ما ضلَّ عنّا سوى الأنذالِ يا حلبُ=وحسْبُنا أنَّهمْ فيما ادّعوْا كذَبوا
باعوا الكرامةَ، أمسى الدّينُ ملبسَهمْ=وغيرَ إرضاءِ أهلِ الكفرِ ما طلبوا
قد فاقَ ضرَّ الأعادي ضرُّ من فسقوا=من الرؤوسِ وهمْ مهما علوْا ذنبُ
همُ الضَّلالُ، ومن ضلَّتْ بهمْ زمرٌ=لو لم يضِلُّوا لما حاقتْ بنا النُّوَبُ
قد شوَّهوا الدِّينَ حتى صار مهزلةً=عندَ الأعادي بما من عقلِهمْ سلبوا
وآخرُ الخطبِ منهم ما دهى حلبًا=وبعدَهُ ألفُ نصرٍ باتَ يقتربُ
لا ضيرَ من ألفِ ألفٍ من نوائبنا=فإنَّها ــ ما صحونَا ــ للهدى سببُ
وكلُّ عُسرٍ لهُ من ربِّنا فرجٌ=وذاك روحُ الذي توحي به الكُتُبُ
كم مرَّ في أمَّةِ الإسلامِ من مِحَنٍ=وما استقرَّ لمن كادوا لها هُدُبُ
وأنتِ يا حلبَ الشَّهباءَ أنتِ لها=وأنتِ أمٌّ لما نرجو، وأنتِ أبُ
وألفُ هيهاتَ إلا أن نراكِ غدًا=تزهينَ عِزًّا، وأهلُ الكفرِ قد ذهبوا
ما دمتِ مؤمنةً باللهِ واثقةً=فالنَّصرُ آتيكِ مهما أُسدِلتْ حُجُبُ
حبُّ الشَّهادةِ في أرواحِنا قدرٌ=لمْ تُغرِها عنهُ في إغرائها الرُّتبُ
دمُ الشَّهيدِ محالٌ أن يضيعَ سُدىً=فإنَّهُ مَنْ لهُ قد قُدِّرَ الغَلَبُ
والصَّبرُ في البأسِ عِزُّ النَّصرِ يتبَعُهُ=وهل يُصفَّى إذا لم يُمتَحنْ ذهَبُ!
* * *=* * *
ما مثلُ ما احتملَتْ في ضُرِّها حلبُ=تكادُ منهُ رواسي الأرضِ تنتحبُ
سيولُ ما أمطروا أنحاءها حممًا=تلقى الصُّخورَ بها قد نابَها العَطَبُ
هيهاتَ هيهاتَ أن تُحصى حرائقُها=فكلُّ شبرٍ بها قد عمَّهُ اللهبُ
لو لم تكُنْ قدرةُ الرَّحمنِ تحرُسُها=بالمؤمنينَ لما ظلَّتْ لنا حلبُ
ما خيَّبتْ من تمنّى نصرَها، ولهُ=منها غدًا وثبةٌ يزهو بها العجبُ
* * *=* * *
فيا لتوأمِ دهرٍ عزُّهُ حلبٌ=فخرُ الصِّناعاتِ منها كانَ يُكتَسَبُ
أبدعتِ كلَّ يتيمٍ في أصالتِهِ=وكلُّهُ كانَ للشهباءِ ينتسبُ
وكلُّ فنٍّ، وما قد عزَّ من أدبٍ=وأينَ أمثالُ ما قد أبدعتْ أدبُ!
قلوبُ كلِّ الغيارى قد سكنتِ بها=وكي تفدّيكَ طوعًا كلُّها تثبُ
* * *=* * *
كانت وتبقى كما كانت لنا حلبُ=فخرَ المدائنِ ما مرَّتْ بهِ الحِقبَُ
وخطبُها الخطبُ في توحيدِنا قَدَرٌ=وليسَ من قدرٍ منجىً، ولا هربُ
واليأسُ كم أبدَعتْهُ همةً حلبٌ=وكم تولَّتْ واستحتْ من أهلِها النُّوبُ!
خسارةُ اليومِ ربحٌ في غدٍ، وغدًا=سيعلمُ الدَّهرُ ماذا خبَّأتْ حلبُ!