نماذج وطنية حية رغم الرحيل
سعدت كثيراً عندما أهداني الصديق الأخ الكاتب/ محسن هاشم الخزندار نسخة من كتابه الجديد، الموسوم بـ (الحقيقة المغيبة: الشيخ هاشم نعمان الخزندار)، وكان الغرض من إصدار هذا الكتاب إلقاء الضوء على شخصية والده المرحوم الشيخ هاشم الخزندار التي لعبت دوراً مهماً في الحياة الفلسطينية، إذ يعتبر الكتاب بمثابة وثيقة تاريخية تحتوي على نتاج تجربة الشيخ هاشم، والمناضلين الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم، والذي بذل فيه الكاتبان الأخ محسن الخزندار، وشقيقته الدكتورة فيروز الخزندار جهداً كبيراً امتد لسنوات ليخرجا كتاباً قيماً يعرضان فيه سيرة رجل وطني بحجم الشيخ هاشم الخزندار.
وهذا الكتاب يحتوي على جزئين، وتبلغ عدد صفحاته (950) صفحة تقريباً من الحجم الكبير، وربما يكون هذا الكتاب أول كتاب يتناول (281) وثيقة حية وشاهدة على النضال الوطني الفلسطيني في القرن العشرين، وهي من الوثائق التي ظلت خافية عن المواطن الفلسطيني، والتي تنشر لأول مرة، وبتفصيل دوافعها الحقيقية.
وقد لفت انتباهي ما أشار إليه الكاتبان في الجزء الثاني، من الكتاب إلى الوثيقة رقم (106)، تحت عنوان: (قصة الدبابة المعطوبة)، ص 205 مشيرة إلى الدور الذي لعبه الثوار الفلسطينيين في مدينة غزة من أمثال: صبحي فيصل، وخالد فيصل، وسعدي لظن، وخليل لظن، ونصري أبو خليل، وبكر الخزندار، وجواد محمد عرفات، وعصام علي الجعفراوي، وفؤاد محمد نمر الجعفراوي، وصبحي عزيز ساق الله، وحافظ حلاوة، وعبد الصلاحي أبو رمضان، وأخوه صبحي أبو رمضان، ليس فقط في دورهم بالمساعدة في إصلاح الدبابة المذكورة، بل أيضاً كان لهم دور في تصفيح السيارات والشاحنات؛ لكي تستعمل في كفاحهم ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م.
وقد أشار الكاتبان إلى الدور البارز الذي لعبه (الشهيد خالد فيصل) في قيادة تلك الدبابة المشار إليها أعلاه، حيث ذكرا في ص 205 أن: (الشيخ هاشم الخزندار ومجموعة من الثوار أرادوا في البداية أن يوكلوا مهمة قيادة الدبابة للأخ صبحي فيصل لما كان يتمتع به من روح وطنية عالية وقوة قلب وعزيمة مشهود لها، وقد وافق صبحي فيصل على تلك المهمة، ولكن بسبب ضعف في نظره في ذلك الزمان حاولوا إيجاد شخص آخر يجيد قيادة الدبابة، فوقع الاختيار، وبتزكية من صبحي فيصل، على شقيقه الأصغر في ذلك الوقت، وكان يدعى خالد فيصل).
كما قال الكاتبان في الجزء الثاني، صفحة 206 و207 : إن خالد فيصل - على الرغم من صغر سنه - كان له شرف الجهاد مع إخوانه المتطوعين الذين قدموا من مصر العروبة عام 1948م، إذ أبلى خالد فيصل في المعارك التي دارت رحاها بلاء الأبطال بحركته السريعة، وإليه يرجع الفضل في اقتحام مستعمرة "كفار نتسانيم" وتحريرها، والتي كانت تشكل عائقاً أمام تحركات الجيش المصري، إذ كانت محصنة تحصيناً قوياً، حيث استشهد يومها في (8 حزيران/ يونيو 1948م)؛ بسبب لغم قوي انفجر به، وهو بداخل المستعمرة وبعد اقتحامها.
ولعلَّ من المفيد ذكره في هذا السياق، أن الكاتبين قد أشارا في الجزء الثاني من كتابهما إلى الوثيقة رقم (107) تحت عنوان: (قصة الأسير البريطاني)، ص211، وإلى وطنية صبحي محمد فيصل، وما قام به من أعمال فدائية تدلل على شعوره الفياض بحب وطنه وأمته، فقد قام في يوم من أيام شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1946م بأسر أحد البريطانيين، ويدعى "هيوارد هاجين" في منطقة الشجاعية بمدينة غزة، واستشعاراً بخطورة الأمر قام رشدي خليل، وهو صديق حميم لصبحي فيصل، بإبلاغ الشيخ هاشم الخزندار بأمر الأسير، فأفتى بعدم المساس بحياته؛ لأنه ليس في ساحة معركة، وقد امتثل صبحي فيصل لهذه الفتوى، وأطلق سراح الأسير.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أحيي هذا الجهد الذي بذل في بحث من هذا النوع من الأبحاث التي لا يستطيع أي باحث أن ينجح في إتقانها إلا إذا كان يمتلك من الرصيد المعلوماتي، والصدق في الرواية، كما وأقدم خالص شكري لصديقي العزيز محسن الخزندار، ولشقيقته الدكتورة فيروز الخزندار على جهدهما الكبير, وكل جهد من هذا النوع، يضيء في قلب العتمة هو جهد مبارك, ينال عليه صاحبه أجمل الذكر من البشر، وأفضل الثواب من الله.
وسوم: العدد 872