يا شامُ يا شامُ

يا شامُ يا شامُ يا صوتاً بوجداني.

غنَّى الصدى ألماً من نزْفِ شرياني.

يا شامُ يا شامُ يا عشقاً يمرْجحُني،

وروحَ أغنيةٍ ماجتْ بألحاني.

سيعرفُ العمرُ أنَّ الوعدَ منتظرٌ

على جراحٍ منَ التاريخِ عنواني.

طافتْ على سدرةِ التغريبِ أقنعةٌ،

تمحو فصولَكِ من جرداءِ أثماني.

عبرْتُ في طعنةِ الأوجاعِ خاتمتي،

توَّجْتُ فاجعةَ الترحالِ نيشاني.

فالطفلُ تحتَ ركامِ البيتِ ملتبساً

يداً تمدُّ سلامَ الحبِّ إنسانيْ.

والأمُّ ثكلى، وحقدُ الموتِ حاكمُها،

والنفسُ أخرى، حليبُ الجوعِ إذعاني.

كمْ مرَّ طيفُكِ في الأحزانِ مغترباً،

يضيفُ حسنُكِ في التشريدِ أحزاني.

قطفْتُ نجمتَها، كانَ الظلامُ غدي،

حملْتُ نورَكِ في الظلماءِ هدْياني.

أنتِ الحقيقةُ والتاريخُ في كتبي،

جرحٌ يرصِّعُ في التعذيبِ أجفاني.

يبيتُ تحتَ عراءِ الحقِّ حاضرُنا،

وسْدُ الترابِ فراشٌ، والمدى راني.

يذيبني الورْدُ، والأشواقُ تغمرُني،

عينٌ تراني، وعينٌ نبعُ تحنانِ.

والحلمُ طافَ بلادَ الجوعِ مرتقباً،

على لهيبِكِ عزفُ الموتِ يهواني.

أحْنو إلى الحارةِ الغرَّاءِ في سرري،

وأرفعُ الغصْنَ في تشييعِ جثماني.

مرَّتْ صغيرتُها تمشي على رُكَبٍ،

تختالُ في المشْيِ، أو تختلُّ أوزاني.

تنفَّستْ أملي، أنفاسُها حبقٌ،

والنطقُ ينهلُ من تغريدِ ألحاني.

في السطحِ تسقي الوردَ في غنجٍ،

من ضحكةٍ رسمتْ تكوينَ عصياني.

وأبْحرتْ تهتدي الأوهامَ من قلقٍ،

ذكرى تنوحُ على الأرحامِ بنياني.

أحبُّ في الهدْبِ ذاكَ الحرنَ مشتعلاً،

روحاً وإنْساً على سوداءِ تبياني.

وعانقتْني بذاكَ الحلمِ ناكرةً،

صدرُ المحبِّ لهيبٌ، ليسَ يلقاني.

فلمْلمتْ من بقايا الرجْعِ فكرتَها،

تسوقُ في خطرِ الإبحارِ شطآني.

أنا الغريبُ، حنينُ الأرضِ يلفظني،

وأنتِ أغنيةٌ باحتْ بأوهاني.

يا شامُ يا قبلةَ التاريخِ يا وطناً،

أغرى البكاءَ، فصارَ القلبُ أوطاني.

يختالُ في الدمِ نورٌ مثلهُ وجعي،

يثري الضحى، تُعْجِزُ اللوحاتِ ألواني.

يشقُّ من صخْرِهِ ماءً يطهِّرُنا،

وعذْبُهُ النضْبُ في الأعماقِ نقصانيْ.

وإنْ تجلَّتْ بنور الروحِ باسمةً،

في الشامِ تغزلُ قوسَ النورِ أشجاني.

ملأتُ من كأسِها العطشانِ أفئدتي،

حتَّى ارتمى فوقَ غيضِ العقْرِ بركاني.

أنا الغريقُ، وكلُّ الأرضِ مشْرعةٌ،

شوقاً إليكِ، وصبرُ العشقِ نيراني.

غرستُ في شجر الأحلامِ زهرتَنا،

قطفتُ من تاجِها المسلوبِ أغصاني.

عانقتُ فيك ولوجَ الإثْم في جسدي،

أنجبتُ منكِ سطورَ العجزِ خصياني.

مارستُ دورَ الهدى، حينَ الضلالُ أنا،

كنتِ الأثيمةُ في تلفيقِ أوهاني.

أنتِ الحكايةُ، والعنوانُ يعرفني،

كنتُ المغنّي، وردُّ الروحِ ألحاني.

عزفتُ تحتَ جدارِ الصمتِ أغنيتي،

طافتْ على وترِ الأوجاعِ أوزاني.

تراقصتْ غنجاً في ضيقِ حشرجتي،

فباحَ في ظلمةِ الأيَّامِ حرماني.

أشتمُّ فيكِ رحيقَ الأرضِ من بلدي،

ومنْ فمٍ عطرُهُ من زهْرِ رمَّانِ.

غادرتُ نصفَ كياني من شقاوتِها،

عدْتُ المنادي على أزهارِ نيسانِ.

الشامُ غارقةٌ في الموتِ صابرةٌ،

ثكلى الوجوهِ، صريعُ الموتِ عنواني.

أحبُّ في الشامِ شاماً أرضعتْ رجلاً،

والطفلُ أبقى سنينَ العمرِ أقراني.

يا شامُ يا شامُ يا جرحاً يمزِّقني،

كلُّ البلادِ بدتْ قفْراً بوجداني.

فعانقيني أنا المشتاقُ يا وطني،

لعنتُ في الشوقِ أبنائي وخلَّاني.