هاشم الرفاعي

حالُ المسلمين واحدٌ في كل البلاد العربية وحكايتهم واحدة, وهنا تحضرني هذه الأبيات التي قالها الشاعر المصري الفذ هاشم الرفاعي, وله عدة قصائد, قرأتها قبل وقوعي في محنتي, وكان لها بالغ الأثر في نفسي..

وبتقدير النُقَّاد الشعريين لو قُدِّرت الحياة لهذا الرجل لكان من أعظم شعراء العصر الحديث.. هذه الأبيات من قصيدة "أم تهدهد ابنها" وهي تحكي واقعنا بالضبط:

هو مشهدٌ من قصة حمراء في أرضٍ خضيبةْ ..... كُتبتْ وقائعهُ على جُدُرٍ مُضَرَّجة رهيبةْ

قد شادها الطغيانُ أكفاناً لعزتنا السليبةْ .... مشتِ الكتيبةُ تنشرُ الأهوالَ في إثرِ الكتيبة

والناسُ في صمتٍ وقد عقدتْ لسانَهُمُ المصيبةْ ...............................................

أما قصيدته الشهيرة, "رسالة في ليلة التنفيذ"... وبالمناسبة فقد مات مقتولاً (وليس إعداماً) وهو في العشرينات من عمره.. فقد كنت في سفر بين اللاذقية ودمشق, فبدأت بقراءتها عند انطلاق الباص من اللاذقية, ومن شدة تأثري وإعجابي بها صرت أكررها, وما وصلت دمشق إلا وكنت قد حفظتها, ونقلتها فيما بعد لإخواني في تدمر, ومازلتُ أذكرُ لما قرأتُها على مسامع أبي – رحمه الله- كم تأثر بها أيضاً, وترقرقت الدموع في عينيه ...

في السجن عاودتني الذكريات وأحسست أني أعيش تفاصيل هذه القصيدة وأحداثها... وكان هذا البيت يهزني من أعماقي وأشعر أنه اختصر محنتي كلها بإيجاز شديد:

فأنا السجين في أغلاله... ودم الشهيد هو دم صلاح...

وبعد خوضي بحور الشعر ومحبتي لتلك القصيدة وجدتُ نفسي أخاطب أبي بنفس القلب واللسان وأرسلُ إليه قصيدتي هذه بعنوان رسالة إلى أبي وذلك بعد 21 عاماً من السجن...

وهمستَ في أذني بنيَّ تبصَّرَ ..... نَّ ... ولا تكنْ في موكبِ العُميان

الغافلينَ على رصيف العار, والْ  ..... متهالكين على الخنا الخجلان

الخائضي مستنقعِ الشهواتِ , والْ  ...... هلكى على نَار الهوى الفَتَّان

الهاجِرينَ لدينِهم, والناذري ....... نَ دماءَهم لمذابح الأوثان

المُشترينَ فُتاتَها, والبائعي ....... نَ نفوسَهمْ وبأبخسِ الأثمان

المُفلِسينَ مروءةً, والمالئيــــــ ....... نَ طباقَهم بمدائح السُلطَان

(الجَنان بفتح الجيم هو القلب, والجِنان بكسرها جمع جنة).

"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتَلون, وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن, ومن أوفى بعهده من الله, فاستبشروا ببيعِكُمُ الذي بايعتُم به وذلك هو الفوز العظيم."

صدق الله العظيم .. سورة التوبة

هذه إحدى القصائد التي أرسلتها غيابياً إلى أخي بعنوان شَقيقَ الروح

أخي الصغير "مهند" الذي تركته وعمره سبعة أعوام حضر في زيارتي.. كم كنت شغوفاً به وكم أوليته من اهتمامي... كثيراً ما كنت أحلم به في سجني وأناجيه وأنظم له القصيد, وقد بلغ الآن أحد وعشرين عاماً...

انقضت طفولته ومدرسته كلُّها وأصبح في الجامعة.. أربعة عشر عاماً كاملة.. لم أره منذ ذلك الحين, وصار الآن كما كنت أتخيله شاباً في قدر الرجال.. عرفتُه فوراً, وكم كنت مشتاقاَ لرؤيته.. كان يحاول أن يضفي على اللقاء طابع المرح والدعابة, فيقول "يكفي في العائلة طبيبان, البلد بحاجة إلى سباك وبلاط ودهان".

وسوم: العدد 669