في مواجهة الغزو الإعلامي

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

صبحي الفراتي

تتعرض أمتنا لأنواع كثيرة من الغزو، ولاسيما بعد انهيار آخر تجمع للمسلمين في ظل الخلافة، والسيطرة على مقدراتها من خلال الحصون التي اجتاحها الهدامون من الداخل.. ولم يعد الغزو العسكري سوى صورة من صور الغزو الفاضحة! بعد أن تداعت علينا الأمم لتصبح القصعة التي أشار إليها الحديث الشريف كعكة يسعى الغزاة على مختلف مشاربهم ومصالحهم إلى قضمها ومن ثم التهامها.

ويأتي هذا الكتاب ليشير إلى جانب من جوانب الغزو، وليبين دور الكلمة وتوظيفها الذي غدا سِمة من سمات هذا العصر وقد كثرت فيه التناقضات، وتعددت المعتقدات، وتنافست فيه الأفكار والنظم لامتلاك الإنسان بالتأثير في عقله حيناً، وفي عاطفته حيناً آخر، وذلك بقصد تشكل مفهوم معين لديه، أو تغيير قناعة سابقة، أو معتقد قائم في نفسه وقد صدق د. أحمد المغازي في كتابه "الإعلام والنقد الفني" إلى خطورة الكلمة المنشورة والمسموعة، وأنها لا تقل بحال عن خطورة المدفع والصاروخ والقنبلة، والجراثيم الكيماوية! فإذا كانت هذه العناصر تقتل من الخارج، ويستطيع الإنسان تفاديها بالخندقة، أو الوسائل المضادة، فإن الكلمة لا يمكن تفاديها بسهولة، إنها تصل إلى المرء في مخدعه، ومكتبه، وشارعه ومقهاه ومنتداه، وفي كل مكان يحل به"؟!

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وثمانية فصول.

وقد أشارت المقدمة إلى خطورة هذا الغزو، ودعت إلى تحصين المجتمعات أمام تلك الهجمة العنيفة والزحف الإعلامي الذي يحطم السدود، ويجتاز الحواجز لغزو الأفكار والقلوب، ويسعى للاستسلام للمفاهيم الوافدة ويقوم بعملية استئناس وترويض للعواطف والأفكار.

تحدث المؤلف في الفصل الأول عن الكتاب وأن وسائل الإعلام الحديثة لم تستطع إلغاءه، بل ساعدت على نشره. وأشار إلى ما قام به جرجي زيدان على مستوى الرواية من تشويه للتاريخ الإسلامي وشخصياته العظيمة، وإلى التلاعب بكتب التراث في شكل تحقيق علمي نزيه، وإلى إصدار المعجمات والقواميس التي كان ظاهرها خدمة العربية، وباطنها إدخال ما ليس منها بحجة العصرنة وتطور الحياة، وخص كتب الأطفال التي تبث في الأسواق في غفلة من الرقيب وإهمال من المربي مستشهداً بقول (فرانسوا دانيال) في المؤتمر "إن كتاب الطفل يمكن أن يغيّر من ذوق العالم، بل يستطيع أن يغير العالم ذاته".

 وفي الفصل الثاني بيّن أثر الرسوم الكاريكاتورية وأنها ليست لمجرد الإضحاك، بل إنها في أكثرها تحمل مدلولات اجتماعية أو سياسية، وأن رسام الكاريكاتور المؤدلج في عالم اليوم، لا يقل ما يقدمه شأناً عن الكاتب الذي يحمل فكراً معيناً يدعو إليه، ويبشر به، ولعل الرسومات المسيئة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم والحجاب والزي الإسلامي أكبر دليل.

وفي الفصل الثالث عرّج على السينما، وعن السبق المحموم لإظهار مفاتن المرأة، وعن الموضوعات التافهة التي تعرضها مستشهداً بما قاله سعد الدين وهبة نقيب السينمائيين المصريين من أنه واللجنة العليا للرقابة يمنعون 75% عل الأقل مما يكتب للسينما لتفاهته أو لخروجه على الآداب.

وفي الفصل الرابع يحذر من أفلام الفيديو وأن الأفلام التي تعرضها السينما كانت تخضع إلى حد ما للرقابة، ولكن بوجود الفيديو انتقلت السينما إلى كل بيت ولا رقيب ولا حسيب!!

وأما في فصل (الأغنية) وبعد وجود التلفزيون وأشرطة الكاسيت بأنواعها فقد وجد مطربو الدرجة الثالثة والخامسة طريقاً لبث تفاهاتهم بعيداً عن الرقابة الرسمية، مستشهداً بما قاله الدكتور سبوك (أكاد أقع في براثن الرعب عندما أسمع أغنية ليست عاطفية، ولكنها تعبر عن جوع جنسي، وتؤديه مطربة معينة بأسلوب المحترفات، وأخشى أن تلتقط أذن طفلي هذه الأغنية!؟)

ويعرض في الفصل السادس (التلفزيون) ولا سيما بعد امتلاك الكثيرين لمحطات وأقنية خاصة، واستمرار البث لأربع وعشرين ساعة بدون توقف، مشيراً إلى الآثار السلبية في الأطفال الذين لا يمتلكون الحصانة الكافية لما يعرض، ومن ذلك مسلسل عرض في أحد التلفزيونات العربية تحت عنوان (تعلم اللغة الإنكليزية) الذي يخرجه أحد اليهود، إذ يطلب الأستاذ الإنجليزي من طالب هندي اختيار كلمة مرادفة لكلمة (غبي) فيسارع ليعطيه كلمة (مسلم)؟!!

وأما في فصل (الصحافة الغنية) فيرى أن كثرة مجلاتها لا تتناسب مع دور الفن في الحياة ولاسيما في نقلها لأخبار الفنانين وللحياة السرية لبعضهم، وأن الصحافة التي تُعنى بمثل هذه الأخبار تشكل خطورة على أبنائنا وفتياتنا الذين يتأثرون – بلا ريب- بما يقرؤون ويطالعون ويكونون في مراهقتهم أكثر تقبلاً لما يسميه علماء النفس بالإعجاب بالبطل.

ويختم هذا الفصل بما صرحت به نعيمة حمدي من مراقبة المصنفات الفنية لمجلة الكواكب: "أقول بكل الوضوح والصراحة: لقد كنت في زيارة لدولة (...) عربية، ووجدت أن خمسين في المائة من الإنتاج (...) يمنع في العرض بأمر من الدولة، وعلى كافة المستويات، وأن الأفلام يتم تداولها بطريقة سرية، وأقول بكل الخجل إنهم وضعوني في حجرة بمفردي لأشاهد عملاً شارك فيه بعض الفنانين (...) وصدقوني أني شعرت بالخجل من الضحكات الماجنة والألفاظ البذيئة والإيحاءات الجنسية من فنانين لهم منا الإجلال والاحترام"؟!!

وفي الفصل الثامن (المسرح) يتحدث المؤلف بعد استعراضه لبعض التفاهات التي تقدمها كثير من المسرحيات، داعياً إلى وجود مسرح نظيف تأليفاً وإخراجاً وأداءً ليكون بديلاً عن مسرح الاغتراب في المضمون والأسلوب والأشخاص وأن المسرح باعتباره فناً فيجب أن يعنى بحقيقة الشمول والتكامل في النفس البشرية، ولا يعرض الجانب المادي في الإنسان وحده بمعزل عن الجانب الروحي.