أجراكَ ربُّكَ كي تمضي بنا رَغَبا=فكيفَ أصبحتَ في إغراقِنا سببا!
جئناكَ يا بحرُ من طغيانِ من ظلموا=ومن تشفّوا بنا ممن دُعوا عربا
وما رأينا سواكَ اليومَ يرحمُنا=فارحمْ ضَعافاً وكُنْ أُمَّاً لهمْ وأبا
إنَّا وأنتَ عبادُ اللهِ كوَّننا=فأصبحَ الحبُّ فيما بيننا نسبا
ولا نرى لطغاةِ الأرضِ من نسبٍ=مهما ادّعوهُ، وعمداً ذوَّقوا الكذبا
فكيفَ كيفَ أطعتَ الظالمينَ بنا=ونحنُ من كانَ يرجو عندَكَ الأربا!
أما اتعظتَ بمن أغرَقْتَ من زمرٍ=فكُنْ بمنْ قد تبقّى مُشفِقاً حَدِبا
ألوفُ آلافِنا يا بحرُ قد قُتِلتْ=ومَنْ إليكَ أتوا قد واجهوا العطبا
وما رحمتَ فكُنْ يا بحرُ مُتَّعظاً=وراحماً من سيأتي بعدَهُمْ هربا
يا بحرُ ماؤكَ لو يغدو الدّموعَ لما=وفّيتَ حُزناً على طفلٍ قضى سَغَبا
طفلٌ أتاكَ بريئاً ما لهُ ظُفُرٌ=وقبلَهُ ألفُ طفلٍ أُشعلوا حطبا
رقَّتْ لمقتَلِهِ الأسماكُ فالتمستْ=بلفظِ جثَّتِهِ من يرحمُ الزُّغُبا
عسى تُثيرُ ضميرَ الغربِ ميتَتُهُ=وأنْ تُحرِّكَ حِسَّاً في النُّفوسِ خبا
أليسَ عاراً على كلِّ الأنامِ إذا =ظلَّ الظلومُ لقتلِ الأهلِ مُنتصِبا
وكلُّ من صمتوا عنهُ لهُ سندٌ=لو ساعةً تركوهُ لاستحالَ هَبَا