الحدائق لابن الجوزي

(وزنابق من دوح عائشة)

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

ابن الجوزي هو الإمام العلامة ، عالم العراق و واعظ الآفاق ، جمال الدين عبد الرحمن بن علي يصل نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه رجح المؤرخون أنه ولد في 510 للهجرة و توفي 597 هـ و هو كما وصفه العلماء : صاحب التصانيف في فنون العلم : من التفاسير ، و الفقه ، و الحديث ، و الوعظ و الرقائق و التواريخ و غير ذلك و إليه انتهت معرفة الحديث ، و الوعظ و الرقائق و التواريخ و غير ذلك و إليه انتهت معرفة الحديث و علومه ، و الوقوف على صحيحه من سقيمه ، و بورك له في عمره ، فروى الكثير ، و سمع الناس منه أكثر من أربعين سنة ، و حدث بمصنفاته مراراً . و قال الإمام الذهبي : لم يأت قبله و لا بعده مثله .. كان بحرا في التفسير ، علامة في السير و التاريخ، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون ، لا يضيع من زمانه شيئا ً يكتب في اليوم أربع كراريس ، و له في كل علم مشاركة و من أشهر كتبه و أسيرها : 1 – صيد الخاطر . 2 - تلبيس إبليس . 3- الموضوعات من الأحاديث المرفوعات . 4- غريب الحديث . 5 – و أما كتابه ( الحدائق في علم الحديث و الزهديات ) فيقع في ثلاث مجلدات ، تجاوزت صفحاته 1700 صفحة من القطع الكبير . و قد حققه و علق عليه مصطفى السبكي و صدر في طبعته الأولى 1408- 1988 و صف الحدائق ابن الجوزي في مقدمته بقوله : (إنه يجمع الأحاديث المتعلقة بالآداب و الفضائل و القصص و الترهيب و الترغيب و غيرها ، و قال : قد أخرجنا فيه من أخبار الزهاد و كلمات الحكماء ، أشرفها ،و أشرقها ، و أظرفها ، و أطرفها و قال : فكأننا انتخبنا فيه غرر المنقولات ، و درر المقولات و قصدنا من المنقول أصحه ، مع حسن اللفظ) و اختيار الرجل كما قيل وافد عقله ، و اختيار العلم أشد من جمعه ، و الاختيار أحد البلاغتين . و قبل أن يبين سبب تأليفه هذا الكتاب يضرب أمثلة من حفظ السلف للسنة المطهرة ، و أن منهم من يحفظ مائتي ألف حديث ، و منهم من أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة ، و أن أبا بكر الأنباري كان يحفظ ثلاثة عشر صندوقا .. ثم يقول : ( و لم يزل الزمان يتطاول حتى رأينا جماعة ممن تنسب إلى العلم و الحديث ليس فيهم من يحفظ خمسين حديثا من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يؤدي معناها ، فأحببنا أن نجمع في كتابنا هذا من الأحاديث الصحاح و الحِسان ما يطمع الطالب في حفظها لتسهيلنا طريقها، و تقريبنا أسانيدها .) و يحار المرء أمام هذه الحدائق الغناء أين يقف ؟ و ماذا يختار منها ؟ و تأنس النفس عند باب كتاب الصديقة ابنة الصديق (كتاب فضائل عائشة عليها السلام) و قد أورد حديث عائشة كما جاء في مسند أحمد6/41 قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : ُأُريتك في المنام مرتين ، و رجل يحملك في سَرَقـَة من حرير ( أجوده) فيقول : هذه امرأتك ، فأقول : إن يك هذا من عند الله جل وعز يُمضِه )) و عن تفردها بين نساء النبي صلى الله عليه و سلم و كونها البكر من بينهن ، قالت : كما جاء في البخاري 3894 : يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً فيه شجرة قد أكل منها ، و وجدت شجراً لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال : في التي لم يرتع منها . يعني أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يتزوج بكراً غيرها! وعن شدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أورد المصنف عن مسلم4/1856 حديث عمرو بن العاص أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال عائشة . قال : من الرجال؟ قال : أبوها . قال : ثم مَن ؟ قال : عمر رضي الله عنهم. وعما كان يدور بين نسائه عليه الصلاة و السلام ، و محبته لعائشة في مسند أحمد 6/88 أنها قالت : أرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و سلم، و النبي صلى الله عليه وسلم (مع عائشة) في مرطها ، فأذن لها فدخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله ! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة .

 فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أي بنية ! ألست تحبين ما أحب ؟ فقالت: بلى . قال: فأحبي هذه لعائشة . قالت : فقامت فاطمة عليها السلام فخرجت ، فجاء أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ، فحدثتهن بما قالت و بما قال لها فقلن : ما أغنيت عنا من شيء. فارجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت:و الله لا أكلمه فيها أبداً فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش ، فاستأذنت ، فأذن لها ، فقالت : يا رسول الله أرسلني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة . قالت عائشة : ثم وقعت بي زينب. قالت عائشة : فطفقت أنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم متى يأذن لي فيها ، فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه و سلم لا يكره أن أنتصر . قال : فوقعت بزينب فلم أنشَبْها(أمهلها) أن أفحمتها ، فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم قال : إنها ابنة أبي بكر.(يسألنك العدل: التسوية بينهن في محبة القلب) . وعن النعمان بن بشير – كما في المسند 4/271-272

 - قال : جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه و سلم ، فسمع عائشة و هي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأذن له، فقال : ( يابنة أم رومان) وتناولها (أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال : فحال النبي صلى الله عليه و سلم بيني و بينه . قالت : فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه و سلم يقول لها يترضاها : ألا ترين أني قد حِلـْتُ بين الرجل و بينك ؟ قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن فوجدها يضاحكها ، قال : فأذن له فدخل ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أشركاني في سـِلمكما كما أشركتماني في حربكما !! و في البخاري (5211) عن القاسم عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة و حفصة ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان الليل سار مع عائشة يتحدث . فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري ، و أركب بعيرك تنظرين و أنظر؟ فقالت : بلى . فركبت . فجاء النبي صلى الله عليه و سلم إلى جمل عائشة ، و عليه حفصة فسلم عليها ، ثم سار حتى نزلوا ، و افتقدته عائشة ، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر و تقول : يا رب سلـِّـطْ عليَّ عقرباً أو حية تلدغني ، لا أستطيع أن أقول له شيئاً . و في مسند الإمام أحمد (6/95): عن سمية عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و جد على صفية بنت حيي في شيء ، فقالت صفية : يا عائشة أَرضِي عني رسول الله صلى الله عليه و سلم و لك يومي . فقالت: نعم . فأخذت خماراً لها مصبوغاً بزعفران فـَــرَشـّــتـْـهُ بالماء لتفوح ريحـُـه ، و قعدت إلى جنب رسول الله عليه و سلم فقال : إليكِ يا عائشة ! إنه ليس يومك ؟! قالت : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، و أخبرته بالأمر فرضيَ عنها . و عن إيثار النبي صلى الله عليه و سلم لها على سائر نسائه فيما روى البخاري(5217) عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ يريد يومَ عائشة ، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها . قالت عائشة : فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه (في بيتي ) فقبضه الله ، و إن رأسه لبين نحري و سَحْري، و خالط ريقـُـه ريقي.