آخر يوم من حياة شاعر
يا من جرّدتَ بأحراشِ الزَّمن الساري نجمَ الكلماتْ
هل أُعْطيتَ بياناً كي تهتِكَ أسرار المعنى؟
أم كي تُغرِقَ صاحبَكَ المسكونَ بغيمةِ حُلْمِكَ بحْــرَ الظّلماتْ؟
هلْ نصَّــبكَ الفجر إماماً
كي تصبح حارسَ بستانِ الضّعفاءِ،
ومندوبَ خليلٍ تثخنه الطعناتْ؟
أم قيثارَ مغنٍّ أعمى ألقته الريح على الطرقاتْ؟
ماذا لو لم يبق سوى إطلالةِ غيمٍ
أو شهقة مجنونٍ،
ما بين الوردة والسيف المسلولْ؟
ماذا لو أفضى ديرُ العاقولْ
بخبيئة أمْرِ القاتل والمقتولْ؟
ماذا لو وحّد بينهما ميثاقٌ موصولْ؟
ماذا لو عاد شهود الزّور تشايعهمْ بوقاتٌ وطبولْ؟
بلْ ماذا لو يروي (مروانُ حديد) تفاصيلَ المذبحة الكبرى،
و(غزيّلُ) ينْشدُ من أشعارِ البئر المهجورةِ
ما سطّرتِ الآلامُ،
ويبكي العاصي شهداءَ أقاموا غرباءَ بأمّتهمْ
وغدا دمُهمْ زيتَ القنديلْ؟
يا من تبحث عن قبر مجهولْ
اسأل رحمَ الأرضِ يُجبْكَ: تَــــــرفّــقْ،
واسمع قول محبٍّ أضناهُ شوقٌ،
يتغلغلُ مثل صقيل:
(فقلت له: إنّ الشجا يبعثُ الشَّجـــــا
فدعني فهذا كلّـــهُ قبــرُ مــــــــــــــــــــــــــــــــالكِ)
ماذا لو أنّ قرامطة الأهوازِ،
وقد سلخوا جلد الثّوارِ،
أعادوا الرأس المسروقَ إلى صاحبه،
وأقاموا في النّاسِ صلاةَ الفجرِ،
وبايع أحفادُ الزنجِ على النصرة
صاحبَكمْ في المنشط والمكره
وأزاحوا السرّ، وجاءوك بمفتاحٍ
لكنوز مكنوزة
أفكنت تمدّ يديكَ إلى صلحٍ منحولْ؟
وإذا نازعَ في الأمرِ دمٌ مطلولْ
ماذا ستقول؟
هذا آخرُ يومٍ من أيامي
لكأنّ يدي تتقرّى حجراً كالمزنْ
ووجوهاً يعلوها الحزنْ
وكأنّ زجاجةَ قلبي مصباحٌ
يكشفُ للسارينَ سماءً كالمـــُــــهْلْ
وجبالا كالعهنْ
كُشِفَ المحجوبُ، وصارتْ حبلَ يقينٍ
أليافُ الظنّْ
هذا آخرُ يومٍ من أيامي الحبلى
هو يومٌ لا يكفي كي أرفع أهراماً
هي أعلى من أهرام الجيزة
هو يومٌ لا يكفي كي أصنع عرشاً
هو أبهى من عرش الطاووسْ
يوم ما أشْبَــــههُ بنقاط عروسْ
يومٌ لا يكفي كيْ أفتح أرضاً
يتنعمُ فيها الضُّعفاءْ
أرضاً يتفجر منها الماءْ
لبنا/عسلا/منّا
أو يعزف لحنا
يزرعُ أدغالَ الروحِ عناقيد ضياءْ
هذا آخر يوم من أيّامي
يومٌ لا أملك فيه أن أبني سُـــدّاً
بين طغاةِ الأرضِ وبينَ المحرومين من النّعماءْ
فطغاةُ الأرض أباحوا دمنا في كلّ مكانٍ
ومشوا في خيلاءْ
فوق الأشلاءْ
هذا آخر يوم من أيّامي
كيف عجزتُ،
وقد مرّتْ من عمري آلاف اللحظاتْ
عن أن أبني أهراماً من كلماتْ
أو أفتح أرضاً يسكنها المنبوذونَ،
ويُعلونَ بها الرايات؟
لكن... في آخر يومٍ من عمري
يمكنُ أن أوقدَ شمعاً في الصحراءْ
رغمَ الأنواءْ
أن أطعم طفلا ذا مقربةٍ،
أو مسكيناً ذا متربةٍ،
أو أوقد نارَ قِرى لمهاجرةٍ
قَــدِموا من حَلب الشّهباءْ
أن أبسطَ للساري كفّا
لأبدّدَ بالأملِ الخوفا
أن أقتسمَ الزّادَ، ولو كان قليلا،
أدفعَ عنهمْ بعضاً من غُصص المنفى
فإذا ما جاعَ جرابي، وانطفأ الشمعُ،
وشدّتْ بتلابيبي الآه
يمكنني أن أغرسَ نخلا لي ولهمْ:
سبحانَ الله!
سبحانَ الله!
وسوم: العدد 668