بكائية لعام 2016م

د. عبد العزيز المقالح

دثّرِيني

وشدِّي على كفني 

ودعي فتحةً فيه 

أرقب منها

رفيف الفراشات

أسمع صوتَ المياه التي تتحدر

-في ضحوةٍ- من أعالي الجبال

وأشعر في لحظةٍ

أن شيئاً جميلاً

سأفقده حين أطوي

بساط الحياة.

* * *

دثّريني

فإني سئمت الوقوف

بمنعطفٍ لم يعد آمناً

والصعود إلى جبلٍ

لم يعد عاصماً

وسئمت الرفاق الذين 

بأوهامهم خذلوني

وباعوا خطابَ المودةِ

للريح

في زمن العاصفةْ.

* * *

دثّريني 

وشدِّي على كفني

واكتبي فوق قبري:

هنا واحدٌ من ضحايا الحروب

التي عافها 

ثم قال لقادتها قبل أن يبدأوها:

الحروبُ إذا دخلت قريةً

أكلتْ أهلها الطيبين

ولم تُبْقِ من حجرٍ واقفٍ

أو شجرْ.

* * *

دثّريني

ضعي ، يا مَلاكي ،

عصاي التي كنت أحملها

مثل تعويذةٍ

وأصدُّ بها عَـتْمتي

وأهشّ بها ليل خوفي

وأمشي بها إن فقدت الدليل

ضعيها على كفني

واعلمي أن روحي مخرّبةٌ

بعد أن حاولت 

آه -وآأسفي-

تقهر المستحيلْ .

* * *

دثّريني

اغلقي شاشةَ التلفزيون

هذا الإناءَ الوخيم

الذي أفسد الناس

يَبصق في صحن أذهانِهم

بكلامٍ مريضٍ

يُميت الشعور

يدجّنهُ

ثم يُسلمه لمنامٍ طويلٍ

طويلْ.

* * *

دثريني 

وقولي لأهلي

وأصحابي الطيبين 

لقد كان مثل بقية أهل 

البلاد

ومثل بقية كل العباد

يحب الجمال

ويأسره صوت شبَّابةٍ

يُتَصبّاهُ

يهوى أغاني الرعاةْ .

* * *

دثّريني 

وقولي لأعدائي البسلا

إنه لم يعد يتذكرهم 

يتذكر أسماءهم

يتذكر ليل عداوتهم

وسواد افتراءاتهم 

وهو من هول ما يحدث الآن

ما يفعل الأهل بالأهل

في حيرةٍ مُرَّةٍ

وذهولٍ عظيمْ .

* * *

دثّريني 

ولا تفتحي يا ملاكي 

الشبابيك

إن الظلام الذي يتجوّلُ

منفرداً فوق برد الشوارع

يرقب غرفتنا 

ويحاول أن يتسلل في غفلةٍ منكِ

إياكِ أن تغفلي

ما بروحي من ظلمةٍ

ليس يقوى عليها الظلامْ .

* * *

دثّريني 

فقد أصبح الموت 

أمنيةً

بعد أن جاعت الأرض

وافتقدت خبز أبنائها

وطوى الصمتُ بؤسَ الكلام

الذي ظل يحرث في البحر 

أوهامَهُ

ويبعثر أحلام أمتهِ

في الهواء .

* * *

دثّريني 

فإني أرى القبر

أوسعَ من هذه الأرض

أوسع من بحرها

وأرى فيه شمساً 

أحَنّ وارأف من هذه الشمس

أشهد فيه نجوماً ملونةً

وملائكةً في الفضاء المديد

تصلي

وتغسل بعض ذنوب البشرْ .

* * *

دثّريني 

فإن أبي ... اخوتي

في انتظاري

وأصحابي الأوفياء ،

وأمي التي حين غابتْ

وغاب سناها

تمنيت لو أنهم حملوني 

على نعشها

وانتهت عندها قصتي 

في الحياةْ .

* * *

دثّريني

دعيني أعانق في شغفٍ صحوة الأبدية

أرحل عن وطنٍ بائس الأمس واليوم

فيه تموت العصافير جوعاً وتسمن فيه الذئاب

وما كتبته يدي ليس إلاّ صدى شجنٍ حارقٍ

وبكاءٍ من الكلمات

على بلدٍ كنت أحسبه بلداً

وعلى أمةٍ كنت أحسبها أمةً

ظِلُها كان يمتد من ماءِ تطوان

حتى سماءِ الخليجْ.

وسوم: العدد 704