سورية مزرعة الأسد 5
سورية مزرعة الأسد
الفصل الخامس
د. عبد الله الدهامشة
الإخوان المسلمون يدافعون عن دمهم وعرضهم
يقول فضيلة الأستاذ عدنان سعد الدين المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا خلال الفترة (1975ـ1980) في كتابه (مسيرة جماعة الإخوان المسلمين في سورية من عام (1975ـ1982م) ط1، ص 107: (لا أعلم حكماً أشد قسوة وأكثر جوراً على جماعة الإخوان المسلمين في سورية (من القول ) إن الإخوان قد اتخذوا قراراً بدخول المعركة ومواجهة قوات النظام في سورية... ولامناص من الشرح الوافي للقضية إذ جعل نظام حافظ الأسد من أهدافه الأساسية أن يقضي على الإخوان المسلمين(1) والمتدينين قضاء مبرماً، بالسجن أو الإعدام والتعذيب وغسل الأدمغة، أو شراء الذمم والضمائر، أو الطرد من سوريا... وبعد حادثة مدرسـة المدفعية، سوغت السلطة لنفسها الإعلان الصريح عن عزمها على إبادة الإخوان المسلمين؛ بالرغم من استنكار الإخوان للحادثة، فقامت بما يلي:
1ـ أعدمت ثمانية عشر أخاً من الإخوة الكرام الأطهار في صيف 1979م.
2 ـ أصدرت قرارها بتصفية الإخوان المسلمين وقتلهم داخل سوريا وخارجها، وجاء ذلك على لسان نائب الحاكم العرفي؛ وزير الداخلية عدنان دباغ، ووزير الإعلام أحمد اسكندر ومصطفى طلاس والشهابي وغيرهم.
ودارت طاحونة القتل، وبعد عام كانت مذبحة تدمر التي راح ضحيتها أكثر من ألف أخ من خيرة أبناء سوريا، واستمرت سياسة الإبادة طوال صيف (1979م)؛ حتى يسر الله لمجلس شورى الإخوان أن يجتمع في أيلول خارج سوريا، ولم أكن حاضراً ذلك الاجتماع، [مازال كلام الأخ عدنان، وكان في كوالالامبور يومها]، وبعد المناقشات رأى الإخوة أن الأخ المطارد مستهدف في دمه، وإذا سلم نفسه فإن مصيره أشد قسوة من قتله، فتكون أمنيته التي ضاعت؛ لو أنه قتل بالرصاص قبل اعتقاله، بعدما يلاقي من أصناف العذاب التي لا تخطر بقلب بشـر، وإزاء ذلك رأى الإخوة أعضاء مجلس الشورى؛ أنه لا سبيل أمامهم سوى الدفاع عن النفس وعدم الاستسلام؛ كيلا يجلسهم الجلادون على قضيب الفولاذ المحمي بالنار ليمزق أحشاءهم وأمعاءهم، ولم يكن أمامهم من خيار إلا الدفاع عن النفس، فهم لم يتخذوا قرار الحرب؛ بل اتخذه عدوهم، ولم يقرروا الهجوم على الدولة بل السلطة هي التي قررت الهجوم عليهم وإبادتهم، ولا أظن عاقلاً يقرر غير هذا القرار، ولو كنت حاضراً لما خالفتهم، بل لوقفت معهم ورأيت رأيهم. إن الإخوان لم يتخذوا قرار الحرب والمواجهة، بل كان موقفهم دفاعياً أمام موت يأتيهم من كل مكان، ومن الظلم أن يقال للجماعة التي لاقت ما لاقاه الحسين رضي الله عنه في كربلاء؛ أن يقال: لقد أخطأت الجماعة باتخاذ قرار الدفاع عن النفس) انتهى كلام الأستاذ عدنان حفظه الله.
إن موقف الجماعة تماماً مثل موقف زملاء ورفاق الأخوين(عصفور وزلف)، اللذين استشهدا تحت التعذيب، على يدي الرائد محمد غرة مدير الأمن القومي في حماة، زملاء هؤلاء الإخوة قرروا: أن لا يسلموا أنفسهم لسلطات الأمن؛ التي ستقتلهم تحت التعذيب كما قتلت هذين الشهيدين؛ لذلك قرروا أن يدافعوا عن أنفسهم؛ عندما تصل إليهم سيارات الأمن لاعتقالهم.
والسلطة هي التي أعلنت الحرب على جميع الإسلاميين، ولم تكن تفرق بين الطليعة والإخوان، ثم شملت في حربها جميع الحركة الإسلامية؛ثم توسعت فقتلت أبناء حماة حتى من البعثيين والنصارى، مما دفع الإخوان المسلمين في سوريا إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، ومع أن الإخوان استنكروا مجزرة مدرسة المدفعية وتبرأوا منها؛ ومع ذلك أعدمت السلطة بعد اثني عشر يوماً فقط أي ف ي(28/6/1979م) ثمانية عشر أخاً من قيادات الإخوان المسلمون يرحمهم الله تعالى.
ومن المؤكد أن بعض الفصائل الإسلامية من غير الإخوان حملوا السلاح ضد السلطة قبل الإخوان مثل جماعة الهدى وبعض تلاميذ العلماء في حلب، وجماعة زيد في دمشق، وقد حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم أيضاً، لأن السـلطة استهدفت جميع أبناء الحركة الإسلامية، (إخوان وغير إخوان فكلهم رجعيون، والقضاء على الرجعية مقدم على القضاء على إسرائيل)، وهذا من الحقد التاريخي الدفين عند عناصر السلطة، مثل حافظ ورفعت أسد وعلي حيدر وغازي كنعان وشفيق فياض وغيرهم من القتلة السفاكين، فقد كانوا متشوقين إلى قتل المسلمين عامة وأبناء الصحوة الإسلامية والحمويين خاصة.
ويذكرنا هذا بتدمير مسجد السلطان في حماة (1964)، فقد أراد مروان حديد يرحمه الله القيام بعمل سياسي متحضر (الإضراب)، وأراد أن يعتصم بمسجد السلطان ويحث الناس على الإضراب، فما كان من السلطة إلا أن أمرت الجيش العقائدي فدمر المسجد والمئذنة، وقتل حوالي مائة مواطن من حماة، واعتقل مروان الذي عاهد الله لئن أطال عمره لينازلنهم بالسلاح لأنه اقتنع أن هؤلاء لا يفهمون سوى لغة السلاح.
وقيل إن الإخوان أنشأوا جهازاً عسكرياً؛ أسندت قيادته إلى الشهيد الأستاذ (...) يرحمه الله، ويدعي الطليعيون أن الإخوان أنشأوا هذا التنظيم ليحفظوا شبابهم من الالتحاق بالطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، بعد أن أجبرتهم السلطة التي أعلنت على الملأ في وسائل الإعلام؛ أنها ستقتل الإخوان المسلمين داخل البلاد وخارجها، والله أعلم.
التمـشيط
منذ ربيع عام (1980م ) بعد سيطرة الحركة الجهادية على حلب وحماة، حتى كان المقاومون في حلب يوزعون مجلة النذير علناً، وعلى مرأى من رجال المخابرات بلا خوف منهم، وكانوا يمشون في شوارع حلب بأسلحتهم، كما كانوا يعطون التعليمات للشعب لينفذها في حماة، كالانسحاب من الحزب وإقامة الصلاة في المدارس، ومنع ترديد شعار حزب البعث في المدارس...إلخ، وبعد خطاب الرئيس في آذار عام (1980م) الذي أظهر مدى ضعف السلطة في مواجهة الحركة الجهادية، بدأت السلطة تستخدم الجيش بكثافة، وبشكل مباشر في قمع الحركة الجهادية، وكانت المعركة فيما سبق تدور بين أجهزة الأمن كالمخابرات العسكرية، والأمن السياسي، والأمن القومي، وأمن القوى الجوية، وفصائل الحزب والعمال والفلاحين المسلحة، وبين المقاومين المسلمين.
وتقدمت ألوية من الوحدات الخاصة، بعد فرز عناصرها، وطوقت مدينة حماة في نهاية آذار (1980م)، وعزلت المدينة عن العالم، وعزلت الأحياء بعد ذلك بعضها عن بعض، وفتشت بيوت حماة بيتاً بيتاً على مدى أسبوع تقريباً، وكانت تبحث عن السلاح، وعن أسماء أعضاء من الحركة الجهادية، توصلت إليها سلطات الأمن بواسطة التحقيق مع المعتقلين، وتعذيبهم بشكل وحشي، وأغلب ظني أن هذا التمشيط لم تعثر السلطة من خلاله على أي عنصر ممن تريدهم، كما لم تعثر على أية قاعدة للمقاومين، إلا أن بعض الضباط أهانوا الأهالي وعاملوهم بقسوة ونذالة، كما فعل الرائد خالد الأحمد - (وهو من ذراري السنة، من قرية تل قرطل قرب حماة) ـ بأهالي حي الشريعة بحماة(2). وهكذا مُشِّطت حلب وإدلب وجسرالشغور عدة مرات، ولم يجد ذلك التمشيط نفعاً، واستمرت الكفة راجحة في جانب الحركة الجهادية.
تلاحم الشعب مع الحركة الجهاديـة سر نجاحهـا
عندما كادت السلطة أن تنهار؛ استنجدت بخبراء روس متخصصين في ملاحقة المطلوبين، وقالت السلطة يوجد مائتا مجرم في حماة، يقاتلوننا منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وقد مشطنا المدينة عدة مرات ولم نعثر عليهم، كما وضعنا دوريات من الجيش في شوارع المدينة بشكل دائم، ولم نستطع إيقاف هجماتهم على رجالنا، وأخذ الخبراء الروس إلى عدة أماكن؛ تم فيها اغتيال أنصار السلطة ورووا لهم الحادث كما جرى:
في الساعة السابعة والنصف، أو السابعة وخمس وأربعين صباحاً، يخرج الموظفون وطلاب المدارس إلى أعمالهم، وتمتلئ الشوارع بالناس، وعند موقف الباص، حيث كان الهدف واقفاً مر عليه شاب ناداه باسمه فالتفت إليه، وعندها أودع الشاب رصاصة واحدة في قلبه الذي سقط على الأرض، بينما مشى المجاهد بين الناس، ولما وصلت الدورية بعد خمس دقائق في العادة لم تستطع أن تكتشف المجاهد، حتى لو احتجزت عدداً من الناس لا تجد مع أي منهم مسدساً أو أي سلاح غيره.
وبالفعل كان التخطيط والتنسيق عالياً جداً، بحيث يطلق المجاهد النار على ذلك العميل للسلطة، ثم يمشي بين الناس بضعة أمتار، ويدخل أقرب زقاق بعد ذلك... المهم ما كنت ترى مواطناً واحداً يندهش من الاغتيال، فيصرخ ويشير إلى المجاهد.
أضف إلى ذلك كان المقاومون يخرجون من بيوتهم أو قواعدهم إذا لزم الأمر، ويدخلون بيوت المواطنين بعد الإذن طبعاً فيقابلون بالترحاب، حتى كانت للمقاومين قواعد كثيرة تبادلية يمكنهم استخدامها إذا لزم الأمر، وكان معظم المواطنين- وحتى بعض النصارى- يسره أن يقدم خدمة للمقاومين؛ لأن معظم الشعب حاقد على السلطة التي أذلته وأهانت كرامته.
ولكن خسر المقاومون هذا التلاحم وبدأ انحدار العمل الجهادي بعد أن قال الخبراء الروس: مدينة حماة كلها مجرمون، وليس عصابة كما تقولون عددها مائتان فقط، هذه المدينة التي لا تجد فيها مواطناً واحداً يشير بيده إلى المجرم ليدل رجال الجيش عليه، هذه المدينة كلها مجرمة ونقترح ما يلي:
إذا اغتال المجرمون أحد رجالكم في حي من هذه المدينة، فليسرع الجيش إلى جمع خمسين رجلاً على الأقل، من المكان الذي وقع فيه الاغتيال، ويقتلونهم رشـاً بالأسلحة النارية أمام الآخرين، ونفذت الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع التي دربت منذ عشرسنين على قتال المدن، ولم تدرب على قتال هضبة الجولان، وصار الجيش العقائدي يذبح المواطنين دون أن يعرف أسماءهم، يقتل خمسين أو مائة لعل المجاهد الذي نفذ العملية يكون بينهم. ونفذت مجازر جماعية في حماة وحلب في العام (1981م)، مثل مذبحة هنانو يوم العيد في حلب، ومذبحة باب البلد في حماة، ومثلها في جسر الشغور وإدلب وقراها، وعندئذ رجحت كفة السلطة، حيث اضطر الأهالي أن يحذروا المقاومين من الاقتراب منهم، حفاظاً على أرواحهم بعد أن رأوا بأعينهم المجازر الوحشية التي اقترحها الخبراء الروس (الصهاينة). واستطاعوا أن يفصلوا تلاحم الشعب مع الحركة الجهادية.
ومرة أخرى لم يدر في خلد أحد من السوريين؛ حتى حافظ الأسد ورفعت وعلي حيدر وغيرهم أن يـذبح المواطنـون دون معرفـة أسـمائهم، يذبحون لأنهم مواطنون فقط، تواجدوا في تلك البقعة من الوطن، في تلك الساعة. وقبل اقتراح الخبراء الروس ذلك، كما لم يدر في خلد أحد عام (1964م) أن يهدم الجيش مسجد السلطان، وكان لهذه المفاجآت دور كبير في إفشال الحركة الجهادية.
السـلطة تفـاوض الإخوان المسـلمين
في عام (1980) كانت الطليعة تتفوق عسكرياً على السلطة الأسدية، وهذا هو سر خطاب حافظ الأسد ومناورته وفي التفاوض مع الإخوان المسلمين، فقد أكد حافظ الأسد في خطابه الذي ألقاه في آذار (1980م) أنه يوجد رجال عقلاء في الإخوان المسلمين، وأنه يتمنى لو قالوا له ماذا يريد الإخوان؟ وهكذا أرسل حافظ الأسد الأستاذ (أمين يكن) وهو مسؤول سابق في جماعة الإخوان، لكنه ترك العمل السياسي منذ زمن بعيد، أرسله إلى عمان يخبر قيادة الإخوان أن السلطة مستعدة للتفاوض معهم، فأبدت قيادة الجماعة برئاسة فضيلة الأستاذ عدنان سعد الدين قبولها التفاوض، وتم اللقاء وقدمت الجماعة مطلبها الأول، الذي يؤكد الرئيس فيه جديته في موضوع التفاوض، وهو إطلاق سراح عدد كبير من الإخوان الموجودين داخل سجون سوريا، ومنهم عدد كبير من القياديين، مقابل أن تقوم الجماعة بكل إمكاناتها من أجل إيقاف العمليات، التي تقوم بها الطليعة ضد السلطة،وتقف عمليات الاغتيال، ثم تعقد الجولة الثانية من المفاوضات. وفعلاً أطلقت السلطة سراح عدد كبير من قياديي الإخوان منهم: الأخ عبدالله الطنطاوي، والأخ (نعسان عرواني)، وفاروق بطل وغيرهم، وجهدت الجماعة في إقناع عدنان عقلة لإيقاف عمليات الاغتيال فترة؛ يتبين خلالها مدى صدق الدولة التي صدقت في تنفيذ المطلب الأول، ولكن - والقلب يدمى ألماً كلما تذكر ذلك - ركب عدنان عقلة رأسه وجن جنونه،كيف تتفاوض قيادة الإخوان مع الدولة؟ ولا تُحضره أو تُشركه في المفاوضة، يقول الطليعي عمر عبد الحكيم (ص56) (... ومن جهة أخرى كانت عروض التهدئة، مقابل طلبات تقدمت بها الجهات الإسلامية، وكانت تافهة !!!كالإفراج عن المعتقلين، وإنهاء الأعمال الإرهابية، وإعادة الموظفين والمدرسين الإسلاميين إلى وظائفهم، في حين كانت أهداف الحركة (يقصد الطليعة) جذرية، تريد إسقاط الاحتلال (النصيري) لإقامة حكم إسلامي محله (!!!!)، لذا لم يعر المقاومون (يقصد الطليعة) هذه المفاوضات أذناً صاغية،وعاد الحال إلى الانفجار أشـد مما كان عليه).
وضاعفت الطليعة عمليات الاغتيالات لتفشل خطة الإخوان المسلمين في التفاوض، وظنت السلطة الأسدية أنها خُدعت، وكأنها تظن أن للإخوان سلطة على الطليعة، فندمت على إطلاق سراح المعتقلين، فاعتقلت مَنْ لم يغادر سوريا منهم، ولم تتابع الجولة الثانية من التفاوض لأن الإخوان عجزوا عن تنفيذ البند الأول الخاص بهم، بينما نفذت السلطة البند الأول الخاص بها، وفوت عدنان عقلة الفرصة الذهبية التي هيأها الله عز وجل لتجنيب سوريا محنة مذابح (1981، 1982)، وهجرة ألوف الأسر وتشريدها في البلدان المجاورة ودول الخليج، فوت عدنان عقلة الفرصة الذهبية، لجهله بالعمل السياسي، وتمرده على مبدأ الشورى الإسلامي، فالتفاوض دائماً في جانب القوي، وفي عام (1980م) كانت كفة الحركة الإسلامية راجحة لصالح المقاومين، وكانت السلطة مستعدة لتقديم بعض ما يطلبه الإخوان المسلمون، وكان الأهم من ذلك كله تجنيب البلاد والمواطنين محنة لم تـر سوريا ولا أي بلد عربي مثلها، على مدار التاريخ.
ولابد من ذكر الحقيقـة التي أعرفها: وهي أن السلطة تجاوبت للمرة الأولى والأخيرة وكانت جادة-كما بدا- في التفاوض، وكان حافظ الأسد يفضل التفاوض- آنذاك- لأنه كان في موضع الضعف كما كشف خطابه في آذار (1980م)، وتمكن الأستاذ عدنان سعد الدين (المراقب العام للإخوان المسلمين يومذاك)؛ من دفع السلطة إلى أن تنفذ الخطوة الأولى (وغالباً ما يفشل المتفاوضون حول من ينفـذ الخطوة الأولى)، وكانت خطوة حاسمة حيث أفرجت السلطة عن أكثر من مائتي أخ من قياديي الجماعة، خرج بعضهم خارج سوريا، بعد أن نكث النظام بما عاهد عليه الإخوة المفاوضين، وانطلق يعتقل من استطاع اعتقاله من الذين أفرج عنهم.
وعاشت حلب وحماة حوالي شهر واحد صار الناس يشمون روائح الانفراج، حيث قبلت دفعـة من الطلاب في دور المعلمين وداومت في شهر أيار، وأطلق سراح عدد من السجناء، وانتشر ذلك كله بين المواطنين فاستبشر الناس خيراً، لكن راعهم تصاعد عمليات الاغتيال، ثم اعتقال السلطة لمن أفرج عنهم، ودخلت سوريا في دوامة الدم الكبرى.
محاولة اغتيال حافظ الأسـد
يقال إن المقاومين توصلوا إلى ضابط صف في الحرس الجمهوري، من قرية كفرنبل، وتفاهموا معـه على اغتيال رئيس الجمهورية، وتم التنفيـذ في شهر حزيران (1980م ) عندما كان الرئيس يودع رئيس جمهورية النيجر، أمام قصر الضيافة حيث ألقي على الرئيس رمانتان أو ثلاث، فأصيب حافظ الأسد في ساقه وسقط مغمياً عليه، وتمكن مرافقه (ضابط فلسطيني) من الانكفاء على حافظ؛ لتنفجر بقربه فيصد عن حافظ الأسد بجسده، كما استطاع نفس هذا الضابط أن يمسك إحدى الرمانات ويرميها بعيداً قبل انفجارها بينهم، وعلى هذا يبدو أن واحدة فقط انفجرت على مقربة من الرئيس فأغمي عليه، ويقال إن ذلك العنصر خلع قبعته العسكرية، وضرب وجه حافـظ الأسـد بها وهو مغمى عليه (ويظنه ميتاً)، ثم قفز بخطوات سريعة إلى الشارع المجاور؛ ليجد سيارة الجيب في انتظاره، ومكنه الله عز وجل من الفرار، فنكلت السلطة في قريته (كفرنبل) أشد التنكيل، وقاسى أهلها محنة من أقسى المحن بحجة البحث عنه في قريته، وقتلت السلطة جميع أفراد عائلته، أما الشخص الذي نفذ العملية فقد وصل العراق، وبقي فترة ثم دخل سوريا، وقاتل في صفوف المقاومين طوال سنة أو سنتين ثم خرج ثانية من سوريا وقيل استشهد بعد ذلك، وقيل مازال حيـاً، والله أعلم.
هوامش الفصل الخامس
(1) من الأدلة على أن مهمة حافظ الأسد هي القضاء على الحركة الإسلامية:
1- من البدهي أن حافظ الأسد هو المحرك لانقلاب (1963) وكان يحرك الآخرين من وراء ستار، ومنذ (8/3/1963) كان الإعلان صباح مساء في وسائل الإعلام جميعها أن الرجعية أخطر من إسرائيل، ويجب القضاء عليها قبل إسرائيل.
2- في المؤتمر القطري لحزب البعث عام (1965) يقول حافظ الأسد: أما الإخوان المسلمون فلا ينفع معهم غير الاستئصال، وهذا موجود في مقررات ذلك المؤتمر...
3- في عام 1973م خلال معركة الدستور ذهب الشيخ خالد الشقفة يرحمه الله وقابل حافظ الأسد ـ كما كان يفعل الشيخ محمد الحامد يرحمه الله ـ ليتوسط للمعتقلين فتهدد حافظ الأسد أمامه وتوعد وقال: لأقطعن اليد التي لم يستطع جمال عبد الناصر أن يقطعها.
4- تدمير مسجد السلطان في حماة (1964)، مما دفع مروان حديد إلى تغيير قناعته ومنهجه من العمل السياسي إلى العمل العسكري.
5- استنكر الإخوان المسلمون مجزرة المدفعية، كما أعلن منفذوها عن أنفسهم بأنهم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وبعد سـنة يقول حافظ الأسـد: كما يقول فان دام في ص142 ط 2 نقلاً عن إذاعة دمشق في (23/3/1980):
قال الرئيس حافظ الأسد كما جاء عند فان دام:
(أريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سوريا، الإخوان المسلمون في سوريا ليسوا جميعاً مع القتلة، بل كثير منهم، القسم الأكبر منهم ضد القتلـة ويـدين القتل، وهذا القسم يرى أنه يجب أن يعمل من أجل الدين ورفع شأن الدين لا من أجل أي هـدف آخر . هؤلاء أيها الشباب لا خلاف لنا معهم إطلاقاً، بل نحن نشجعهم، نحن نشجع كل امرئ يعمل من أجل الدين ومن أجل تعزيز القيم الدينية ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين ونحن لن نقصر بل لن نسمح لأحد أن يسبقنا في هذا المجال). ومع ذلك يعلن عدنان دباغ وزير الداخلية في حزيران 1979 يقول بالإذاعة والتلفزة: اقتلوا الإخوان المسلمين أينما تجدونهم!!!
6- وكل من تتبع أحداث الثمانينات يجد أن السلطة كانت تدفع الشباب المسلم إلى حمل السلاح، لتبرر ضرب الحركة الإسلامية...
7- في أحداث مسجد السلطان كان بالإمكان تطويق المسجد وقطع الماء والكهرباء وإجبار المعتصمين على التسليم،كما تفعل الحكومات العادلة.
8- وفي عام (1982) كان بإمكانها حصار حماة، لمدة شهور، والتفاوض مع المقاتلين للخروج من المدينة، وتدخل جهة ثالثة عربية أو دولية، وبذلك تحقن دماء عشرات الألوف من الشعب معظمهم من النساء والأطفال.
(2) قتل هذا الرائد في لبنان على إثر مشاجرة مع زملائه من أهل داعرة، حيث أطلق عليه زملائه العلويون النار.