للعشْق والثّورة
[أ]
في الحديقة نــوّارة
(إلى نوّارة نجم)
(1)
في الحديقة نوّارةٌ بايعتها الفراشاتُ،
وهْي تضيء الشموعْ
وتقول: ُالربيعْ
قادِمٌ.. قادِمٌ.. رغم لسْع الصقيعْ
لا تصدّق حديثَ الصقيعْ
فالربيعْ
قادمٌمن نداءِ قرنفلــةٍ
من زنُود الجموعْ
من دعاءٍ ترتّلهُ شفةٌ في خشوعْ
من دمٍ أرسلته شراييننا في الشوارعِ،
من نور أحمدَ، من صلوات يسوعْ
{2}
نجمُ نوّارةٍ يتحدّى نجومَ المنجّمِ
وهْو يُـردّدُ:" لا شيء أبدعُ ممّا يزخرفـه خادم الهرمين"،
جدائلها تتسلّقُ فوح المدى، وعبير المجرّاتِ،
تنسجُ للضعفاءِ ثياب البهاءْ
{3}
البنادقُ تلمعُ وسْط الحدائقِ،
ترصُدُ عُـمْـر الزنابقِ،
لكنَّ نـوّارةً هتفتْ رغم صولةِ سودِ المشانقِ:
"إنّ الحمائمَ ليستْ تغادرُ أبراجها الشامخات
إلى أن يغادرَ عبدُ الظلامْ
وينتظم البلدَ المَـيْـتَ صوبُ الغمامْ
لهيبُ الحرائق سوف ينالُ الشواهقَ،
لا عاصمَ اليوم من أمْر ربِّـك،
واليومَ للشَّـــعْب حقُّ الكلامْ"
َ
{4}
يستطيع "عُرابيُّ " أن يترجّلَ عن مُهـرهِ
وأن يسْـتريحَ قليلا بخان الخليليِّ،
ثمّ يسوق الجوادَ إلى ساحة العتَبة.
ليرى صوتَ أحفادهِ الفذَّ ممتشقاً غضَـبَهْ.
له أن يمرّ بميدانه ويطوفُ
على زمرِ العابرين إلى المجدِ
إكليلهمْ عقدته الدهورْ
ولشاعره أن يغادر منفاه في سرْنديبَ ضُــحًى ويغنّي:
أبابلُ مرأى عيونيّ أم هذه مصرُ؟
إني رأيت عيوناً هي السحرُ،
أفديك يا مصرُ، أفدي البراعم والزهَراتِ،
رأيت بروضك نوّارةً تتفتّحُ مثلَ فراشة حقلٍ،
وتسعى من النِّــــيل للقيروانِ،
وتَـحْـملُ للطيِّبين سلالا من الأمْن والبلَح التونسيِّ،
وتنشر أشواقها المــــــُــــــتْـــــــْـعَـبَــةْ.
{5}
يقول المغني:
ألا إنها كرةُ الثلج تكبر، تكبرُ..
والليل كرُّ وفرٌّ،
وتُشرقُ في الرّوحِ أغنية للحياة
وينزلُ من غيمةٍ عاشقُ النيلِ،
يحملُ للنجم إضمامةً ويقولُ:
"أنا النيـــلُ مقبرةٌ للغزاة
أنا الشعبُ ناري تبيدُ الطغاة "
أنا الشعبُ أمشي إلى غايتي
ويضيء طريقي الرسولُ
{6}
يقيمون في الطُّرقاتِ الصلاةَ
ودون الصُّدور الحرابْ
تقول لطفلتها أمّ يارا: استعدّي
فسوف نُصلّي سويّا مع المــــُسْـــلمين
صلاةَ الغياب، وقُـــــــدّاس يوم الأحدْ
فما عاد في حبّ مصر يفَــــــــرِّقُــــــنا من أحدْ
يقول الشهيدُ إذا قبّلتْ شفتاهُ الترابْ:
"فداؤكِ يا مصرُ"، ثم تقدّم نحو صلاة الغيابْ
موقنا بالإيابْ
ونـــــوَّارةٌ تتفتّحُ في أرض مصرَ وتـتْـلو الكتابْ
كتابَ التحوّل: " لن يسرق اليوم منّا شقيٌّ عطاء السَّحابْ"
ألا أمطري حيثما شئت أيتها الغيمةُ العاشقة
فإن خراجكِ سوف يعود إلى الشَّعبِ،
(ليـــتَ الرؤى صادقة).
ونوّارةٌ نجمُ صبحٍ تألق يـــَهدي الحيارى
ويُهديهمُ نخلةً من إباءٍ
وأحواضَ مغْــتَـــسلٍ باردٍ وشرابْ
{7}
أتذكّر نـوّارةً طفلةً وهْي تسعى علينا بكأس اللبنْ
وتُشاغب والدةً أثقلتها همومُ الوطنْ
"ألا تمنحين الضيوف مزيداً من الفاكهة؟"
فكيف غدتْ طفلتي نخلةً فارهة
تشدّ من الحُبّ أزر الجماهير وقتَ المحنْ؟
لتنهض وسْط العواصفِ مصرُ
ويهتف كلّ فتى وفتاة
وكل وريقة غصنٍ
وكلّ حصاة
وكل الحمائم من فوْق أبراجها: "أنا حُــرُّ ".
(ب)
عن السجن والحرية
إلى صافيناز كاظم
" ما أعسر هوان من تعوّد رفع رأسه"
"أومن إيماناً مطلقا بالجماهير التي تفنى في فكرتها وتذوب في نفسها كتلة كاملة متجهة في عزم مرعب نحو غايتها"
صافيناز كاظم، في: (وتريات 1974)
تخذتُ الـــــــشوق يا مصْـــــــر الرّكـابا
إليك ففتّــــــــــــــــــــــــــــــــــح التاريــــــخ بـــابا
وقــــــــــــــــــــال: بنــاةُ مجْــــــــد لن يملّـــــــــــــــوا
وقــــــــــــــد رفـعوا إلى الشهب القبـابا
خَــبَأت لك القصــــــــــــــــائــــدَ مورقاتٍ
قلائدَ كنت أنـــــــــــــــــت لها الكـــعابــا
وغارتْ منك أســـــــــــــــــــــــرابُ الغواني
فتلك قصــــــــــائدي تبغي السحــابا
إذا رضيتْ تكـــــــون زهــــــــور روض
وأسيافا إذا كانــــــــــــــــــــــــــــــت غضابا
عن الحرية الحمـــــــــــــــــــــــــــــراء أحكي
عن السجن الذي سلب الشبابا
شباب غزالة نشـــــــــــــــــــــــــرت ظــلالا
من الكلمات تنسكب انسكــابا
ســـــــــــــياط القهـر لم تكسر إبـاء
تحدّى الظّــــــــــالم امتشق العــذابا
تكسرت الحرابُ على ضلوعي
مســـــــــــــــــــننة، ألا خابت حرابـــا
وجرعني الطغاة كؤوس صابٍ
بذلت لها اصطبارا واحتسـابا
فصار الصاب عندي جام شهد
وصــــــــبري صار للطاغين صابا
وصــــــــارتْ أضلعي بستانَ أمْـنٍ
وآهــاتــــــــــــــــــــــــــــــي دعاء مستجــابا
وهذا الشعب للسارين أضحـى
وقد غمـــــــــــــــــت بنا الدنيا شهــابا
مــــــــــــــــــــــــــــــآذننا حرابٌ مشرعـــاتٌ
تداوي قلب من يشكو اضطرابا
إذا ســـــــلّ الطغاة سيوف بغْـي
ســـــــــــــــللنا في وجوههم كتــــابا
وإن صــــــــــبّوا رصاصهمُ علينــا
شحذنا عــــــــــــزمنا الفذّ العُجـابـا
أرى الشهداء قد رجعوا سراعاً
قناديلا، ومــــــــــــــــــا أحلى الإيابــا
لتشرق شمس مصر سنا وحبّا
وإيمانا وخيــــــــــــــــــــــــــرا مستطـــابا
أبحر النـــــــــــيل يا تابوت مـوسى
يســـــوق لقصــــــر فرعون الخرابا
أرى أرض الـــــــــــــكنانة كلّ شبـر
بها أضحى بــــــــــــــــــساتيناً رحــابا
ألا لا خوفَ بعـــد اليوم يسري
ألا لا قهْــر يخـــــــــــــــــــــــــترم الرقابا
ألا يا مــــــــصر جاءك كلّ صبّ
ليرشف من محاسنك الشرابا
وليــــــــــــس شرابك الموعـود إلا
ثـــــــــــــياب العز، ما أبهى الثيابا
الشارقة: 7 ربيع الأول 1432/ 10 فبراير 2011
وسوم: العدد 727