وما سعتْ لمقامٍ = فالخساراتُ : فَقْدُ طيبِ شذاها
ونفوسٌ قد آمنتْ ، وتزكَّتْ = مسرعاتٍ تُجاهَ شذوِ جَنَاهـا
إنَّمـا النَّفسُ بالمآثرِ ترقى = حيثُ تسمو في العالمين رؤاهـا
وَهبَتْ نهجَها لكلِّ تقيٍّ = قد زكـا قلبًا طاهرًا أوَّاهـا
في مغاني الشهر الوريفِ بعفْوٍ = يَتَثَنَّى فؤادُه تَيَّـاها
أكرمَ اللهُ الصَّائمين بكأسٍ = آثروهـا ، وزادَهم أحلاهـا
يوم حشرِ الأنامِ والظَّمأُ استشرى ... = ... فناجٍ بصومِه مَن أتاهـا
عاشَ في الدنيا للِّقاءِ مشوقًا = لم يزدْهُ العناءُ إلا صَفَاهـا
إنَّها جنَّةُ الخلودِ لنفسٍ = بالمثاني وبالتُّقَى زكَّاهـا
إنَّهـا اليومَ قد تقبَّلَهـا اللهُ ... = ... فبشرى لهـا بمـا أولاهـا
بوركتْ نفسٌ ماسَفَتْها المعاصي = إذْ أشاحتْ بالوعيِ عن أدناهـا
فرعاها الرحمنُ في كلِّ حـالٍ = وإلى الذِّكرِ في الحياةِ هَدَاهَا
تلك نفسٌ كريمةٌ عرفتْ قيمةَ ... = ... دنياها فاكتفتْ بعلاها
فَأُنيلتْ من ربِّها درجات = في فراديس رحمةٍ سوَّاهـا
تطلبُ القربَ فالوعودُ حِسانٌ = لِتُقاةٍ فاستَنْبِئَنْ نجواهـا
الخلودُ الفيَّاضُ بالأُنسِ أحلى = من خيالٍ تتيهُ فيه مُنَاهـا
ومن الليلِ هجعةٌ تزدريهـا = أنفُسُ الصَّالحين ، مافحواها !
ماازدرتْها من وطأةِ الأرقِ الجيَّاشِ ... = ... بالهمِّ أو لدنيا نعاها !(2)
إنما للوقوفِ في محشرٍ يحسو ... = ... من الباقياتِ طابتْ يداها (3)
وَهَبَتْهُ يعبوبَهـا فتهادى = نحوَ أغلى الآرابِ جلَّ مداها (4)
وتعالتْ على الدنايا فما دانتْ ... = ... نفوسُ الأبرارِ كأسَ شقاها (5)
فشميمُ النَّعيمِ في جَنَّةِ الخُلدِ ... = ... تهادت إلى النعيمِ خُطاهـا
وإليهِ هَفَتْ بأجنحةِ الشَّوقِ ... = ... فسبحانَ ربِّها مولاها
نِعَمٌ تجلبُ النُّفوسَ إليها = من لَدُنْ مُنعمٍ يزيدُ عطاها
أفلحَ العبدُ إن تملَّى بصيرًا = في مداهـا عشيَّةً وضحـاهـا
ويفوزُ الذي ترفَّع فيهـا = عن غواياتهـا فمـا دسَّاها
هي نفسٌ ، وهذه منحةُ اللهِ ... = ... لقلبٍ في العيشِ ماواراهـا
وهي الشِّرعةُ المنيفةُ للخلقِ ... = ...وبالبيِّناتِ قد جلاَّهـا
وترى غيرَها على غبشِ الزَّيفِ ... = ... فللمهلكاتِ قد ألقاها
بئسَ تلكَ النفوس منصرماتٍ = عن مناراتِها وعن أزكاها
ويُماري الجناةُ في الشَّرِّ ظلمًـا = وَعُلُوًّا فبئسَ مَن فيه تاها
قد سباهم غرورُهم فسقاهم = خمرةَ الرَّيبِ مَن دحـا بلواها
ذاك شيطانُهم، تجرُّهُمُ اللعنةُ ... = ... تهوي بهم إلى طغواها
واشرأبَّتْ أعناقُهُم عنفوانًا = شانَه البختُ فانحنى أقواها (6)
هم جُناةٌ حياتُهم في تبارٍ = صارمتْهـا ملاحةٌ في عَنَاها
ونأوا عن فيوضِ وحيٍ كريمٍ = فيه آياتُ واهبٍ أغلاها
وتعاموا عن معرقاتِ فصولٍ = لم يطبْ فيه عيشُنا لولاهـا (7)
ينطوي عهدُهم ، وكلُّ قبيحٍ = سيرى أهلُه به عقباهـا
رُزِئَ النَّاسُ من فضائعهم فانتفظوا ... = ... والجناةُ مَن سوَّاهـا
لعنَ اللهُ المجرمين تخلَّوا = عن ضميرٍ فمرُّها أشهاها !
وهُمُ المهزومون والغدُ آتٍ = والحكاياتُ صاغها أشقاها
حسبُنا اللهُ إن وجدْنا أذاهم = والمخاليب لؤمُهُم أغناهـا
حُرِمُوا بهجةَ الرِّضا فاستُرقُّوا = لهوى أنفُسٍ تمجُّ هَنَاهـا !
إنَّ ربِّي يعطي المنيبين مالا = ينثني عن كرامةٍ و نَدَاهَـا
وهبَ اللهُ ليلةَ القدرِ جودًا = ينهلُ الصَّالحون منه سَخَاهـا
بوركتْ أنفُسٌ تثيرُ خطاها = في مغاني جلالِها ومناهـا
المآقي في روضِها مشرئبَّاتٌ ... = ... لأطيابِ صبحِها ومساها
حُللٌ تُبهجُ العيونَ ، وتُغني = مَن أتاها وغبَّ من أصفاهـا
عندها سارعتْ قلوبٌ سباها = مارأتْهُ من رحمةٍ وجَناها
تعسَ القومُ من بني الرِّدَّةِ اليومَ ... = ... وذاقتْ نفوسُهم ماعراها
من شقاءٍ وغفلةٍ إذْ جَفَتْهُم = ليلةُ القدرِ لم ينالوا لُهَاهَـا (8)
إنَّها العشرةُ الختامُ لشهرٍ = فيه طابت أيامُه ولقاها
فاضَ فيها حنينُنا باشتياقٍ = لرضا اللهِ جلَّ يوم اصطفاها
لو رأتْ خيرَها النَّديَّ نفوسٌ = غافلاتٌ لغيَّرتْ مجراهـا
ولجاءت إلى المدارجِ زحفًـا = تبتغي الصَّفحَ من كريمِ رجاها
فهواها الرخيصُ يقتلُ فيها = ماتمنَّتْهُ من ثمارٍ يداهـا
ويح نفسٍ على الحطامِ ترامتْ = وتخلَّتْ حمقاءَ عن مولاهـا
خسرتْ في منازلِ السوءِ والإفكِ ... = ... وفي ملعبِ الهوى دنياها
ربِّ أوزِعْنا أن نثيرَ نفوسًا = للمعالي ، ومقتَ مَن أغراها
أشغلَتْها بهارجُ النَّزوةِ الخرقاءِ ... = ... رفَّتْ وخادعتْ أغباها
أيثوبون ! فالليالي تولَّتْ = مزمعاتٍ ، وخابَ مَن جافاها