حماة مأساة العصر

نذير علمدار

كتاب وثائقي جمعت مادته الأساسية في أثناء الأحداث و طبع بعد عام من المأساة ، و كان حصيلة جهد استمر شهورا في الجمع و الإحصاء و الاستقصاء يقدم هذا الكتاب شيئا من تاريخ حماة قديما و حديثا و يعرض طرفا من معاناة المدينة تحت وطأة نظام أسد ، ثم يقدم بكل التفصيلات الممكنة ، أحداث شهر شباط ( فبراير) 1982 يوما فيوما ً ، ثم يعرض تحليلات عسكرية و سياسية و اجتماعية مختلفة ، كإضاءات لجوانب مجزرة حماة الرهيبة ، كما يقدم جداول إحصائية ببعض ما أمكن حصره في ذلك الوقت من أسماء الشهداء و المعتقلين و ما دمر من مساجد و كنائس و أسواق و منازل و باقي مرافق الحياة .

إن مأساة حماة في شباط لم تكن أمرا ً طارئا ً بل جاءت ضمن خطة مبيتة  و تصور سابق و إصرار على تنفيذ الجريمة ؟!

من ذلك: القرار الإداري الذي أصدره المجلس الأمني الأعلى - قبل المأساة بشهرين - القاضي بإطلاق يد رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد و شريكه في الجريمة ، بحيث يكون مسؤولا ً عن الحكم العرفي ، و تسليمه  12 ألف عنصر من سرايا الدفاع لشن حملة على مدن الشمال (لتطهيرها ) من المعارضين ، و على أساس اعتبار مدينة  ( حماة ) منطقة عمليات أولى ، و قالوا له : يمكنك أن تقتل خمسة آلاف من دون أن ترجع إلى موافقة أحد ، و حددوا له حوالي مئة أسرة يمكن أن يبيدها ، و سمحوا له بالقتل الكيفي و العشوائي ، الذي لم يكن شيئا ً جديدا ً في مسلكه و لكنه في هذه المرة أخذ شكل قرار ..

و لن يغيب عن القارئ التعتيم الإعلامي الذي مارسه حافظ أسد على أحداث حماة ليستفرد بها من دون المحافظات و  الرأي العام ، و سوف تتضح صورة المؤامرة حين يطالع القارئ حجم قوات الأمن القمعية التي كانت مرابطة في المدينة آنذاك .

و بعد المجزرة قام النظام بتصرفات تثير الضحط و الاشمئزاز في آن ، فقد أخرج بوسائل بوليسية معروفة ، سكان القرى من الجبل العلوي في تظاهرة تأييد و وقف ممثل حافظ الأسد يقول فيها : هؤلاء أبناء حماة يحتفلون  بالرقص على جثث أبنائهم ...

إن مأساة حماة لم تنته بانتهاء مجزرة شباط 1982  و إن مراجعة سريعة ، لما نشرته الصحف الأجنبية بعد أحداث شباط ، لا سيما المقالات و الريبورتاجات التي كتبها صحفيون زاروا حماة بأنفسهم لتظهر بعض الحقيقة ، و لكن كل ما كتب و ما نشر هو دون الحقيقة بكثير .

و مع ذلك فإن هذا الكتاب بصفحاته الأربعمائة يبقى مصدرا و مرجعا يستمد منه الكتـّاب و المؤرخون لمعرفة حقيقة ما جرى  ..

 و للتاريخ : فإن الناس إذا كانوا قد قرؤوا أو سمعوا كثيراً عن الأحداث الفاجعة المماثلة في العصر الحديث ، فإنهم لم يعايشوا كتلك المأساة دلالة و عمقا ً .