الأموال العربية المهاجرة
الأموال العربية المهاجرة
بدر محمد بدر
الكتاب: الأموال العربية المهاجرة
المؤلف: أدهم إبراهيم جلال الدين
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر, القاهرة
عدد الصفحات: 264
عرض/
يناقش هذا الكتاب أسباب هروب رأس المال العربي إلى الخارج، سواء الأسباب الطاردة في الداخل، أو الجاذبة في الخارج, وحجم هذه الأموال والآثار المترتبة على خروجها من البلاد العربية, وكيف يمكن عودتها، وإعادة توظيفها مرة أخرى لصالح شعوب المنطقة، ثم يناقش في الختام مستقبل التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة بين دول العالم العربي والإسلامي.
والكتاب مكون من ستة فصول، يتناول الأول: الواقع الاقتصادي العربي ومدى مسئوليته عن هروب رأس المال، ويشير المؤلف في البداية إلى عدد من الإحصاءات والأرقام المهمة، منها أن نسبة مساحة العالم العربي تبلغ 10.2% من مساحة العالم، ومجموع سكانه أكثر من 350 مليون نسمة (2008) أي حوالي 5% من سكان العالم، ويبلغ احتياطي النفط في الدول العربية 59% من الاحتياطي العالمي، و29.4% من احتياطي الغاز، وتبلغ القوة العاملة 112 مليون شخص، والناتج المحلي الإجمالي تقريباً تريليون دولار، ومعدل البطالة 15%، وتبلغ رؤوس الأموال العربية في الخارج قرابة 1500 مليار دولار، بينما تبلغ الديون المتراكمة نحو 150 مليار دولار (2005)، وتشكل نسبة خدمة الدين إلى حصيلة صادارت السلع والخدمات 10.8%، بينما تشكل التجارة البينية العربية حوالي 10% من إجمالي التجارة العربية مع العالم الخارجي.
بيانات غير دقيقة
ويشير المؤلف إلى أن المعلومات والإحصاءات والبيانات الدقيقة عن حجم الاستثمارات العربية في الخارج غير متوافرة، وما يذكر من أرقام حول هذا الموضوع هو تقديرات باحثين ومحللين اقتصاديين، وبعض المراكز والمؤسسات مثل: صندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، ومع ذلك لا تتفق هذه المؤسسات على رقم تقريبي لحجم الأموال العربية المستثمرة في الخارج، إذ تقدرها المؤسسة العربية ما بين (800-1000) مليار دولار، فى حين يقدرها مجلس الوحدة الاقتصادية بـ 2400 مليار دولار.
وينبه المؤلف إلى أن معظم الاستثمارات العربية في الخارج هي استثمارات خاصة، يملكها أفراد من جنسيات عربية مختلفة، مع بعض الاستثمارات العامة التي تعود ملكيتها إلى الحكومات العربية، وبخاصة الخليجية، التي تحاول استثمار الفوائد الضخمة للنفط والغاز في أسواق المال الأجنبية.
ويعتبر العالم العربي أقل مناطق العالم جذباً للاستثمار وأكثرها طرداً له، إذ لا تتجاوز حصته العالمية من الاستثمارات الأجنبية الخارجية المباشرة 1% فقط، ولذلك فالحاجة شديدة إلى عودة الأموال المهاجرة إلى الاقتصاد العربي لتحسين صورته السيئة.
وتشير التقديرات إلى أن الأموال الخليجية حول العالم بلغت نحو 730 مليار دولار (2010)، منها 365 مليار في دول الاتحاد الأوربي وحده، والباقي في دول العالم الأخرى، وتتركز معظم الاستثمارات العربية في الخارج في كل من: سويسرا وبريطانيا وفرنسا، وهي دول تحتل المركز الأول بين الدول الغربية الجاذبة، والسبب الرئيس هو سرية الحسابات، ثم تأتي الولايات المتحدة، ثم أخيرًا ماليزيا وسنغافورة، بسبب الاستقرار الاقتصادي.
عوامل طاردة
ويتحدث الفصل الثاني عن العوامل الطاردة لرأس المال العربي، وهي كثيرة منها؛ عدم استقرار المناخ الاستثماري، وكثرة تعديلات القوانين المنظمة للاستثمار، ووجود ركود أو كساد اقتصادي في الدول النامية، وارتفاع أعباء الفائدة على القروض، وأيضاً وجود فرص أفضل ومشجعة للاستثمار في الدول الأجنبية، مثل الأمان من المخاطر، وسرية الحسابات المصرفية، وارتفاع معدلات الأرباح، مع وجود استقرار سياسي واقتصادي، ومناخ مناسب للاستثمار بشكل عام.
ويرى المؤلف أن هناك أسبابا موضوعية لهروب رأس المال العربي إلى الخارج منها:
أولاً: انعدام أو ضعف الاستقرار السياسي، مما يوحي للمستثمرين بأن الانفتاح الاقتصادي قد يكون مسألة مؤقتة، خاضعة للمزاج السياسي الذي قد يتغير.
وثانياً: عجز الهياكل الأساسية والمؤسسية عن تهيئة المجال أمام الاستثمار لجني أفضل الأرباح والنتائج، مثل الطرق والخدمات الكهربائية والاتصالات عموماً، بالإضافة إلى باقي المرافق والخدمات.
وثالثاً: الاختلالات الهيكلية في أسعار صرف العملات الوطنية، والعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
ورابعاً: البيروقرطية وعرقلتها لاجراءات الاستثمار، وعدم توافر القنوات التي يمكن من خلالها اتخاذ قرارات سريعة بشأن الاستثمار، مما يؤدي إلى تثبيط همم المستثمرين.
عوامل جاذبة
ويتناول الفصل الثالث العوامل الخارجية الجاذبة لرأس المال العربي، وعلى رأسها مناخ الاستثمار، وهو البيئة التي يمكن للقطاع الخاص (الوطني والأجنبي) أن ينمو في رحابها بالمعدلات المستهدفة، والبيئة هي مجموعة الظروف والسياسات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية، التي تؤثر في ثقة المستثمر، وتقنعه بتوجيه استثماراته من بلد إلى آخر.
ويشير المؤلف إلى أن الدراسات الاقتصادية أثبتت أن العوامل الأساسية المؤثرة على قرار المستثمر، تعود أولاً إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وثانياً إلى العوائد المتوقعة على الاستثمار، وثالثاً: إلى سهولة ووضوح الإجراءات القانونية والإدارية، وفيما يخص البند الأخير فإن أسباب هجرة رأس المال من البلاد العربية، تعود إلى كثرة القوانين وتضاربها وغموضها، وعدم وجود تشريعات لحماية رأس المال المستثمر، وعدم وضوح سياسات الإعفاء من الضرائب، إضافة إلى البيروقراطية والروتين، ونقص الخبرات والكوادر الفنية المتخصصة، وعدم وجود دقة في البيانات والمعلومات الرسمية.
هجرة رأس المال
أما الفصل الرابع فيناقش أساليب وأشكال هجرة رأس المال العربي، ومنها بالطبع أساليب غير مشروعة؛ مثل: السرقة والنهب والغش والنصب والرشوة والربا، إضافة إلى الفساد الاقتصادي وعمليات غسيل الأموال وجرائم التهريب، خصوصاً عبر المجال غير المصرفي، مثل إنشاء الشركات الوهمية، والتحويلات المالية عن طريق مكاتب التحويل غير المصرفية، والمضاربة في الأسواق المالية، والدخول إلى الاستثمار في الأسواق العقارية وتجارة الذهب وصالات القمار وشراء المشروعات الخاسرة، إضافة إلى الحسابات السرية في البنوك الغربية.
آثار سلبية
ويتناول الفصل الخامس الآثار السلبية المترتبة على هجرة رأس المال العربي، وتشير الأرقام المتوافرة إلى أن حجم الأموال المهربة إلى الخارج بلغت (56 مليار) دولار في السودان، و(27 مليار) في تونس، خلال الفترة من 2005: 2008، إضافة إلى المغرب (35 مليار)، وعُمان (28 مليار) عن نفس الفترة، بينما يمكن إدراج مصر ولبنان في عداد الدول المتوسطة، حيث بلغت الأموال المهربة من مصر (19.9 مليار)، ومن لبنان (17.5 مليار)، وأما في اليمن فقد بلغت (6.1 مليار)، وجيبوتي (1.1 مليار) دولار.
وتشير الأرقام أيضاً إلى أن نسبة الزيادة في حجم المديونية الخارجية منسوبة إلى الأموال المهربة بلغت في تونس 87%، وفي السودان 99.8%، وفي مصر 82.2%، وفي لبنان 85.1%، بينما بلغت في اليمن 73%، و84.7% في جيبوتي خلال نفس الفترة.
وأدى تهريب رؤوس الأموال العربية إلى الخارج إلى حرمان هذه البلاد من الفوائد الإيجابية، التي يمكن أن يحصل عليها المجتمع، والتي تتمثل في القيمة المضافة إلى الدخل القومي، وتشغيل العمالة، وعلاج مشكلة البطالة، وأيضاً زيادة الفجوة بين مستويات الدخول في المجتمع، إضافة إلى عجز المدخرات المحلية عن الوفاء باحتياجات الاستثمار، واتساع نطاق الفجوة التمويلية.
آليات العودة
ويناقش الفصل السادس والأخير آليات عودة رأس المال العربي وفرص إعادة توظيفه، حيث يشير المؤلف إلى أن الأصوات التي تتصاعد، للمطالبة بعودة الأموال العربية، تعود إلى ثلاثة دوافع رئيسة هي: الاستفادة من هذه الأموال في تمويل عملية البناء الاقتصادي في المنطقة العربية، والخشية على هذه الأموال من مخاطر البقاء خارج حدودها الإقليمية، والأسى لذهاب هذه الأموال لإفادة اقتصاديات، يكمن في المزيد من تقدمها، مزيد من التخلف للاقتصادات العربية، وعلى ذلك يظهر جلياً أن الدافع الأول هو الرئيس، والآخران مبرران للأول.
ومن أجل النجاح في جذب الأموال العربية المهاجرة لابد من الإصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي، ويطالب المؤلف أيضا بضرورة معاملة رأس المال العربي المستثمر في أي دولة عربية كرأس مال وطني، مع إعطائه بعض المزايا والحقوق الإضافية، خاصة في قطاعات التنمية، ويطالب أيضاً بطرح مشروعات عربية مشتركة، كي تلعب دورًا مهمًا في جذب رؤوس الأموال العربية، واستثمارها في بلادنا.
التنمية المستدامة
وفي الختام يطرح المؤلف ستة أمور مهمة، يمكن أن تساهم في تحقيق التنمية المستدامة للدول العربية والإسلامية وهي:
ـ تحقيق درجات متزايدة من توظيف الفوائض المالية الإسلامية، في أنشطة إنتاجية مباشرة داخل هذه الدول.
ـ الاستثمار المباشر أو التملك أو الاستحواذ الكلي أو الجزئي لأنشطة ومجالات في الدول المتقدمة تتصف، فضلا عن مشروعيتها، بإمكانيات تعميق المعرفة الفنية في الدول العربية والإسلامية.
ـ توجيه مزيد من التمويل للفرص الاستثمارية المدروسة داخل الدول العربية والإسلامية، في قطاعات النشاط الصغير والمتوسط.
ـ تنويع قاعدة النشاط الاقتصادي الذي يتم توظيف فائض بعض الدول فيه، بما يتسع لأنشطة أخرى، ذات ربحية متوقعة جيدة.
ـ إنشاء صناديق تتخصص في عمليات رأس المال المُخاطر، وذات رؤوس أموال تسمح لها بالدخول بفاعلية في عمليات الخصخصة.
ـ يمكن إنشاء كيان منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أو غيرها، يتولى إعداد دراسات عن فرص الاستثمار في الدول العربية والاسلامية، وتقديم نماذج للمشروعات الناجحة.