مقدمة الطبعة الثالثة المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية
مقدمة الطبعة الثالثة
المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية
د. عبد الله الطنطاوي
[email protected]
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على مصطفاه .
في هذا الكتاب القيّم ، ولعله الأول في بابته ، وضح العلماء
والمفكرون المشاركون فيه ، معالم المشروع الإيراني الفارسي ـ القديم ، الجديد ـ
القائم على تصدير الثورة الإيرانية ، أي تصدير التشيع الفارسي الصفوي إلى البلاد
العربية والإسلامية وحسب ، وليس إلى غير المسلمين في بلاد الله الواسعة ، فملالي
طهران وقم ، غير معنيين بأسلمة أحد ، أو بتشييعه من غير المسلمين ، فيكفيهم أن
يكثفوا جهودهم لإخراج المسلمين من إسلامهم ، ليصيروا إلى فكر دخيل على الإسلام
والمسلمين ، وإلى عقيدة تتنافى مع العقيدة التي نزل بها الروح الأمين ، على محمد
العربي الأمين على وحي الله ، وتعاليم دينه ، كما أرادها الله لعباده ، فلا خرافة ،
ولا ابتداع ، ولا كذب ، ولا تضليل .
وقد انطلق المشروع الإيراني من مجموعة عُقَد تاريخية تراكمية
حاقدة على العروبة والإسلام ، وليس هذا ابتداعاً جديداً منهم ، فهم الذين ابتدعوا
الشعوبية وكانوا دعاتها وأهلها ، وبها حاولوا دقّ الأسافين بين العرب وبين سائر
الأمم التي دخلت في الإسلام عن اقتناع وطواعية ليس فيه أدنى إكراه ، إذ (لا إكراه
في الدين) وهم الذين واكبوا دعوة (ابن سبأ) وشقّوا الصف الإسلامي ، وشغلوا المسلمين
عن نشر دين الله في الأرض ، بما أثاروا من فتن ، ذهبت برؤوس ثلاثة من أئمة المسلمين
: عمر وعثمان وعليّ ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وهم الذين جعلوا التشيع عقيدة دينية
، وهو ـ في أصله ـ سياسي ، فهؤلاء من شيعة علي ، أي من أتباعه وأنصاره ، وأولئك من
شيعة معاوية ، أي من أتباعه وأنصاره ، وانتهت شيعة معاوية بسقوط الدولة الأموية ،
واستمرت شيعة عليّ بعقائد دينية ، فحاربوا سائر المسلمين ، من عباسيين ومن تلاهم من
المسلمين حكاماً ومحكومين ، واتخذوا من آل البيت ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ ذرائع
ضالة مضلة ، وحاولوا بهم ـ حاشاهم ـ إيقاد النار المجوسية التي أطفأها الإسلام
والعرب المسلمون ، من جديد ، محاولين كسر شوكة الإسلام والعرب المسلمين ، الذين
ثلّوا عرش كسرى (ولا كسرى بعده إن كنتم مؤمنين) وحرروا فارس من ربقة العبودية
للأكاسرة وطواغيتهم ، وأبدلوا بعقيدتهم عقيدة إسلامية إنسانية سمحة ، أعادت إليهم
حريتهم ، وكرامتهم ، وإنسانيتهم .
ولكن المجوسية المتمكنة من قلوب القوميين الفرس ، لم تنطفئ في
قلوبهم ، تؤزُّها مصالح شخصية ، وأحقاد دينية بائسة ، وقومية أشدّ بؤساً ، فكانت
شعوبيتهم التي كانت وراء كل فساد وإفساد ، حاولت معاولها هدم صرح الإسلام ، وحضارة
الإسلام ، والكيد لنبي الإسلام ، بكل أنواع الكيد لحديثه النبوي الشريف الذي لا
ينطق عن الهوى ، فأوضعوا خلاله الفتن ، فوضعوا الأحاديث المكذوبة على لسانه ، عليه
الصلاة والسلام ..
وكادوا للغة الإسلام والعروبة كيداً ارتد إلى نحورهم ، وبقي
الحديث النبوي شامخاً سليماً على أيدي علمائه الأفذاذ ، وبقيت اللغة العربية شامخة
على الزمان ، وتغلغلت في العقول السليمة ، والقلوب المشبعة بالإيمان ، وكان لها
أنصارها العمالقة من العرب والفرس معاً ، ممن هداهم الله ، وملأ نفوسهم حباً
للإسلام وللعرب حملة الإسلام إلى العالمين .. وانزوى الشعوبيون وتواروا عن مسرح
الحياة ، العلمية ، والعملية ، ولولا حلفاؤهم الأبديون ، وشركاؤهم في الفساد
والإفساد ، اليهود ، لاندثر الفرس الشعوبيون الصفويون ، فقد كان الفريقان (اليهود
والمجوس) فرقة واحدة ، وفي خندق واحد ، ضد العروبة والإسلام .
وكان كلا الفريقين من الجبن والمكر بمكان ، يعملون في الخفاء
حيناً ، وفي العلن حيناً آخر ، عبر تقيّة فاسدة كاذبة ، وقد استعلوا أيام إسماعيل
الصفوي ، الفاسق الماجن الحاقد ، واستعلوا مرة أخرى بمجيء الخميني الذي صُنع على
أيدي أعداء العروبة والإسلام ، من الصهاينة والصليبية المتصهينة ، ومن صهاينة العرب
أيضاً ، ولو نبشنا تاريخ سلالاتهم ، لوجدناها من منبت واحد ، وترمي عن قوس واحدة ،
رُبّوا عليها ، وحان حينها فيما أسموها ثورة إسلامية ، والإسلام بريء منها ، ومن
أصحابها ، وقد سمعت الأخ ياسر عرفات يقرأ رسالة أرسلها إليه آية الله منتظري ـ وكان
نائباً للخميني آنئذ ـ قال فيها :
يا ولدي ، تسأني عن الثورة الإسلامية في إيران ، وأقول لك
بصراحة : لم يعد في إيرن ثورة إسلامية ، فقد قتلها الموساد والمخابرات المركزية
الأمريكية ، وحلّوا محلّها ، يشايعهم أعداء الإسلام ، من القوميين واليساريين
العلمانيين واليهود الذين يعيثون في إيران فساداً ، ومعهم عملاؤهم .. هذه هي حال
الثورة الإسلامية التي تسأني عنها .
هذا ملخص الرسالة الطويلة التي أرسلها نائب الخميني إلى السيد
ياسر عرفات ، وكان هذا في بيت الأستاذ عدنان سعد الدين في حي المنصور في بغداد عام
1986 وبحضور محمود عباس (أبي مازن) وعزام الأحمد ، وكنتُ والأخ فاروق طيفور (أبو
بشير) من الإخوان ، مدعوّين على الغداء مع السيد أبي عمار وصاحبيه .. وكانت رسالة
السيد منتظري جواباً لرسالة أرسلها إليه عرفات ، وبدأها منتظري بقوله : (ولدي السيد
ياسر عرفات) فسألت أبا عمار :
ـ لماذا يخاطبك بيا ولدي ؟
أجاب أبو عمار :
ـ لأني أخاطبه بيا والدي .
وذكرت للأساتذة الحاضرين ، مقولة المصلح المفكر الكبير محب
الدين الخطيب ، التي كان يكررها أمام بعض زواره الكثر في القاهرة ودمشق :
" فتشوا عن كل ما أصاب العرب والمسلمين من كوارث ومصائب
وتشوّهات عبر التاريخ ، وسوف ترون وراءها : اليهود ، أو المجوس ، أو كليهما معاً .
"
***
وفي هذا الكتاب الذي نقدّم لطبعته الثالثة ، شرحٌ وافٍ لكل ما
ذكرنا ، وأحبّ أن أنوّه بمقدمة الطبعة الثانية التي كتبها المفكر السياسي البعيد
الغور ، الأستاذ الدكتور عبدالله النفيسي ، ففيها نفائس ، ونحن نتطلع إليه وإلى
أمثاله من المفكرين الفضلاء ، أن يبادروا إلى صياغة مشروع عربي إسلامي مكافئ
للتحديات التي تواجه أمتنا وشعوبنا المنكوبة بالكثير من نخبها التي تزعم أنها تنتمي
إلى هذه الأمة ، وهي ليس منها في شيء .
ابتلع الفرس الصفويون كثيراً من الأمصار والدول العربية ، في
القديم عندما فرضوا تشيعهم على الشعوب الإيرانية بحد السيف ، كما فعلت محاكم
التفتيش في الأندلس ، وقتلوا الآلاف من علماء الأمة الإسلامية الذين رفضوا تشيعهم ،
وفي العصر الحديث ، ابتلعوا الأحواز العربية المسلمة ،واغتصبوا الجزر الثلاث
الإماراتية ، واحتلوا العراق العربي المسلم ، وقتلوا مئات الآلاف من أبنائه العرب
المسلمين ، وخاصة علماء العراق النجباء الذين ربّاهم العراق ، وصرف عليهم مئات
الملايين ، وتعاونت إيران الصفوية مع أمريكا الغازية ، وحركت عملاءها وميليشياتها
المتوحشة ، فأوقعوا بالشعب العراقي وبعلمائه الأفذاذ ، ثم انسحبت أمريكا ، بعد أن
سلمت ملالي طهران وقم ، عراقاً محطماً فاق ما فعله المغول والتتار ، وما زالوا
يفعلون ..
ودمّروا سورية ، واحتلتها ميليشياتهم الصفوية ، وحلفاؤهم من
أوباش النصيرية الحاقدة الفاسدة ، وقتلوامئات الآلاف من الشعب السوري ، وأعطبوا
واعتقلوا وهجروا نصف الشعب السوري ، وابتلعوا لبنان بوساطة حزبهم المسمى زرواً (حزب
الله) الذي شارك ـ وما يزال ـ في تدمير سورية ، وذبح الشعب السوري بوحشية كوحشية
الميليشيات العراقية والإيرانية والحوثية وسواها من الميليشيات والمرتزقة من أكثر
من عشرين دولة .
وهاهم أولاء الحوثيون يخرّبون اليمن ، حسب تعليمات الملالي
الفارسية الصفوية .
والخلايا الشيعية النائمة في الخليج ، تتململ ، تأهباً لنشر
الفوضى فيه ، تمهيداً لاحتلاله ، وبذلك يكتمل المشروع الإيراني السرطاني ، وتقوم
الإمبراطورية الفارسية من جديد ، ويعود كسرى ورستم وأبو لؤلؤة ، ويرجع العرب أجراء
عملاء مستضعفين ، كما كانوا في جاهليتهم ..
وهيهات هيهات لما يأملون ويخططون ويفعلون ..
إن الإيرانيين الفرس الصفويين تحديداً ـ وبعيداً عن سائر الشعوب
الإيرانية الأخرى غير الفارسية ـ يبذلون جهوداً مضنية ، وينفقون أموالاً طائلة ،
ويرتكبون جرائم ضد الإنسانية هائلة ، فيما العرب ، حكاماً ومحكومين ، كأنما هم في
غفلة عما تفعله إيران الفارسية ، كأنما هم مقيّدون بالأصفاد ، لا يملكون من أمورهم
شيئاً ، إلا ما يرضي شهواتهم ، فسادتهم يشجعونهم عليها ، ويسهّلونها لهم ،
فطائراتهم مستعدة للإقلاع إلى بلاد الرقيق الأبيض ، ليشبع الأعراب بطونهم وفروجهم ،
وينفقوا من الأموال عليها ما لو أنفقت على المصالح العامة لما بقي فقير ، ولو صُرفت
على إنشاء المصانع ، لما استوردنا عشر معشار ما نستورد ، ولو صُرفت على الزراعة
لأكلنا من زرعنا ، ولوزّعنا الفائض الكبير على فقراء الأمة ، ما يفيض عن حاجتها ..
وإذا كان حكامنا كما وصفنا ، فأين الشعوب ؟
هل هي فعلاً مغلوبة على أمرها ، وهي مجرد قطعان تساق إلى مساقها
!
وإذا كانت كذلك ، فأين النخب ؟ أيها المثقفون والمفكرون ؟
أين العلماء ؟
أين القادة .. قادة الفكر ، وقادة الأحزاب ؟
أين رجال الأعمال ، وأصحاب الملايين والمليارات !
أين أصحاب النياشين التي تملأ صدور الجنرالات ؟
إن المشروع العربي المأمول ينتظر الرجال ، وعقولهم وقلوبهم ،
وملياراتهم ، فأين هم ؟
نداء ثائر حزين ، فهل من مجيب ؟