عام قضيته في العراق

مقتطفات من كتاب:

9/5/2003 – 27/6/2004

طباعة دار الكتاب العربي – بيروت

– للسفير بول بريمر –

ترجمة عمر الأيوبي

"أمضى السفير بول بريمر عاماً في العراق ممثلاً للاحتلال الأمريكي، ثم أصدر كتاباً تحت عنوان: عام قضيته في العراق، تضمن تجربته وانطباعاته وإنجازاته، وبالرغم من أن المحتلين لا يكشفون أسرارهم، ولا يفضحون مكائدهم، غير أن ما احتواه الكتاب من جرائم اقترفها ممثل الاحتلال، جدير أن يحيط به كل مواطن في العراق أو الوطن العربي أو العالم الإسلامي يغار على دينه وأمته ووطنه، ولهذا نقدم هذه المقتطفات المهمة".

بر الرئيس بوعده وسلمني في 9 أيار/ مايو رسالة بتعييني مبعوثاً رئاسياً إلى العراق، ومنحني سلطة تامة على موظفي الحكومة الأمريكية وأنشطتها وأموالها هناك، وتبعه رامسفيلد بتعييني مدير سلطة الائتلاف المؤقتة، وتفويضي بكل الأعمال التنفيذية والتشريعية والقضائية في العراق. (ص21)

لقد اجتاح الناهبون معامل الكهرباء والمحطات الفرعية لسرقة أدوات التحكم والعدادات، والأجهزة الإلكترونية، كما أنهم دمروا أبراج نقل الكهرباء لسرقة الأسلاك النحاسية التي يذيبونها في سبائك، ويبيعونها في السوق السوداء في الكويت. ص 28

كانت أهداف أعمال السلب واسعة الانتشار، فقد سويت بالأرض المباني المرتبطة في الجيش، أو بأجهزة استخبارات صدام المتعددة في كل أنحاء البلاد، لم يبق حجر على حجر في بعض الثكنات، ونهبت عشرات من المنشآت التي تملكها الدولة، لا سيما تلك العائدة إلى وزارة الصناعات العسكرية، ولم يتبق منها سوى الجدران العارية، بل نهبت حتى المواسير داخل الجدران!! "ص 29"

تعليق: (هذه أولى إنجازات الاحتلال)

* لقد أصاب سوء التغذية في المقام الأول الأطفال الشيعة (تعليق: علماً بأن البطاقة التموينية لم يحرم منها أحد) المحرومين الذين عانت أسرهم من وطأة الاغتيالات والمذابح التي نفذتها أجهزة الاستخبارات التابعة لصدام حسين، فضلاً عن الحرس الجمهوري، وغالباً ما حرمت الأسر الشيعية من بطاقات الحصص التموينية، لذا كان أطفالها يجوعون ويموتون.

تعليق: (وهذه ثانية إنجازات الاحتلال – سوء التغذية، ودس طائفي كريه اعتماداً على معلومة لا أصل لها كما يعلم كل العراقيين) ص 50.

* درس رومان مارتينيز وهو شاعر أمريكي نشأ في نيويورك بجامعة هارفرد، وقد أمضى رومان أشهراً في مكتب الخطط الخاصة في البينتاغون، وهو يعمل على هيكلة الحكومة العراقية الجديدة في سنة 2002م، وهو يتميز بفكر رشيق، ويعرف أمر اجتثاث البعث معرفة عميقة ص 57

في 9/أيار/ مايو أرسلت مذكرة إلى الوزير رامسفيلد ونائبه وولفويز وغيرهما أوجز فيها بأن علينا حل جيش صدام، بالإضافة إلى أجهزة أمنية عراقية. ص74

أوضح لي القائدان الكرديان جلال طالباني ومسعود البرزاني بجلاء بأن الأكراد لن يقبلوا البتة بصيغة تعيد تشكيل وحدات من الجيش العراقي السابق وتعيد تسلحيها. ص 75

شجع القادة الشيعة بمن فيهم آية الله العظمى السيستاني أتباعهم على التعاون مع الائتلاف منذ التحرير. ص75

في يوم الجمعة 23/5/2003م وقعت الأمر الثاني الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة (حل الكيانات) وشملت هذه الكيانات وزارة الدفاع، وكل الوزارات ذات الصلة بالأمن الوطني، بما فيها الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص وحزب البعث.

التمسنا المجندين العراقيين السابقين، لا سيما في قلب المنطقة الشيعية للعمل في برنامج الأشغال العامة، ثم أعلن سلوكومب – القائد العسكري – بأننا نعتزم إنشاء جيش عراقي قوامه فرقة كاملة يبلغ عددها نحو 12000 جندي مدرب خلال عام واحد، وثلاث فرق بعد ذلك بعام. ص 78.

بعد ذلك بأشهر فيما كنت أعد لمغادرة العراق أبلغني الزعيم الكردي جلال طالباني بأن القرار السابق بحل الجيش القديم كان أفضل قرار اتخذه الائتلاف طول مدة الأربعة عشر شهراً في العراق وبعيد إصدار الأمر زرت السيد عبد العزيز الحكيم الشيعي أحد قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وكنا نأمل في اجتذاب بعض أفراد ميليشيا فيلق بدر التابع للحزب، والبالغ تعداده ( 10000 عشرة آلاف) رجل إلى الجيش العراقي الجديد. ص 79

قال الجعفري مردداً التحذير الذي أثاره في أثناء الجلسة العاطفية مع مجموعة السبعة (الجعفري والحكيم والجادرجي والطالباني والبرازاني وأحمد الجلبي وإياد علاوي).

يعتقد البعثيون أن بوسعهم استعادة السلطة، ويجب وقفهم، وطمأنت الجعفري: لن يسمح الائتلاف بعودة البعثيين إلى السيطرة على البلد. ص 107

قلت: دكتور جعفري، نأمل أن يتعاون القادة المسؤولون في الطائفة الشيعية مع هذا المسعى، العملية السياسية السريعة، ولا شك في أن ارتكاب الشيعة اليوم الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في سنة 1920م عدم تعاونهم مع الإنجليز يعد مأساة. ص 108.

وبالمقابل تعاون العراقيون العرب السنة مع الاحتلال البريطاني وبقوا الطائفة المميزة تحت حكم الملكية التي أنشأها البريطانيون أولاً، ولا حقاً في أثناء النظام البعثي. ص 109.

عبر الحكيم عن سعادته بقرار اجتثاث البعث وحل الأجهزة الأمنية العراقية الكريهة. ص 111

في مقره بالسليمانية أبلغته - الطالباني - أننا مصممون على دعم إنشاء عراق فيدرالي، سر الطالباني بأن الائتلاف يوافق الآن على هذا الهدف الكردي القديم. ص 123.

أبلغني البرزاني: أنني أكره بغداد، لا أريد أن اضطر إلى العيش أو حتى السفر إلى هناك، ولكن إذا أصررت (يقول البرزاني لبريمر) سأوافق على العمل في المجلس – مجلس الحكم – على مضض. ص123

يقول بريمر: نفترض أن يحصل الشيعة على غالبية المجلس إذ يعتقد أنهم يشكلون 60% من السكان، والأكراد يطلبون تمثيلاً بنسبة 20% التي يشكلها السكان الأكراد بالنسبة إلى العرب. ص124

عقدت اجتماعاً آخر مطولاً مع الحكيم، أشار إلى أنه سيتعاون إذا اطلع على اللائحة الإجمالية لمجلس الحكم مسبقاً.. أدركت أنه يريد أن يعرف عدد الشيعة لكي يتأكد أنهم سيكونون الغالبية. ص 124

كنت قد التقيت به – محمد بحر العلوم – عدة مرات... كنا بحاجة إلى شيعي آخر لمنح الشيعة، الأغلبية في المجلس الذي يضم خمسة وعشرين عضواً ص 128

تأمل بحر العلوم برهة، وكان متردداً في الانضمام إلى مجلس الحكم، ثم سأل رافعاً إصبعه ثانية: ماذا لو أوصى المجلس بآلية لكتابة الدستور تتعارض مع فتوى السيستاني؟ أين أكون عندئذٍ؟

رددت بأن أفضل طريقة كضمان الامتثال للفتوى هي العمل في المجلس ص 129.

رددت ما كنت أقوله لآخر مرة – يقول بريمر لمحمد بحر العلوم: إنها نقطة انعطاف في تاريخ العراق.. ويجب أن لا يرتكب الشيعة الأخطاء المأساوية التي ارتكبوها عام 1920، أي مقاومة الإنكليز وتمكين السنة من حكم العراق.

تعليق: (هذا التحريض كرره بريمر مراراً في كتابه).

اختار أعضاء مجلس الحكم السيد بحر العلوم، آخر الداخلين إلى المجلس، ناطقاً رسمياً باسمهم، احتراماً لسنه، على الرغم من أن عدنان الباجه جي أكبر سناً من بحر العلوم لكن الباجه جي سني!! ص 133

تعليق: ( إذاً ذنبه لا يغتفر طالما أنه سني، مع أنه علماني وغربي).

قلت للرئيس بوش بعد تفجير مقر الأمم المتحدة: سيدي الرئيس، أقترح أن تلقي خطاباً رئيسياً إلى الأمة بعد عيد العمال تحدد فيه رؤيتك عن العراق.

بعد عدة ساعات اتصلت رايس لتسأل عما تستطيع أن تفعله للمساعدة، أنا وكولن مقتنعان بأن العراق أصبح مسرحاً حاسماً في الحرب على الإرهاب، وإننا إذا انتصرنا في العراق، فإن بالإمكان إلحاق الهزيمة بالإرهاب الإسلامي. ص 185 – 186.

* رحب بي وزير العدل هاشم الشبلي في مكتبه وقال: لكنني بحاجة إلى فصل إدارة المحاكم عن الحكومة، جاعلاً كبير القضاة مستقلاً في وزارته..

سررت لذلك لإنشاء نظام قضائي مستقل. ختم الوزير الاجتماع بالقول: أرجو أن تتذكر ما يلي يا سعادة السفير بريمر، إننا نتطلع إلى الولايات المتحدة في بناء عراق جديد وإذا نجح العراق، فستتهاوى الأنظمة العربية في المنطقة. ص206 – 207.

كنا نتبادل أنا والسيستاني رسائل منتظمة بشأن الوضع الأمني في النجف، وبين تموز/ يوليو وأواسط أيلول/ سبتمبر فقط تبادلت أكثر من عشر رسائل مع آية الله، وعبر السيستاني بشكل متكرر عن امتنانه الشخصي لكل ما فعله الائتلاف من أجل الشيعة والعراق ص214

وفي مسعى لفتح قناة اتصال غير مباشرة أخرى مع السيستاني، اصطحبت وزير الخارجية (باول) إلى عشاء في منزل آية الله حسين الصدر، أرفع رجل دين شيعي في بغداد، وهو من المناوئين الشجعان لصدام، وقد وضع رهن الإقامة الجبرية في منزله عدة سنوات.. إلخ وقد تأثرت كثيراً بروحانيته وشجاعته!!

تعليق: (عرفنا غير ذلك عنه من قرب عندما كان عضواً في المجلس الدائم للمؤتمر الإسلامي الشعبي العالمي). ص215

وكما وعدت عبد العزيز الحكيم في أيار/ مايو كان قائد الكتيبة الأول في تشكيل جيش العراق الجديد شيعياً. ص 232

فقد قدم المنفيون في المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه أحمد جلبي بعض المعلومات الاستخبارية قبل الحرب إلى مكتب وزير الدفاع عن أسلحة الدمار الشامل.

قال موفق الربيعي: سعادة السفير، تخلفت عن الوفد أمس لتسليم رسالتك لآية الله السيستاني بشأن العملية السياسية.

كان الربيعي - وهو طبيب متعلم في بريطانيا، ويحظى برعاية آية الله البارز في بغداد حسين الصدر - إحدى قنوات رسائلي إلى السيستاني بشأن المسؤولية المشتركة عن إيجاد سبيل للتقدم السياسي للأمام، وقد طلبت من الربيعي نقل رسالة إلى السيستاني بشأن المسؤولية المشتركة في إيجاد طريقة لكي يكتب العراقيون دستورهم بأسرع ما يمكن. ص253

أبلغت الجعفري مثلما فعلت في مكتبه الشديد الحر في كربلاء في أيار/ مايو أن على الشيعة أن لا يكرروا الخطأ الكارثي الذي ارتكبوه في العشرينيات، وهو ما أبعدهم عن السلطة ثمانين عاماً. ص258

تعليق: (ما فتئ يكرر هذا التحريض وهو كلام يجافي الحقيقة، فالعراقيون جميعاً قاتلوا البريطانيين، والشيعة شاركوا في كل الوزارات ولا سيما في عهد عبد السلام عارف.

عندما طرحت فكرة الدستور المؤقت على الباجه جي تلقفها ووافق على عرضها على مجلس الحكم بأكمله على أنها فكرته. ص 273.

في الليلة التالية في منزل الطالباني أبلغني الزعيم الكردي أن الباجه جي طلع بفكرة وضع دستور مؤقت في مجلس الحكم هذا الصباح، اضطررت لأكتم ابتسامتي، فقد تبنى الباجه جي خطة سلطة الائتلاف المؤقتة على أنها فكرته والآن يصدق الطالباني على فكرة الباجه جي ص 274.

قال كولن باول في مخابرة هاتفية: عليك أن تحصل على مباركة السيستاني، أرسل أحدهم إلى النجف أو توجه إليها بنفسك إذا دعت الضرورة، لا يمكنني أن أطلب من حكومتي المصادقة على مسار بدون بعض الضمانات بأن النجف (السيستاني) موافق عليه. ص 279.

قلت أمام الرئيس بوش – في زيارة إلى واشنطن: المشكلة الأساسية بالنسبة إليهم – السنة- هي احتمال انتقام الشيعة مما فعله السنة بهم منذ ألف سنة!! ص 290

تعليق: (وهذه من أكبر تحريضات بريمر باستخدام الورقة الطائفية بصورة مقززة ومرعبة).
عندما عدت إلى بغداد – يقول بريمر – حصلنا على الأنباء السارة بأن العضو القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الدكتور عادل عبد المهدي سافر إلى النجف في 13/11/2003م بطلب من طالباني، وقد أخبرني طالباني بأن عادلاً أطلع آية الله السيستاني على العملية الجديدة، وأن السيستاني وافق عليها. ص 292.

تعليق: (وهكذا كان السيستاني قد أعطي من المحتل حق الفيتو تجاه كل السياسات التي مارسها المحتلون).
إن الشيعة في العراق عانوا منذ مدة طويلة من الأنظمة الظالمة والمستبدة، ويجب أن يتوقف هذا التاريخ الفظيع الآن. ص307.

تعليق: (المحتل الأمريكي - كما يقول بريمر - جاءوا لتخليص الشيعة من اضطهاد البعث لهم!! متناسين ومتجاهلين هيمنة الشيعة على المراكز الحساسة في البعث، فكان ثلثا رؤساء الفروع بالحزب من المواطنين الشيعة).

في 2/12/2003م أرسلت رسالة أخرى إلى السيستاني تؤكد على هدفنا المشترك بأن يكتب العراقيون الدستور الدائم، وشددت ثانية على أن الدستور المؤقت سيحترم الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي (أي للشيعة) ص 311.

فنحن نريد سحب أكبر عدد ممكن من فيلق بدر، وإعادة تدريبهم، ونرغب في انخراط أعداد كبيرة منهم من فيلق بدر، وإعادة تدريبهم، ونرغب في انخراط أعداد كبيرة منهم كأفراد في الأجهزة الأمنية العراقية. ص 308.

تعليق: (هذا هو جيش العراق الجديد، وهذه هي أجهزته الأمنية).

أجرت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية مقابلة مع أحمد الجلبي، فقد استبعد دون اكتراث أن يكون المؤتمر الوطني قدم للحكومة الأمريكية معلومات استخبارية مزيفة عن أسلحة الدمار الشامل، وقال للمرسال: نحن أبطال الخطأ، وفيما تعلق بنا كنا ناجحين تماماً، فقد أزيح الطاغية، وها هم الأمريكيون في بغداد، وما قيل قبل ذلك غير مهم. إن إدارة بوش تبحث عن كبش فداء، ونحن على استعداد لمواجهته إذا أراد. ص 367.

لكن كان لا يزال هناك بعض المشكلات، في صياغة الدستور المؤقت – ولا سيما في المادة السابعة الخاصة بدور الإسلام، وقد أقنعت محسن عبد الحميد بأن نتجاوز هذه المادة في الجولة الأولى على أمل أن يؤدي الاتفاق على المواد اللاحقة إلى بناء زخم للتسوية بشأن القضية الأكثر حساسية. ص 367.

اتضح أن الأكراد سيدعمون النص الشيعي بشأن الإسلام، تاركين السنة منعزلين، وأبلغ الربيعي الجماعة أنه لن يغير كلمة في النص، لأنه حظي بموافقة السيستاني. ص 377.

شعرت أن النقاش أخذ مداه، وشعرت بإمكانية الوصول إلى اتفاق عندما أوصى أحد السنة بإضافة إشارة إلى القيم الديمقراطية في المادة السابعة.

اقترحت على محسن أن يدعو إلى استراحة، ثم أخذت الربيعي جانباً لأوصيه بأن يقترح إضافتها إلى نص الإسلام الذي يشير إلى المبادئ الديمقراطية، فوافق – الربيعي – وهكذا عندما عاد مجلس الحكم إلى الاجتماع قبل منتصف الليل بقليل، أشرت على محسن بأن يدعو الربيعي للكلام، اقترح تعديل النص بحيث لا يمكن سن قانون يتناقض مع المعتقدات العامة للإسلام أو مبادئ الديمقراطية... إلخ.

طلبت الحديث لأول مرة في هذا الاجتماع الماراتوني، حثثتهم على تبني التعديل الذي طرحه الربيعي. ص 377.

كان كولواي ضابط مارينز مثالياً، نحيفاً وذكياً ومقداماً، وعندما سألته عن نواياه قال: إنه يعتزم أن يظهر للعراقيين سعفة النخل والمطرقة على السواء، وتلك رطانة المارينز التي تقابل نهج العصا والجزرة الذي أخذه – يقول ضابط المارينز كولواي – للتعامل مع المثلث السني، وتابع قائلاً: الناس هناك على وشك أن يتعلموا معنى شعار قوات المارينز، الصديق الأفضل والعدو الألد.ص396

زرت أنا وديك جونز آية الله حسين الصدر في 4/4/2004م لتحذيره من مخاطر مهاجمة القانون الإداري الانتقالي – الدستور المؤقت – وكنت أعلم أنه على اتصال وثيق مع المرجعية في النجف، وأملت أن يقنع السيستاني سألته وأنا جالس في مكتبته العامرة بالكتب، إذا تمكن آية الله السيستاني من إسقاط مصداقية الدستور المؤقت، فأين سيترك ذلك الشيعة والعراق؟ حدق في رجل الدين من فوق إطار نظارته، لكنه لم يقدم إجابة مباشرة، قلت: أرجو أن تتذكر دروس العام 1920.. لقد انتظر شعبكم هذه الفرصة أكثر من ثمانين عاماً، وأخيراً قال: لقد انتظرنا قروناً يا سعادة السفير. ص399.

تعليق: (استمر بريمر طوال العام الذي أمضاه في العراق يعزف على هذا الوتر الطائفي دون كلل، وفي كل مناسبة وبغير مناسبة).

رأى وزير العدل أن علينا إيجاد طريقة لعرض بادرة حسنة تجاه مقتدى (أثناء أحداث النجف) تقديم تنازلات في الواقع، ورأى علي علاوي وزير الدفاع أن علينا أن نترك مقتدى يتحلل، وأن التمرد السني هو التهديد الاستراتيجي الطاغي، ورأى عدد من الوزراء بأن يشترك مقتدى في الحكومة، إنه لا يشكل تهديداً استراتيجياً على قرار العراق. ص408.
على الجبهة السياسية عاد الإبراهيمي وفريق الأمم المتحدة إلى العراق في الأسبوع الأول من أيار/ مايو (2004) لبدء العمل معنا على انتقاء الحكومة المؤقتة، واصل الشيعة تذمرهم من تولي سني علماني هذه السلطة. ص433.

الهدف الرئيسي للائتلاف هو استخدام تعيين الحكومة الجديدة من أجل توسيع قاعدتها، وخصوصاً عبر ضم مزيد من السنة، ومزيد من الشخصيات من المحافظات/ مع أخذ مقتضيات الأغلبية الشيعية في الحسبان. ص 435.

فالإسلاميون الشيعة لم يكونوا راضين عن الإبراهيمي، القومي العربي السني العلماني. ص 435.

تعليق: (مع إمعانه في سياسته الغربية العلمانية).

في مناقشة مع رايس ونائبها عبر الهاتف قلت: إن تآكل الدعم المخصص للائتلاف تسارع في الشهور الأخيرة... والسبب ببساطة عائد إلى تزايد هجمات المتمردين، لذا فإن الرسالة الموجهة إلى معظم العراقيين هي أن الائتلاف لا يمكنه أن يوفر لهم الخدمة الحكومية الأساسية: الأمن، لقد أصبحنا في أسوأ حال، محتل عديم الكفاءة. ص448.

تعليق: (هذا هو الوهن بعينه، والشعور بالعجز، والاعتراف بالفشل للقوات المحتلة المعتدية).
في هذه الأثناء كنا لا نزال نحاول حل مشكلة العثور على رئيس للدولة ورئيس للوزراء يتمتعان بالقدرة على الحسم في التعامل مع التمرد، ويكونان مقبولين لدى غالبية عناصر المجتمع العراقي، الشيعة، كان عدنان الباجه جي صاحب الحظ الأوفر في تولي منصب الرئيس وهو رجل الدولة السني المسن الذي لعب دوراً حاسماً في أثناء وضع القانون الإداري الانتقالي – الدستور المؤقت – ومع أنه لم يكن محبوباً من الشيعة والأكراد فقد كان متوقعاً أن يحظى بالقبول بوصفه السياسي السني البارع في مجلس الحكم، تبين أن مسألة تعيين رئيس للوزراء هي الأكثر تعقيداً، فقد رشح الإبراهيمي في البداية حسين الشهرستاني، وهو عالم ذرة شيعي ترأس لجنة الطاقة الذرية العراقية حتى عام 1979 ص 448

تعليق: (يذكر العراقيون أن الشهرستاني اتصل بالأمريكان بعد أن هرب عن طريق الشمال وأخبرهم عن المواقع السرية تحت الأرض الخاصة بلجنة الطاقة الذرية، وأدى ذلك إلى تدميرها كلها).

تبين أن الشهرستاني شيعي منغلق، ثم إنه صدمنا بقوله بأنه والسيستاني متفقان على أن تتولى شخصية سنية رئاسة الوزراء، ستكون المهمة شديدة الصعوبة على أي كان، وسيفشل كل من يتولى هذا المنصب على الأرجح، لذا فليكن الفاشل واحداً من السنة ص 449.

بريمر: قلت بصراحة بالغة: هذا ينم عن قصر نظر، ويحمل في طياته مخاطر تكرار الخطأ المأساوي الذي ارتكبه الشيعة في العشرينيات من القرن الماضي، عندما فضلوا الابتعاد عن العملية السياسية، وجلبوا على أنفسهم ثمانين عاماً من المنفى الداخلي. ص 450.

تعليق: (هذه هي اللازمة التي يلوكها ويكررها ويؤكد عليها ويعزف على وترها بريمر مذ وطئت قدماه أرض الرافدين وحتى غادرها).

في 19/5/2004م قال بوش في اجتماع لمجلس الأمن القومي – حضره بريمر (رداً على رامسفيلد الذي قال: يجب أن يكون لدينا رئيس وزراء كالصخر) بالتأكيد أجاب الرئيس، وقال بوش بصراحة: إنني أشعر بمزيد من الراحة عندما أعرف أن الرجل يتحلى بالشجاعة وليس ضعيفاً، وبصرف النظر عمن هو، ينبغي أن يكون قائداً، ماذا تقترح – يا بريمر – أن نفعل إذا قررنا عدم المضي قدماً مع الشهرستاني؟ كان جوابي – يقول بريمر – : نتحول إلى إياد علاوي على الأرجح، برغم أنه توجد شكوك جدية في أن يكون مقبولاً لدى السيستاني ص 451.

قدم علاوي للتباحث في القضايا السياسية معي، قلت له: نحن نرغب في أن تكون وزيراً للدفاع، فأجابني بالقول:

- إنني لن أعمل تحت رئاسة الشهرستاني.

قلت: لماذا؟

قال: إنني لن أعمل تحت رئاسته لأنه قريب جداً من الإيرانيين؟ ص452.

في أثناء اجتماع طويل مع مجلس الحكم في 26/5/2004م قلت لهم:

- على المجلس أن يحل نفسه قبل يوم من تولي الحكومة الجديدة السلطة، وسيكون هذا الانتقال السلمي للسلطة بمثابة برهان دائم على احترام المجلس المبادئ الديمقراطية.

ولتلطيف حدة الاقتراح، سارعت إلى القول:

- إنه ينبغي أن يكون العراق قادراً على الاستمرار في الاستفادة من خبرات أعضاء مجلس الحكم، ولذلك اقترحنا: أن يصبح الأعضاء الذين لن ينضموا إلى الحكومة الجديدة أعضاء في المجلس الاستشاري الوطني الذي سيلتئم في تموز/ يوليو بصورة تلقائية، كما أنهم سيستمرون في تقاضي رواتبهم، والبقاء في منازلهم واستخدام سياراتهم ومفارزهم الأمنية الشخصية إلى حين إجراء الانتخابات في كانون الثاني/يناير ص 460 – 461.

فهمنا أن الجلبي كان يعمل مع بحر العلوم على إقناع الشيعة بمقاطعة الحكومة المؤقتة إذا لم تفلح جهودهما (في اختيار القائمة التي يريدون، وقد عقد البيت الشيعي لهذا الغرض اجتماعاً لاختيار قائمة مرشحيه) ص 461

تعليق: (وهكذا نرى الجلبي الغربي العلماني ينطلق من مفهوم شيعي طائفي).

قال البرازاني باستهزاء: إنهما – الجلبي وبحر العلوم – يتحركان بوحي من إيران - وكان يظهر بذلك مجدداً عدم ثقته برجال الدين الشيعة - وقال البرازاني بصلابة: إذا أصر الشيعة على مرشح إسلامي – شيعي – فسوف يعيد الأكراد تقييم موقفهم. ص 461.

في الأسابيع التالية: التقينا أكثر من ثلاثين مرة، وكانت لقاءاتنا تنقسم في العادة إلى قسمين: نناقش في القسم الأول معلومات موجزة يعدها مستشار رفيع المستوى – من أعوان بريمر – وتتناول موضوعات تتعلق بالنفط والكهرباء.. إلخ وأناقش في القسم الباقي مع علاوي على حدة المسائل الأكثر خصوصية. ص476.

تطلب وداعي لآية الله حسين الصدر في بغداد تخاذ أقصى التدابير الأمنية، وأصر فرانك غالاغر – المسؤول الأمني – على عدم زيارتي منزله ليلاً مرة أخرى، وعلل فرانك ذلك بالقول: ألقيت علينا قنبلة يدوية في أثناء زيارتك الأخيرة له لتناول العشاء.

رتب موعد زيارة رجل الدين وقت الغداء، استخدم – رجل الأمن – في هذه المرة سبع عشرة عربة همر إضافية لحماية الطريق الذي ستسلكه قافلتنا، وأمر أن تحلق مروحيات بلاك ووتر الثلاث، كل منهما مزود براميين فوق موكبنا مباشرة، واتفق مع الجيش على أن تحلق أربع مروحيات أباتشي على جانبينا، وبضع طائرات قاذفة من طراز ف – 16 لتوفير غطاء فوقي، ولم يكن ذلك أفضل طريقة لوداع صديق هادئ ورزين، رحب بي الشيخ بحرارة في مكتبه المليء بالكتب، ثم على مائدة الغداء، نظر آية الله في عيني وقال: بأن التحرير عنى الكثير بالنسبة إليه، ففي عهد صدام غالباً ما كانت المخابرات تداهم منزله ليلاً وتأخذه بعيداً لإخضاعه للاستجواب والتعذيب!!. "ص 481".

يوم الأحد 19/6/2004م حان الوقت لأقول وداعاً للكثير من السيدات العراقيات اللاتي عملن معي في السنة الماضية في الدفاع عن حقوق المرأة، واستضفت على مائدة غداء أعدت لهذا الغرض ممثلات عن أكثر المجموعات النسائية أهمية في العراق/ والوزيرات في الحكومة الجديدة، ونائبات الوزراء، إذ أعربن عن تقديرهن لما قمنا به من عمل، وكن مسرورات على وجه الخصوص للحصة التي حصلن عليها من المقاعد في البرلمان الذي سينتخب في كانون الثاني/ يناير 2005م، والتي تبلغ 25%. ص481.

تعليق: (لا توجد هذه النسبة في أي من البلاد المسيحية أو العبرية أو الوثنية).

في لقاء خاص في وقت متأخر من بعد الظهر في 23/6/2004م مع رئيس الوزراء اتفقنا على محاولة نقل السيادة يوم الاثنين 28/6/2004م شريطة استقرار الوضع الأمني لكن اليوم التالي بدأ بسقوط أربع قذائف هاون عند الساعة 5:45 صباحاً، أدت إحداها إلى مقتل عامل عراقي في داخل فناء القصر، وتردد صدى الانفجارات في المنطقة الخضراء بأكملها. ص 484.

بعد انتهاء الاجتماع ذهبت لوداع الدكتور السيد محمد بحر العلوم في مكتبه، وهناك وجدت الشيخ المعمم المفعم بالحيوية ذا اللحية البيضاء في مزاج مرح، قال لي وهو يضحك: شعرك اليوم أكثر بياضاً منه عندما وصلت قبل سنة من الآن يا سعادة السفير.

ظل الأمن في المرحلة التي تسبق تاريخ نقل السيادة المبكر الذي خططنا له هاجساً، ففي يوم الجمعة 25/6/2004م، استيقظت مجدداً على صوت مدو يقول: احتموا احتموا، وبعد عدة ثوان كنت أركض نحو الملجأ في الفيللا حافي القدمين، عندما سقطت قذيفة هاون ثقيلة في محيط المنطقة الخضراء. ص 485.

تعليق: (يا للذلة ويا للهوان).

كنت قد نمت للتو يوم الأحد 26/6/2004م عندما سقطت أولى قذائف الهاون بالقرب من المنطقة الخضراء لليوم الثالث على التوالي، أسرعت إلى الممر، ونظرت إلى ميناء ساعتي المضيء، تجاوزت الساعة منتصف الليل بخمس دقائق.

كانت الهجمات علامات على الأرجح على الأمور التي تحدث في المستقبل. ص 486 – 487.

توجهت وديفيد ريتشموند – أحد معاونيه – برفقة علاوي وغازي – الياور – إلى السيارة وودعنا بعضنا، وعندها قلت للعلاوي: أصبح بلدكم في عهدتكم، إنه الآن بين يديك، اعتن به جيداً، وداعاً للمدنيين والعسكريين الذين كانوا متجمهرين هناك، صافحنا جميع الحاضرين، ثم توجهنا نحو المدخل المكسو بالرخام للمرة الأخيرة، واستقليت سيارتي في رحلة قصيرة إلى مهبط الطائرات، كان الجيش قد أحضر طائرتين عموديتين من طراز شينوك لنقل الطاقم الصحافي والمساعدين والأمتعة، وأرسل رئيس الوزراء علاوي نائب رئيس الوزراء لوداعي، وللمرة الأخيرة، وفي ظل الطقس الحار في صيف بغداد حطت الطائرتان خلف العديد من طائرات سي – 130 المموهة، والتي كان من المقرر أن تنقلني إحداهما إلى خارج العراق.

ركبنا طائرة سي – 130 فسارت بنا 40 متراً باتجاه طائرة شينوك منتظرة، أقلعت طائرة شينوك بنا على الفور، وحلقنا خمس دقائق في اتجاه ناحية أخرى من المطار حيث نزلنا من الطائرة لنصعد على الفور إلى طائرة نفاثة صغيرة أرسلتها الحكومة الأمريكية، نظرت إلى العراق نظرة أخيرة.

تعليق: (ثم غادر المطار وهكذا انتقل بريمر من المنطقة الخضراء بطائرة عمودية إلى المطار، ومنها إلى طائرة سي – 130، ومنها إلى طيارة شينوك ومنها إلى طائرة نفاثة، ضماناً لأمنه المفقود).