تتوق بها السماء إلى التراب = هنا حلب بأطياف السحاب
دواليب الدخان تهيم فيها = وقد لبست جلابيب الضباب
وكم تاهت ثياب العرس فيها = كما تاهت عروس في الثياب
هنا حلب تجلت في إباء = بُعيدَ الظهرِ تقرأ في الكتاب
مآذنها تشفّ لمن يراها = عن السحر الملفّع بالنقاب
عن الصبح الأغر بوجنتيها = عن الكف المضمّخ بالخضاب
عن الرايات تخفق في الروابي = عن الخيل العتاق بلا ركاب
عن الثوار في ثوب ولون = وكف في معانقة الحراب
تنافس طيفَهم ألوانُ طيفٍ = ويلثم زهرُهم ألقَ الرّضابِ
لأنْ ماتت بهم أحلام كسرى = تناهت في الوسامة والشباب
وأخفت حزنها عن غاصبيها = فماس بها الربيع بعزّ آبِ
لقد جالت جيوش الفتح فيها = فضاق الطهر فيها بالكلاب
وقد عبّت دما حتى تباهى = دم الشهداء بالتبر المذاب
هنا حلبٌ وذكرى يوسُفيٍّ = لهيبته عنَتْ عوجُ الرّقابِ
عنتْ أنْ كان مقدامًا أبيّا = كما تعنو الخرافُ لليثِ غابِ
لقد أدركْتَ إبراهيمُ يوما = بأن الشام باءت باغتصاب
وليس الشام دار للأعادي = وليست دار ذل للكلاب
فرحتَ تعاتب الأحلام لكن = بهم صلف تنكر للعتابِ
فكانت سطوة أنْ جلت فيهم = كما يسطو المبيد على الذباب
فقم فيها عزيزا واحتضنها = وقبلها ولوّح للصحاب
وقل ماشئت فيها في فخار = وقد أسلفت في فصل الخطابِ