ماذا أقولُ لطفلي حينَ يسألُني=عما يرى من فنونِ القتلِ في وطني!
وما يشاهدُ من ذلٍّ، وتفرقةٍ=وما صنعنا بأيدينا من المحن!
ماذا أقول؟ وهل أبقيتُ من كَذبٍ=إلا كَذَبتُ عليه كي يصدِّقني!
بالأمسِ علَّمتُه أنَّ الخلودَ لنا=وأننا خيرُ خلقِ اللهِ في الزمنِ
وأن كل فتىً منّا له قيمٌ=يهدي بها وحده الدنيا إلى السُنَنِ
وأنّنا من أعارَ الكونَ بهجتَه=فالكونُ من هَدْينـا بالنعمياتِ غني
لم نُبقِ يوماً به ظلماً على أحدٍ=ولا تركنا به حكماً لمفتتَنِ
بالأمسِ! واخجلي من أمسِ وانهمرتْ=من مقلتيْ أدمعٌ كادتْ تحرّقني
ماذا أقولُ لطفلي، كلُّ مسألةٍ=مما يسائلني عنها تمزِّقني!
ماذا أقولُ! وقولي عنده ثقةٌ=فما رأى قبلُ مني ما يُعيرّني!
ماذا أقولُ وعيناه تلاحقُني=لمّا أكتِّمُ دمعي حينَ يسألني!
ماذا أقولُ؟ وأيُّ القول يشفعُ لي=ولا يشاهدُ إلا ما يكذِّبني!
ماذا أقولُ وإسرائيلُ ما بلغَتْ=تعدادَ عُشرِ ذوي الألقابِ في وطني!
تسوقُنا كيفما تهوى وتصرفُنا=كما يُصرَّفُ رَتْلُ النوقِ بالرَّسنِ!
لم تشكُ نفسٌ بها ظلماً وضائقةً=وليس فينا سوى عانٍ، ومُمْتَهنِ
تزدادُ في كلِّ يوم قوةً، وغنى=ونحنُ نغنى بألوانٍ من الفتِن
همُ الشتيتُ، وهمُ بالأمسِ شِرْذمةٌ=مبعثرونَ... وهم أخزى بني الزمنِ
وما سوى الحقدِ من دينٍ قد اعتقدوا=وحيثما وُجدوا هُمْ مصدرُ العَفنِ
ونحنُ أكرمُ من كانتْ له سُننٌ=نحيا على الذلّ، والتقتيل، والضَّغَنِ
مشتَّتون بلا نَهجٍ، ومُعتقدٍ=نسيرُ من وهَنٍ مُخْزٍ إلى وَهَنِ
أخوَّةُ الحقِّ صارت ألفَ تفرقةٍ=وكلُّ تفرقةٍ بالعارِ تدمَغني
في كلِّ بيتٍ خلافاتٌ تهدِّمه=فلا تُحِسُّ بسكنى داخلَ السَّكنِ
والحزبُ تلقاهُ أحزاباً تنافرُها=قد ضيَّعَ الحقَّ بين السِّر، والعَلنِ
أهيمُ في ألفِ دنيا حين يسألُني=كأنَّما ألفُ تِنّينٍ يطاردني
بحرٌ أرى موجَه العاتي تقاذَفَني=وكلُّ ذرةِ ماءٍ منه تنهشني
ماذا أقولُ له والصمتُ أحسبهُ=بألفِ ألفِ سؤالٍ منه يُمطرني!
ألوذُ منه بما حُفِّظتُ من عِبَرٍ=من سالفِ الدَّهـرِّ ألقاهُ يلاحقني
أليس أغنى بني الدُّنيـا بنو وطني=ألم يكونوا دعاةَ الحقِّ في الزَّمـنِ!
أما رسالاتُ ربِّ العرشِ قد نزلتْ=بأرضِ قومي، أليسوا مصدرَ الحَسَنِ!
ما لي أرى يا أبي؟! وارتدَّ يرحمني=لما رأى الدمعَ، والآهاتُ تخنقني
ورحتُ أحضنُ طفلي أبتغي هرباً=مما تحرّك في قلبي من الحَزَنِ
ودسَّ رأساً بصدري خِلتُه جبلاً=وصمتُه خِلْتُهُ جيلاً يُحاكمني
وكلُّ طفلٍ له شكٌّ وأسئلةٌ=وإن أدنى سؤالٍ منه يصعقُني
فأحسب الهَمْسَ زلزالاً، وعاصفةً=والتَّمتماتُ على البركانِ تُقعدني
غالبتُ دمعي، وغالبتُ الأسى حذراً=على بقيةِ أحلامٍ تراودني
وكدتْ والهفي أنهدُّ منطفئاً=لولا السؤالُ الذي يا قومُ فجّرني
هـ «الألفُ» حزبٍ أبي ماذا يوحِّدها=وكلُّ حزْبٍ بما أبداه يُفرحني!
لكننا لم نجدْ من يومِ أنْ وُجِدوا=حزباً أراه لِما أرجو يُقرّبني
كلٌّ بما عنده تلقاهُ في فرحٍ=وكلُ حزْبٍ سواه ليس بـ «الوطني»
إذا التقينا على أمرٍ يَجُدُّ به=من التمزقِ أهوالٌ تمزقني
قد شِبْتُ من هَوْلِ ما ألقاه في وطني=وقد هَرِمْتُ ولم أشبعْ من اللبنِ*
يا أيها الناسُ... يا قومي... ويا رَحِمي=ماذا أقولُ لطفلي حينَ يسألني؟!
خذوا حياتي، خذوا أمسي، وحلوَ غدي=وجاوِبوني لماذا هكذا وطني؟!*
ربّي نسيناكَ فازدادت مصائبنُا=ولو هُدينا لَعُدْنا قادةَ الزَّمنِ
بما اقترفناهُ قد أدّبتَنا كرماً=فالذنبُ والذلُّ مرهونٌ بمُرتَهنِ
لا تُشْقِ أجيالَنا ربّي بشِقوتنا=رحماكَ رحماكَ يا من أنتَ تسمعني
أعِدْ لنا بهداكَ الحقِّ عزَّتنا=لعلَّ أجيالنا يوماً تصدِّقني!!