سنابل يوسف
في ظلّ القمر
{1}
أيها الناعس في ظل القمر
كيف أرجعت إلينا
صبوة الفجر وتحنان السحر
كيف أسبلت علينا
شهقة الريح وإيقاع المطر
كيف أسبغت علينا
من ظلال الدفء ما يوغر أفياء الشجر
كيف أيقظت البراكين،
وفجرت الحجر؟
{2}
أيها السابح في نور القمر
ولعينيك شراع
مبحر في الأبدية
كيف ما بين عشيه
وضحاها
سكب الشعر حميّاه على نحر الوتر
{3}
أيها الناسج في ظل القمر
بردة كعبية الروح،
تسوق القلب هوناً
نحو جنّات نعيم ونهَرْ
حالما كالسوسنة
كم سنة
كنتُ فيها قطرة تائهة بين سكارى
تخذوا العشق رداء وإزارا
فأضاءت كعبة العشّاق نارا
مثل نار الطور إذ تهدي الحيارى
كم سنة
كنت فيها شاعرا أرقب صوتا
مثل أطياف العذارى
وأنا الآن أشق الدرب نحو الفجْرِ
جذلان على كفّ حجرْ
1990
شوقا إلى الله
شوقاً إلى الله طيري واهتكي الحجُبَا
النورُ يدْنو وطيبُ الجنَّةِ اقْتربا
شوقاً إلى الله طيري مقلةً عبَرَتْ
تسابقُ الرِّيحَ والأفلاك والشُّهُبا
شوقاً إلى الله وثباً غيْرَ وانيةٍ
فليس من سار وهناً كالذي وثبا
شوقاً إلى الله، لا خوفٌ ولا حَزَنٌ
هل يعرفُ الحُزْن مَنْ مِنْ ورده شَرِبا ؟
شوْقاً إلى الله يا أبهى محجَّبةٍ
من سَيْبِكِ العذْبِ ماءُ الشِّعْر قد عَذُبا
يا رندَ فاسٍ، ويا بلقيس أنْدلسٍ
يا نسمة الأطلسِ الجبّار إنْ وهبا
لم نبنِ للعشْقِ غيْما نسْتَظِلُّ به
إلا تدفَّقَ من أجْفاننا قرَبا
فأرسلِ الدّمع من جفنٍ أضرَّ به
ذنبٌ تعاظمَ حتى قرَّح الهُدُبا
وقد تصاغر في عفوِ الإله إلى
أن صار بعدَ بكاء الرُّوحِ محْضَ هَبَا
خضنا وخاضتْ مطايانا الهوى فهوتْ
صواعقُ الموتِ تبغينا الهوى حرَبا
خُضْنا إلى أن تلقتنا لطائِفُهُ
فاستفرغ القلبُ دمعاً عَزَّ فاحتجبا
للشّوق أجنحةٌ خضراءُ سابحة
تلامسُ الغيبَ، ليستْ تحذر الرُّقَبا
فاستحلبي من سماء الغيْب درَّتها:
السّعد والرّشْدَ والإيمانَ والأدبا
تبارك اللهُ، إنَّ الله أنزلنا
داراً مكرّمة لا تعرف النّصبا
السعدُ ينشر في أفيائها خيماً
والرّشدُ يضْربُ في أرجائها طُنُبا
والحسنُ يجعلُ من جفنيكِ متكئا
كوني إذا ما همى أمًّا له وأبا
صرنا سوياً إلى دار الهدى فهمى
نُورُ الهدى في حواشي القلبِ نبْعَ رُبى
وهبَّت الرّيحُ تبْغي نسفَ خيمتنا
فكنت أصلب مني عزْمة وإبا
يا همةً تبتني في النجْم منْزلةً
عزّت، وتقطَعُ مما تحْملُ القُضُبا
سوّاك ربّكِ من نورٍ بحْكمته
ومن يسوّي بقلبِ الدرّة الخشبا ؟
تبيت راكعةً لله خاشعةً
الأرضُ تأكل منها الكفّ والرّكبا
كم زفْرةٍ في ضمير الليل ترسلُها
والدّمع في النَّحر بالآلام قد ذهبا
كم كحَّلتْ من نشيج القلْبِ مقْلتها
لا كحْلَ، لا قرْط تبغيه، ولا قُلُبا
شوقاً إلى الله يا أبهى مجاهدةٍ
إنَّ الشّهادة درْبٌ يبلغ الأربا
أضحتْ سميةُ في عليائها ابتسمتْ
لما رأتك شهاباً يرجم النصُبا
وتلك خولةُ قد ضمّتْ جوانحها
من عزمك الفذِّ ما تحيي به الحقَبا
ما غابت الشّمسُ، والأنهار ما فتئت
ريا، ولم يبرح الإيمان منْسَكِبا
ولم تزل هذه الصّحراءُ حاملةً
سرّ الحياة، ونبع النّور ما نضبا
تمدّ للمرتضى كفا مبايعَةً
وللحسين إذا حمّ القضا نسبا
ومن ندى السّبط تروي حرَّ وقْدتها
طوعاً، وزينب للخُلد انتضت سببا
من أبصر الحُرّةَ الحسناءَ عزمتُها
تردُّ عند اللقاء الجحفل اللجبا
ما تلك؟ برعم حبٍّ في تفتُّحه؟
أم إنها قدرٌ يسعى؟ فوا عجبا!
شوقاً إلى الله طيري، غير عابئة
بمن غدا يزرع الأقطار حقل ظُبى
وزلزلي تحت أقدام الطّغاة ثرى
كم ضجّ من بطشة الباغي وكم ندبا
لا تسألي عن فتى الفتيان في حلبٍ
فلست تلقين لا سيفاً ولا حلبا
لا تطلبي من دُمىً صارتْ محنَّطة
للنّصر سيفاً ولا رمحاً ولا نشبا
شوقاً إلى الله طيري، أنت مرْشدتي
وفي يديك لمست النّصْر والغَلَبَا
وجدة: جمادى الأولى 1423ه /
أغسطس 2002.
أنَّة المحْراب
أيّ ذكرى ترفُّ نوراً وطيبا
وتبثّ الوجود سرّا مهيبا
تصل الأرض بالسّماء فيغدو
في اخضرارٍ ما كان قفراً جديبا
أيُّ نُعْمى عمّتْ فكانت سلاماً
ونعيماً وجنَّةً وطيوبا
أيّ نور من عالم الغيب يسري
فهو يهدي الحيران والمحروبا
أيّ نبض من السّماء تجلّى
كالينابيع يسعد المكروبا
أظمأتنا الدّهور حتى تداعي
نا فكان الورد المعين القريبا
وإذا ما ادلهمّ خطب اللّيالي
كان نصرا وكان فتحا قريبا
هيه طه ! يا أكرم الخلق، يا خي
ر البرايا، يا ذخرنا المحبوبا
أنت نورُ القلوبِ يا خير هادٍ
كيف أضحى الظلام يغزو القلوبا؟
نظر القلبُ حوله فإذا النا
سُ حيارى يسترشدون المريبا
أيّ جرحٍ أشكو وأيّ دعاءٍ
يسكب الشّعر؟ أينا ما أصيبا؟
كلُّ شبْرٍ، يا سيِّدي، من بلادي
نازفٌ شاكٍ جُرحَهُ لو أجيبا
أمتي! أمتي! وتنتفض الرُّوحُ
وتغدو الجراح عيْناً سكوبا
شرّدتنا الدّنيا فطبْتَ أنيساً
أوسعتنا جرحاً فكنْتَ الطبيبا
وسقتنا الأيّام من صابها المرّ
فكنتَ المنّ المُملّأ طيبا
أمن الحكمة الرّشيدة أن ن
ركب هذا التغليس والتغريبا
أمن العقل أن يصير خليلا
لا يضاهى من كان قبل ذيبا
والشقيّ الشقيّ من نَصَّبَ الأو
هام ربًّا والكافرين رقيبا
يا مليكي حقاً ومالك أمري
يا مجير المستضعفين المجيبا
يا إلهي، وللحروب استعارٌ
ألهبَ الكفْرُ فوق أرضي الحروبا
ما الذي ينقش اليراع وهاتي
ك دمانا غدت يراعا صبيبا؟
يصبح النّاس آمنين ونغدو
بينهم خشعا، شبابا وشيبا
هتكوا عفّة الصّبايا جهاراً
واستحال المحرابُ مبغى رهيبا
فهو يشكو إلى الإله خطايا
هم ويشكو خذلاننا المنكوبا
أنّةٌ تنْطقُ الجمادَ وتغدو
في رعودِ الأحجار رعْداً غرييا
يا لقومي وقد تداعوا سُكارى
لست تلقى للعرض فيهم غضوبا
كم دعيّ يرْدي الفضيلة فينا
ويغني الإسلام غضّا رطيبا
ويرى العُهْرَ زينةً وبهاءً
للحياة الدّنيا، وفَناً عجيبا
ويرى الفحش في النوادي انطلاقا
والخطايا تسامحا مطلوبا
ويرى الركّع السجود فيشكو
في البلاد التطرّف المرهوبا
كلّما أوغل البغاة بتقتي
ل البرايا زدناهم ترحيبا
أيّ ذنب أخزى من الصمت؟ حي
ن الصمت يغدو للمعتدين ركوبا؟
هيه يا سيّدَ الوجود! لك العتبى
وشوقُ القلوب يذكي اللهيبا
قد أتينا إلى حماك عطاشا
فاسكب النّور واملأ الكون طيبا
وإذا ما الطّغاة عاثوا فسادا
وأذاقوا العباد سوطا حرُوبا
لم يزل في الرّماد نبضٌ بهيٌّ
سوف يكوي جباههم والجنوبا
وسيعلي البنيانَ فتيانُ صدقٍ
جعلوا النّور غايةً ونصيبا
الخميس 12 ربيع الأول 1416ه /
10 أغسطس 1995.
خوف
ليتني كنت طائراً ذبحوني
ليتني كنت نخْلةً خَضدوني
ليتني كنت ريشَةً مِنْ جنَاحِ
أنتهي عنْد هبةٍ من رياحِ
ليتني كنت قطْرةً من بحور
أتلاشى... ولا يسوءُ مصيري
ليتني كنت زهرةً أو مهاة
أو شعاعاً أو جدولاً أو حصاة
أقْطعُ العُمْرَ لا تنالُ اللَّيالي
منْ قناتي، ولا تهدّ رحالي
وإذا عُمْريَ انتهى للزَّوال
فإلى مؤمنٍ عظيم النَّوالِ
ويْحَ قلبي المسكين بعْد التُّرابِ
سوْفَ يغْدو إلى سريعِ الحسابِ
وضعيفٌ أنا، وآيَةُ ضعْفي
أنني أمْزج الرّجاءَ بخَوْفي
لستُ أقوى على شرارِ شِهابِ
كيْفَ أقْوى على شديدِ العِقابِ؟
مُرّةٌ هذه الحياةُ وفيها
طيّباتُ الهوى تذلّل تيها
لَيْت شعْري ماذا فتاها يُلاقي
يَوْمَ يَدْعو المسكينُ هلْ منْ راقِ؟
يا لهوْلِ الحسابِ قبْل الحسابِ
يا لسُوءِ العَذابِ قبْل العَذابِ
مَنْ مجيري إنْ قيل ما مِنْ مجيرِ؟
مَنْ نصيري إن قيل هلْ مِنْ نصير؟
ما أنا يُوسفٌ فيصْرَفَ كيْدُ
ما أنا عازر فيكسرَ قيْدُ
ما أنا بالكليم ينهَدُّ طورُ
إنْ تجلَّى لَهُ مِنَ الله نُورُ
ما أنا كالمسيحِ أُصْرَفُ صَرْفا
عَنْ كؤوس الحياةِ تُبذلُ صِرْفا
لستُ يحيى...ربّي براهُ حَصُورا
لأصُدّ المهَا تمدُّ جسُورا
أنا مِنْ آدمٍ.. أنا بَعْضُ طاعَةْ
ثُمَّ إثْمٌ.. فتَوْبَةٌ .. فضَراعةْ
لستُ إبْليسَ.. لا.. ولسْتُ مَلاكا
فِيَّ شيءٌ مِنْ ذا، ومِنْ ذياكا
أنا مِنْ ماءٍ قَدْ خُلِقْتُ وطينِ
ثمَّ أضحَيتُ محْضَ ماءٍ مهِينِ
الحَلالُ البهيُّ طوْع بناني
والحَرامُ الغَويّ هدّ كياني
قال: فاحْذَرْ يا عَبْدُ منْ أن تقولا
لَيْتَ أني كنْتُ اتّبعْتُ الرَّسُولا
لَيْتَ أنّي اتخذُتُ معْهُ سبيلا
لَيْتَ لم أتّخِذْ فُلاناً خليلا
قُلْتُ: يَا ربّ، ليْسَ في الأمْرِ حيلةْ
وأنا أرْتجي غِراسَ الفسيلةْ
أظْلَمَ الكوْنُ...ما استبان طريقي
مِنْ رعودٍ، ومِنْ شَرار بُروقِ
دُلَّني! دُلّني! فأنتَ الهادي
يا إلهي إلى سبيلِ الرَّشادِ
- أنْتَ قدْ بعْتَ النَّفْسَ والأمْوالا
وأنا سخّرتُ الرُّبا والجبالا
لسْتُ أرْضى لمؤْمِنٍ بالدنيةْ
فاقْتحمْ واجْعلِ الجهادَ القضيَّةْ
إنْ تكنْ عنْدك المنايا أمانِ
يصبحُ الكلُّ في يديْك عَوانِ
وسيغْدو النَّجْمُ البعيدُ قريبا
وسيغْدو الوجْه العصيُّ حبيبا
- يا إلهي! يَدي إليكَ سؤال
وفُؤادي تضَرُّعٌ وابْتِهَالُ
الشارقة،الجمعة:16 رجب1431 ،
18/6/2010
أوراق الخريف
العمْر ينتهبُ الدروبا
ما قد تصرَّم لن يؤوبا
والشَّمْسُ، شمْسُك يا طويل
العمْرِ، توشك أن تغيبا
وتقول أوراقُ الخريفِ
يكاد فرعُك أن يذوبا
فإلام تُعْرضُ عن حمى
رب يحبُّك أن تتوبا؟
أنسيت كم جاد الإلهُ
عليك؟ كم سترَ العيوبا ؟
أنسيت كم كشف الكرو
بَ وقد تجرَّعْت الكروبا؟
أنسيت كم لطفَ اللطيفُ
بعبْده لطفا عجيبا؟
كم خضت بحر الوزر جهلاً
كم ركبْتَ به الذنوبا
ولكم شربت الإثمَ كأساً
خلتها عسلاً وطيبا
ولكم تسربلت الخطايا
سابغاتٍ مستطيبا
ألفاك ربك عاريا
فكساك من كرم قشيبا
وسلكت ليل البيد
كالضلِّيلِ مرتجفا كئيبا
فحباك ثوب هداية
وسقاك من عفْوٍ ذَنوبا
فأْرَزْ إلى ظلٍّ، على
حرِّ الهواجر، لن تخيبا
واهتف: أجرني يا إلهُ
فإنَّ لي قلْباً منيبا
ضمدْ جراحاً أحدثتْ
في القلب جمرتُها ندوبا
هي أمتي.. هي أمتي..
إنِّي دعَوْتك فاستجيبا
عودي لنا
عودي لنا أيتها البتول، يا معلّمة
فالأرض من دونك يا سيِّدتي
موحشةٌ ومظلمة
ألست للفقير يا سيدتي
مشربه ومطعمهْ؟
قصيده ونغمهْ؟
ألست أنت المرحمةْ؟
عودي فأنت اللحن والغناء
وأنت، أنت الكأس والرواء
عودي لنا يا أمنا المكرَّمة
عودي فقد تحير الأبناءُ
وضاق عن شوقهم الفضاءُ
سيِّدتي
قادتنا تنام في أسرّة منعَّمةْ
خيولها مطهَّمةْ
مسوّمةْ
ومتخمةْ
لكنها منهزمةْ
وأمَّتي فقيرةٌ، أفواهها مكمَّمةْ
عودي لنا أيتها الفاكهة المحرمةْ
فالليل من دونك يا سيدتي
يحجب عنا عطرهُ
وسحره وأنجمَهْ
عودي لنا أيتها البتولُ
فدون وجهك البهيِّ تشحب الفصولُ
وتظمأ الحقولُ
ودون صوتك النديّ يا غمامَ عُمْرنا
يصيبنا الذهولُ
أما رأيت كيف صار بيتنا
دموعه تسيلُ
وسهده يطولُ
وقد تولى وجْهُك الجميلُ
وغاب عنَّا لحظة منطقك النبيلُ
أما رأيتِ كيف أنّ دارنا
قد كان فيها نعَمٌ وشاءُ
وكان في ضيائها يغتسل الضياءُ
وكان فيها تستريحُ بكرةً
إذا أصابها العناءُ الشَّمسُ..
والنجومُ.. والحجارة الخرساءُ
وبعدما رحلت يا حبيبتي
حاصرها اليهود والمغولُ
وصار فيها ينتشي
بجوعنا وبردنا شاوول؟
للجوع أن ينشب فينا ظفرهُ
للبرد أن يرفع عنا سترهُ
للريح أن تزرع فينا إصرها ووزرها
سوف نظل جبلا
عن عهده الميمون لا يميلُ
عودي لنا أيتها البتولُ
فدون همّتك يا دليلتي
عذابنا يطولُ
وحزننا يطولُ
ودربنا إلى لقاء إخوتي يطولُ
وجدة: الاثنين 11ربيع الأول 1427
الموافق ل 10أبريل 2006
نبوءة العرَّاف
أنبأني العَرَّافْ:
ستركبُ المِجْدافْ
وتصحب التطوافْ
بحثا عن الناسكة التي تقيم في جزيرةٍ
وسط بحار ما لها ضفافْ
جوهرة تسترها الأصدافْ
عند حدود (قاف)
نشرتُ باسم الواحد القهَّار ْ
أشرعتي، أغالب التيّار ْ
نزلت في وهرانْ
مررت بالمرسى الكبير مثقلا روحيَ بالأشجان
وقفت في الصباحْ
في (ساحة السلاحْ)
والأسَدُ الرَّابض يحكي قصَّة القرصانْ
يوم أتى محمَّلا بالحقد والنيرانْ
مضت قرون خمسةٌ، وما يزال نسله يزلزل الميدانْ
وجهت باسم الله مركبي
إلى جهات ما لها شطآن
نزلتُ في عمّان
نشرتُ في معان
ألويتي.. ثم ركزت الرمح في عُمانْ
في كل أرض نخلةٌ
وعند كل ربوة أقواسْ
شديدة المراسْ
نزلت في أ كْرا، وفي جفون (كلستان)
أتعبني التَّطواف
يمَّمْتُ نحو فاسْ
ما أكذب العَرَّاف
لم أجد الناسكة الحسناء عند (قاف)
لكنني وجدتها مضيئةً تحت ظلال (ق).
الشارقة:8 جمادى الأولى1432
12 ابريل 2011
السوقُ
نزلتُ إلى السُّوق كيما أمير
فميرةُ أحبابنا فرضُ عيْنْ
فكانت كمعْتركٍ لا يلينُ
فهذا بصدْقٍ.. وهذا بمينْ..
وذاك يُقاربُ بينَ الخُطى
وذلك كالسَّهْمِ في الخافِقينْ
وآخرُ...قدْ أتعبته السِّنون
فأصبح يخْطر ما بيْنَ بيْنْ
وكلُّهمُ أدرك المُبْتغى
وعادَ ليرْتاح من بعْدِ أيْنْ
ولكنّني دونَهُمْ مُفْلسٌ
فما عُدتُ إلا بخُفِّ حُنَيْنْ
ولمّا سألتُ وسالَ الفؤادُ
بما أثْقلَ النَّفْسَ والمعْصمينْ
تناهى نِداءٌ إلى مسمعي
وأصبح كالَجْمر في الأصغَرَينْ:
لقد نمتَ حتّى انبلاج الصَّباحِ
وكحّلَ سهدُهُمْ المُقْلَتَيْنْ
تَقَلُّبُهُمْ كانَ في السَّاجدينَ
وقَدْ شغَلَتْكَ أمورٌ مَضَيْنْ
أما زلتَ في السُّوقِ تبْغِي الفلاحَ ؟
أتحسبُهُ ذهباً أو لُجَينْ؟
لقدْ ربِحَ البيْعُ يا بْنَ التُّرابِ
إذا بِعْتَ ربّكَ ما باليَدينْ
وقطّعْتَ ليْلكَ كالعاشِقينَ
وذرّفتَ في جَوْفِهِ دمْعَتَيْنْ
فجر الأحد:29رمضان 1427
الميراث
نَزَلَ الأعرابيُّ
إلى السوقِ
فلم يبصرْ
للبائعِ والمبتاعِ أثرْ.
قال وقد راودتِ القلبَ الأحزانُ:
جئت أميرُ الأهلَ،
فكيف أعود إليهمْ
دون ظفَرْ؟
قال ابْنُ عُمَرْ:
هوّنْ يا عبْدَ الله عليكْ،
وانْزِلْ للمسجدْ
فالنَّاسُ هنالكَ
يقتسمون جميعاً
ميراثَ محَمَّدْ
فاملأ منه يديكْ
نزل الأعرابيُّ إلى المسْجِدْ
والفرحة تسبقهُ
كالظلِّ إلى غايتهِ
ثم تولّى بعد قليلٍ
يُرْسِلُ زفرته لابن عمرْ
ما للميراثِ أثرْ
يا ابن عمرْ
أو تسْخَرُ منِّي
وأنا شيخٌ كُبّارْ؟
لم ألْفِ بأنحاء المسْجِدْ
إلا رجلا يتهجّدْ
أو شيخاً يتْلو
من آيِ الله ويسْجُدْ
أو قوماً مشغولينَ عنِ الدِّرْهَمِ والدينارْ
بمدارسة القرآنْ
لا مالَ..
ولا ميرةَ..
لا ميراثَ
ولا أشياءَ أخَرْ
قال ابنُ عُمَرْ:
يا عمّْ
لا تغتمّ ولا تهتمّ
هل كانوا بمدارسة القرآنْ؟
ذلك لو تعْلَمُ يا ابْنَ الإنسانْ
ميراثُ محمّدْ
2شوال 1427
الموافق ل 25-10-2006
الشمْعة
أبْصرَ العاشقُ في الظُّلْمَةِ شمْعَةْ
تُرْسلُ الآه وتُجْري فوقَ خَدِّ الَّليْلِ دمْعةْ
قال: يا شمعةُ إنّي أنا أولى منكِ لوعةْ
جرّحَ الدَّهْرُ إهابي
مِنْ شبابي
مَنْ تُرى في الخَلْقِ مَنْ يحْمِلُ بعضاً من عَذابي؟
ما الذي يُبْكيكِ يا طاردةَ الظُلْمَةِ بالنُّورِ؟
وكمْ أحْرقْتِ في ناركِ واهاً من فراشةْ
قالت الشَّمْعَةُ: يا مسْكينُ، ما دمْعِي لحُبٍّ أو هُيامِ
إنَّما أبْكي عباداً تركوني
تركوا النُّورَ ليَحْيَوْا في سرابيلِ الظَّلامِ
العروق الصوادي
أيُّها العبْدُ، هل سمعْت المنادي
صادعاً كلَّ مجْمعٍ أو ناد؟
يا لها صيحةً تصدّع منها
كل صلد من حاضرٍ أو بادِ
أيّها العبْدُ، طال مُكثُك في الأرض
فقد آن موْعدٌ للمعاد
هل تزوّدتَ؟ إنَّ كلَّ رحيلٍ
أيها العَبْد ظامئٌ للزادِ
فإلى مَ الآمالُ تقطَعُ عنك
الدَّرْبَ يا غافلاً.. وفيم التَّمادي؟
أنت من طينٍ قدْ خُلقتَ وللطِّينِ
بلا ريبةٍ مآب العبادِ
آهِ مِنْ وحْشةِ القُبورِ، وبيْتِ
الدُّودِ، يغْشى السَّواد إثْر السَّوادِ
كيف منْجاتُكَ الغَداةَ؟ وكلٌّ
خائفٌ بَيْنَ رائِحٍ أو غادِ
إنَّ أولى منازلِ الغدِ، لو تَعْلمُ،
بيتٌ يعْلو بلا أوتادِ
روضةٌ مِنْ دار الخلودِ أعِدّتْ،
لو درى غافِلٌ، لأهْل الرشادِ
وإذا لم تكُنْ... فحفرةُ نارٍ
لنُفُوسٍ لم تَأْتَزِرْ بالسدادِ
هيه يا عبْدُ، كم يطُولُ التمني
والرَّدى للأنام بالمرْصادِ
فتزوَّدْ .. قَدْ آذنتْ بزوالٍ
شمْسُ عُمْرٍ جَرتْ مع الآبادِ
كمْ بَلَلْتَ الشِّفَاهَ وهي صوادٍ
آه بل إنها العُروق الصوادي
لم يزدْكَ السَّراب إلا أواما
والشَّرابُ اللذيذُ ظلَّ يُنادي
كانَ ما بيْن راحتيْكَ ولكنْ
حَجَبَتْهُ عَنْ ناظِرَيْكَ العوادي
وكُؤوسُ الرِّضا دعَتْكَ ولكنْ
أسْكرَتْكَ المنى بلا مِيعادِ
قالتِ النَّفْسُ: ما مُراديَ إلا
لَذةٌ، والحرامُ شَرُّ مُراد
لا تُطِعْها، فكمْ تَردَّى مُطيعٌ
للْهوى، والهوَى مَطِيُّ الفَسادِ
كلُّ شيءٍ وإنْ يطلْ فقصيرٌ
كلُّ ما ينْتهي غداً للنَّفادِ
ليْسَ يبْقَى إلا الذي تحْتَ ظلِّ
الله يبْقَى سناه يومَ التَّنادي
السبت 28رمضان 1427
21 /10/ 2006
نبعة الطّيب
للشوق أجنحة خضراء تذْكيها
قصيدة منك يا أبهى قوافيها
يا راحة الروح في دنيا مروّعة
يا واحة العمر في صحراء أطويها
يا خمرة بدماء النور مترعةٌ
تسقي دمائي حُميّاها وتفديها
إن صوّح الورد من عينيك أنعشه
أو جفّت السنبلات الخضر أسقيها
يا قبلة القلب إن صلى وكعبته
يا روضة الروح يا أزهى مغانيها
كم زفرةٍ في ضمير الليل يرسلها
كأنما جبل التوباد يلقيها
وكم تضرّع للرحمن مبتهلا
وكم أذاع دموعا كان يخفيها
وكم لديه من الأسرار لا أحد
إن فاضت الكأس بالأسرار يدريها
وكم لديك من الأنوار يقبسها
وكم لديه من الأشعار يهديها
أكتّم الشوق ؟ لا سالت بأوردتي
إذن قصائد عشت العمر أحميها
هل كتّم الشوق سعدي إذ أضرّ به
وهل طواه جلال الدين تمويها
يا نبعة الطيب غاض الطيب من قدحي
واجتث صمتك من روحي دواليها
فجددي في دمي الإيمان وانتشري
حلما تسامق تأويلا و تشبيها
سحابة من سماء الغيب طيّبةٌ
للعالمين يد الرحمن تسجيها
4 ربيع الأول -1416
2\8\1995
سلاما
سلاما واغفروا زفرات قلبي
وصرخة أضلعي ولهاث آهي
سلاما واشربوا أحزان روحي
فقد يبس الكلام على الشفاه
وكم منّيت نفسي أن أغني
وأعزف في المراعي للشياه
ولكن كيف والدّم تاج رأسي
وقد حلّتْ بساحتنا الدواهي؟
رأيت المسلمين ذوي منامٍ
وأعين شانئيهم في انتباه
وصبّحنا ومسّانا اقتتالٌ
أتعصمنا الزواجر والنواهي؟
أرى الأعداء في أرضي سكارى
وكلٌ قد يُقتّل لاشتباه
ويهلك ضرعنا والعقل غافٍ
ويحرق أرضنا والقلب ساه
وأورق حزننا شوكا فآهٌ
مع الحدثان تسلمنا لآه
تناولنا الغواة ونحن صمٌّ
فما جرحٌ جراحَتَنا يضاهي
تبصّرْ هَل ترى أرضا تناءت
عن الدم وهي تجأر يا إلهي؟
فأيّ فمٍ سيصدح والبرايا
يؤرّق أمرهم ذلُّ الجباه؟
يجوع الحر أو يلقى المنايا
ويأنف أن يساق ولو لجاه
فلا تأمن سيوفا لامعاتٍ
فقيصرُ حاطب في حبل شاهِ
رأيت أمور قومي يا لقومي
بأيدي السادرين لدى الملاهي
شراب القوم من نفط مصفّى
وللشعب الخليطُ من المياه
ولم ينفع يمين أو يسار
فكلهمُ تفنَّن في سفاه
وكلهمُ يرى غُنما بقومي
وكان النَّفْط داهية الدواهي
أخي عذرا إذا ما جفَّ عودي
ولم أعزف أناشيد الرَّفاه
ويعتصم الحزين بحبْل طه
وحبل سواه لو أدركتَ واه
وجدة 1/2/ 2007
هالك وابن هالك
وعلمت أنّي هالكٌ فيمن هلك
فَهُرِعْتُ لكْ
متضرِّعاً عطشانَ أطلبُ منْهَلكْ
من قبْل أن يأتي عليَ الموتُ،
والقَبْرُ البعيدُ يقولُ: كنتُ ولم أزلْ،
من قبْلِ أن تأتي إلى الدنيا وحيدا، منْزلكْ
هُيِّئتُ لكْ
ماذا إذن هيَّأْت لي؟
حتّى أكون لك الرؤومَ إذا نزلْتَ بساحتي لأظَلِّلَك!
يا رَبّ لا أشكو سوى ذنْبي،
وإن طرقتْ دروبي الحالكاتُ،
وأقعدتْني في سراديب الحلكْ
أوليتني نِعَماً لأشْكرْ
ووهبْتني محناً لأصْبرْ
فالحمد لكْ
والشكر لكْ
يا منْ إلى الرّضْوانِ تدعو من سَلكْ
الجمعة:29 شعبان 1430
28/08/2009
الطريق إلى المدينة
لم تَسْبِنا شفةٌ ولا أحداقُ
فعلام تعصف بالدَّم الأشواقُ؟
لم ينطفئ جُرْحٌ سوى لوريثه
فدمي على كلّ الدروب مراقُ
والقلْبُ مقصوصُ الجناح مقيّدٌ
لكنّه مِنْ حبّه خفَّاقُ
هو من تولّهت القلوبُ بحسنه
وتدلّهتْ بجماله الأعلاقُ
ريّانُ هذا الحبُّ لكنَّ الهوى
أسيافه تعْنو لها الأعناقُ
من يحمل القلْبَ الشَّريد إلى ثرى
من تستثار بذكره الأعماقُ؟
يا ليتني كنت الترابَ لنعْله
فأفوزَ، إذ نعل الحبيب براقُ
حدائق النّور
أزفَ الرَّحيلُ بنا، فأيْن نُقادُ؟
وعلى الطَّريقِ مفَاوزٌ ووهادُ
طال السُّرى والنّجْمُ أظْلمَ نورهُ
والصّبُّ قرّحَ جفْنَه التّسهادُ
لكأنّني أبصرتُ طَيْفكَ راحلاً
وتفَرَّقَ الأحْبابُ والعوّادُ
وبقيتَ وحْدكَ، لا ترى إلا الذي
زرعتْ يداكَ وقد تلاهُ حصادُ
طرقتْك صائدةُ الهوى فتبعتها
من حيثُ تحْسبُ أنّك الصّيّادُ
وغزا عذاريك البياضُ وإنّهُ
لوْ كنْت تعْلمُ حسْرةٌ وسوادُ
هلاّ بذلتَ من الفضائِل ما بهِ
يبْيضّ في يوم الحسابِ مدادُ
ويح النّوى، ما للنّوى تُذْكي الهوى؟
ولقدْ يقالُ من الهوى التّسْآدُ
إنّ الهوى يُرْدي، ولوْ سيّجْتهُ
بالصّالحات وقاك منْه رشادُ
شدّ الغريبُ رحالهُ فَتَنكّرتْ
يا ويْحهُ له أمّةٌ وبلادُ
أبُنيّ، خُذْ عنّي وصيّة من سعى
فتقَطَّعَتْ من خلفه الأكبادُ
المجْدُ شرّده وبدّدَ شمْلهُ
ولكَمْ تُشَرِّدُ ماجداً أمْجادُ
ما كان يحسب للبعادِ أظافراً
مسنونةً حتّى رماهُ بِعادُ
سيظلُّ هذا السّيْفُ يأكل غِمْدهُ
حتّى يحلّ بساحتيه مَعادُ
قدْ يخطئُ القصْدَ الفتى ولربّما
مِنْ قبْلِ غايته يزلُّ جوادُ
لا كأس أعذبُ، لو بصُرْتَ، من التّقى
فبها يطيبُ الوِرْدُ والوُرّادُ
انظرْ وراءكَ.. هلْ تحقّقَ بالذي
أنْفقْتَ منْ زهْر الشباب مُرادُ؟
انظرْ وراءكَ، ليس منْ غضبٍ، فما
ينسابُ نهْرٌ ماله إمْدادُ
منّيْتَ نفسك بالذي يهفو لهُ
العشّاقُ، إن سَجَن الخلِيَّ رُقادُ
منّيتَ نفسك بالجهادِ، ولمْ يكُنْ
لك أنْتَ غيْرَ الأمنياتِ عَتادُ
منّيتَ نفْسك بالوصالِ، وهلْ جرتْ
يوماً على درْب الغريبِ جيادُ؟
وسمعتَ صوتاً في الضّلوع مجلجلاً
ويكادُ منْه يستغيثُ فؤادُ:
البنْدقيّةُ زهرةٌ فوّاحةٌ
إن عمّ هذا العالمين فسادُ
هيهات! درْبك مقفرٌ، والخيْلُ قدْ
عَبَرتْ، وليلُ الطالبين سُهادُ
حجبتك عنْ آلائه نفْسٌ غوتْ
وتعلّقتْ بالنّجْم وهْو رمادُ
كُشف الغطاءُ، وأبصرَتْ عيناك ما
يزري، لقد مل الرياضَ قتادُ
ولقدْ بلوتُ الدّهْر حتّى خلتُه
قدْ صار وهْو لرغبتي ينقادُ
ثمّ انتبهتُ فلمْ أجدْ إلا مُنى
لا عيْن تسعِدها ولا أورادُ
وهجٌ دعا قلبي فلمّا جئتهُ
سدّتْ عليّ طريقيَ الأسدادُ
فبمنْ ألوذُ؟ ومن يُجيرُ سوى الذي
سَوّى، وزادُ اللّه نعْم الزّادُ
النّورُ دونكَ، فاغْترفْ يا سالكاً
درْبَ الأحبّةِ، فالنّعيم مِهادُ
نمْنَمات على بوّابة العشق
شمسُ تبريز أشرقتْ في كياني
فتجلّتْ عرائسٌ في الجنان
أيّ شمسٍ أبهى وأعلى مقاماً؟
لا تقلْ :" والظلام ليس بفان"
فعلى الأفْق من مداد الشهيدينِ
بقايا...فالأفْقُ أحمر قان
سَبِّحِ اللّهَ، مَنْ مِنَ الشّجر الأخْضرِ
أذكى مهيب الدخانِ
مسّتِ النّايَ نارُ عشقٍ فغنّى
وبكى، فانتشى به الخافقانِ
كان قلبي مِنْ قَبْلِ مسِّ لظاه
حطبا يابساً جليَّ الهوانِ
فاستوى كالشهاب يخترق الأفْقِ
ويَدْنو... ويا نعيم الدّاني
وجَعُ النّأْي شهقةٌ ليس تبلى
قد تلتها منْ عاشقِ زفرتانِ
هُوَ صحْوٌ وسكْرةٌ، وظلالٌ
ولهيبٌ مبارك الخفقانِ
إنّ برقَ الحجاز هيّج قلْبي
فهوى في قرارة الأحْزانِ
فأقلّوا العتاب يا أهْل نجْدٍ
ملنا في دفع الهمومِ يدانِ
قلْتُ، والحبُّ خيْر زادِ المُعَنَّى
وجرت فوق وجنتي دمعتانِ
تلك أروى قنديلُ حبٍّ تدلَّى
من سماءٍ مخْضَلَّة الأغصانِ
دُلّني، من أين الطريقُ إلى النّورِ؟
فإنّي مشتّت الأذهانِ
قال: " إنّ اللّهَ اشترى"، قلتُ: قلْبي
رَضِيَ البيْعَ، قال: خذْ عنْواني
ومشى خطوةً.. فلمّا تَجَلَّى
خرَّ موسى.. هل يُدْركُ الثُّقَلانِ؟
صعْقةُ العشقِ زلْزلت من سناها
أضلع الطُّور، فهْوَ في هيجانِ
هُو إنْ غُصْتَ فيه شلاّلُ نورٍ
وعطايا وجْدٍ...ووحْيُ بيانِ
أيّ كأْسٍ سقتْ عروقَ المعَنّى؟
فَهْوَ في نشْوةٍ بديع المعاني
ألفُ ليْلى جُنّتْ، وألْفُ سعادٍ
ليْس تدري الذي بجوف الدّنانِ
"أنْتَ تغلو يا قَيْسُ.. كلاّ، عيوني
ما رأتْ غيْر بارئ الأكْوانِ
وجْهُ ليْلى إشارةٌ، وسناها
قبساً فاضَ عَنْ يدِ الرّحمنِ
وأنينُ التّوبادِ ليْسَ سوى تكْ
بير عبْدٍ أفضى بغيْر لسانِ
أوَّبي يا جبالُ، فالطّيْرُ حنَّتْ
وكؤوسُ الحنينِ صنْوُ الحنانِ
وعلى درْب العاشقينَ دماءٌ
ودمُ العشْقِ قبلة الحيرانِ
حَرّكَتْ أوتار المحبّة في الرّوحِ
يدٌ لوَّحتْ بوسْط الجنانِ
والفراشاتُ لم تزلْ تعشقُ النُّورَ
وترْضَى الإبْحارَ في النيرانِ
حجبتني الأوزارُ عنْ رؤية السّرِّ
وهَدّتْ مِسْحاتُها أرْكاني
والضّعيف الضّعيفُ مَنْ كان مثلي
مثقَلَ القلْبِ ، موهَنَ البنيانِ
طاف قلبي دهراً ، فلمّا تداعى
سُقْتُ رحْلي إلى بديع الزّمانِ
سيقولُ الغُلاةُ: إنّك تغْلو
كيف يدْري الخَلِيُّ فكَّ المعاني؟
هيه يا نفْسيَ الذّليلةَ هوْناً
وخّذي الحُكْمَ من يدِ الحِرْمانِ
لا تمُدّي عينيكِ.. ربّ خِوانٍ
عرَضَتْهُ يكونُ شرَّ خوانِ
واهتفي: إنّني ظمئْتُ إلى النّورِ
فجدّدْ يا بارئي إيماني
أيْن منْ هِمّةِ المُحِبِّ إذا ما
هَمَتِ الكَأْسُ ، وانْتشَتْ شَفَتَانِ
أيْنَ منْها بيارقُ السّلْطانِ
خافقاتٍ، وصوْلةُ الصّولجانِ؟
كلّ شيءٍ يفْنى ، وليْسَ بباقٍ
غيْر وجْه المهيمنِ الدّيَّانِ
حُلّة النّور
ألبسيني من خلعة النور حلّة
أنا في دوحة الجمال مولهْ
وأفيضي عليّ من مائك السح
ري كأسا تسبي (الربيع) و(دجلة)
قطرة تبعث الجنون وتحيي
أنفسا زلزلت وتطفئ غلة
أخطأ العاشقون نور مغاني
ك فتاهوا بكل أرض مزلّة
أتبعوا الأنفس السراب ضلالا
إن من يعبد السراب أضله
لو رأى فارس الفوارس أنوا
رك لم تسبه مفاتن عبلة
ولو أن المجنون آنس نارا
لم يشُقْه جيد لليلى ومقلة
أنت فيض من المواهب تزجي
لفتى أفعمت مناه التعلّة
أنت علمتني السمو عن الطي
ن وأسكنت الروح بين الأهلة
أنت بصرتني وقد كنت أعمى
أن حب الإله أعظم نحلة
أنت حررتني فطار فؤادي
يبتغي في الآفاق خير محلة
من لروحي إن غاب صوتك عني؟
من لقلبي الشريد بعدك؟ من لهْ؟
أنت ورد للروح في هذه البي
د وظلٌّ للقلب ضيّع ظلّه
أنت أيقظت شعلة الشعر في صد
ري وألهبت في الجوانح صولة
أنت شيدت في خرائب روحي
ملكوتا من الجمال المؤله
أنت أججت في دمي ألف لون
يتلظى وألف ظل مدله
أنت ملكت أضلعي صولجانا
ما رأت صولة السلاطين مثله
شوق أسماء في دمائك يسري
وإليه تسعى حدائق خولة
قد صهرت النفس الجموح بنار ال
حب فانجابت غاشيات المذلّةْ
أنقذيني يا جنتي من سعير
لم أطق في بحر الحوادث حمله
أنقذيني يا جنتي من سعير
لم يزل في الوجود يلهب غله
وأنيري دنياي إن ظلامي
إرميّ لولاك يا خير خلة
بلْبلٌ و وَرْدة
البلبلُ الحيْرانُ طال عناؤه
من بعدما ملأ الوجودَ غناؤه
أزرى به طول البعاد وإنّما
قرْبُ الحبيب دواؤه وشفاؤه
حبستْ يَدُ الصياد طيب نشيده
ظلماً، فغاض بهاؤه ورواؤه
والوردُ كفَّ عبيرَه لمّا رأى
صوت الحبيبِ ذوى، وغاب نداؤه
قلبان مؤتلفان ضمّهما الجوى
زمناً ولفّهُما هناك رداؤه
والغابة الخضراء كانتْ ملعباً
وجهُ الصباحة أرضه وسماؤه
وهما به يتنعمانِ فلا ترى
ذئباً ينغّص ما يطيب عواؤه
قد عاهدا الرّحمنَ ألا ينقضا
عهْد المحبّة أو يُكَدَّر ماؤهُ
شهدتْ طيورُ الغابِ ميثاقَ الهوى
وتقبّلته أسوده وظباؤه
لم تشهد الغاباتُ أبْهى منظراً
ممّا يخطّ عبيرها ودعاؤه
فإذا الحمائم والنسور توائمٌ
والغاب طاب زئيره وثغاؤه
وإذا الجميع أحبّةٌ، لا فرقةٌ
سرّا تؤجّج أمرها أعداؤه
.......................................
ما كان أطيبها منىً معْسولةً
للعاشقين تهدّلت أفياؤها
الوردة الولهى بها (عطّارها)
والبلبل الشادي بها (ميلاؤها)
والطّيْر صافّاتٌ تُسَبّحُ ربّها
فتفيضُ من خيراته أهراؤها
أكْرمْ بها نُعْمى ترفّ ظلالُها
فبكلّ نُعْمى تُفْتدى نعماؤها
الحقّ معشوقٌ، وعاشقُ بابه
طَرّاقُ ليْلاتٍ بها مشّاؤها
..........................................
لكنّ صيّاداً أتى متربِّصاً
لم يُرضِهِ جمْعٌ يفيض إخاؤه
قد جاء من خلف البحارِ يقودهُ
حقدٌ توقّدَ شرّه وبلاؤهُ
حشَد الحشودَ مزمجراً: من لم يكنْ
معنا، فحقٌّ أن تراق دماؤه
أأعيشُ في ضنْكٍ وينْعَم بلبلٌ
تقضي بغير شريعتي أبناؤه؟
هلْ سيّدٌ في الكَوْنِ غيري آمِرٌ؟
أنا سيّدُ الأكوانِ جلّ ثناؤه
من قال للمستضعفين تذمّروا؟
النّسْرُ يغْضبُ أن يضام هواؤه
سأُحرّقُ الغاباتِ، أجعلها لظىً
لنْ تستريحَ بظلها آلاؤه
النفطُ مهمازي إذا احتدم الوغى
لا الصّرح يُستبْقَى ولا بنّاؤهُ
والقحْطُ جندي، أُذلّ به الورى
لن ينفع الليث الأسير إباؤه
لن يهدم الغاباتِ إلا جذُعها
والسدّ يغرق إن تفجّر ماؤه
البلبل الحيرانُ أصبح نائيا
عنه الحبيب، فهل يحين لقاؤه؟
أم هل تُعيد العهدَ أزمنةُ اللظى؟
ويعود للغاب الجميل رواؤه؟
* * *
وتنادت الأطْيارُ: هلْ من مُخْرجٍ؟
والقولُ ينظمُ عِقْده فصحاؤها
يا هُدْهُد البشرى، ألا من يقْظةٍ
تَأْتِيكَ عن أهل الحجا أنْباؤها؟
قال السميرغُ والغيوبُ تحوطه
فكأنّما أصداؤه أصداؤها:
يا غُمّةً لو أنّنا قُمنا لها
بمحبّةٍ لتكشّفتْ ظلْماؤها
وإذا تفرّقت القُلوبُ مودّةً
لم يَثْنِها عن جهلها حُكَماؤها
يا غابةً آلامُها مبسوطةٌ
بين المحيطين ارتمتْ أرجاؤها
سيعود بلبلكِ الشريدُ إلى الحِمى
وإن استطالَ خريفها وشتاؤها
سيعُود بلْبُلُك الشّريدُ مُغَرّداً
ويَرفُّ من ألْحانهِ طلقاؤها
وتعودُ وردتنا الجميلةُ طيبُها
متضوعٌ، ونديّةٌ أنداؤها
هي أمةُ الطّير استفاقت للعُلا
لا صَقْرها أغضى ولا ببغاؤها
شعْبٌ تنادوا مصبحينَ أعزّةً
يبغي الحياة رجالها ونساؤها
فسّرْ لنا الرؤيا فأنت حكيمها
وعليمها وإليك آل دهاؤها
الوردة المعطارُ شرعةُ أحمدٍ
وعبيرها في الكائناتِ ضياؤها
والبلبلُ المأسورُ أمّة أحمدٍ
ولواؤه في العالمين لواؤها
الوردة المعطار روحٌ سابحٌ
والعندليبُ لباسها وغطاؤها
والوردة المعطار سرّ بقائه
والبلبل المرآة منه جلاؤها
والآثمُ الصيّاد حصّنَ سجنَهُ
أسوارهُ بلغ المدى أنباؤها
لكنّ هذا السور ليس مهدّما
إلا إذا الزفراتُ حان جلاؤها
فليصبح الجرحُ المضمّخ مهرها
ولكلّ عِرسٍ في الوجود حباؤها
أرسلْ أنينك أيها الشادي فإنْ
سالتْ دماكَ ستستعاد ذِماؤها
ولتملأ الليلَ المحصّنَ آهةٌ
منْ وردةٍ وليستمرَّ بكاؤها
فالشّمْسُ تكشفُ بعْد ليلٍ سرّها
فيعمّ وجهَ العالمين ضياؤها
الشارقة: جمادى الآخرة 1431 / ماي 2010
عطارها: فريد الدين العطار. ميلاؤها: عزة الميلاء.
والبلبل في الأنشودة الهندية مؤنث والورد مذكر.
عروس زلاغ
على وتري عزفتك عنفوانا
ولحنا من إباء لا يدانى
ومن شفتيك ذوّبت القوافي
بكأسٍ كم أدلت بها الدنانا
سكرت بها فقرّبتِ الثريا
وصاغت من عروق الخمر حانا
غويت بها فزاد القلب رشدا
وإيمانا فأدركت الأمانا
ولولا أنتِ ما جرّحتُ قلبي
ولا خضّبتُ من دمي البنانا
وما أحببتُ فيك سوى يقيني
بأنك موئل التقوى عيانا
ومربط فارسٍ فذّ كريم
إلى الرحمن قد لوّى العنانا
وهودج غادة من آل فهر
تحدت بالمعالي الترجمانا
ومن في الغيد يا وطني المفدى
كفاطمة إذا رمنا الرهانا
فلم أبصر أعفّ يدا وأندى
وأفصح وهي صامتة لسانا
أليس الجامع القرويّ فينا
خطيبا بالمكارم ما توانى؟
لفاتنة زلاغ لها شاحٌ
نظمتُ قلائدا غرّا حسانا
ومن يوحي كفاس الشعر غضّا
ويبعث في الجوانح مهرجانا؟
قطعت بها ربيع العمر وثبا
كأني كنت أختصر الزمانا
وكم فيها سكبتُ دموع عشق
فلما ذرّفتْ وهبتْ جمانا
وما ذرّفتُ فيك سوى لأني
رضيتُ لساعة فيك الهوانا
فدى لك، لا لأني كنت نذلا
فلم أغضب ولا كنتُ الجبانا
ولكني لعرضك كنت حصنا
كمن يحمي ظعينته مرانا
ولولا أنت ما آنست ناراً
قبست بها المحبّة والحنانا
ولا أنبتّ في قفر رياضا
تفيض ندى وتزهو أقحوانا
ولا فجّرت من حجر عيونا
وليس سوى عيونك من سقانا
أيعشق بانةً مجنونُ ليلى؟
ولكن الظباء سكنّ بانا
عرفتك مذ عرفتك يا بلادي
رزانا ما يُزنّ بها حصانا
فدى لك كلّ غانية حصان
وكلّ فتى تردّى المعمعانا
رأيت الريف ممتشقا قناة
فكان الأطلس الهادي سنانا
أقول لأمتي والسهم أصمى
وأورق حزننا والصبر خانا
ألستم خير من ركب المطايا
وقد كانت محجتكم قُرانا؟
فما للجاهلية قد أطلّت؟
فقد صرنا لوقدتها دخانا
وما لبني أبينا استضعفونا
وللأعداء قد بسطوا الخوانا؟
وحولكمُ عراة أو جياعٌ
ويشتاقون من سغب إرانا
وبينكمُ ظماءٌ ما أساغوا
وتُسْقَون المصفَّق زعفرانا
وعندكم ملاعب لا تجارى
ملاعب تشرب السحب الهتانا
ومن أرزاقهم لكمُ – حميتم-
مخازن تُشبع القطط السمانا
وما خارت عزائمنا ولكن
يهدّ الحزن أحلاما حسانا
وأين قميصُ يوسفَ والمنافي
تصاول تارة وترقّ آنا
وممّا كانت الحكماء قالت:
"ويخشى العَودُ إن ألقى الجرانا"
وقد كنا نغير على عدوّ
تنقّصنا وأفسد في حمانا
فأصبحنا نغير على أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا
بلى، فالأرض تجأر من جراح
وما المستضعفون بها سوانا
لقد بذل الشهيد دما لنحيى
ويعلي في الجنان له مكانا
وتُبعثَ دولةُ الإصلاح فينا
ويَرفَعَ للعلى منا كيانا
فمالي لا أرى إلا فسادا
كأنّ الصلّ عانق أفعوانا؟
عروسَ زلاغ، عاد فتاك يرجو
عبيرك وهو ينفح في ربانا
أيبغيك العدوّ سبيل خسف
ويسقيك المذلة والهوانا؟
وهذا فارس القرآن فذا
يسوق نداه، يسقيه حمانا
تردى العشق وأتزر المنايا
وصار الكبرياء الصولجانا
وما صرفته عن مجد قيانٌ
فما عرف المعازف والقيانا
ولم يغرف سوى نغمات روح
إلى النجم البعيد لوى العنانا
ولولا نفخة الإسلام فيه
لأخلد للصغائر واستكانا
تغيرت البلاد ومن عليها
وصار الحر في الدنيا مهانا
وأضحى كلّ مولى بهلوانا
وأصبح كلّ فدم مرزبانا
وليس لأيْده أيدٌ ولكن
بنا وبصمت ألسننا استعانا
ومن رضي الهوى ربّا تردّى
ومن رضي الهوان هوى وهانا
عروسَ زلاغَ خيلك لا تبارى
وما عرفتْ، وإن تعبتْ، حرانا
وسحرك بابليّ لا يمارى
شهدتُ بما رأى قلبي وبانا
فكيف تركتني في البيد قلبي
إمامٌ للحيارى والحزانى
وقد كنتُ المغني في حماها
فأصبيت الشواهق لا القيانا
وأوّبتِ العنادل في اشتياق
ورجّعت الكراكيّ افتتانا
وصولة طارق سكنت عروقي
وحسانٌ أعار فمي البيانا
ولست أنا أنا لكنّ محوي
يثبت سرّه مني الجنانا
ويسكنني بها نزلا كريما
ويفتح لي برحمته الجنانا
فكلّ "أنا" تشير إليك يا من
صبوت لنور من برأ الكيانا
فسبحان الذي أغنى وأقنى
وعلمنا المحبّة والبيانا
أندلسيّة
أي نجوى رددتها خفقات الأبدية
هذه غرناطة مهوى للتراتيل الندية
هي غرناطة يا نجوى قرون مرمرية
حين أبصرت على البعد بقايا
كحطام المزهرية
قلت: لا غالب إلا الله،
أين النبضات العربية؟
أين أمجاد بني الأحمر؟
أين الشعر؟ أين الصبوات المخملية؟
أين جنات العريف الليلكية؟
أين وثبات فتى غسان/ موسى؟
أين أمجاد أمية؟
وتلفتُّ وقلبي نازف بين يديَّهْ
فإذا الشمس حيالي نمنمات قزحية
غصن ضوء من شآم.. وعيون أطلسية
وعلى الرأس غطاء من خيوط سندسية
هذه النخلة ما أحسبها إلا فتاة عربية
وترددت قليلا..
ثم ألقيت التحية
قلت: من أي بلاد يا أخيّة؟
أطرقت ثم تسامت كالعراجين البهيّة
وأجابتني: بلادي هذه الأرض الأبية
قلت: إسبانية؟ مرحى ...
ذرى الأمجاد تعنو لك،
تخضرّ المنارات
وتزهو صولة الفتح رضية
إن إسبانيّةً والمغرب الأقصى سليلا مدنية
نحن جاران، بنينا صرحنا الفذ سوية
وانتشى الشعر وقد أغضت –توهمت- حيية
يا لمصباح هدى في ظلمات
ما لها يا أخت روحي من قرار ِ
قلت: بيكاسو ولوركا..
قمرا إسبانيا..
وانتفضت قاطعة حبل الحوارٍ:
لست إسبانيةً...لكنني أندلسية.
وجدة 17 رمضان 1414ه / 28 فبراير 199
فاس
رُدِّي صبابة من سلا وصبا
هيهات يسلو حاملٌ نصبا
يزجي إليك الشوق مستبقاً
وإليك ساق الشعر والأَدَبَا
فلعله يا درّة شرفت
بالحب يقضي بعض ما وجبا
نسجت ثيابي مقلتاك ضحى
حتى ارتديت بك الهدى قُشبا
وحفظت ودّك، يا مسامرتي،
فصبوت، لا زوراً ولا كذبا
وشرحت عشقا زاد من عطشي
وشرابك العلويّ ما نَضَبا
غنّى هواك القلب مُنتشياً
لولاك ما غَنّى وما طربا
يا سيف إدريس الذي سطعتْ
آياته فاستوطن الشهبا
وبنى من الأمجاد قلعته
فشهابه ما غاب أو غرُبا
فتح القلوب بأمر خالقه
فهوت إليه تجاور السحبا
يا فاس، يا باب العلوم، ويا
لحنا إلى داود منتسبا
الأبجدية منك مبدؤها
عندي، فإن أَعشق فلا عجبا
زفر يظل بأضلعي غرداً
وابن الفجاءة في دمي وثبا
وفؤادي المحموم بينهما
يتقلد التاريخ ملتهبا
هل تذكرين فتى سرى كلفاً
فغدوت أمّا عنده وأبا
يسعى إليك، عساه معتكفا
يجلو لديك الهمّ والتّعبا
كم من زقاق كان نبع هدىً
ومنارة قد ضمنت النّجُبا
لولا أبو الثلج الشموخ وما
نقشت أنامله وما خضبا
لم يغرف الشعراء كأس هوىً
يسري، ولا عرفوا به حببا
عزفت أصابعه على وتري
فغدا نشيدي منه منسكبا
أنغامه ما غادرت وطراً
أصداؤه لم تترِكْ أربا
والشعر أقداح مقدّسة
فانهل فإن الشرب قد عذبا
واجعل عروسك غادة صدقتْ
ما أعذبُ الشعر الذي كَذَبا
يا فاس آلامي معتّقةٌ
لم أدر من أسْقَى؟ ومن شربا؟
فالقدس ما زالت مقيدة
تشكو إلينا الجُرح والنَّصبا
شارون يُطفئ كل بارقة
ويحاصر الإسلامَ والعربا
فلتسحبي كفيك من يده
فيهود ما وفّى ولا انسحبا
والسامريّ يظلّ، سيرته،
عبد الهوى ويؤله الذّهبا
يا فاس مدّي ناظريك إلى
ما قد تصدّع منك وانشعبا
أضحت مساجدنا قد انتهكت
ودماؤنا تجري بها صببا
يا صوت أمتنا، ألا غضب
يحمي الحمى؟ ما أقدس الغضبا
يا فاس، ما زالت مروجُك في
قلبي ترفّ، تسطّر الكتبا
فاستمسكي بالشعر مركبةً
خضراء تجتاز المدى حببا
صوني عفافك، أنت قلعتنا
تتجاوز الآفاق والحقبا
باتنة
(نقض لقصيدة سعدي يوسف: باتنة)
نورٌ بجوف الليل لماحاً تحدّر كاللآلئ من جبينكْ
آنستُه فهدى، فشعّ كنور مصباح تبتلَ، من عيونكْ
فدعا، فلبّى القلبُ، فاخضرّ الصهيلُ
كجبال مكّة، لا يرى إلا البصير بها خزائن سرنديبَ،
ويهتدي بضياء وجنتها الدليلُ
ما صولة الشهداء إلا منك، أيتها البهية،
تلك أشجار البهاء تحط خاشعة على كفيك،
والأوراس مشتعل الحنين،
طيوره تسعى لتنهل من حنينكْ
جفّتْ شرايين الإباء بأمّةٍ مكدودةٍ،
أهدت سلاطينُ النخاسة
سيفَها المسلولَ للأعداء، فانتفض الصقيلُ
فدعي (نفمبرك) المخبأ في جفونكْ
كالصيحة الثكلى يفجّرْ هذه الصحراءَ من عزماته
فعسى عروق الكبرياء الراحلات تعود شامخةً،
وتنفخ روح عزتها بأجسادٍ قد اهترأت، ليهمي السلسبيلُ
لا تعجبي أني اهتديت إليك من بعد الضلال،
وشعّ في أقطار أوردتي السبيلُ
فأنا الذي آنست نورك في الصبا
وصبا إلى أفيائك الجسد النحيلُ
أنا ذلك الطفل الذي من نصف قرنٍ كان يسعى
في الدروب، وكان إبراهيم، طفلك، صاحباً لي
كلما شهقت لتشرب من سحائبكِ الحقولُ
أصغى: قد اشتعلت بأحداقي النجوم الظامئات إلى الرحيلِ
إلى أن استوت الليالي والمغني قام ينشد باكيا: (نادى الرحيلُ)
لكنّ إبراهيم يسكن في دمي رغم الغياب المرّ،
يسكنني، ويسكن في وتينك.
حتى إذا اشتبك الحنين مع الحنين،
وهدّت السنواتُ عمري،
قمت أمتشق الطفولة كوكبا
ألقي بأحمالي إليك،
وأحتمي من سطوة الحزن المقيم بما تفرع من شجونكْ
الشارقة:18/05/2009
جَبَل الأرْز
جبلَ الأرز ردَّ طيبَ رقادي
رُدَّ لي صبوتي ودفء ودادي
وقديما رآك (شوقي) فغنّا
ك فكنت الظلال في خير وادي
ما لشوقي إليك ينهلّ كالقطرِ
فتخضرّ لهفتي لبلادي؟
جبل الأرز أنت سرٌّ إلهيٌّ
جلته الأسحار في كلّ ناد
إنّ طيب الشآم يعشق وادي
ك، ويشكو إليك مرّ البعادِ
وشذاك الفوّاح تهتزُّ منه
إن صبا قيسٌ...أضلع التوبادِ
أنت علّمت الأولين كتابَ
العشقِ حتى اخضلّت عيون الوهادِ
أنت أسْقيت الذاهبين كؤوس
النور صرفاً، فما على الأرض صادِ
عندما قال شاعرٌ: (كلنا في
الهمّ شرقٌ) فاضت مآقي الضادِ
عربيٌّ وإن تناءتْ ديارٌ
ومشى الحالمون في الأصفادِ
ثورتي تحرق الطغاة وتبني
للمساكين دولة الأمجادِ
إخوةٌ إخوةٌ، وإن قدم العهدُ،
وسدّت درب الخلاص العوادي
إن ريح الحرية اليوم هبّتْ
وستمضي الغداة بالأوتادِ
فإذا الأخطل الصغير تغنّى
وردة من دمي تجيب التنادي
وإذا ما فيروز أرّقها الجُرْ
حُ ففاس العذراءُ نزف فؤادِ
وإذا (بسمةٌ) كعاشقة الليل
أطلّتْ أطلّ طيبُ الحصادِ
شفة الدهر بسمةٌ رسم الفجْ
رُ عليها عرائسَ الميلادِ
حين نادتْ ميسون أورق في الأف
ق نداءٌ، واخضر عود الجهادِ
جردت في اللقاء شهقة سيفٍ
من إباءٍ صلد كرمح طرادِ
وطني لا أريدُ عنه بديلا
فهو كنزي، وعدتي، وعتادي
الشارقة: 23/03/2011
الزّنْبق العاشِق
معارضة نبيلة الخطيب في قصيدتها (عاشق الزنبق)
ماذا أعدّ كتابُ الغيب لي وله
وقد رمى خافقينا الوجد والوله؟
أودعتُ نهر الهوى دهرا بأوردتي
حتى أناخ عليّ الدّهر كلكله
وعندما لاح لي من بابل سَحَراً
سِحْراً من الفنّ ربّ العرش حلله
تفجّر الصخرُ وحْياً جلّ مُنزلُهُ
يا جَلّ مَنْ مِن سماء الغيب أنزله
الكوثر العذب مخبوء بمنطقه
من فجّر العشقَ أنداءً وسلسله؟
هل يستطيع وقد فاضت لواعجه
بثّا لما واردُ الأشواق حمّله؟
وهل على القلب من إثم ومن حرج
إن كان كأس الهوى العذري أثمله؟
ويخفق القلبُ قالوا في شبيبته
فما الذي في خريف العمر زلزله؟
روحي فداء الذي فدّى بما ملكتْ
يمينه المصطفى الهادي وبجّله
ما كان يجمعنا إلا لغرّته
حبّ وذلك عهد لن نبدّله
ناديته فأجار القلبَ من كرم
وجئته فأحلّ الروحَ معقله
فانعَم بجيرة من أعطى مودته
وكانت السدرة الغراء منزله
إن جئت تسألني عن رسمه فأنا
بعثت شعري رسولا كي يمثّله
فقال: هيهات، إن العجز أدركني
وكيف أجمل ما الرحمن فصّله؟
سبحان من بالحياء الجمّ جمّله
سبحان من بالتقى والشعر جلّله
يرتد عنه حسيراً كلما برزت
شمس الصباح إذا طرف تأمله
بدر منير ولكن لا غيوب له
صافي الجبين كأن الفجر قبّله
ظبي غرير رعتْ قلبي مودّتُه
بستان نور رعت عيناي سنبله
وزنبق عاشق يهتز خافقه
شوقاً، فيدعو إلى نجواه بلبله
وطائر وهب العشّاق منطقه
وهو الشجيّ وماء الوجد بللّه
يُقطّع الليل بالتسبيح منتشيا
والشوق عن لسعات السهد أذهله
كأس اليقين سرى في الروح ريّقُها
فسربل العشقُ محبوبي وظلله
فطاف بالذكْر تبتيلا وتلبية
لله ما أوّبت طير تبتّله
مولاي، هذا حبيبي راح يطعمني
من روحه ويُزِيرُ الرُّوحَ منهلُه
مولاي، ألبس حبيب العمر من كرم
ثوب البهاء، وأكرم رب موئله
لما بسطت يدي، والقلب من شغف
يرجو، وبي خجل العشاق، نائله
ما كان أحلمه، ما كان أكرمه
ما كان أعدله، ما كان أنبله
وجدة في الثلث الأخير من ليلة الجمعة\ السبت
18 19محرم1427/17-18-فبراير –2006
مُقدّمة البَتْراء
بتراءُ... من بشموخها يتعلق؟
الحسن حول إهابها يتمنطق
وزنودنا نسجت رواء شموخها
ورواؤها بين الخلائق معرق
من كل أبلج لا يشق غباره
فكأنه من عزمه يتمنطق
يفري ويركب قلب كل عجاجة
فكأنه تحت العجاج الأبلق
نحتت أصابعنا بهيّ شبابها
حتى لقد غدت الحجارة تنطق
بتراءُ.. حسنك وهو لألاء الحصى
من دونه الديباج والإستبرق
والعسجد الوهاج تاجك إن همى
للشمس ما يختال منه المشرق
مضت القرون وسرّ حسنك لم يزلْ
أسطورةً كلماتها لا تخلق
شمم الجزيرة سال فوق جباهنا
فجباهنا من نوره تتألق
المجد؟ نحن قد اعتسفنا دربه
فإذا النجوم بهامنا تتعلق
السيق قد شقّت بدائع سرّه
عزماتنا، إنّ العزائم تصدق
هل كان سينمّارُ من طلابه؟
وسنانُ منه للبناء ينمق؟
تترنح العرباتُ، وهي سليمة،
طربا، تسابقها الرياح فتسبق
هل كان غير العشق تحت جناحها
وكأنها العقبان وهي تحلّق
يا أيها الحوذي، أين المبتغى
والمرتقى؟ أمغرّب ومشرّق؟
والأطلسيّ، من الذي أسرى به
فأتاك والقلب الجريح يصفق؟
كنعانُ، وردتك البهيّة أشرقتْ
فتألقت فأضاء منها المشرق
خضراء يا بتراء صارت أرضنا
وعلى رباها الساجمات تحدّق
وكفت عيون الأفق فهي سقيمةٌ
وهمت عيونُ الأرض فهي تشقّق
والماء روح الكائنات وسرها
والعشق سرّ الماءِ إذ يترقرق
بتراءُ، سفْرك في العوالم زادَهُ
مَرّ الليالي جدةً تتأنّق
للعشق فيك رواية أزلية
وضلالة أعمار من لا يعشق
بالعشق فجرنا العيون فأصبحت
بالسلسبيل ربوعنا تتدفّق
بالعشق أعلينا الصروح فطاولت
شمّا وإن عقد السحاب المفرق
صمّ الصلاب يمسها نار الهوى
فتصير من فرط الصبابة تغدق
أعليّ من حرجٍ وقد أخذ الجوى
بأزمّتي، وأنا فؤاد يخْفق؟
والشعر لولا العشق كان حجارةً
غاض البهاء بها وجفّ المنطق
من مغرب الدنيا أتيتك عاشقا
وهواي فيك مطوَّق ومطوِّق
وسكرت لما ذقت كأسك صافيا
ما من توهّم مثل من يتذوق
يا فتنة الدنيا وبهجتها التي
من خلف آلاف السنين ستطرق
ما سحر أكرا في الوجود وبابل؟
السحر في عينيك لا يتفرق
طيفان سارا والهوى يحدوهما
والحب يحدو العاشقين فيرفق
09/08/2007
شَمْسُ الغُرور
(إلى طيف مارلين مونرو)
طلعةٌ تبعث الظلال وجيدُ
مرمريُّ السنا وطلع نضيدُ
ضحكة تسكر الزمان وصوت
بين شبابتيه لحن فريدُ
الربيع الضحوك ما بين عطفي
يها نداء ...وشهقة...ونشيدُ
أيما شاعر وريشة حبر
عبقري سوى ففاض القصيد
قد تجلى ساق فأورق تين
وتحلى نحر فأشرق عيد
واستوى مترف فصلّى كمانٌ
وارتمى نافر فسبح عود
وشباب ينساب بشرا وأحلا
ما فيسري شذى ويخضر عود
وينادي جفن فتصهل خيل
ويغني فم فتخضلُّ بيدٌ
وتسنت معاصم وتلظت
شفة سال فوقها عنقود
وتعرت سنابل خبَّأتها
الشمس دهرا وعطرها موعود
وهمت مثل جدولين كريمين
على الجيب خصلة غريد
فعيون من لمعهن سهاد
وفؤادٌ من وقعهنَّ عميد
ربما شابت الليالي ولكن
عن دماء الشباب ليس تحيد
رقة تبعث المفاتن نشوى
أين منها مجاسدٌ وبرود
كشفت عن كنوزها شهوة تغ
وي فأفضى بما لديه وريد
فتنة لم تمر يوما ببال
لا تصاوير مدين.. لا ثمود
كلما أشرقت تجلت شموس
جانحات...وأنجم...وسعود
هيه يا فتنة الزمان ! إلى أي
ن؟ وقتلاك مطرف وتليد
الصبايا يحملن نحوك عرشا
من جمال تجثو لديه البنود
وإذا أومأت نجاواك خرَّتْ
في مجاليك ركَّعٌ وسجود
أنت! ما أنت؟ ضاق عند خيال
وتولى القصيد وهو شرودُ
صنعة أنت صاغها سامريٌّ
فغوى عاشقٌ وضلّ رشيد
أم شعاع من عالم الغيب يهمي
فإذا الخافقان فجر جديد
أملاكٌ مبارك أم رجيم
ضجّ من كيده الجحيم العتيد؟
هيه يا فتنة الزمان، وكم فا
ض على ضفتيك أمن رغيد
فإذا السابحات بالبشر تزهو
وإذا الكون من نداك وليد
أفأنت الشموس تتخذ الخلد
مدارا؟ لا غاية...لا حدود...
أفأنت الوحي المنزل بالغيب؟
أأنت الآماد ليست تبيد؟
أو فينيس أنت تغتصب الحس
ن فينقاد للهوى كيووبيد؟
أو دوريس أنت يعنو لك المو
ج وتهوي عرائس وتميد؟
أو إيزيس تنفث الحب في الأرض
ويمشي على خطاها الوجود؟
أو بلقيس أنت ليست تضاهى
وحواليها فتية وجنُود؟
هي بين الرجال أحزم أمرا
وهمو قوة وبأس شديد
هيه يا فتنة الزمان! إلى أين؟
وأنت الشذى الغويُّ المجيدُ
أنت أسطورة الجمال، فما في
الأرض إلا جمالك المشهود
هيه يا فتنة الزمان رويدا
كل شيء فانٍ...أأنت الخلود؟
سقط المترفون حولك صرعى
واشتكى المدنفون مما يؤود
وتهاوى عشقا على طيفك الزَّا
هي المريدون المعجبون الشهود
أين وادي الملوك ينبض فيه
المجد والعشق والجمال الفريد
أيُّ نيفرتيتي تنعّمُ بالحسن
ومن حولها الهوى الممدود
إيه كيليوباترا، شققت إلى الموت
طريقا فسار فيه الغيدُ
يا لها دمية وقد عبدوها
زمنا...ثم أقبر المعبود
وسكون اللحود أرحم مما
نسجته للغانيات اليهود
باطل ما صاغ الغواة قديما
وغثاء ما زخرفت ( هوليوود)
قيدتنا الأوهام يا فتنة العمر
وأنت الوهم البعيد البعيد
قد تولّ الزمان بعد ابتسام
وأقال الصبح الليالي السود
فإذا بسمة الزمان بروقٌ
وإذا نأمة النسيم رعود
وإذا الراقصات صوت فحيح
وإذا الوعد بعد حين وعيد
وإذا رنّة العصافير إعصا
رٌ وبركان ليس فيه خمود
وإذا الموت قائم في يديه
صولجان لكن علته قيود
وإذا للتراب ثوب جديد
وإذا للخراب قصر مشيد
وإذا وحشة اللحود تدوي
ويح نفسي مما تقول اللحود
إن فيها لعبرة يا أخا الطي
ن لمن ألقى السمع وهو شهيد
إنّ نهر الحياة يمضي إلى غا
يته دفاقا، وليس يعود
زبد ما تراه وهو شهاب
وسراب تكشفت عنه بيد
يتلظى اللهيب تحت إهاب
قدسته أباطر وعبيد
يسبحُ العطر فوقه ويصلي
قمر حالم وظبي شريد
ويغني في ظله عندليب
رافلا في الدماء وهو شهيد
فإذا الناس والأمان بعيد
قد تولتهمُ غرابيبُ سود
غاض بحر الصبا وصوَّحَ حقلٌ
تاه فيه بلابل وورود
آه مونرو، ما أنت إلا خيال
كان يوماً يأوي إليه جهيدُ
وتولَّ الزمان فالأرض غرثى:
ظمأ قاتل وجوع عنيد
أنا أرثي لجندبٍ ونغيرٍ
سال عنه المحمد المحمود
كيف لا أرثي يا أخي وشبيه
من غدا مثلي نماه صعيد
وسواء عندي إذا أقبل المو
تُ همامٌ في قومه وطريد
كل شيء يوما سيفنى...ولكن
كل شيء غداً...غداً سيعودُ
بيْتُ الشِّعْر
حكمت محكمة أمن الدولة، بمدينة ديار بكر، بتاريخ 21\4\98، حكما بالسجن لمدة عشرة أشهر على رئيس بلدية اسطنبول، رجب طيب أردوغان، لبيت شعر أنشده.
نامي كضوء الصبح في الأهداب
أسقيك من شعري ومن أكوابي
نامي فعندي الآن أنت مليكة
حرستك عين القاهر الغلاّب
مري على شفتي كطيف غزالة
وجدت بصدري رائق الأعشاب
حسبي بأنك وردة قدسية
سبحت بنور المبدع الوهاب
حسبي بأنك منبع الرؤيا إذا
جفت ينابيعي وغاض شرابي
شفقيةَ العينين إني شاعر
من عالم الغيب المكين كتابي
متعلق بالمنتهى لا أنثني
أعلو على الطبقات والأحزاب
ولأنت في قلب المعارك رايتي
وبساحة الكلمات فصل خطاب
لا تسكني صقري السفوح فإنه
قد أسكن الأحلام كل سحاب
عيناك أنت سفينتان من الرؤى
رستا ففاض الشوق في أعصابي
مُهري يضيء الشمس ضوءُ جبينيه
وصهيله يسمو على الأحقاب
من صبغة الرحمن تنهل ريشتي
فينال شعري دُرّ كلّ عباب
ويعود غيظ الشانئين بحسرة
والورد بين يدي للأصحاب
لا تعجبي أني اصطفيتك راية
أنا من كنوزك قد ملأت وطابي
ضجت كلاب المترفين إذ آنست
نجوى أديب حنّ للأحباب
عجبا لنجوى إذ تنازل خصمها
بمهابة الأشعار لا بحراب
أسست بالكلمات أبهى قلعة
عزّت, لهيبتها، على الخطّاب
وبنيت ألف مدينة مسحورة
تختال بين مآذن وقباب
وأقمت من منفاي ملكا دونه
ما شاد هارون وحمورابي
فإذا بساتين الرؤى مزروعة
بالحب، لا بالكرم والأعناب
إذا رياحين الصبابة طيبها
يزري بسحر الورد والعنّاب
تبقى الحروف النيرات شوامخا
ويؤول ما رفعوا لبطن تراب
وتكسّرت من دمدمات قصائدي
لمم الطغاة وهيبة الحجَّاب
لكنني لما لمحت أحبّتي
سالت دماء القلب فوق ثيابي
نفخ الإله الروح في شعري فما
صنع الغواة سدى ومحض سراب
من نسج عبد الله حكت عباءتي
وعلى خطى حسان سار ركابي
فدعي إذن عنك السراب وكل ما
عبدوه من حجر ومن أخشاب
سيظل بيت الشعر موئلنا الذي
نعطيه من دمنا بغير حساب
بيت دعائمه بقايا أحرف
خضراء تقبس من أجلِّ كتاب
1998
من أنتِ؟
حسناءُ،
ما يُنصفها رسمُ
أجملُ
مِمّا صوّرَ الوَهْمُ
تشعُّ، إمّا حُجبتْ،
أو بدتْ،
فنورُها
ما طالهُ نَجْمُ
أرى بعيْنِ الظنِّ
ما لا يُرى منها،
وقد يُسْعفني الحُلْمُ
فأُبْصرُ الأطيارَ
تأوي إلى أعطافها،
ويُورقُ الكَرْمُ
والسنبلاتُ الخُضْرُ
تستوطِنُ الشَّعْرَ الذي
آياتهُ ...تَسْمو
من أنتِ، باللهِ؟
وما عسى أنْ أدّعي؟
فالقَلْبُ مُهْتَمُّ
مجهولةُ الأبْعادِ،
ما لي إلى ما أبتغي
منْ وَصْفها... علْمُ
أأدّعي أنّكِ نُورٌ
بلا نارٍ،
وروحٌ ما لهُ جسمُ؟
لا! فأنا أخشى احتراقي،
إذا حدّثَ قلبي
اللَّمسُ واللّثْمُ
أأدّعي أنّك حوريّةٌ
أنْزَلَها في غَفْلةٍ...
غيمُ؟
أَأَدّعي أنّكِ قِدّيسَةٌ
يعجزُ عنها البَوْحُ
والكَتمُ
تَرْتَدُّ عنكِ العَيْنُ،
مجْروحَةً،
ما دُمتِ سِرّاً
شاقَهُ الفَهْمُ
سّيّدَةَ الأقْمارِ،
لا تكشفي حُجْبَكِ،
قَدْ... قَدْ يَنْتَشي الإثْمُ
إنّي أرى الأظْفارَ مسْنُونةً
من أنْفُسٍ...
يركبُها الظُّلْمُ
أصَابِعاً تمتَدُّ، ما ردّها
إلا الحِجابُ العَفُّ... والصّوْمُ
عن الخنا،
عن كلِّ سَوْءٍ بَدا،
إلا الحَيا،
والأدبُ الجَمُّ
إلا الحِفَاظُ المُرُّ،
لمْ تَثْنِهِ مفاوِزٌ،
لمْ يُغْرهُ لَوْمُ
تَحَجّبي!
أشْهى إليَّ احْتِراقي، فيكِ،
أو يَهُدّني سَهْمُ
مِنْ كَبْوَةٍ
قَدْ يخْتَفي بَعْدها الضّوءُ،
وما يُخَبّئُ الحُلْمُ
وسوم: العدد 730