هذا ما يَصيرُ الصَّمت
وانشَقَّ القّلب..
هَمهَمَةٌ تُعلِنُ بَعثَ اللّهفَةِ
مِن كَهفِ الأمنِيَةِ السَّكرى ...
بريقُ الذَّرّاتِ الصّاعِدُ مِن مَنطِقَةِ الرّوح
يُبدِعُ لُغةً من حسٍّ
تَتَصَعَّدُ... كي تُصبحَ جَسَدًا
**
في عُمقِ النّبض...
مَن يُدرِك ألحانَ الصّمتِ...
سوى مَن تَملِكُهُ الرّعشَة!
تَتَسرَّبُ في ذَرّاتِ الذّاتِ...
فِعلًا يجمعُ صوتَ الإحساسِ في وَحدَةِ وَجدٍ
وسكونٍ يَستَحضِرُ في النّفسِ
ومَضاتِ مَعاني الأزَلَيَّة.
**
تتسامى الرّوحُ
في لَحظَةِ فِعلٍ عَبقَرِيٍّ
يَتبادَلُ فيها الوَهمُ والواقِعُ الأمكِنَة
ليولَدَ عُمرُ التَّمَرُّد الخَلاّق.
**
أينَ الإنسانِيَّةُ التي لا تُعاني...
لِكي تولَدَ اللَّحظَةُ اللَّحظَة؟!
تِلكَ التي نَسمَعُ فيها موسيقى الذّاتِ
تُتَرجِمُنا لَونًا مِن حَنين
يَتَصَعَّدُ بِنا في مَراقي الحَياة...
شَغَفًا... وعَطاءً... وحَقيقَة.
**
الزَّمَنُ البَريءُ لَم يَأخُذ مِنّا صَمتَنا عُنوَةً...
لَم يُجَرِّدنا مِن صَوتِنا صُدفَةً..
عِشنا نَتَرَقَّبُ لَحَظاتٍ مِن سَرابٍ
كَي نُطِلَّ عَلى فَراغِ ذَواتِنا
ونَهرُبَ مِن لَحظَةِ الانكِشاف.
**
أرِني فِعلًا لا يَخلُقُ عَجَبًا!
أرِني صَوتًا لا يَخلُقُ ضَجَّةً!
فَتَعالَ إذن نَختِمَ عُمرَنا بِفِعلٍ وَصَوتٍ لائِقَين.
**
ويُطِلُّ المَدى...
أيُّ ظُلمٍ للحَقيقَةِ حينَ نَحرِقُ صَوتَنا،
ونُقيمُ في مُدُن الرَّماد!
أيُّ ظُلمٍ للحَقيقَةِ حينَ نَلبِسُ عُذرَنا،
ونُغرِقُ أنفُسَنا في وَهمِها؛
ونترُكُ للمَدى أن يَستكينَ على حُدودِ سُكونِنا؛
نَستَمطِرُ لونَ شِفاهِنا؛
وغبارَ أجوِبَةِ الطُّقوسِ المُستَبِدَّةِ في هَشاشَتِنا!
أيُّ ظُلمٍ للحَقيقَةِ حينَ نَظُنُّ أنَّ الوَهمَ تَحرُسُهُ السَّماء؟!
**
ويُطِلُّ الصَّدى...
كلُّ ألوانِ الخَرابِ رأيتُ في أفقِ السُّبات
أأحبَبنا مَساحَةَ حُلمِنا...
أم بِتنا نُلَوِّثُ حُبَّها حينَ احتَوَتنا خَرائِبُ الرّوح؛
نَزُفُّهُ في مَوسِمِ المَوتِ المُعَرّى فوقَ خارِطَةِ الهَياج؛
وَفي أقانيمِ الهَوى؟!
إني أرى نَزَقَ البُرودِ على نَوافِذِنا؛
تُقَلِّدُهُ صَباباتي؛
عِقدًا مِنَ النَّعَراتِ أرجَحَها الهَوى عَطشى؛
وألبَسَها لَونَ الهُبوط.
**
نَموتُ... ولا نَموت!!
كَلماتُنا تَسكُنُنا وَحدَنا
والخَريطَةُ في المَسير:
خَوفُنا الذي -وحتى لَحظَةِ التَّحليقِ خَلفَ جُنونِنا-
ظلَّ دَليلَنا
يَنكَمِشُ في ظِلِّ جَفافِنا النّوعي
وخَلفَ إيقاعِنا الشَّعبِي:
نَفسُ الرِّمال...
يَراها وَهنُنا عَطَشًا...
ونَحنُ نَطلُبُها سَبايا!
**
وانشَقَّ القَلبُ ثانِيَةً...
هذا ما يَصيرُ الصَّمت:
آفاقًا لِغَيبَتِنا
وظِلالًا لَرَقدَتِنا
وبَردًا لارتِعاشَتِنا
وقيثارًا لِسَكرَتِنا
وموتًا لا يُؤَرِّخُنا
وصَمت!!
وسوم: العدد 657