الأيام الأخيرة
الأيام الأخيرة
قراءة و تلخيص : عبد المجيد راشد
صدر كتاب" الايام الاخيرة" للدكتور عبد الحليم قنديل محملا بتحليل لواقعنا السياسى ومفسرا لحالة الاحتقان الشديد التى يمر بها المجتمع المصرى
قنديل لايكتب من برجا عاجيا او من خلف زجاج المكاتب المكيفة فهو منغمس فى حركةالجماهير وفى القلب من قوى التغيير.
قنديل يصعب حصر مساهماته ومشاركاتة فى حركات التغيير فهو احد مؤسسى كفاية ومساعد المنسق العام لها وكان اول متحدث اعلامى للحركة
وفى هذا الكتاب يطرح اسئلة من نوعية
هل يحكم الجيش ؟ هل يحكم الاخوان؟ هل يحكم جمال مبارك؟ هل من طريق لمرحلة انتقال سلمى من حكم العائلة الى حكم الشعب ؟. ام يتدخل الجيش وتجرى مصالحة مع الاخوان على الطريقة التركية؟ ام يكون حكم الائتلاف الوطنى ؟
وماذا ستفعل امريكا واسرائيل بالضبط ؟
كلها اسئلة معلقة برسم نهاية وشيكة لنظام انتهى الى الافلاس التام .
الكتاب من اصدارات "دار الثقافة الجديدة "32 ش صبرى ابو علم باب اللوق ويقع فى 224 صفحة
__________________
الأيام الأخيرة
د. عبد الحليم قنديل
............................
الحلقة الأولى
30 سنة خطيئة
لم تكن خطيئة السادات ـ فقط ـ أنه ذهب لإسرائيل قبل ثلاثين سنه ، بل الخطيئة ـ التى استمرت مع مبارك بعد السادات ـ انه خرج بمصر من سباق التاريخ ، و ربما فى نفس اللحظة الذى ذهب فيها لإسرائيل فى 19 نوفمبر 1977 .
كان السادات فى عجلة من أمره ، و انتهى إلى القرار الذى ظنه مريحا ، و هو أن يهرب ـ بالسياسة ـ إلى أمريكا و اسرائيل عوضا عن خذلان الشعب الذى تنكر له ، و رفع صور عبد الناصر فى انتفاضة الغضب فى 18 و 19 يناير 1977 .
و لم تنته الخطيئة بنص معاهدة كامب ديفيد المشئومة ـ عند حدود سيناء ، فقد عادت سيناء ـ بمقتضى المعاهدة ـ و كأنها لم تعد ، عادت إلى مصر على طريقة الذى أعادوا له قدما و أخذوا عينيه ، نزع سلاح سيناء انتهى ـ بتطبيق المعاهدة و بتوابعها ـ الى نزع سيادة القرار فى القاهرة ، أو قل ـ بالدقة ـ أنه انتهى إلى اختلال قرار مصر فى السياسة و الاقتصاد و الثقافة ، فالمعاهدة الزمت مصر بالإعتراف الكامل بإسرائيل ، و بتبادل العلاقات الدبلوماسية و الاقتصادية و الثقافية ( م 3 فقرة 3 من المعاهدة ) و ألزمت مصر بأن تنشىء خطوط طيران و اتصالات و سككا حديدية مع اسرائيل ( م6 فقرات 2 ، 4 ، 5 ، 6 من البرتوكول الاقتصادى )، و أن تبيع مصر بترولها لاسرائيل ( المحضر الملحق بالبروتوكول ) ، أى انه جرى اكراه مصر على ماهو أبعد من انهاء حالة الحرب ن جرى اكراهها على الاعتراف و التطبيع ، وجرى وضع المعاهدة مع اسرائيل فوق كل التزام آخر لمصر ، فقد نصت المادة السادسة من الوثيقة الرئيسية على أنه فى حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة و أى من التزاماتها الأخرى ، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة هى التى تكون ملزمة و نافذة .. و المعنى ظاهر يصدم العين ن فالمعاهدة مع اسرائيل توقف الالتزام العملى لمصر بمعاهدة الدفاع المشترك ، و التى وقعت فى يونيو 1950 و بدأ سريانها منذ 22 أغسطس 1952 ، فالمعاهدة تخرج مصر ـ بثقلها العربى الحاسم ـ من ميدان المواجهة مع كيان الاغتصاب الاسرائيلى ، و هو ما التزم به السادات و مبارك حرفيا فيما بعد ، فقد بدت مصر عاجزة أكثر مع اجتياح اسرائيل لبيروت عام 1982 ، و مع وثوق و ترابط الالتزام تجاه أمريكا و اسرائيل ، كان التطور الى الخطايا الأفدح ، و شاركت مصر فى حرب الكويت ضد العراق تحت القيادة الأمريكية ، و شاركت بدعم المجهود الحربى الأمريكى لغزو العراق سنة 2003 ، و صارت أولويات الأجندة المصرية هى ذاتها أولويات الأجندة الأمريكية الإسرائيلية ، و سرت القاعدة فى تصرفات الداخل كما فى تصرقات الخارج ، فلم تكتف اسرائيل بإلزام مصر بتوريد 14 مليون برميل بترول سنويا ن بل جرى الزام مصر بتوقيع اتفاق كويز النسيج فى 14 ديسمبر 2004 ، ثم الزامها بتوقيع اتفاق تصدير الغاز المصرى لاسرائيل و لمدة 20 سنة مقبلة ، و بأسعار أقل مما يدفعه المواطن المصرى ثمنا لغاز بلده ، و كل ذلك يعنى تزايدا متصلا بتأثير المكون الاسرائيلى فى الاقتصاد المصرى ، و بالتوازى فقد توحش تأثير المكون الأمريكى فى الاقتصاد و الالسياسة المصرية ، فقد جرى تصنيع النواة الأولى لمليارديرات جماعة البيزنس بأفران صهر المعونة الأمريكية ، و جرى التحول الى التكييف الهيكلى و الخصخصة بوصايا واشنطن عبر صندوق النقد و البنك الدوليين ، و انتهيا إلى حرب شفط الثروة المصرية و تجريف قواعدها الانتاجية . و نزلت مصر من قمة التنافس مع كوريا الجنوبية إلى قاع التنافس مع بوركينا فاسو ، فقد كانت مصر رأسا برأس مع كوريا الجنوبية فى معدلات التنمية و التقدم و الاختراق التكنولوجى ، و نزلنا بإنزلاقات الثلاثين سنة الأخيرة الى مقام التنافس مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولى ، و كما انتهينا الى تفكيك نهضة مصر الحديثة الأولى ـ نهضة محمد على ـ بإتفاق لندن سنة 1840 ، فقد انتهينا إلى تفكيك نهضة مصر الثانية ـ نهضة عبد الناصر ـ باتفاق كامب ديفيد و ما أعقبه . رغم أن مصر تدفقت اليها ـ فى سنوت الخطيئة ذاتها ـ موارد مالية خارجية غير مسبوقة ، بلغت فى جملتها ما يزيد عن ال 200 مليار دولار (!)