يا صُبح يا صُبح
28أيلول2017
مصطفى عكرمة
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ النومَ قد ذهبا=وطالَ سُهدي، وساءَ السُّهْدُ منقَلَبا
ألِفتهُ وتقاسمْنا الوفاءَ فإنْ=نأى رأيتَ فؤادي إثْرَه ذهبا
تمرَّستْ فيه نفسي فهو لي سَكنٌ=ما كانَ أكرمَ حُبَّاً حَبَّبَ الوَصبا!
أعيشُهُ اليومَ بعدَ الأربعين أسىً=وكانَ لي في الصِّبا المقهورِ إلْفَ صِبا
فراشيَ القلقُ الأعتى، وسامرتي=منْ ألفِ عامٍ أراها تحملُ الحطبا
تكدَّسَ الليلُ فوقَ الليل في طُرقي=واسوَدَّ، وامتدَّ حتى لَيَّلَ الشُّهبا
وحوليَ القومُ أغفوْا - عفوَ غفوتهم=طالتْ، وقمتُ عليها حارساً حَدِبا
لا صحوةُ القومِ تُرجى، لا ولا مُقَلي=أغفتْ، ولا أنا قدْ أدَّيتُ ما وجَبَا
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ النومَ قدْ ذهبا=وأورثَتْني همومُ الأمَّةِ النَّصبا
فلا تَرُعْكَ جراحاتي وكثرتُها=فخلفها ألفُ جرحٍ يَقذِفُ اللَهبا
ولا يَرُعْكَ انفرادي وحشةً، وأسىً=وأنني بينَ أهلي عشتُ مغترِبا
عُمْرٌ تقضَّى على ما كانَ منْ أملٍ=فلا اقتربتُ، ولا من مُقلتي اقتربا
كم ذا اجتهدتُ، وكم جاهدتُ محتسباً=وكمْ صبرْتُ، و كمْ عانَيْتُ ما صَعُبا!
ما كانَ أشقاهُ عُمراً ضاعَ من عُمري=لو لمْ أكنْ بإلهِ العرشِ مُحتسِبا!
ما ضرَّني حِقبةٌ من عمْريَ انصَرمتْ=ما دمتُ أملِكُ في دُنيا الهدى حِقَبا
يا صبحُ يا صبحُ للأقدارِ حكمتُها=فلا تملَّ إذا لم نحرزِ الغَلَبا
حسْبُ الرجولةِ أقدامٌ لنا دَميتْ=على الطريق.. ولم نستشعِر التَّعَبا
وأنَّ درباً حَفينا فوقها زمناً=حُبّاً بها قد رفضنا القَزَّ، والذّهبا
تبقى على الدهر أعمالٌ لنا سَلِمَتْ=لكي تقولَ بأنّا لم نكُنْ ذنَبا
يا صبحُ يا صبحُ إنَّ النومَ قدْ ذهبا=وما عَتبْتُ فعتْبي يُغضبُ الهُدبا
أنا الذي اخترتُ دربي راضياً، وأنا=رأيتُ كلَّ عذابي فيهِ قدْ عَذُبا
حسبي وحسبُكَ مني أنَّ لي خلَداً=رغمَ الأذى لم يضِقْ ذَرْعاً ولا عَتبا
يسلسلُ الشِّعْرَ ألحاناً تذوبُ جوىً=ونبعُ إلهامهِ القدْسيِّ ما نضَبا
وكلُّ شعرٍ أتى من قلبِ مبدعِهِ=سرى إليكَ وفي أعماقكَ انسكبا
قد تنفُرُ الأذنُ من صوتٍ بهِ طربٌ=وقدْ تُحِسُّ بصوتٍ صاخبٍ طربا
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ النومَ قدْ ذهبا=وقدْ تعاظَمَ ما للقومِ قدْ وجبا
لا النصحُ يُجدي، ولا في القومِ ذو رَشَدٍ=فيُسْتَثَارُ لِما من أمرنا حَزبا
قدْ وحَّدَ القومَ حبُّ الذلِّ في زمني=فكلُّهم يتشهّى لثمَ مَنْ ضَربا
ماتَ الإباءُ بنا... فارتاحَ غاصِبُنا=هيهاتَ تلقى أبيّاً ثارَ، أو غضِبا
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ الهمَّ قد غَلَبا=فلا يَرُعْكَ فؤادي ضجَّ أوْ وَثَبا
فما استقرَّ، ولا أغرتْهُ بارقَةٌ=عنْ همِّ قومي.. ولا مثلَ القلوبِ صبا
حزني على الأمسِ، خوفي من غدي اجتمعا=فألهبا في فؤادي اليأسَ فاضطربا
يا صبحُ عفوكَ ما حزني بمنقطعٍ=ولا إخالُ شكاتي تُذهِبُ النَصَبا
حبٌّ وهبتُ لهُ عمْري وأوجعُ ما=يُجزى به واهبٌ إنكارُ ما وَهبا
يا صبحُ يا صبحُ طيفُ النومِ قدْ غرَبا =ونورُ كلِّ نجومِ الأمنياتِ خَبا
أناملي العشرُ قد أشعَلتُها قبساً=للمدلجينَ فصبّوا حقدَهمْ سُحُبا
أكادُ أذوي عليهمْ حسرَةً، وأسىً=وما رأيتُ لما بي منهمو حَدِبا
لا تعجبنْ منْ شكاتي فهي هيِّنةٌ=فقصْرُ أخلاقنا من ركنهِ خربا
ضاعتْ عقيدتُنا في كهفِ غربتنا=وبدرُ آمالنا من أفْقِنا غَربا
في كلِّ بيتٍ ترى ناراً مُسعَّرةً=وقد جعلنا عليها أهلَنا حطبا
غداً سينفدُ أهلونا وبعدَ غدٍ=كما فعلنا بهم نغدو بها لهبا
يا صُبحُ يا صبحُ إنَّ الليلَ قد تعبا=فهلْ أرى لذيولِ الليلِ مُنقضبا!
يا صُبحُ يا صبحُ أُذْني ألفُ مُصْغِيَةٍ=إلى أحاديثِ عزٍّ قد تثيرُ إبا
كم ذا أحنُّ إلى استلهامِ ملحمةٍ=السيفُ يسبقُ فيها الشِّعرَ والخُطبا
ويصدقُ العزمُ فيها صدقَ معتصمٍ=رأسُ العدوِّ غدا لما انتخى تَرِبا
طالَ اشتياقي وهذا الكونُ مرتقِبٌ=يرجو لقومي أيا ربَّ الهُدى سَبَبا
أكادُ أذوي وموجُ اليأسِ يغلبني=لولا استقرَّ بقلبي منْ لَدُنْكَ نبا
إنَّا لننصرُ منْ قد آمنوا وأرى=نصراً وعدتَ بهِ يا ربِّ مُقتربا
لكنَّ مَن يدَّعونَ النصرَ قدْ كذبوا=أُجِلُّ نصرَكَ أنْ يؤتى لمنْ كذبا
يا صبحُ يا صبحُ قومي، آهِ واعجبي=من حالةٍ حيَّرُوا في أمرِها العَجبا
على هداكَ غَدونا أمَّةً وثبتْ=تُعِزُّ بعدَ شتاتٍ بالهُدى الحِقبا
بالأمسِ كانتْ ملوكُ الأرضِ ترهبُها=والناسُ تخطُبُ منها وُدَّها رغَبا
كانت على رغم ما امتدَّتْ وما حكمتْ=أمّاً رؤوماً، وكانتْ للأنامِ أبا
لم تُبْدِ ظُلماً، ولم تُغفِلْ عدالتُها=خصْماً، وكم نالَ حقّاً بعدَ أنْ غُلِبا؟
تشعبتْ في بقاعِ الأرضِ تعمرُها=وجيشُها حكمَ الدُّنيـا وما انشعَبا
واليومَ نحيا كأنَّا لم نكنْ أبداً=لا مُسلمينَ أعزّوا الأرض، لا عربا
الذّلُ نحسبهُ من ضعفِنا أدَباً=ومنهجاً حققَ الآمالَ والأربا
والعزُّ يسخرُ منَّا حين نذكرُهُ=حتى الترابُ تشكّى رأسَنا الترِبا
تفنَّنَ القومُ من ملءِ البطونِ وما=أبقوْا لذلك لا فَنّاً ولا سَببا
واستوردوا كلَّ ما في الأرضِ من بِدَعٍ=وأبدعوا في اللباسِ الوشيَ والقَصَبا
والروحُ تشكو خواءً لا حدودَ لهُ=والفكرُ تلقاهُ مجلوباً، ومُضطرِبا
نُفَلسِفُ الجهلَ عن علمٍ ونعبدُه=وكم نزوِّرُ في إرضائهِ الأدبا!
ونهدرُ المالَ فيما لا انتفاعَ بهِ=وكم يَعِزُّ إذا للخيرِ قدْ طُلِبا!
ونقبلُ الضُّرَّ في قولٍ وفي عملٍ=ونحنُ نعلمُ أنّا نحصدُ العطبا
ونبعدُ النفسَ عمّا يبتني غدَها=ولا نحسُّ حيَاءً حولَ ما ارتكِبا
ونورثُ الجيلَ باسمِ العلمِ كل عمىً=وندَّعي أنْ أزلنا الجهلَ والحُجُبا
والحقُّ والَهفتي للحقِّ نهجرهُ=ونستكينُ إذا ما ضاع أو سُلِبا
ألدُّ أعدائنا يحتلُ منزلَنا=ونحنُ في بيتنا عن أهلِنا غُرَبا
الأغنياتُ غدَتْ للحربِ عُدَّتَنـا=فليسَ إلاّ بها نستعجلُ الغَلَبا
إذا شدتْ في كهوفِ الليلِ بنتُ هوىً=كنّا السكارى، ونمنا عامنا طربا
وليسَ إلاّ بهذا السُكْرِ منْ أملٍ=في جمعِ أشتاتِ قومٍ شوَّهوا النَسبا
القدسُ ضاعتْ، وضاعتْ قبلها قيمٌ=فألفُ قدسٍ بقلبي تشتكي السَّلبا
ماذا أُحدِّثُ عنها، آهِ من زمنٍ=عمَّ الجفافُ وأُمطرنا به نُوَبا!
تبدَّلت قيمُ الإنسانِ وانقلبت=فكلُّ أمرٍ تراهُ اليومَ منْقَلِبا
فكمْ ترى الرأسَ ذيلاً، أو ترى ذنباً=قد صار في الرأسِ؟ آهٍ كمْ ترى ذَنَبا!
هيهاتَ تلقى بقومي مُخلصاً عملاً=إلاّ وضُيِّعَ مفتوناً، أو اغتربا
المبدعون تراهم شُتِّتوا وقضَوْا=والأرذلونَ استحالوا قادةً نُجَبا
والعالِمونَ غَدَوْا بوقاً لظالمنا=فمنتهى علمهم تبريرُ ما ارتَكبا
والتُرَّهاتُ غدتْ للحكم معتَمداً=فليسَ إلاّ عليها يمنحُ الرُّتَبا
الجاهليةُ عادتْ ألفَ جاهلةٍ=وصار كلُّ يقينٍ عندنا ريَبا
للجاهليةِ أصنامٌ محدَّدةٌ=وألفُ تمثالِ ربٍّ حولنا انتصبا
للجاهليةِ أصنامٌ توحِّدُها=وجاهليتُنا صرنـا بها شُعَبا
أصنامُها لم يكنْ يُؤذى بها أحدٌ=ونحنُ نلقى بها الإذلالَ والنَّصَبا
يا جاهليةُ عفواً أنتِ مؤمنةٌ=وكفرنا زادنا فوقَ العَماءِ غَبا
وكانَ منها على علاّتِها قيمٌ=ونحنُ نقْتُلُ فينا الدينَ والأدبا
في كلِّ نفسٍ ترى الأحقادَ عاصفةً=حتى طغى الحقدُ فيها، والهوى غلبا
فلا الرجالُ رجالٌ حينَ تطلُبُها=ولا النساءُ تراها تحضنُ الزُّغُبا
باعتْ أنوثتها في سوقِ شهوتِها=وعرَّتِ الصدرَ باسم الفنِّ والرُّكبا
وأرخصتْ كلَّ ما أغلتْهُ فطرتُها=فحبُّها الغربَ أعمى عقلَها، وسبى
لما أضاعتْ وما صانتْ أُمومتها=عانى المذلّةَ هذا الشعب واكتأبا
يذرو به القهرُ، والتشريدُ يجمعُهُ=فالفكرُ منه خَبَا، والعزمُ منهُ كبَا
ما أتعسَ الجيلَ محروماً رعايتَها=وأكرمَ الجيل من تحْنانِها شرِبا!
يا صبحُ يا صُبحُ إنَّ الأمنَ قدْ صُلِبا=فكلُّ نفسٍ تعيشُ الذُّعرَ والرُّعُبا
لم يبقَ للقومِ من بُشرى لمرتقِبٍ=وما إخالُ أرى في القومِ مرتقِبا
كلُّ الحرامِ غدا حِلاًّ لقادتِنا=ونحنُ نجْتَرُّ من تجويعِنا السَّغبا
بالظلمِ قد حكموا، بالبغي قد شُغِلوا=بالفتكِ قد ملؤوا أقطارَنا رهَبا
لوحدةِ الشعبِ قد جاؤوا ونُصْرَتِهِ=وجاهدوا ليظلَّ الشعبُ منشعِبا
مَنُّوا عليهِ بحرِّياتهِ انطلقَتْ=وَحَدُّها أن يُجيدَ الرقصَ واللَّعِبا
يُحصونَ أنفاسَ منْ قد باتَ مُحتضِراً =ويرهبون من الأمواتِ أنْ تَثبا
قد أبدعوا القمعَ دستوراً نُسَاسُ بهِ=فالكلُّ يزهو بكم أفنى، وكمْ صلَبا
تفنَّنوا في استلابِ الشعبِ لقمتَهُ=باسمِ الجهادِ ويا ويلاهُ كم نُهِبا!
تحوَّلَتْ لبنوكِ الغرْبِ أرصدةً=على العدوِّ جرتْ أنهارُها ذهبا
قد استحالتْ إلى تدميرنا عُدَداً=وكادَ لفظُ اسْمها أن يوقعَ الهَرَبا
بها غزانا، بها ساقَ الفناءَ لنا=بها استباحَ حِماَنا، وازدهى عَجَبا
إذا الطغاةُ تمادَوْا في ضلالتهمْ=فإنَّ كلَّ قصورِ الأمنياتِ هَبا
قدْ وحَّدَ الكفرُ أهلَ الكفرِ واعَجبي=وصارَ أمرُ أولي التوحيدِ مُنشعِبا
ما كانَ ظلماً قضاءٌ حلَّ ساحتنا=فليس يُجزى امرؤٌ إلاّ بما كسبا
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ النومَ قد ذهبا=فألفُ عذرٍ إذا أُنسيتُ ما وَجبا
لمنْ أبوحُ؟ وما جدوى النواحِ وهلْ=يُجدي العتابُ إذا ناديتَ منتَحِبا؟
سُدَّت مسامعُ منْ يُرجى لمحنتِنا=وخلفَ ألفِ جدارٍ وجهُهُ احتَجَبا
في كلِّ يومٍ ترى أرْضاً لنا سُلِبَتْ=وكلَّ يومٍ ترى حقاً لنا اغتُصبا
وأمتي ألفُ شتى، ألفُ شِرذمةٍ=وكلُّ شِرذمةٍ قدْ أصبَحَتْ عَرَبا
نشنُّ في كلِّ يومٍ ألفَ معركةٍ=لكنْ تُشَنُّ على الأهلين واحربا
سيوفُنا في رقابِ الأهلِ قاطعةٌ=وفي الحروبِ ترى أمضى السيوفِ نبا
نخشى عتادَ العِدى لو كان من خشبٍ =وإنْ غزينا ترى فولاذَنا خشبا
كم ذا تمنّيْتُ والأعداءُ تهزمُنا=في كلِّ معركةٍ أن نُحسنَ الهَرَبا
"رعاتنا" ما وَعوا يوماً ولا احترموا=حقَّ الشعوبِ ولكنْ أتقنوا الكَذِبا
إذا اشتكى الشعبُ عُرياً وزَّعوا صُوراً =أو اشتكى الشعبُ جوعاً طوّلوا الخُطَبا
لا يصلُحون لأمرٍ غيرَ أنهمو=سَرُّوا العدوَّ غداةَ اختارَهُمْ لُعَبا
يا صبحُ للمسجدِ الأقصى قداستُهُ=فحُبُّهُ نسبٌ... أكرِمْ به نَسبا!
قد كان قِبْلتنا الأولى وبارئهُ=إليه أسرى بمنْ مِنْ رسْلِهِ انتخبا
ومنه كانَ لهُ المعراجُ مُعجزَةً=لم تبقِ في الدهرِ شكْاً لا، ولا رِيَبا
فيها رأى ما أراهُ اللهُ عن كَثَبٍ=وقابَ قوسينِ أو أدنى قد اقتربا
إسراؤه كانَ، والمعراجُ شمسَ هدى=يظلُّ فيضُ سَناها يَهتِكُ الحُجُبا
إسراؤه منهُ والمعراجُ كان لنا=أمراً من الله أن نبقى له النُّجُبا
نفديه، نمنعُ بالأرواحِ تُربتَهُ=نفنى ولا ساعةً نلقاهُ منتحِبا
يا صبحُ مسجدُنا الأقصى يدنِّسهُ=رجسُ اليهودِ، وقومي حالفوا اللَّعبا
نغفو على أعذبِ الأحلامِ حين غدا=يبكي ويندُبُ محروقاً ومنتَهَبا
ما حرَّكت ساكناً فينا مصيبتُهُ=ولا شكونا، ولم يلقَ الذي شَجبا
لا المالُ ننفقُهُ من أجلِ نصرتِهِ=ولا نُقِرُّ فدائياً له غَضِبا
وواحدٌ من ألوفِ الأثرياءِ بنا=لو شاءَ جهَّزَ جيشاً يَضْمَنُ الغَلبا
يا صُبحُ عفوَكَ ما شكوايَ منْ جَزَعٍ=لو أنَّ ما بيَ مَسَّ الصخرَ لانعطبا
همومُ قومي مذيباتٌ وأخطرُها=ألاّ ترى شاكياً منها ومنتَحِبا
يا صُبحُ يا صُبحُ أمرُ اللهِ قد غَلبا=فعفوَ ربّي إذا لم أُحسِنِ الأدَبا
يا صبحُ هذي همومٌ لا أعدِّدُها=فهي الحصادُ لمن في زَرْعها تَعِبا
هذي الهمومُ بقلبي كلُّها نزلتْ=وقدْ رأتْ في فؤادي منزلاً رحُبا
فكلُّ منْ آمنوا أحزانهم حَزَني=وكم أحسُّ إذا نالوا المنى طربا!
علِّي أرى خيرَ خلقِ الله يشفعُ لي=لمِا حملتُ، وما ألقى، ولو صَعُبا
إني اجتهدتُ وحسبي أن أكونَ إلى=ما كانَ يرضي رسولَ اللهِ مُقترِبا
يا صُبحُ يا صُبحُ لو أنَّ المنى جُمِعَتْ=وكان للقلبِ أن يختارَ ما طلبا
لكانَ كلُّ رجائي أن يجيء غدٌ=ولا يُرى مسلمٌ في الأرضِ مكتَئبا
وليسَ ذاكَ عزيزاً إن نَرُمهُ بما=من بعدِ ذلٍّ، وضعفٍ وحَّد العَرَبا
هو السبيلُ ولا والله ليسَ لَنا=إلاّ بمنهجهِ أن نبلُغَ الأَرَبا
يا صبحُ يا صبحُ في أقوالنا ظمأٌ=فكيف نُذهِبُ جوعاً هدَّدَ الكُتُبا؟
نُملي من الكُتْبِ آلافاً مؤلَّفَةً=ولا نُحسُّ بها معنىً، ولا أدبا
وقولةٌ من رسولِ اللهِ واحدةٌ=تمضي القرونُ، وتبقي روحَ ما كُتبا
كم أيقظتْ أُمماً طالَ الرقادُ بها=وجدَّدتها فنالتْ بعدها الغَلَبا!
وكم أزالتْ مِنَ الدُنيا جبابرةً=لمَا بغَتْ، وأرَتْها الهولَ منتصبا!
وكم أعادتْ لذي شكٍ بصيرتَه=وكمْ أزالتْ فما أبقتْ بنا رِيَبا!
وتغمُرُ الأرضَ والأكوانَ حِكمتُها=ولم تغادرْ لعلمٍ نافعٍ سببا
والباحثونَ ومنْ للعلمِ قد نَهدوا=ومن أضاعوا بعلمٍ واحدٍ حِقَبا
والبالغونَ من الدُّنيـا مراتَبها=والمانحونَ بها الألقابَ والرُّتبا
لم يبلغوا بعضَ ما قد قالَ أحمدُنا=وهو الذي عاشَ أُمِّياً وما كتبا
وقولهُ الحقُّ عبرَ الدَّهرِ ما شُجبا=ولا ارتضى الحقُّ إلاَّ نهجَهُ نسَبا
يا صُبحُ يا صُبحُ أَعلِنْها بلا وَجَلٍ=إني أرى الجيلَ للأوهامِ قد جُذِبا
تهيَّأتْ كلُّ أسبابِ الضياعِ لهُ=ولم نهيِّءْ لما يُجدي ولو سَببا
وليس ينفعُ شعباً جيلُهُ خَرِبٌ=أنْ يملكَ الأرضَ أو أنْ يغزوَ الشُّهبا
يا صُبحُ يا صُبحُ إنَّ الليلِ قد تَعِبا=وآنَ للَّيْلِ أنْ نلقاهُ منقضِبا
مهما وَهى، ونأى عنكَ الضياءُ بَدا=رغمَ الظلامِ شُعاعٌ يهتِكُ الحُجُبا
إني أرى في رؤى الآتينَ ألفَ سَناً=وألفَ شمسٍ تُمنِّي بالهدى العَربا
فيا رؤى الجيلِ بوركتِ الرجاءَ ويا=ليلَ الخفافيشِ إنَّ الصُبحَ قد قَرُبا
يا ربِّ عفوَكَ عنْ همٍّ أُكابدُهُ=فقد أطلتُ، وما وفَّيتُ ما وجَبَا
يا ربِّ ردَّ إلى التوحيدِ أُمتنا=لعلَّها تُرجِعُ المجدَ الذي ذَهبا
أدعوكَ ربي وقد عزَّ الرجاءُ، ولا=أرى سواكَ مجيراً يكشِفُ النُّوَبا
وسوم: العدد 739