(النَّذِيرُ) صَيْحَةٌ مُبْصِرَةٌ وَسْطَ دُخانٍ كثيفٍ،
وظلمةٍ مُحِيقةٍ. تُبينُ في الزحمةِ، وتشخصُ
في العتمةِ، وتصدعُ بالخِطابِ في لحظةِ الاشتباكِ
وإبانَ المفاصَلَةِ . تَعْضُدُ المجاهدين في جِهادِهِمْ،
وتسنِدُ المناضلينَ في نِضالِهِمْ، وتتأذَنَ المُقْعِينَ
على أدبارِهِمْ مِنَ المغْضُوبِ عليهم بِصُبْحٍ يُنتَقَمُ فيهِ منهم.
قال تعالى يتهدد قوم لوطٍ، وما قومُ لوطٍ مِنهمُ ببعيد:
"إنَّ موعدهُمُ الصبحَ أليسَ الصبحُ بقريبٍ."
راحت تغادينا الأماني الخلّبُ= والدَّهْرُ والأيامُ كلٌّ قُلَّبٌ
ما لاحَ بَرْقٌ في سماء واعِدٌ= إلّا وعارضَهُ جهامٌ مُتْعِبُ
أو بان من أفق المكارهِ رَائِقٌ= إلّا وعَكَّرهُ الزمانُ الأجْدَبُ
جَرَّتْ علينا السافياتُ ذُيولَها= وغدتْ بِأَشْكالِ البَلا تتصَبَّبُ
مِنْ كُلِّ صَوْبٍ لا أبا لكَ نَفْخَةٌ= ثُعبانُ يَنْفُخُها ويَنْفُخُ عَقْربُ
سُمٌّ زُعافٌ في حُلوقِ أَحِبَّةٍ=أَشْجى وأَدْمى والحقيقَةُ أَصْعَبُ
فإذا بكيتَ بكيتَ جَرْحاً نازِفاً= وإذا أَسَيْتَ أَسَيْتَ دَمْعاً يَسْكُبُ وإذا وصَلْتَ وَصَلْتَ حبلاً جافياً= وإذا رجوتَ رَجَوْتَ ما لا يُطْلَبُ
حبلُ النَّوى بَعْدَ النَّوَى والمُرْتَجى= صارت بأيدٍ تستخِفُّ وتَلْعَبٌ
وأصَابَها كَيْدُ الزمانِ وَرَيْبُهُ= ومِنَ المصائِبِ ما يَجِلُّ وَيَصْعُبُ
إبانَ تَنْفَضُّ العُرى وَيُرى على= أفْنانِها ما لا يروقُ ويُعْجِبُ
وَيَصِيرُ نَفْخُ الكيرِ مَبْعِثُ لَمَّةٍ= يَدْعُو إليهِ مُعَطِّلٌ ومُخَرِّبُ
وإذا الحياةُ كأَنَّها من فِعْلِهِمْ=قِدْرٌ يفورُ أو حُسامٌ يَضْرِبُ
وإذا الصَّغارُ مَعَ الصَّغارِ كأَنَّهُ= القَدَرُ الذي ما مِنْ لَدُنْهُ مَهْرَبُ
وإذا مُتَلْفِزُهُ ومُخْرِجُ بَثِّهِ= صناجَةٌ يَبْكي عَليْهِ وَيَنْدُبُ
وإذا الجميعُ على الجميعِ مَبَاحِثٌ= شَيْخٌ يُلَوْجِسُ أو صَغِيْرٌ يَرْقُبُ
حتّى غَدَوْا أُضْحُوكةً بينَ الوَرى= وأبانَ عَوْرَتَهُمْ رَخْيصٌ مُغْرِبُ
وإذا بأجواءٍ يُعَكِّرُ صَفْوَها=ابنُ يُمَوْمِسُ أو زَبونٌ يُعْرِبُ
وإذا بأهواءٍ تَصِيرُ كأَنَّها= هَوْجَاءَ ثَوَّرَها دعيٌّ يَشْغَبُ
أهواءُ شتَّى في مطاراتِ البَغَا= ومِنَ البَغَا ما لا تَطِيقُ المُعْرِبُ
شِلْوٌ تناهَشُهُ وُحُوشُ بريَّةٍ= جَوْعَا على بَشَمٍ تَثُورُ وَتَغْضَبُ
فقدَ الحِراكَ كأنَّهُ مَيْتٌ= وفي فَمِهِ كلاليبُ الهوانِ تُكلَّبُ
فإذا تَحَرَّكَ قِيْلَ في سُخْرِيّةٍ= أَلقُوا عليهِ القَبَضَ إنَّهُ مُرْهِبُ
وإذا كلانا يا صديقُ بِمَهْمَهٍ= جزعاً نحارُ مِنَ الضياعِ وَنَهْرُبُ
أَنَّى تلفّتْنا نرى غِيلانَها= تسعى وبالعينِ المريضةِ تَرْقُبُ
ونرى شَياطينَ العُباب تَزُفُّ في= عُدوانِها .وَلِضَرْبِنا تتأهَّبُ
مِنْ أينَ نَفْلُتُ والهوامُ تجَمَّعَتْ= وَبِأَمْرِ سَيَّدها تَكيلُ وتَضْرِبُ وبأيِّ أسبابِ الحياةِ نَرُومُ مِنْ= عُدْوانِها بَعْدُ الخلاصَ ونَطْلُبُ
للهِ مِن آلِ العُمومَةِ أَشْعَبٌ= أضْحى بِكُلِّ مَفَازةٍ يَتَشَعَّبُ
يَتَلَمَّسُ الشَّهواتِ صِلاً أَغْبَرَا= وَيَتِيهُ في دنيا الصَّغارِوَيَصْخُبُ
يحكي لمزّيقياءَ عَمْرٍو ظلّهُ= وبعاهةِ التَمْزيقِ فيهِ مُعْجَبُ
يبني القصورَ إلى القصورِ يَلِزُّها= وبِسُوحِها الممنوعُ والمُتَهَيَّبُ
وتراهُ في الماخورِ سَيِّدَ نَفْسِهِ= طَلْقَ اليدينِ شَمَرْدلا يَتَمَعْجَبُ
لا يرعوي عَنْ غَيِّهِ وكأَنَّهُ= قَدَرٌ يوافي أُمَّةً تَتَسَيبُ
وافى الزمانَ بِمُدْنَف أنْفاسُهُ= حرَّى تضيقُ بِشَقْوَتَيْهِ وَتُلْهِبُ
مَلْيون بَرْميلٍ من النَّفطِ الذي=نَفَطُوهُ حَوْلَ سَرِيرِهِ أوكَبْكَبُوا
لم يَكْفِهِ والقومُ حولَ سرِيرِهِ= يَلْحَظْنَهُ بِلَوَاحِظٍ تَتَكَهْرَبُ
يَشمَمْنَ مِنْ سِيكارِهِ نَفَثَ الهوى= ومن الهوى المشْبُوبُ والمُتألَّبُ
وكأَنَّهُ ليثٌ أَبانَ نواجزاً= فَأَبَيْنَهُ في المُلتقى وَتَهَيبَّوا
للهِ مَزّيقْياءُ كم أبْعَدْت في ال...=..تَغْرِيب والتغريب جدّاً مُتعبُ
وَرَكِبْتَ مركبَ معتدينَ وكُنْتَ في= زُمَرِ العداءِ مَعَ العدى تتحزَّبُ
وَرَغِبْتَ عَنْ أَصْلٍ كريمٍ ماجِدٍ= وَغَدَوْتَ في أَصْلٍ مَعَارٍ تَرْغَبُ
وكأنَّ رايْسِزْ مِنْكَ أَضْحَتْ عَمّةً= أو أنَّ جُورجاً صَارَ مِنْكَ بِها الأَبُ
فَغَدَوْتَ مُنتمياً لِذُلِّكَ صَاغِراً= تُلْهِيْكَ مُطرِبَةٌ وآخَرُ مُطْرِبُ
وَقَعَدْتَ مَقْعَدَ مَنْتَمِينَ ولَمْ تَكُنْ= تُنْمى لِغَيْرِ جرائرٍ أوْ تُنْسَبُ
ما هَمَّك العربُ الكرامُ ولمْ تَكُنْ= ابناً لهم إن يُضربوا أو يُنْكَبُوا
ما دامَ كأسُكَ مُتْرَعاً بالخَمْرِ وال= خَمَّا ريسترضي هواكَ وَيُطْرِبُ
فاتْرُكنا واتْرُكْ أَهْلَنا و بِلادَنا= والحَقْ بقومٍ شرَّقوَا أو غرَّبوا
إنَّا سَنُوقِدُ شَمْسَنا مِنْ زَيْتِنا= وَنُديمُ شعلَتَها بِدَمٍّ يُسْكبُ
وإذا الدِّمَا أَعْيَتْ وكانَتْ نَزْرةً= أرواحُنا نُورٌ يضيءُ وَيُلْهِبُ
سَنَرُدُّ بالصاعينِ دَيناً واجباً= مِنْ كَفِّ ذي تِرَةٍ يَثُورُ وَيَغْضَبُ
ونَسُلُّ ماء العينِ مِنْ سُرَّاقِهِ= في أيِّ أرضٍ كان مِنْها المَهْرَبُ
ليست تُخومُ الأرضِ تحْجُزُ بيننا=أعْيَتْ على الجاني وضاقَ المذهَبُ
حقاً سَنَطْلبُهُ بِهِمَّةِ إِخْوَةٍ= ما طالَ طوْلٌ أو تَرَاخى المُطْلَبُ
بِأَكُفَّ تُرْفَعُ يا يغيضُ إلى السَّما= وسواعِدٍ بحسام أحمدَ تَضْرِبُ
بعزيمهٍ اللهُ أحْكَمَ أمْرَها= عُمَريَّةٍ ولآلِ أحْمَدَ تُنْسَبُ
فالصبحُ مَوْعِدُهُ حقيقةُ مَوْقِفٍ= للمُؤْمِنين وكُلُّ مَنْ يَتَحَزَّبُ
قَدَرُ الإلهِ أبانَ مَنْهُ ملامِحاً= بالعينِ يَبْصُرُ طَلْعَهُ المُتَرَقِّبُ
هذا صلاحُ الدينِ يُسْرِجُ خَيْلَهُ=فكراً توقَّدَ أو شباباً يَغْضَبُ
أبناءُ عادوا للحياةِ أَحِبَّةً= يَحْدُوهُمُ الأمَلُ الكريمُ الطَّيِّبُ
في كُلِّ أَرْضٍ يَشْخَصُون أَعِزَّةً= مَهْما جَنَى الجاني وعَزَّ المطْلَبُ
أرواحُهُمْ رَخُصَتْ بِفِعْلِ عقيدةٍ= سَمْحاءَ تأذَنُ بالكفاحِ وَتَرْغَبُ
وأَجَلَّهُمْ طَلْعٌ هُنالِكَ شاخِصٌ= يَمْتاحُ مِنْ نُسْغِ الحياةِ وَيَسْكُبُ
لو يَسْمَعُونَ بِدَعْوَةٍ أو صَيْحَةٍ= في أي أرضٍ تقتضي أن يذهَبوا
طاروا إليها مُسْرِعين وَخَلَّفُوا=مُتَعَ الحياةِ لِمَنْ يُرِيدُ وَيَطْلُبُ
فَعَلَيْهُمُ مِنِّي السلامُ تحيةً= وَلَعَلِّني مِنْهُمْ أكونُ وأُنْسَبُ