التخييل والشعر للدكتور مولاي يوسف الادريسي
إصدار جديد
التخييل والشعر
للدكتور مولاي يوسف الادريسي
« تأثير أديب أو مفكر من أمة ما، أو لغة ما، في أديب أو مفكر أو مجموعة من الأدباء والمفكرين من أمة أخرى أو لغة أخرى؛ موضوع يقع من اهتمامات الأدب المقارن في الصميم»([1]).
في هذا الإطار الذي حدده العلامة "أمجد الطرابلسي" يندرج كتاب الدكتور "مولاي يوسف الإدريسي" (التخييل والشعر؛ حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية) الصادر عن منشورات مقاربات في طبعته الأولى سنة 2008. في حجم متوسط، يقع في حدود ما يقارب 160 صفحة. تتوزعها أربعة فصول، تضم بدورها – بين لفائفها وطواياها – مباحث تركز مسعاها وتمحور وكدها حول مقاربة المصطلحات والمفاهيم والوقوف عند أبعادها الدلالية والتداولية المختلفة، يشكل مصطلح "التخييل" قطب الرحى فيها باعتباره مصطلحا قمينا بالبحث والدراسة والتقصي، لما حام حوله من عي في التفسير وقصور في التدليل وتباين في الحضور وخلط في المعنى، فهو تارة يفهم على أنه تشبيه أو تمثيل أو تغيير، وهو خلط نابع من التأثر العميق بالمباحث البلاغية الناشئة آنئذ([2]).
يستمد هذا الكتاب شرعية العلمية والأكاديمية من كونه امتداداً للمسار العلمي الذي خاض الباحث مولاي يوسف غماره في بحثه لنيل شهادة الدكتوراه والموسوم بعنوان "مفهوم التخييل في التفكير البلاغي والنقدي عند العرب".
يقول الدكتور "عباس ارحيلة" بهذا الصدد: « إن د.م يوسف الإدريسي يؤسس لمشروع علمي مجاله التخييل في الفكر الإنساني عامة وفي الدراسات العربية قديمها وحديثها خاصة؛ وذلك انطلاقا من أطروحته الجامعية وقد بدأ بالكشف عن مشروعه من خلال نشره لكتابه الأول في هذا المشروع: "الخيال والمتخيل في الفلسفة والنقد الحديثين ويأتي اليوم كتابه هذا، لوضع اللبنة الثانية في تشييد مشروعه العلمي هذا »([3]).
وبتأملنا للمنجزات الفكرية للأستاذ م. الإدريسي التي جعلت من التخييل وقوى الإدراك الشعري ديدنها، نستشف أنها سيرورة علمية وكدها التخييل في كل تجلياته الفلسفية والجمالية، انطلاقا من الأسطغرافيات الأرسطية والفلسفية والترجمات العربية ومن هنا يتأكد لنا بجلاء أن هذه المشاريع العلمية تندرج ضمن مجال البحوث النقدية المقارنة، كما قال د. أمجد الطرابلسي.
ومما يزيد ذلك تأكيدا أن أغلب المصطلحات التي قاربها المؤلف في كتابه (التخييل، الخيال، المحاكاة...) نابعة من عمق الثقافة اليونانية الأرسطية، وأن ما فعله الفلاسفة والمفكرون العرب، لا يخرج على أن يكون محاولة لفهمها وتأصيلها وتوظيفها لفهم الشعر. هذا فضلا على أننا من خلال الوقوف عند العنوان باعتباره عتبة أولى ذات وظيفة اختزالية واستشرافية للمتن، يتبدى لنا جليا أن الباحث ركز مسعاه، وحدد مبتغاه في محاولة النفاذ إلى عمق الفكر العربي الإسلامي، معتمدا ترسانة من أدوات الحفر العلمية، القائمة على التمحيص والدقة والمقارنة والتتبع، قصد معرفة المعلم الثاني بعد أرسطو الذي فهم التخييل فهما صائبا وعمل على تكييفه ومحددات وخصائص التراث العربي الإسلامي، وذلك مغبة التكريس للأزمة التي عاشها هذا المصطلح.
ولا غرو أنه إذا ربطنا هذا المنجز العلمي بأطروحة مولاي يوسف الجامعية «مفهوم التخييل في التفكير البلاغي والنقدي عند العرب». نجد أنفسنا أمام تصاد عميق الدلالة وبعيد غور الإيحاء مع أطروحة ا الدكتور "عباس ارحيلة" « الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري » والتي سعى فيها إلى نسف وتفكيك آراء المستشرقين وآراء النقاد العرب المتهافتين على النظرة الاستشراقية، القائلة بقيام أسس الثقافة العربية، خاصة النقد والبلاغة على مرتكزات أفكار المعلم الأول (أرسطو) في كتابيه الشعر والخطابة.
وإذا كان الدكتور ارحيلة قد قارب مسألة التأثير الفكري في أبعادها الكبرى، منقبا وباحثا عن ذلك في المنجز النصي (النقدي والبلاغي) لكل مرحلة على حدة حتى نهاية القرن الثامن الهجري، فإن الدكتور الإدريسي وقف عند مصطلح وحيد ومن تم تتبعه وتتبع تجليات حضوره في الفكر العربي وما صاحبه (التخييل) من التباسات في الفهم وقصور في التحديد وتدبدب في النسبة، (أي مستعمله الأول عند العرب) «لأن الدراسات التي تناولت مفهوم التخييل عند الفلاسفة المسلمين، اعتبر أصحابها الفرابي أول من استعمل كلمة "تخييل" في شرحه لكتاب الشعر لأرسطو؛ بل ومنهم من اعتبر ابن سينا (428 هـ) أول من وظف المفهوم؛ وترتب على هذا القول أن صار مفهوم التخييل مرادفا للمحاكاة، فاختلط المفهومان لديهم »([4]).
ومما يعطي للكتاب (كتاب التخييل والشعر) جدته وتميزه، وعي صاحبه مند الوهلة الأولى بتلك الالتباسات والتخرصات التي صاحبت المصطلحات الأرسطية، إثر نفاذها إلى عمق التفكير العربي في مختلف تمظهراته، ومرد ذلك إلى غياب الوعي الاصطلاحي آنئذ، الذي يساعدهم في فهم كتب أرسطو أثناء ترجمتها([5]).علاوة على تركيزه على الأبعاد النفسية للتخييل ومدى إذكائها لجذوة الشعرية، فالتخييل في نظر الإدريسي تفاعل جمالي بين الذات المرسلة للقول والذات المتقبلة له([6]). إنه من هذا المنطلق خصيصة من خصيصات اللغة الشعرية من جهة، وسمة من سمات التواصل الجمالي التفاعلي من جهة ثانية بين المرسل والمتلقي.
هذا فضلا عن كون المؤلف لم يكتف بالوقوف عند الكتب النقدية المتأخرة التي تناولت مفهوم التخييل والتي تتوزع في نظره بين دراسات مؤسسة (محمد شكري عياد وجابر عصفور) وأخرى تابعة (عصام قصبجي، مصطفى الجوزو، ألفت كمال الروبي، عاطف جودة نصر...) ([7])
، بل تكبد عناء الرجوع إلى المظان الأصلية التي تحدثت عن المصطلح (التخييل) إما تصريحا أو تلميحا، وهنا يتضح الجهد المبذول، لما تكتسيه عملية الحفر هذه من نصب وعناء، ترجع بالأساس إلى صعوبة التعامل مع تلك المصادر التي تنماز ببذاخة لغتها، وتداخل مجالاتها الفكرية، وعناء فهم اصطلاحاتها، التي منها ما هو نابع من عمق التراث، ومنها ما هو دخيل ومعرب.
ما أحوجنا لمثل هذه الدراسات المصطلحية التي من شأنها إضاءة سدف بعض المصطلحات النقدية والبلاغية ذات الحمولة الدلالية القوية، كما هو حال كثير من المصطلحات المترجمة والدخيلة.
هشام الدركاوي باحث مغربي
الهوامش:
[1] - تصدير العلامة د. أمجد الطرابلسي لكتاب "الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين: د. عباس ارحيلة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1999، ص 11.
[2] - د. يوسف الإدريسي: التخييل والشعر، حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية، منشورات مقاربات، آسفي، ط 1، 2008، ص 153.
[3] - د. يوسف الإدريسي، المرجع مذكور، ص 113
[4] - نفسه، ص 8.
[5] - نفسه، ص 15.
[6] - ص 15.
[7] - ص 17