الأدب الإسلامي ضرورة
تأليف: د. أحمد محمد علي (عبده زايد)
عرض: عنتر مخيمر
هذا كتاب عظيم حقاً.
كلمات قلتها لنفسي – واستقرت في وجداني وفكري - بعد أن فرغت من قراءة كتاب "الأدب الإسلامي ضرورة" للدكتور أحمد محمد علي (عبده زايد).
والكتاب يقدم للقارئ رؤية إسلامية علمية مبدعة لقضية الأدب الإسلامي، التي تعد من قضايا حياتنا الثقافية الراهنة.
يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الإسلام والإبداع العربي:
وفيه تحدث المؤلف أولاً عن الإسلام والجمال قائلاً:
الجمال في التصور الإسلامي روح سارية في الوجود، إنه ليس مظهراً خارجياً مفارقاً يظهر ويختفي، ولكنه روح تغلغل في نسيج الوجود كله، فلا يمكن تصور هذا الوجود بدون جمال.
والإسلام حينما وجه بصرنا إلى الجمال في هذا الوجود أراد أن نتنبه إلى هذا التناسق العجيب في حقائق الأشياء، والتناسق العجيب في ظواهرها، والتناسق البديع بين ظواهرها وحقائقها. فإذا كان الله هو الحق، والجمال صفة من صفاته فإنه سبحانه خلق هذا الوجود بالحق وجعل الجمال صفة ذاتية لا صفة عارضة مفارقة.
فالوجود عامة والإنسان خاصة خلقه الله بالحق وأحسن خلقه، فجمع فيه بين الحق والحسن، والحسن هنا بلوغ الغاية في الاتفاق، ثم تحدث المؤلف عن الإسلام والإبداع، ثم تحدث عن الإسلام والكلمة، فما لا يماري فيه أحد أن نعمة البيان في الإنسان تكاد تعدل نعمة الخلق والإيجاد، وقد جمع الله بين النعمتين في قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان عمله البيان) (سورة الرحمن: 1-4).
فالبيان هو الذي يرفع الإنسان عن مستوى الحيوان، وقد أرسل الله رسله إلى الناس بالكلمة، وكان الأنبياء جميعاً من أهل اللسن والبيان. ولولا الكلمة لما قامت في الأرض معرفة ولا حضارة ولا نظم ولا شرائع ولا آداب ولا أخلاق ولا قوانين ولا تجارب، ولكانت صورة الإنسان الآن وحياته هي نفس صورته وحياته منذ خلق آدم وأسكن الأرض، ولما اختلف مجتمع إنساني عن مجتمع آخر كما هو الشأن في عالم الحيوان والحشرات.
ومن هنا انقسمت الكلمة إلى كلمتين جامعتين هما: كلمة الحق وكلمة الباطل، أو الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة.
وفي الفصل الثاني.. تحدث عن قضية الأدب الإسلامي، وهل هو ضرورة؟
فبين أن مصطلح الأدب الإسلامي.. مصطلح محدث، لم يظهر في القرون السابقة، ولم يعرف إلا في أخريات القرن الرابع عشر الهجري، وليس معنى هذا أن مادة الأدب الإسلامي ونصوصه كانت غائبة.
ولقد تناول المؤلف بالشرح والتحليل نماذج من أعمال أدبية معاصرة تموج مضامينها بتصورات وصور فنية غريبة، ثم تساءل:
هل هناك علاقة بين هذه التصورات التي تطغى على الأعمال الأدبية وبين المجتمع الذي تكتب وتنشر فيه؟
لابد من أن يكون الأدب الذي يكتب لهذا المجتمع وعنه معبراً عن وجدانه ومشاعره وأحاسيسه وتصوراته التي كونتها عقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه وآدابه ونظامه وتراثه الغزير.
ومن هنا أيضاً كانت الحاجة ماسة إلى أن يكون هناك أدب إسلامي يعبر عن الشخصية الإسلامية ويجسد تصوراتها عن الكون والحياة والإنسان في مواجهة آداب غصت بها ساحتنا الأدبية تجسد تصورات فلسفية ومذهبية وعقائدية وأيديولوجية غريبة عنا غربة كاملة.
إن الأدب الإسلامي ليس أدباً لغوياً، ولا أدباً قومياً، ولا أدباً وطنياً، وإن كان لا يتعارض مع الأدب القومي أو الأدب الوطني ما دام ذلك يتم في إطار التصور الإسلامي للوطن والقومية.
والأدب الإسلامي ليس أدباً مذهبياً وإن كان لا يعارض المذهبية التي تقوم على أصول راسخة من الكتاب والسنة.
والأدب الإسلامي ليس أدب موضوع، فقد يكون الموضوع إسلامياً صرفاً كالقرآن والوحي والهجرة والغزوات والخلافة وغيرها، ولكن رؤية الأديب إذا ابتعدت عن الإسلام فإن هذا الأدب لا يكون إسلامياً. وقد يكون الموضوع موضوعاً غير إسلامي كقضية التثليث مثلاً في العقيدة النصرانية، ولكن الأديب المسلم إذا تناوله تناولاً إسلامياً فكشف حقيقته وأبعاده وتناقضه ولا معقوليته في لغة رفيعة فإن هذا الأدب يكون أدباً إسلامياً. والأدب الإسلامي أيضاً ليس أدب زمان بعينه وليس أدب مكان معين، وليس أدب طائفة بذاتها.
إن الأدب الإسلامي هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان، أو هو الذي يرسم الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود.
والتعبير الجميل يعني أن عدم استيفاء عناصر العمل الأدبي يخرج العمل من الأدب جملة إسلامياً أو غير إسلامي.
أيضاً يرتبط الأدب بالأخلاق ارتباطاً أصيلاً، فمصطلح الأدب في اللغة العربية يحمل دلالتين: دلالة خلقية ودلالة فنية. والنظرة الموروثة للفن ترى أن الفن الصادق عمل أخلاقي، لأنه يسعى إلى صقل الحياة وتهذيبها وتوجيهها نحو الأفضل وليس الحط من قدرها.
وفيما يتعلق بموقف الأدب الإسلامي من الأخلاق نجد أن العلاقة بينهما أوضح والتلازم بينهما أوثق حيث إن أخلاقية الأدب الإسلامي متفرعة عن موقف الإسلام من الكلمة وبيان خطرها وأهميتها، وعن موقف الإسلام من الإبداع، وقد تبين لنا أن الإسلام ينظر إليه على أنه طاقة ينبغي أن تكون بناءة فتتجه إلى طريق الحق والخير.
والإسلام حينما يدعو أتباعه إلى فعل الخير وقوله لا يستثني من دعوته الأدباء والشعراء، بل ربما كانوا أول من توجه الدعوة إليهم لما لهم من قدرة على البيان والبلاغ، ولما لإبداعهم من ذيوع وانتشار وتأثير وبقاء في ذاكرة التاريخ.
ولكن هل يعني هذا أن الأديب الإسلامي يتحول إلى واعظ وخطيب؟
إن الأدب الإسلامي أدب أولاً قبل أن يكون دعوة إلى الخير وحرب على الشر، والإبداع الأدبي يعتمد على الصورة والإيحاء أكثر مما يعتمد على التقرير والمخاطبة والأمر والنهي، وإن أخلاقية الأدب الإسلامي ليس فيها ما يقيد حركة الأديب، ولا ما يعوق انطلاقه، ولا ما يكبل خياله لأن آفاق الأدب الإسلامي هي آفاق النفس البشرية بما جمعته من أعماقها من نقائض الطباع، والأخلاق والأهواء والنزعات والشهوات.. إلخ، وآفاق الكون الرحبة.
ويأتي استخدام اللغة النظيفة في الأدب الإسلامي متسقاً مع الالتزام الأخلاقي الطبيعي في هذا الأدب. بل إن اللغة العربية من قبل قد وصلت إلى هذا السمو اللغوي باستعمال الكنايات عما يستقبح ذكره، وهذا مما يؤكد الطبيعة الأخلاقية للأدب العربي.
إن اللغة النظيفة العفيفة لا يرى الناس حرجاً في سماعها ولا في ترديدها، لأنه ليس فيها ما يخدش الحياء، مع أنها تعبر عن أمور لها خصوصية معينة. وللقرآن الكريم المثل الأعلى في استخدام الألفاظ النظيفة والأساليب الرفيعة.