مَيْدَانُ رَابِعَة الْعَدَويّة
فِي البَدْءِ كَانَ الْسُّؤالُ
فَوَجَدْتُ الجَوَّابَ رَجُلاً غَرِيباً
يُشْبِهُني فِي كُلِّ شَيْءٍ
تَبْكِي الْكَلِمَاتُ
حِيْنَ تَرَى ٰصَوْتَ الْجَهَالَةِ
يَنْمُو فِي حَدائِقَهَا
يَرْتَطِمُ الْبَحْرُ بِجِدَارِ الْلاّشَيْءِ القَائِلِ
تَحْتَ ظِلِّ الحِكَايَةِ
تَتَنَاثَرُ شَظَايَا الْخَيَالِ الْمَكْسُورِ
أنغَاماً
فِي أَفْوَاهِ الْغَيْبِ الجَائِعِ
فَكُلُّ شَيْءٍ يَذُوبُ فِي مُتْعَةِ الْخَيَالِ
كَمَا تَذُوبُ الْكَلِمَاتُ فِي عُمْقِ الْصَّمْتِ
أَرَىٰ الأَشْجَارَ فِي بُيُوتِ الشَّمْسِ
تَصْرُخُ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهَا :
"عُوَاءٌ أَسْوَدُ يَتَدَفَّقُ عَلَىٰ الْمَاءِ
مِنْ بَطْنِ اللَّيْلِ الْمَسْجُورِ حِيْنَ يَصِيحُ
وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ حُلُولَ رَبيعٍ أَبْيَضَ
يَمْلَأ ُ أَحْلاَمَنَا بِسِحْرِ الْحَيَاةِ"
فِي مِحْرابٍ تَأْوِي إلَيْهِ أَكَاليلُ الْمَاءِ
تَرَىٰ الشَّمْسَ حِيْنَ تَشرُقُ
تَّزَاوَرُ عَنِ الْمِحْرابِ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَحِيْنَ تَغرُبُ تَّقْرِضُ الأَكَاليلَ ذَاتَ الشِّمَالِ
صَوْتٌ ذَهَبِيٌّ فِي قَاعِ الْصَّمْتِ
يَأْمُلُ فِي أبَدِيَّةٍ خَالِدَةٍ
يَسقِي أَكَاليلَ الْمَاءِ الْثَائِرِ عَلَىٰ العَدَمِ
جُرُوحَ َالْيَاسَمِينِ
وَيَطْعَنُ مَرَايا الأَنَا العَمْياءَ
بِخَنْجَرِ الانْعِتاقِ
تَتَذَكَّرُ رِيَاحُ الذَّاكِرَةِ أَحْلاَمَ الْمَاءِ
فِي صَوْتي
فَتُطَيِّرُ الْكَرَىٰ مِنْ أَعْيُنِ الْكَلِمَةِ
أَرَانِي بَدْراً أَبْيَضَ بَيْنَ يَدَي اللَّهِ
تَسْجُدُ لَهُ المَلاَئِكَةُ
أَخُطُّ عَلَىٰ جُدْرَان الضَّوْءِ
تَعَاوِيذَ الْبَحْرِ الضَائِعِ فِي ذَاكِرَةِ الرُّوحِ
فَتَرَىٰ ثَعَابِينَ الخَوْفِ مُقَيَّدةً
بِسَلَاسِلِ الْمَطَرِ
آهْ أَنَّهُ الشِّعْرُ الَّذِي يَمْطُرُ
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الشِّعْرُ
أَنَّهُ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يُلْقِيهَا عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ
وَلَا يَتَلَقَّاهَا إِلَّا ذُو العَقْلِ الْمُنِيرِ
الْمُتَحَرِّرِ مِنْ أَهْوَاءِ النَّفْسِ
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْدّواعِشِ قُلِ لَهُمْ
كُلُّ يَوْمٍ حُسَيْنٌ آخَرُ يُقْتَلُ
وَمَسِيحٌ آخَرُ يُصَلَّبُ
وَأَنْتُمْ صَامِتُونَ
وَشَاعِرٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو عَلَيْكُمْ
تَعَاوِيذَ الضَّوْءِ وَالْمَاءِ
بِحِجَارَةِ سَيِّئَاتِكُمْ تَرْجُمُون
لَا تَحْزَنْ أَيُّهَا الشَّاعِرُ النَّبِيُّ
إِنَّا نُوحِي إِلَيْكَ أَحَادِيثَ الفَرَاشَةِ وَالوَرْدَةِ
زَقْزَقَةَ الْأَحْلَامِ عَلَىٰ أَشْجَارِ الْخَيَالِ
تَرْانيِمَ العِطْرِ عَلَىٰ خَدِّ السِّحْرِ
وَنَرفَعُكَ عَلَىٰ عَرْشِ الشِّعْرِ
حَتَّى لَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
يَقِفُ النَّهَارُ عَلَىٰ شُرْفَةِ الضَّوْءِ
يَنْتَظِرُ بُزوغَ صَوْتِي مِنْ أَفَقِ الْكَلِمَةِ
وَحِيْنَ يَظْهَرُ
يُنَادِي عَلَىٰ الْبَحْرِ الْمُتهالِكِ فِي عَسْكَرةِ الْإِيقَاعِ
قَائِلاً : عَلَيْكَ أَنْ تَكُفَّ عَنِ الاِنْخِراطِ فِي إِيذَاءِ الصَّمْتِ
وَأَنْتَ أَيُّهَا النَّهَارُ
لَا تَتَعَجَّلْ فِي قَطْفِ فَاكِهَةِ الْكَلاَمِ
دَعْ مَاءَ الْمَعْرِفَةِ يَشْرَبُ مِنْ يَنَابِيعِ التَّجَلِّي
كَلِمَاتِي
هُنَاك خَلْفَ جِدَارِ الْغَيْبِ حَيْثُ يَتَنَاسَلُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
يَجْبُلُ الصَّمْتُ أَسْرَارَ الضَّوْءِ
وَالْحُلْمُ يَخْبَأُ حِكَايَةَ الْخَلْقِ فِي مِرْآةُ الْلاّشَيْءِ
كَفَرَ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَوْ يُفَكِّرُ أَوْ يَقُولُ
أَنْ العَرَبَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ
إِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْطَوَاغِيت وَالسُّلْاطَينَ
يُهَلِّلُونَ وَيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِهِم
إِنَّهُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَعَن اللهِ لَمَحْجُوبُونَ
أَنْ العَرَبَ لَعَبِيدٌ وَأنْجَاسٌ مَلاَعِينُ
اتَّخَذُوا الْجَهَالَةَ وَالنِّفَاقَ وَالْكَذِبَآلِهَةً مِنْ دُونِ اللهِ
وَلَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ عِبَادَةِ الْطَوَاغِيت وَالسُّلْاطَين
فَبِئْسَ مَا يَعْبُدُونَ
هُنَا يُذَبِّحُ الحُلْمُ حَيْثُ تَأْمُرُهُمْ شَيَاطِينُهُمْ بِهَذَا
وَالحُرِّيَةُ عَاهِرَةٌ
شَيَّدَوا لِلدَّعَارَّةِ صُرُوحاً وَمَسارِحَ وَمَعَابِدَ
وَجَعَلُوا الثَّقَافَةَ جَارِيَاتٍ مِنْ جَارِيَاتِ السُّلْطَانِ
لَا يَنْكِحُهُنَّ إِلَّا كُلُّ فَاسِقٍ وَمُعْتَدٍ مُرِيبٍ
فَبِئْسَ مَا يَفْعَلُونَ أَوْ مَا يَقُولُونَ
إِنَّهُمْ لَعَبِيدٌ وَأنْجَاسٌ مَلاَعِينُ
يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ الرَّسُولِ
وَثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ إِلَّا شَّهَوَات شَيَاطِينِهِمْ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ
إِنَّهُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَعَن اللهِ لَمَحْجُوبُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تَتَّبِعُوا سُبُلَ العُبودِيَّةِ
قَالُوا إِنَّمَا نَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَىٰ أَهْلِ الإِكْراميَّات
وَإِنَّا لِرُزّ الخَلِيجِ لَجَائِعونَ
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مِنَ السِّحْرِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
وَنَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ بِهَٰذَا السِّحْرِ الَّذِي يُحْيِي ضَمَائرنَا
يَا أُمَّة العَرَب
يَا أَهْلَ الْخِسَّةِ وَالْنَذَالَةِ
فِي مِصْرَ اِنْدَلَعَتْ ثَوْرَةُ الشَّعْبِ حِيْنَ نَادَاهُ رَبُّهُ
فَلَعِبَ النَّخَّاسُونَ دَوْرَهم
حَتَّى اِزْدَهَرَت تِجَارَةُ الرَّقِيقِ الأسْوَدِ وَالأَبْيَضِ
الأَخْضَرِ وَالأَصفَرِ وَالأَزْرَقِ
وَلِكَيْ يُسْدِلَوا عَلَيْهَا سَتَائِرَ الزَّمَنِ
نَادَوْا عَلَىٰ أَصْحَابِ الْفِيلِ مِنَ العَسْكَرِ
لِيُعِيد الشَّعْبَ مُكبِّلاً بِالسَّلَاسِلِ إِلَىٰ سُوقِ النِّخاسَة
فِي مَيْدَانُ رَابِعَة الْعَدَويّة
قَنَادِيلُ الْمَوْتِ مُشْتَعِلَةٌ بِعُوَاءٍ مَيِّتٍ
تَرْقُصُ عَلَىٰ أَجْسَادِ الضَّوْءِ الْثَائِرِ
وَفِرْعَوْنُ يَعْوِي بِجُنُونٍ وَبِرُوحِ التَّعَالِي آمَنْتُمْ بِالرَّبِيعِ
"لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ "