سفرُ المراثي
لا ينبغي لي أن أقولَ
بأنني شخصٌ مزاجيٌّ
تعيسُ الحظِّ.. مكتئبٌ
غويُّ القلبِ.. ضلِّيلٌ
هوائيٌّ وناريٌّ..
على شفتيَّ خَتْمُ الجُلنَّارِ
وفي دمي تستنبتُ الرؤيا
حدائقها من البركانِ
لا.. لا ينبغي لي أن أُلمِّعَ
بعدَ هذا العمرِ قلبي
بابتساماتِ النساءِ العابثاتِ
أو اللصوصِ الأتقياءِ
وأن أضمَّ بقُبلةٍ شطريهِ
من سِفرِ المراثي والبكائيَّاتِ
مثلَ محارةٍ كانت لتجميعِ الدموعِ من المرايا
أو لتقطيرِ البنفسجِ في إناءِ الكحلِ..
قلبي زاجلٌ يدنو من الشُبَّاكِ
أو قمرِ القصيدةِ في النهارِ الهامشيِّ
فلا يراهُ النائمونَ فراشةً بيضاءَ
في قمرِ النهارِ المستحيلِ..
أنا سعيدٌ أو مُحبٌّ موجَعٌ
لا ينبغي لي أن أقولْ
لا ينبغي لي أن أقولْ
*
طوفي بجمرةِ قلبي وانثري جَسَدي
على المياهِ.. وبيعي الحُبَّ في السوقِ
أنا رجيمُكِ.. منكِ الوردُ في عُنقي
شوكٌ ونارٌ وأظفارٌ لتمزيقي
لا أنتِ أكثرُ من ليلى ولستُ أنا
أقلَّ من شاعرٍ يبكي على النوقِ
لكي أحبَّكِ أحتاجُ الصراخَ على
حزني.. وهاويةً أنثى لتحديقي
لكي أرى دمَكِ النثريَّ يلزمني
دمٌ من الوجَعِ الشعريِّ موسيقي
*
ليلي الخريفيُّ موشومٌ على يدها
شمساً تغنِّي.. وأشجاراً من التعَبِ
هل كنتَ وحدكَ يا قلبي على شفةٍ
من الرياحِ.. ومصلوباً على الخشَبِ؟
تسري الفراشةُ كالأفعى وأنتَ كمنْ
يضمُّ زهرةَ عينِ الحُبِّ بالهُدُبِ
بخفقةٍ في دمِ الصلصالِ موجعةٍ
وحاسَّةٍ تمزجُ الأحلامَ بالغضَبِ
لا أنتَ أنتَ.. ولا هذا الخريفُ.. ولا
خمرُ الحقيقةِ من كرمي ومن عِنَبي
*
رجلٌ ما إذا بلغَ الأربعينَ يصيرُ دخاناً
بهيئةِ ذئبٍ يجوبُ البراري
قلبُهُ حجرٌ أخضرٌ
بينَ عينيهِ شمسٌ ترابيَّةٌ
في يديهِ رمالُ النهايةِ
أو ملكوتُ النهارِ
وإن بلغَتْ فتنةَ الأربعينَ امرأةْ
تضيءُ بغيرِ احتراقٍ
دمَ الأغنياتِ السعيدةِ..
تبعثُ من أسفلِ البئرِ
وجهي السرابيَّ
أو وردةَ الشهوةِ المُرجأةْ
*
لا ثعلبٌ ينسابُ في شفتي ولا
عنقودُها أضحى هواءً فارغا
أحتاجُ أكثرَ من يدينِ ومن فمٍ
لأضمَّ موجاً خادعاً ومراوغا
*
كوردةٍ من زجاجِ اللهفةِ انكسرَتْ
على الطريقِ.. كماءٍ قالهُ حجَرُ
من الغيابِ.. كتمثالٍ بهِ أرقٌ
أظلُّ أنظرُ للأعلى وأنتظرُ
ما لا يجيءُ.. كأنَّ البحرَ أغنيتي
وأصدقائي الصدى والشمسُ والمطَرُ
وحدي.. تمرُّ مزاميري أمامَ فمي
كما يمرُّ بغرناطيَّةٍ قمَرُ
من أجلِ حبَّةِ تفَّاحٍ تطاردني
من أوَّلِ الدهرِ حتى المنتهى.. سَقَرُ
*
المسافةُ بيني وبينكِ نسبيَّةٌ ومعقَّدةٌ
لا أجيدُ أنا وصفَها..
فهيَ حيناً حقيقيَّةٌ كالسحابِ
الذي يتساقطُ في أوجِ أيلولَ فوقَ الغصونِ
وحيناً خياليَّةٌ كالسرابِ..
وحيناً بلا أيِّ معنىً..
معقدَّةٌ كالحياةِ ونسبيَّةٌ...
مثلاً عندما يتشابكُ وجهي ووجهكِ
في حلمٍ غامضٍ واقعيٍّ بسيطٍ
تعرِّي فتاةٌ أنوثتها في مكانٍ بعيدٍ
ويخفقُ سربٌ من الطيرِ فوقَ حقولِ الشعيرِ..
المسافةُ بيني وبينكِ نسبيَّةٌ
وقصائدُ من ندَمٍ غيرُ مرئيَّةٍ في كتابٍ
كأن تذهبي دونَ أن تتركيني..
كأن تحملي وجعي الشاعريَّ
كنوَّارِ ليمونةٍ في حزيرانَ..
أو تغفري زلَّةَ القلبِ حينَ أحبَّ
وحينَ أرادَ اختبارَ العذوبةِ
في جسدٍ من عذابِ
*
تُرى لو قلتُ: جندٌ أعدموني
كلوركا في الضحى.. أتصدِّقوني؟
وهل لو فاتكٌ ثانٍ زنيمٌ
ترصَّدني.. أكُنْ كابنِ الحُسينِ؟
وهل لو عدتُ حيَّاً من مهاوي
نساءِ المشتهى.. أتكذِّبوني؟
ثقوبٌ في يَدَيْ قلبي تغنِّي
ونارٌ في الشفاهِ وفي العيونِ
*
قصيدتي سقطتْ مني كما سقطتْ
عن شَعرِكِ الوردةُ الحمراءُ..
كنتِ معي..
ولم تكوني..
كأني هائمٌ وعلى
وجهي فراشتُكِ الصفراءُ هائمةٌ
في القدسِ
من أوَّلِ الليلِ النديِّ..خذي
منيِّ حنيني إلى النسيانِ..
محترقٌ
دمي عليكِ
وتسفو الريحُ لي سُفني
أبكي بلادَكِ.. ماتَ الياسمينُ بها
وأنتِ تبكينَ من قهرٍ على وطني؟
وسوم: 634