نَضَحَت حياءً مثلَ دمعِكَ جاريا = والقلبُ يُشهِدُ كالحياءِ مآقيا
ذكراكَ يا خير البريَّةِ أشرقت = وانسابَ نورٌ قد أضاءَ بَواديا
ذكرى الأحبّةِ للقلوبِ محبّةٌ = نفحاتُها لَمسَتْ شغافَ فؤاديا
ما غرَّ قلبَكَ غيرُ نفسٍ في الهوى = أنّى عصيتَ تكنْ لنفسِكَ ناهيا
والنفسُ إنْ جَنَحتْ لغيرِ هدايةٍ = تجعلْ فؤادَكَ غافلا ومُجافيـا
جاءتْ تُلاطفني وصمتُ عيونِها= سُــحبٌ تُخبِّرُ ما بـها أو ما بيا
ألِفَتْ مودَّتها نوازعُ مُهجةٍ = كالشمسِ يعشقُ ضوءُها صحرائيا
وتزاحمتْ عند النقاءِ قلوبُنا = شـوقاً يهيجُ بكُلِّ ما قد أوتيا
لولا اغترابُكَ عن تُقاكَ لما جرى = هـذا الّذي جعلَ السُّهادَ مناميا
وحدي أعيشُ همومَ عصرٍ غادرٍ = و ألُمُّ أشتاتي وشَقوةَ حاليا
ما بادلوكَ محبّةً بمحبّةٍ = أو سامحوكَ كما اُسامحُ جاريا
أو صارحوكَ بأنَّ حُبّكَ نشوةٌ = يُروى بها عطشٌ يزورُكَ ثانيا
فإذا القلوبُ مع الزمانِ كليلَةٌ = وإذا النفوسُ من الفراقِ شـواكيا
ورجعتَ من بعد السنينِ مُمَزّقا = سيفُ الضَياعِ يَجُزُّ منكَ نواصيا
فشفاءُ روحِكَ للذنوبِ زواجرٌ = تُقري نجاتَكَ في ليالٍ داعيا
عُمْرٌ على جُرفِ الرحيلِ أخالُهُ = ليلٌ يُواعِدُني بقتلِ نهاريا
حتى دعوتُ على السلامةِ يقظتي = وأفقتُ من حلُمِ المحبّةِ شاكيـا
أشكوهُ لوعةَ عاشقٍ ولِهٍ بمن = برَأَ المحبّةَ للقلوبِ سواقيا
من غابرٍ يخشى الفضيحةَ مُدَّعٍ = تَخذَ الفضيلةَ مغنما ومراعيـا
قسماتُ طُهركَ في يقينِكَ منهجٌ = وحبستَ شكّاً كانَ ظلّكَ قافيا
تسمو بنفسِكَ والصلاحُ عشيرُها = حتى ارتقت نحو السماءِ معاليـا
فإذا الملائكةُ الكرامِ توافدوا = زمَراً وهمسُ كلامِهمْ ككلاميا
الطائفونَ الحاملونَ لعرشهِ = يستغفرونَ لمَن يسبِّحُ راضيـا
وأراكَ تنبضُ كالقلوبِ بحمدِهِ = ليتَ النفوسُ مع القلوبِ نواجيا
أبكي على اُمَمِ الرسالةِ حالَها = يغزو التمزُّقُ عُروتي وجباليـا
هربتْ طيورُ الروضِ من أعشاشِها = وتظنُّ في طلبِ النجاةِ مراميا
والأرضُ قد ملأ الفسادُ ربوعَها = إنْ صالحاً يدعو تراهُ مُرابيا
والماءُ يُفسدُهُ الركودُ بأرضِهِ = موتُ اليقينِ مع الشكوكِ بدى ليـا
لكنَّ مَن خلعَ الجُحودَ درايةً = ذاقَ المحبَّةَ واستزادَ أمانيـا
فالتائهونَ مغيّبونَ عن الحِجا = جعلوا الحقائقَ والكمالَ نواهيا
أو مستنيرٍ في الهدى مُتحَذلقٍ = يبغي بشرعِ اللهِ مبغىً فانيا
وترى رعاعَ الناسِ يأكُلُ بعضهم = كوحوشِ بَرٍّ هاجمتكَ ضواريا
لا تقنعُ النفسُ الذليلةُ رزقها = إلاّ إذا ملأ الرّدى أحشائيا
وَلَدَ الترابُ من الترابِ ترابَهُ =حتى غدى بالماءِ طينا واهيـا
فإذا على الأرضِ الذليلةِ ينتشي = فخرا ويُفسدها بنفسٍ راضيـا
يا أيُّها الإنسانُ مهلكَ لا تكُنْ = عونا على ظلمِ النفوسِ مداجيا
فالموتُ يزأرُ ليلُهُ كنهارهِ = وكفاكَ من ذكراهُ حِلما زاكيـا
كم من ملوكٍ فارقوا دنياهُمُ = رُكنوا بغيهبِ حفرةٍ بثوانيا
وتوارثتْ تيجانَهم أبناؤهم = لم يبقَ منهم غيرُ رمسٍ باليا
كم طائعٍ لهواهُ أيقظَ فكرَهُ = نورُ الحقيقةِ واستهلَّ مآقيا
لكنَّ من رفضَوا الجهالةَ غُرِّبوا = سكنوا القفارَ مع الوحوشِ تساميا
صانوا القلوبَ وأترعوا إيمانَهم = حُلَلَ اليقينِ يشعُّ نورا ماضيا
واستطعموا نزرَ الطعامِ يزورُهم = جوعٌ يقظُّ مضاجعا وعوافيا
حفظوا ومن كتب الزمانِ نبوءةً = خبروا الأماكنَ والزمانَ الآتيا
قطعوا الفيافي والجبالَ تشوّقاً = لظهورِ أحمدَ في الجزيرةِ هاديا
نجمٌ أطلَّ من السماءِ مُبشّرا = ليُزيحَ عنها الأرضَ وجها داجيا
في اليُتمِ لا في الجاهِ تنشأُ اُمّةٌ = والفقرُ يَخلُقُ همَّةً ومراميـا
وتمُرُّ أزمنةٌ النماءِ يشيدُها = إيمانُ مَنْ هدموا ضلالاً طاغيا
بالعزمِ إذ تسمو القلوبُ مداركا = وتَصيرُ أعناقُ الجبالِ بَواديا
هذا رسولُ اللهِ يرفعُ شأنهُ = خُلُقٌ بهِ الأخلاقُ تسمو عاليا
بمكارمِ الأخلاقِ فازَ مراتباً = لم يدْنُ منها في الخلائقِ ساعيـا
وأتمَّها حتى استقامَ تمامُها = كنجومِ ليلٍ تستنيرُ هواديا
قبلَ الرسالةِ لقبّوهُ بصدقهِ = ومع الرسالةِ كذّبوهُ أساميا
ما كذّبوا ألاّ ضمائرَهُم فهمْ = خسروا اليقينَ وأنكروا آياتيا
ظُلَمُ العقولِ توارثتْ كفرا بهِ = شركٌ على هَديِ النفوسِ معاديـا
وبتافِهِ الأسبابِ يقتُلُ بعضُهم = بعضاً وهم دونَ الشعوبِ معاليـا
أحيتْ ولادتُهُ النفوسَ وأشرقتْ = هِمَمُ العقولِ هدىً أنارَ لياليـا
هوَ خِيرةٌ مِن خيرَةٍ مِن هاشِمٍ = نسلُ النبوّةِ ظلَّ نبعا صافيا
يا رحمةً للكونِ ظلَّ سحابُها = وعلى الزمانِ تسحُّ خيرا جاريـا
يا رحمةً بُعِثتْ ومسَّ نسيمُها = كلُّ الخليقةِ رائحا أو غاديا
رضعَ البيانَ كما البلاغةِ مُلهَما = وجوامعُ الكلِمِ الّذي قد أوتيا
فإذا نَطَقْتَ توقَّفَتْ بِجلالِها = لُغةُ البديعِ مع البيانِ صواغيا
ونهلتَ من نُطقِ البداوةِ منهلاً = حتى رُزقتَ فصاحةً ومعانيـا
الوحيُ ما نطقَ اللّسانُ وآيُهُ = سُورٌ بها شرعٌ يعمُّ نواحيـا
أنتَ الّذي خُلِقتْ لأجلِ مقامِهِ = جناتُ عدنٍ للتُقاةِ جوازيـا
صلّيتَ بالرُسُلِ الكرامِ بمسجدٍ = إذ بايعوكَ وأمّموكَ إماميا
حتى عرجتَ إلى السماءِ تجوبُها = فملائكٌ تُثني عليكَ معاليـا
ووطئتَ أرضا في العلاءِ يخافها = جبريلُ إذْ كلَّت خُطاهُ تفانيا
وأمِرتَ خمسا هنَّ قُرّةُ أعيُنٍ = حتى استحيتَ ومن رجوعِكَ ثانيـا
أوحى إليكَ اللهُ من آياتهِ = سبعاً بهنَّ وقد رزقتَ مثانيا
تاقتْ للُقياكَ القلوبُ شواكيا = ألمُ الفراقِ على الزمانِ بدى ليـا
والعينُ تدمعُ ما ذُكرتَ بمجلسٍ = والروحُ في شوقٍ إلى أحبابيـا
صلى عليكَ اللهُ في عليائهِ = لبّت ملائكةُ السماءِ فها هيَا
اللهَ تعبدُ مؤمناً متيقنا = أن لا إلهَ سواهُ رباً باريا