أطلس النحو العربي
مفاتيح عامة
«النحو في الكلام كالملح في الطعام»
هذا الأطلس:
إذا كان الأطلسُ الجغرافي يُعطيك تصوراً واضحاً عن القارات الخمس في الخريطة الأولى منه، وهي «خريطة العالم» الكاملة ويجعل من هذه الخريطة مدخلاً ينتقل فيه من الكُل إلى الجزء وإلى التفاصيل العلمية للتضاريس والحدود والدول، ويستعمل اللغةَ والألوانَ والخطوطَ لتحقيق الأهداف العلمية وتيسيرها على المتعلم.
فإن أطلس النحو العربي يعتبر شجرةَ «المبني والمعرب» هي خريطة علم النحو العربي الكلية الشاملة، ثم تأتي بعد ذلك جميع الدروس والشروح والشواهد والأمثلة والرسومات الشجرية تفصيلاً لهذه الشجرة الأم التي يتفرع عنها علم النحو العربي.
وفي هذا الأسلوب علاج للمسار العلمي وطرائقه في تعليم النحو وتحقيق أهدافه وتيسيره على المتعلم.
لقد اتجهت الأساليبُ إلى خدمة المادة العلمية وتيسير طرحها بأسهل السبل، ومالت إلى الانطلاق من الكل إلى الجزء في تعليم جميع العلوم، واعتُبر ذلك فتحاً في التربويات الحديثة.
فأنت إذا استطعت أن توضحَ الصورة الكلية لعمل ما، فإنك تكون قد يسرت على المتعلم تصوره وتخيله على العموم، ثم تنتقل به بعد ذلك إلى التقسيم المتدرج والتفاصيل الجزئية، وبذلك يسهل عليه أن يعلم موقع هذه التفاصيل والأجزاء من الخريطة الكلية العامة لذلك العلم، من خلال وشائجها مع الكل.
وإذا عدتُ بذاكرتي إلى المراحلِ الأولى من تعلمي لمادةِ النحوِ في المدارسِ، وحاولت أن أتذكرَ سببَ نفورنا من النحو، وجدت أن المناهج كانت تطرح مادة النحو منذ البداية على شكل تفاصيل وأجزاء متناثرة ممزقة بين مناهج السنوات المدرسية، دون أن تقدم لنا سبباً منطقياً واحداً لهذا الأسلوب، وحيث كانت تبدأ من التفاصيل والشروح والأجزاء وتترك التصور الكلي للطالب وتطور قدرته في المستقبل، وبهذا فقد الطالب الأجزاء والتفاصيل ونسيها بحكم الزمن ولم يصل إلى تصور كلي لعلم النحو، وبذلك ضاع علم
النحو جميعه وتبخر من أذهانهم، وبقيت الصورة المتعبة للقواعد المتناثرة في الذاكرة تسيء إلى علم النحو تظلمُهُ وربما تدفع الإنسان إلى التندر من ذلك العلم.
واستمرت هذه الأساليب على مستوى الدراسات العالية في الجامعات، وكم كانت المرارة في نفوسنا عندما وجدنا الجامعات تسير على نفس المسار باستثناء بعض الجهود الفردية المتناثرة هنا وهناك.
وعندما بدأنا نزاول مهنة التعليم، عادت المعاناة من جديد، وأخذنا نتحسس أسباب نفور المعلمين من مادة النحو وتعرفنا على أسباب المشكلة، من خلال الندوات، والمحاورات، فعندما عرف السبب بطل العجب. وأدركتُ أن مادة النحو من العلوم الراقية التي تكسب الإنسان القدرة على التحليل والتفكير السليم في اللغة سواء في فهم الآخرين أو في تفهيمهم، ولكنها ظُلمت في طريقة عرضها وأسلوب طرحها وتعليمها.
وهذه المحاولة الجادة، هدفها أن تطرح مادة النحو منطلقة من التصور الكلي لها، ثم بعد ذلك تنتقل إلى تقسيمه إلى الأقسام والأجزاء والتفاصيل، مع استعمال أُسلوب المجموعات الموحدة التي يحكمها قانون واحد والذي يستعمله علم الرياضيات.
إِنها محاولة هدفها أن تقول: إن مناهج النحو بحاجة إلى إعادة نظر وأن الصعوبة ليست في علم النحو بقدر ما هي في أسلوب طرحه، وأرى أنه من الأَوْلى أن يُدرَّس (المبني والمعرب) للطلاب في المراحل الأولى بطريقة مبسطة، ثم توزع المناهج توزيعاً يقوم على أسلوب المجموعات مثل: (مجموعة النواسخ، مجموعة التوابع، الفعل المضارع وأحواله، ... وهكذا ضمن خطة محكمة تراعي جميع ما يلزم هذا العلم؛ حتى يصل إلينا غضاً طرياً لا جفاف فيه.
إعادة الاعتبار:
لقد آن الأوانُ لإعادة الاعتبار لهذا العلم، ورد التُهم التي علقت بأذهان الناس عنه زوراً وبهتاناً، فهونت عليهم إِهماله جهلاً من أنفسهم، وظنوا أنه مجموعة من الدروس المتناثرة، والحذلقات المترفة التي لا رابط بينها، ولا علم فيها ولا منهجية لها.
وكان هذا الظن السيء بعلم النحو سبباً من أسباب نفور الناس منه، ولو أدركوا
خطر هذا العلم، وعرفوا أهميته، لعضوا عليه بالنواجذ.
فإذا استطعنا أن نقنع الناس بأهمية هذا العلم وأثره على حياة الأمة، وعظيم شأنه في حماية الأمة من خطر التشرذم اللغوي، الذي تنعكس آثاره على حياتها العلمية والدينية والسياسية ومصالحها العامة، وإذا نظّفنا ما في نفوسهم من تخيلات جاهلة عن هذا العلم، نكون قد وضعنا الناس على الطريق السليم لاحترامه والاندفاع الجاد نحو تعلمه واكتسابه.
إن من أهم الأمور التي تشد الناس إلى الاهتمام بعلم ما، هي أن يدرك الناس أهمية هذا العلم، لأن ذلك يهيئ همة المتعلم لاستقباله بحب وجدية ونشاط، ثم تأتي قضية إِصلاح منهاج تعليمه تالية لذلك.
أهمية علم النحو:
1- النحو نظام علمي يحمي اللغة من فوضى التعبير واختلاط المقاصد، ويجعلها سهلة ميسرة جميلة، وبذلك يضمن لأبناء المجتمع لغة موحدة يتفاهمون بها، وتتوحد من خلالها عقولهم وتتآلف قلوبهم، وتتقارب أساليبهم، وتبعدهم عن التشرذم النابع من الخضوع إلى اللهجات، فيسهل عليهم الالتفاف حول أهداف واحدة مشتركة، تعلموها يوم انضبط التفكير بالتعبير والتعبير بالتفكير، وبذلك تتم لهم وحدة التواصل بين الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة.
2- النحو علم يخدم العلوم كلها: التجريبية، والإنسانية، والآداب والسياسة والقانون والفنون، وهو لا يخدم تخصص اللغة العربية وحدها، كما يتصور بعض الناس، بل هو علم يحكم نظام اللغة العربية، لغة العلوم والفنون والآداب، ويوصلها إلى مقاصدها التعبيرية، في نقل العلوم بدقة وأمانة إلى المتعلمين والمخاطبين وجميع أبناء المجتمع، في الماضي والحاضر والمستقبل.
3- النحو هو المرشد العلمي لاستعمال اللغة في التفكير والتعبير والتأليف والخطاب، وهو العلم الذي يكشف عن المعنى وما يتصل به من علاقات وتراكيب توجد التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد.
4- النحو حماية للمعنى من فوضى المقاصد، وتحريف الكلم عن مواضعه، وقد استخرجت قوانينه بالأساليب العلمية السلمية، التي ثبتت لدى العلماء أثناء استقراء نصوص اللغة، ومن فضائل هذا العلم أنه حمى «لغة القرآن الكريم» من تحريف القلوب الضالة لمعانيه، في علوم التفسير، أو استخراج الأحكام، فكان سياجاً على المعنى القرآني من ألاعيب الزنادقة وغيرهم من الفرق الضالة قديماً وحديثاً.
5- وهو العلم الذي يُعَلمُ الإنسان التحليل المنطقي السليم لفهم اللغة، ويوجد لديه القدرة على التأليف السليم إِن كان متحدثاً، أو الفهم الصحيح إِن كان مستمعاً. وهو انعكاس لطرائق الأُمم في التفكير والتفاهم والتعبير.
6- الإعراب معنى، قبل أن يكون حركة إعرابية، ثم جاءت الحركة الإعرابية لتضبط المعنى وتحافظ عليه وتحرسه من العبث.
4- النحوُ ضرورةٌ وليسَ حذلقةً أو ترفاً:
قد يقع في تصور بعض الناس، أن النحو نوع من أنواع الحذلقة والترف اللغوي، فرضتها رغبة في التزين والزخرفة، عند جيل سابق من أجيال الأمة، وهذا أمر فيه إِنكار لقواعد علوم اللغات، ولا يستقيم لمنطق العلم، فكل لغة من لغات الأرض، لها قواعد استخرجت بعد استقراء نصوصها.
والخلاصة من هذا، أن قواعد النحو العربي ليست بدعاً بين الأمم، فكل أمة لها قواعد وأنظمة، تلتزم بها في تأليف كلامها، ولكن السؤال الذي أريد أن أطرحه، لماذا يتهرب كثير من العلماء والمثقفين والساسة من ضبط لغتهم وكلامهم بأصول العلم؟ هل العيب في علم النحو أم العيب في تقصيرهم؟ لاشك أن الاستهتار والجهل هو سبب ركاكة لغتهم، وهذا خسارة لهم أمام المجتمع، الذي يضحك على من ينصب الفاعل ويرفع المفعول.
هل النحو ترف وحذلقة وشكليات، كما يقع في وهمهم؟ لابد من استعراض سريع لبعض أبواب النحو ومواضيعه وبنظرة فاحصة، لندرك أن النحو إِشباع لحاجات وضرورات فرضتها الفطرة البشرية، ولا يمكن الاستغناء عنها، وأن الإنسان أوجد هذه الأمور في لغته، لأن الضرورة هي التي فرضت عليه ذلك، وانظر إلى هذه الأمثلة لتدرك هذا:
1- العطف: فرضته الرغبة الفطرية للتخلص من التكرار الممل للفعل والميل إلى اختزال اللغة.
2- المفاعيل الخمسة: فرضتها حاجة في الخطاب، إِما لتحديد من وقع عليه الفعل، أو سبب حصول الفعل، أو زمان حصول الفعل، أو مكان حصول الفعل، أو الرغبة في توكيد الفعل، أو بيان نوعه، أو عدد مرات حصوله.
3- الاستفهام: والاستفهام وحب الاستطلاع طبع في النفس البشرية، فرضته الرغبة في البحث عن الحاجة أو الاستطلاع أو التساؤل، ولا يستطيع زاعم أن يزعم أنه
ليس بحاجة إلى أدوات الاستفهام في اللغة، لأنه يستعمل أدوات الاستفهام عشرات المرات في اليوم والليلة، باحثاً عن حاجته، ولو وضعنا إِنساناً في لعبة رهان، واشترطنا عليه عدم ذكر أدوات الاستفهام، لاكتشف أن حياته بدونها تصبح مثل حياة الأخرس المعزول عن حياة المجتمع.
4- التمييز: فرضته الحاجة البشرية لإظهار المطلوب من لفظ جامد لكيلٍ أو وزن أو مساحة لإزالة الإِبهام عنه، ولولا ذلك لوقع في ذهن المخاطب أنك تهزأ به وربما يؤدي ذلك إلى سوء التفاهم بينكما، لو قلت له: أعطني قنطاراً، دون أن تحدد له المطلوب من ذلك بالتمييز.
5- الفاعل: فرضته الرغبة البشرية في إِسناد الأعمال والأفعال ونسبتها إلى فاعليها.
6- التوكيد: فرضته الرغبة في الحصول على ثقة الآخرين بما تقول وتقوية المعنى المراد في نفوسهم.
7- الفعل: فرضته الحاجة إلى وصف التغيرات والتبدلات والتحولات التي تطرأ على الأشياء والمسميات أثناء مخالطتها لعنصر الزمن.
8- الاسم: فرضته الحاجة إلى إطلاق أسماء على المسميات، ليسهل على الناس التحدث عنها وفهم دلالتها بسهولة ويسر.
9- الإستثناء: فرضته الحاجة والضرورة في الحكم على الأشياء وإبعاد مالا يندرج تحت الحكم منه.
10- الحركات الإعرابية: فرضتها حاجة الإنسان لحماية المعنى، وحراسته من التحريف أثناء موقعه الإِعرابي في الجملة، وماله من دلالة في المعنى أثناء تأليف الجملة.
11- الحال: فرضته الحاجة الملحة في وصف ومعرفة حال الفاعل أو المفعول به عند وقوع الفعل.
وهكذا لو استعرضنا بقية الأبواب، لوجدنا أن النحو ضرورة وحاجة وفطرة فرضت نفسها في اللغة، ولا مجال فيه للترف والتحذلق الذي يتصوره الواهمون.
5.تعريف بعلم النحو:
النحو في اللغة: «مصدر أريد به اسم المفعول (المنحو) بمعنى المقصود، وقد غلب لفظ المصدر (النحو) على هذا العلم بدلاً من اسم المفعول(1)». النحو في الإصطلاح:
«هو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه ومعرفة أواخر الكلم إِعراباً وبناء ومعنى(2)».
الفارق بين النحو والصرف:
«تختص قواعد النحو بتحديد وظيفة كل كلمة داخل الجملة، وضبط أواخر الكلمات، وكيفية إعرابها، أي أن قواعد النحو تنظر للكلمة العربية من حيث أنها معربة (أي يتغير شكل آخرها بتغير موقعها من الجملة) أو من حيث أنها مبنية (أي لا يتغير شكل آخرها بتغير موقعها) وهذا تفريق بينه وبين علم الصرف، الذي يختص ببنية الكلمة العربية وما يطرأ عليها من تغير بالزيادة أو النقص» «فهو علم يختص بنظام أبنية الكلم ولا دخل له في شكل آخرها(3)».
قواعد اللغة العربية:
مصطلح يطلق على العِلْمَيْن (عِلم النحو وعِلم الصرف) وهي: «أحكام يجري عليها الكلام العربي في نظامه الجملي، ونظامه الإِعرابي، ونظام أبنية الكلم منه، فهي تتناول ثلاثة جوانب رئيسة من مطالب «العِلم» باللغة العربية: أولها: نظام الجملة، وثانيها: نظام الإِعراب، وثالثها: يخص علم الصرف، وهو نظام أبنية الكلم(4)».
الإِعراب في اللغة: هو الإِبانة والإِفصاح، وأعربت عما في نفسي أي أبنت وأظهرت ما أُريد.
وفائدة الإِعراب: «تبيان المعنى والاستعانة به على فهم السياقات والتركيبات، التي لا تتضح في كثير من الأحيان إِلا بضبط الكلمة وتبيان موقعها الإِعرابي(5)» وهذا الأطلس لا يهتم إلا بعلم النحو ولا يأخذ من علم الصرف إِلا بالحاجة التي تخدم علم النحو.
6. لمحة تاريخية عن القواعد:
(وهذه القواعد ـ كما ترون ـ أحكام، وهي أحكام استخرجها النحاة الأوائل باستقراء نصوص العربية في فترة من الزمان تمتد قريباً من ثلاثة قرون: قرن ونصف قبل الإسلام، وقرن ونصف بعده وهذه النصوص هي: القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر الجاهلي والإِسلامي والأموي، وبعض الشعر العباسي وكلام العرب الفصحاء الذين سلمت لغتهم في تلك الأثناء من تأثير الاختلاط بالأمم الأخرى.
نظر النحاة في هذه النصوص، ولاحظوا الظواهر التي تجري عليها النصوص في تركيبها الجملي، وحركات أواخر الكلم منها، وأحوال أبنية الكلم فيها وقرروا هذه الظواهر على صورة «قواعد»(6)).
7. لماذا وُضعت القواعد؟
«حين جاء الإِسلام، وكانت الفتوح، انساح العرب في أمصار جديدة واختلطوا بأقوام آخرين، وتأثروا بهم كما أثروا في ألسنتهم، فأخذ العرب أنفسهم يلحنون: أي يخالفون عن طريقتهم الأولى في كلامهم، فيخطئون في الإِعراب وفي تأليف الجمل وفي صوغ الكلم، كما أن من دخلوا في الإسلام من غير العرب، قد رغبوا في تعلم اللغة العربية، لغة القرآن الكريم.
وهكذا تضافرت عوامل حيوية على وضع النحو، ووضع أصول وأحكام تصف نظام الجملة العربية وأنماط تأليف الكلام، وتصف نظام الإعراب وكيف يجري على
أواخر الكلم، ليكون ذلك دليلاً للعرب وغير العرب في تركيب الكلام وصوغ الكلم على مثال العربية الفصيحة، وليكون دليلاً للعرب وغير العرب في قراءة القرآن الكريم قراءة مستقيمة، وفقه أسراره(7)».
8. ميزات وأسلوب تأليف هذا الأطلس:
يمتاز العمل الذي نفذناه في هذه الأطلس بالعموم، والشمول، والتركيز، والاختزال، وتكثيف المادة العلمية للموضوع الواحد، بعد جمع شتاتها على صعيد واحد، بحيث يرى القارئ الأمور التالية بشكل واضح:
1- حاولت أن أجمع الجهود الإيجابية التي بذلها علماء تسهيل النحو في كثير من الكتب التي صدرت في هذا الباب، وجمع هذه الجهود في جهد واحد، من الأمور المتعبة، لأنها تحتاج إلى جهد نقدي يميز بين الغث والسمين، ويكتشف الخصائص الإِيجابية عند كل مؤلف، حتى يكون قادراً على صياغة جديدة للمادة العلمية من جانب، والاستفادة من خبرات الآخرين في عرض المادة وتبويبها من جانب آخر، فقد تميز بعض المؤلفين في عرض المادة العلمية، ونجح آخر في طرح الأمثلة المشرقة، وأبدع بعضهم في عرض مواضيع محددة من كتابه، وأخفق بعضهم في التغطية العلمية الشاملة للمواضيع.
2- اعتمدت في التعريفات على كتب الأصول، واستفدت من كتب التيسير وخرجت بتعريف يجمع جهد الجميع، وفي جوانب الترتيب وطريقة تقسيم الوحدات، وعرض المادة العلمية. لابد من الاعتراف بفضل كتب التيسير التالية، لما تميزت به عن غيرها من المراجع التي عدت إليها وهي: (كتاب النحو المصفى للدكتور محمد عيد، وكتاب معجم قواعد اللغة العربية للعقيد انطوان الدحداح، وكتاب ملخص قواعد اللغة العربية لفؤاد نعمة، وكتاب النحو الوظيفي لعبد العليم إبراهيم، وكتاب الإِعراب الميسر لمحمد يوسف خضر، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية ـ اللبدي).
3- وضعت وحدات الأطلس معتمداً على تقسيم الدكتور محمد عيد مع التعديل لبعض الأمور الواردة في كتابه. واعتمدت أسلوب المجموعات التي يحكمها قانون واحد، بهدف تعليم القارئ أن علم النحو جاد كعلم الرياضيات، ووضعت لكل مجموعة خارطة شجرية تساعد على التصور العام لهذه المجموعة من خلال علاقتها مع الشجرة الأم، واخترت الأسلوب الشجري، حيث تساعد التفرعات الشجرية على كشف العلاقات والروابط بين مواضيع المجموعة الواحدة.
4- وضعت الخارطة الأم التي تساعد الطالب لعلم النحو على التصور الكلي العام للموضوع، وبذلك يسهل عليه الانتقال في التصور من الشجرة الأم إلى الأشجار المتفرعة عنها، وليدرك أن هذا العلم يقوم على علاقات علمية منطقية مترابطة.
5- طرحت نظرية التصور الكلي التي تساعد الطالب على تخيل هذا العلم على عمومه، ثم يندفع الطالب بعد ذلك للبحث عن التفاصيل والفروع واكتسابه الخبرة والتطبيق في مجالها، لأن البدء في تعليم النحو من الجزء، متعب لنفس المتعلم، يقنعه بصعوبة هذا العلم منذ البداية، ويشن عليه حرباً نفسية، تضعف همته وتقتل رغبته، تماماً كما لو أنك أردت أن تعلم إِنساناً إِصلاح أو صناعة جهاز التلفاز أو الثلاجة أو غيره، فإِذا بدأت بتعليمه من خلال أن تريه الشكل العام للجهاز، ثم تقسيم العام إلى أقسام وأجزاء، سهل عليه التعلم، وإِذا كومت له التلفاز أو الثلاجة على شكل كومة من القطع المبعثرة المفككة، وحاولت أن تشرح له عن كل قطعة على انفراد، تعب ذهنه، وفترت همته وصعب تعليمه، لأن الأجزاء فقدت موقعها على الخريطة الكلية، فلم يعد تصور ذلك العلم سهلاً.
6- ولما رأيت تفاوت جهود العلماء في الاتفاق على المهم والأهم والأكثر أهمية في القواعد، رأيت أن أقسم هذه القوانين حسب أهميتها من العام الكلي إلى التفاصيل والفروع وعلى التصنيف التالي:
القانون الكلي العام:
وهو القانون الذي يشمل النحو العربي جميعه في داخله، وتتفرع عنه الشرائح والفروع والأجزاء، وترتبط به القواعد جميعها ارتباط الفرع والساق بالجذور، ووجدت أنه لا يوجد من صنف هذا في النحو إِلا قانون المُعرب وقانون المبني (المتغير والثابت).
قانون المجموعة (أو الشريحة):
وهو القانون الذي يتناول شريحة أو مجموعة من الدروس يجمعها قانون عام واحد للمجموعة يمتد في أصوله إلى القانون الكلي العام، ووجدت من ذلك مجموعة لا بأس بها (قانون المجموعة هو نفس اسم المجموعة) مثل:
مجموعة المرفوعات وتشترك جميعها في الرفع. مجموعة المنصوبات وتشترك جميعها في النصب. مجموعة المجرورات وتشترك جميعها في الجر. مجموعة المجزومات وتشترك جميعها في الجزم. مجموعة التوابع وتشترك جميعها في إتباع ما قبلها في الإِعراب. مجموعة النواسخ وتشترك جميعها في إِزالة حكم المبتدأ والخبر وإِثبات حكمها بدلاً منه. مجموعة الأسماء التي تعمل عمل الأفعال وتشترك جميعها في القيام بعمل الفعل.
ويمكن تصنيف كل مجموعة من هذه المجموعات إلى مجموعات أصغر منها تتشابه في قاعدة ما مثل المفاعيل الخمسة وغيرها.
قانون الفرع:
وهو الذي يتناول فرعاً من المجموعة مثل الفاعل من المرفوعات، المفعول به وهو فرع من المنصوبات، وهي كثيرة في النحو، وقد ركزنا الجهد في هذا الأطلس على أكثرها أهمية واخترنا منها ما يزيد على الستين فرعاً.
القانون الجزئي:
وهو القاعدة التي تفصل قضية داخل الفرع الواحد مثل: تقديم الفاعل، تأخير الفاعل، حذف الفاعل، وكلها قضايا جزئية داخل فرع الفاعل.
القانون الشاذ:
وهو الذي يحفظ ولا يقاس عليه، في قضية جزئية أو فرعية، وورد عند بعض القبائل، وقد ذكره علماء النحو في تفسير بعض الشواهد المحدودة، واتجهتُ إِلى إِهمال أكثر القواعد الشاذة، حتى لا أُشغل بها ذهن طالب النحو، واكتفيت ببعض المسائل المشهورة، حتى لا يبقى فضول الطالب يدفعه للبحث عنها أو يعتب علينا لإهمالنا لها مثل: مسألة أكلوني البراغيث، ومسألة الكحل وغيرها.
المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي: حاولت في أكثر المواضيع الفرعية أن أربط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، حتى تتضح الرابطة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، مما يساعد على كشف الرابطة بينهما، ويساعد كذلك في تذوق العنوان، ويعمق فهم المعنى الاصطلاحي بشكل أفضل، ويهيء نفسية المتعلم لإدراك الموضوع بشكل عام، ومن أمثلة ذلك قولنا: الجزم في اللغة: القطع والجزم في الاصطلاح: انقطاع آخر الفعل عن الحركات وسكونه. ومن وسائل التسهيل التي حرصتُ عليها أن أضع مادة الفرع الواحد على صعيد واحد، ما أمكن، لأن ذلك يساعد المتعلم عندما يجد المادة محصورة في صفحات قليلة ، على سهولة تخيل الموضوع والربط بين الأجزاء، وحيث يُحْرم المتعلم من ذلك عند توزيع مادة الدرس على صفحات كثيرة، تشتت ذهنه ويطرد بعضها بعضاً. وضعت الوحدة الأخيرة وكان هدفها اختيار أبواب جديدة من جهود علماء تسهيل وتيسير النحو، تغطي بعض المواضيع المختصرة أو تضيف فائدة جديدة، أو تعطي مساحة للتطبيقات العملية على مختلف الأبواب بشكل أوسع. ولما رأيت أن جميع العلوم تتكيء على الرسم العلمي والإِخراج الجميل والتبويب والتصنيف، لتبسط حقائقها، وتحقيق أهدافها في الوصول إلى نفس القارئ بسهولة ويسر، رأيت أن ذلك يخدم علم النحو لكشف حقائقه، وإيضاح تفرعه، من خلال الصورة، واللون، والكلمة المرافقة، أسوة ببقية العلوم، ولما فيه من إمتاع للقارئ.
ومن جانب آخر لماذا لا تزين كتب النحو في إخراجها؟ كما تزين كتب الأطفال، حتى تتفتح قريحة المتعلم وتنجذب للجمال والترتيب والإِخراج الجميل، وبذلك تتفتح شهيته ونفسه لتقبل المادة العلمية. لماذا نطرح شعار تجميل الكتب للصغار فقط؟ وهدفنا أن نشد انتباههم، وننسى ذلك عند تعليم النحو، ألا يحب الكبار الجمال كما يحبه الصغار وقد ألفت نفوسهم أن تجد كتب النحو محشوة بالمادة العلمية المتلاحقة والمتون المتعبة، ولماذا نتأخر في الاستفادة من ذلك؟ ونحن نعلم أثر شكل الكتاب وإِخراجه على نفسية المتعلم.
9.حكمة النحو:
كل علم من العلوم له حكمة يبدأ منها، وقواعد يبنى عليها، وبعد ذلك ينتشر ويمتد في خدمة الإنسان وتسخير الحياة من أجله، وعلم النحو له حكمة واضحة في تسخير اللغة التي تحفظ جميع العلوم، وتنقلها عبر الأجيال والأماكن لتعيش البشرية مستفيدة من تواصل الخبرات البشرية الضرورية لإقامة الحضارات، ونقلها من جيل إلى جيل، ولولا اللغة لضاعت الحضارات والجهود البشرية في العلوم واضطر كل جيل أن يبدأ من الصفر.
ولو حاولنا أن ننظر في المنطلق الأول للحكمة النحوية في إِدراك الحياة من خلال الكلمة وتقسيمها إلى: اسم، وفعل، وحرف، لوجدنا أنه انطلاقة لتفسير الحياة من خلال الاسم والفعل والحرف وهو انعكاس لجهود علماء النحو وعقليتهم في التفسير.
فالاسم: لفظ يدل على مادة الكون وعالم الغيب، و(أسماء الأشياء) فيهما، أو على (المعاني) التي تدور في النفس البشرية، أثناء مرحلة الفكرة، وقبل انتقالها من داخل النفس إلى الواقع الخارجي المحيط بها. والاسم أسبق من الفعل في الوجود، واسم الجلالة (الله) سبحانه وتعالى هو الاسم الأول والآخر وهو الذي خلق الأسماء بأمره كن فيكون. لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3].
والفعل: لفظ يدل على انتقال الإنسان بالدلالات من الأسماء (الأشياء والمعاني) إلى الواقع الخارجي أو الداخلي، بالحدث والتجربة والممارسة والتغير والتحول المحيط به في الحياة وعندها تخالط عنصري الزمان والمكان وبذلك تصبح فعلاً، فما حدث وانتهى وقت حدوثه سمي ماضياً، وما يحدث في الحال والمستقبل سمي مضارعاً، وما طُلب إِحداثه سمي أمراً، ومعنى ذلك أن الفعل هو عبارة عن الأعمال والتحولات والتبدلات التي تطرأ على الأسماء (الأشياء والمعاني) وتختلط بعنصر الزمن في الواقع العملي، ومن خلال مراجعة أصل الفعل وجميع المشتقات وهو المصدر أو (اسم المعنى) ما يشير إلى ما تقدمنا به، حيث أن المصدر يشير إلى المعنى في النفس، وقبل خروجه إلى الواقع واختلاطه بعنصر الزمن، فإذا اختلط بعنصر الزمن في الواقع فقد أصبح فعلاً.
الحرف: لفظ ليس له معنى إِذا كان منفرداً، ولا ينكشف معناه إلا إِذا استعمل في الجملة، وله فائدة عظيمة في ربط أجزاء الكلام مع بعضه، وهو أشبه بخيط الخياط، الذي يمنح الثياب القوة والجمال، وكذلك الحرف يعطي الجملة القوة والترابط.
10.أرضية التفكير النحوي عند النحاة:
وقد قامت هذه الأرضية على دراسة شواهد اللغة والاستنباط ثم تعميم هذا على أفراد النوع، ليصبح مقياساً وقاعدة عامة يقاس عليها ومن أمثلة ذلك:
قياس المنصوبات على المفعول به. قياس المرفوعات على الفاعل. قياس الضمير في البناء على الحروف لأنه يشبهها في قلة حروفه. قياس التوابع على المجاورة لما قبلها بسبب أو صله أو رابطه . قياس الأسماء التي تعمل عمل الأفعال على الأفعال. قياس الملحق بجمع المذكر السالم أو المؤنث السالم بصفات يحملها الملحق تشبه هذين الجمعين. قياس الممنوع من الصرف على الأفعال.
11. التفكير الإعرابي:
التفكير الإعرابي السليم، له طريق مرسومة، وما على الراغب في اكتسابه إلا أن يتابع شجرة «المبني والمعرب» من جذورها متتبعاً الساق والفروع ضمن الخطوات التالية السائرة بين السؤال والجواب وهي: هل الكلمة: اسم أم فعل أم حرف؟
1- الاسم: إذا كانت الكلمة اسماً، هل هي اسم معرب أم مبني؟
إذا كان الاسم مرفوعاً، ما هو موقعه من الإعراب وما هي علامة إعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إذا كان الاسم منصوباً، ما هو موقعه من الإعراب وما هي علامة إعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إِذا كان الاسم مجروراً، ما هو موقعه من الإِعراب وما هي علامة إِعرابه؟ هل هي من العلامات الأصلية أم الفرعية أم المقدرة؟ إذا كان الاسم مبنياً: هل هو من الضمائر أم من الأسماء الموصولة أم من أسماء الشرط أم من أسماء الأفعال والأصوات أم من العدد المركب أم من أسماء الاستفهام أم من الظروف المبنية؟ ما هي حركة البناء؟ وما هو محله من الإعراب؟
2- الفعل: إِذا كانت الكلمة فعلاً، ما هو نوعها من الأفعال من ناحية الزمن؟ هل هو معرب أم مبني؟
أ. إذا كان معرباً، ما هو موقعه من الإعراب؟ أمرفوع أم منصوب أم مجزوم، ما هو سبب الرفع؟ ما هو سبب النصب؟ ما هو سبب الجزم؟ وما هي حركة إعرابه؟ أصلية أم فرعية أم مقدرة؟
ب. إذا كان مبنياً، ابحث عنه في جذع المبنيات في بابه من الماضي أو المضارع أو الأمر من «شجرة المبني والمعرب»، وتعرف على سبب البناء وعلامة البناء، ومحله من الإعراب.
3- الحرف: إذا كانت الكلمة حرفاً، ما هي حركة البناء؟
ابحث عنها في جذع «المبنيات» من شجرة «المبني والمعرب». ما هو نوعها من الحروف؟ هل هي من الحروف العاملة أم غير العاملة؟ إذا كانت من الحروف العاملة، ما هو تأثيرها على ما بعدها؟
12. آراء واقتراحات وأفكار:
1- يقول العلامة ابن خلدون في المقدمة: «ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم، الجاري على أساليبهم من القرآن الكريم والسنة الشريفة وكلام السلف، ومخاطبة فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين في سائر الفنون، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور، منزلة من عاش بينهم، ولقن العبارة منهم» (8).
2- اعتبار حفظ النصوص الفصيحة وسماعها، من أهم وسائل التخزين السليم للغة في ذاكرة المتعلم، وخاصة في الفترات المبكرة من عمره من مراحل التعليم، ثم يأتي تعليم النحو بعد تخزين النماذج الراقية ليفسر الفصاحة ويعللها للمتعلم، ولأن حفظ النصوص من الضرورات الملحة في عصر فقد فيه الناس سلامة اللغة، وحرموا من نماذجها الراقية وبذلك نعوضه من انحرافات البيئة اللغوية، ونقود طبعه إلى أُلفة أساليب العرب الأصيلة، ونؤخر علم النحو كعلمٍ وظيفته تفسير اللغة وتعليل أحكامها، لأننا لا نعطي قاعدة للغة، قبل أن نوجد اللغة في نفس المتعلم، وهذا ما أراده ابن خلدون في النص السابق، ومالت إليه نظريات التربية الحديثة في أيامنا.
3- ونحن بحاجة أيضاً إلى إيجاد جو من الفصاحة وسلامة اللغة في المحيط الاجتماعي، لنزيد من القدرة العامة للجميع على مكافحة اللهجات، وحتى يألف الناس السلامة اللغوية وتصبح ذوقاً عاماً، فلابد من التكلم باللغة العربية السليمة، والتشدد في محاسبة من يهمل ذلك من المدرسين في المدارس والمعاهد والجامعات في ميدان التعليم الأولي والعالي، وكذلك لابد لوزارة الأوقاف أن توجه خطباء المساجد في الخطب والدروس إلى ذلك، ولا يقل دور وزارة الإعلام، ومؤسساتها من إِذاعة وتلفاز، أثناء مخاطبة الجمهور وفي البرامج، من الاهتمام بذلك والاختيار له بعناية فائقة.
4- وفي موضوع السماع للقرآن الكريم، من الإمام أو الإذاعة أو الشريط ميدان طيب للسماع السليم والتمتع بالأداء الفصيح، وخاصة عندما تخرج القراءة من قارئ نديّ الصوت، يتقن القراءة والتجويد، تذكرت ذلك وخطر ببالي أثناء شهر رمضان، عندما يواظب المصلي على صلاة التراويح شهراً كاملاً، يستمع للنص ويأخذ الفصاحة من أصولها، من القرآن الكريم الذي حفظ الله به هذه اللغة، وحفظه بهذه اللغة المباركة.
5- لا يحبذ استعراض القدرات في درس النحو أمام الطلاب، ليثبت المعلم قدرته وتبحره في هذا العلم، فيكثر من الشواهد والقواعد التي لا تناسب مستوى المخاطبين، مما يؤدي إلى شعورهم بصعوبة المادة، وبهذا ينجح الأخ المدرس في إِقناع الطلاب بعبقريته النحوية ولكنه يفشل في تعليمهم حب النحو. وقد قال الجاحظ قديماً في أحد رسائله: «وأما النحو فلا تشغل قلب الصبي به إلا بقدر ما يؤدي به إلى السلامة من فاحش اللحن».
6- لابد في دورات تدريب المعلمين من حل التطبيقات أو بحث القضايا النحوية التي تكسب المعلم الدربة العلمية، وتقوي ضعفه، بدلاً من إضاعة وقت الدورة في شكليات تنفيذ الحصة وأساليب التعامل مع الطالب.
7- توزيع مادة النحو على شكل مجموعات مترابطة على سنوات المنهاج، واستغلال حصة المحفوظات لتشجيع الطالب على الحفظ المبكر للنصوص، لتحقيق ما ورد في الفكرة الثانية من هذه الفقرة.
8- أن يتابع مجمع اللغة العربية حركة السلامة اللغوية في مؤسسات المجتمع من مدارس وجامعات ومساجد وإذاعة وتلفاز وصحافة ويذكر المسؤولين فيها ويتعاون معهم في ذلك، ضمن خطة مدروسة ومتابعة مستمرة، مع تقديرنا للجهود المباركة التي تقوم بها مجامع اللغة العربية على طول ساحة الوطن العربي الكبير.
9- الإنسان الذي اكتسب النحو بحكم تراكم الخبرة وبطول الجهد قد يكون ناجحاً في الإعراب أو في التكلم، ولكني أشك في قدرته على تعليم هذه المادة للآخرين، لأنه لا يتذكر كيف اكتسبها، ولابد من تدارك الأمر والتعرف على الأساليب التربوية لخدمة المادة وإيصالها بسهولة للآخرين.
13. علوم اللغة والنحو في خدمة القرآن الكريم:
الحقيقة التي يقررها التاريخ أن جمع الشعر والنثر ونشوء علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وعروض وفقه لغة، كلها نشأت لهدفين أولهما: خدمة القرآن الكريم وتفسيره ومعرفة أسراره، وثانيهما: حاجة العرب إلى ضبط لغتهم بمقاييس علمية تسهل تعلمها على العربي والأعجمي، ونريد من هذا أن نؤكد على أهمية علم العربية في خدمة القرآن الكريم في هذه الفقرة ضمن الأفكار التالية:
1- إن الضعف في علم العربية، يجعل التفاعل مع آيات القرآن الكريم ضعيفاً، والاستفادة من معانيه ضئيلة، لقد كان العربي عندما خوطب بالقرآن الكريم، يعرف مدلول لغته، ولذلك كان تأثره بالقرآن واضحاً، وخضوعه لأوامره جلياً، ولذلك لا يطمع أحد في نهضة على أساس الإسلام وهو ضعيف في لغة القرآن الكريم.
2- يقول الإمام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم): (واعلم أن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب في فهم الكتاب والسنة، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد كتب عمر t إلى أبي موسى الأشعري، حيث قال له: «تعلموا العربية، فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض، فإنها من دينكم» وما أمر به عمر t من فقه العربية، ومن فقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه، لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية: هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة: هو الطريق إلى فقه أعماله).
3- أما أحاديث الرسول r وأقوال الصحابة في ذلك فهي كثيرة نختار منها: عن أبي هريرة t أن النبي r قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه»، وقال ابن عباس: إذا سألتموني عن غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر ديوان العرب، وقال ابن عطية: إعراب القرآن أصل في الشريعة، لأنه بذلك تقوم معانيه التي هي الشريعة: ومنع رسول الله r التكلم بغير العربية، لغير ضرورة، فقال: «من يحسن منكم أن يتكلم بالعربية، فلا يتكلم بالعجمية، فإنه يورث النفاق».
4- قال العلامة البيروني المتوفى سنة (440 هـ) في مقدمة كتاب (الصيدنة): «ديننا والدولة عربيان وتوءمان... وكم احتشدت طوائف من التوابع في إلباس الدولة جلابيب العجمة، فلم ينفق لهم في المراد سوق، ما دام الأذان يقرع آذانهم خمساً، وتقام الصلاة بالقرآن العربي المبين خلف الأئمة صفاً صفاً.. وإلى لسان العرب نقلت العلوم من أقطار الدنيا، وإن كانت كل أمة تستحلي لغتها التي ألفتها، فأنا دخيل إلى العربية والفارسية، والهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية».
5- وقد لاحظت أن بعض الكتب الحديثة في النحو تتهرب من ذكر الشواهد القرآنية، والأحاديث النبوية، وإذا ذكرها المؤلف، ذكرها في مواضع قليلة، وكأنه مكره على ذكرها، وبغض النظر عن النوايا والأسباب التي تقف وراء ذلك التهرب، إلا أننا ننصح أصحاب هذه الكتب ونقول لهم: إن هذا التصرف منهم يقلل من المصداقية العلمية لها، لأن أصحابها خلطوا بين هوى أنفسهم والعلم فأفسدوا هذه المنجزات.
يقول الأستاذ محمد الحسناوي ـ رحمه الله ـ في كتابه (في الأدب والأدب الإسلامي): «بلغني أن الدكتور عبدالرحمن الباشا قد تلقى عرضا من إحدى دور النشر لتأليف كتاب في النحو العربي، على شرط أن يُجرد المؤلّف من شواهد القرآن الكريم، وبالطبع رفض العرض(9)».
14. الخاتمة:
وأخيراً وليس آخراً، كان الهدف من هذه المقدمة الطويلة، أن أجلوَ عن هذا العلم المظلوم صدأ الجهل به، ولعل القارئ يتأثر ببعض ما قدمنا فيندفع في حب النحو خطوة إلى الأمام، وترتفع همته في تعلمه بجد ونشاط، فعلم النحو كما يقول أحد علماء تيسيره: «والثغرة الأخيرة التي نود لفت الرأي إليها هي ثغرة نفسية، تتلخص في تصوير القواعد العربية وكأنها مسألة معقدة جداً جداً.. ونؤكد للمتكلم بالعربية الراغب في دراسة القواعد أنه لن يحتاج إلى جهد يزيد على أربعة أشهر بمعدل خمس ساعات عمل في اليوم الواحد حتى يصبح سيبويه آخر(10).
وفي النهاية أطلب من الله ـ سبحانه وتعالى ـ القبول لهذا العمل، ولا أزعم كماله، وأحمده على ما صبرني من بذل الجهد، وأنا بحاجة إلى نصائح الآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
«هوامش المفاتيح العامة»
1. معجم مصطلحات النحو والصرف، د. محمد سمير اللبدي.
2. معجم مصطلحات النحو والصرف، د. محمد سمير اللبدي.
3. ملخص قواعد اللغة العربية، فؤاد نعمة.
4. دليل المعلم- الصف التاسع – بإشراف مجمع عمان.
5. معجم مصطلحات النحو والصرف، د. محمد سمير اللبدي.
6. دليل المعلم، الصف التاسع، بإشراف مجمع اللغة العربية، عمان.
7. دليل المعلم، الصف التاسع، بإشراف مجمع اللغة العربية، عمان.
8. إبن خلدون ( مقدمه ابن خلدون )
9. (الأدب والأدب الاسلامي ).محمد الحسناوي.
10. (معجم قواعد اللغه العربيه ) انطوان دحداح
وسوم: العدد 854