هل يمكن تحقيق الإصلاح في سوريا

هل يمكن تحقيق الإصلاح في سوريا

دمشق - عمر كوش

تأليف: مجموعة من الباحثين والكتاب- القاهرة2006

ساهم في تأليف هذا الكتاب عدد من الباحثين والكتاب السوريين، وحررّه رضوان زيادة، ويأتي في مرحلة لم تعد فيها دعوات الإصلاح في سوريا على ما كانت عليه من الصلابة والوعد، حيث الإخفاق الواضح في إمكانية تحقيق الإصلاح بمختلف جوانبه، وخصوصا في جانبه السياسي، الأمر الذي أفضى إلى حالة من انسداد الأفق، وبات الجمود مقلقا في كل الأوضاع، بل وأخذ التقهقر يطاول العديد من مقومات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

وأصبح واضحا للمهتمين بالشأن السوري، بعد مرور أكثر من خمس سنوات، أن التوجه السياسي والاقتصادي المتبع ساهم في دفع الأزمة المديدة التي فتحها إفلاس نظام الهيمنة الشمولي إلى مزيد من التفاقم. ومن المرجح أن تشهد الأوضاع السياسية والاجتماعية المزيد من الاحتقان والالتهاب، نظرا لأن النظام زجّ بنفسه في مواجهتين، حسبما يذهب إليه برهان غليون في سياق تحليله لدور السياسة الإقليمية في تحقيق السيطرة الداخلية. تتجسد المواجهة الأولى مع الإستراتيجية الأميركية الصاعدة في المنطقة، وذلك منذ اللحظة التي عجز فيها عن إدراك زوال الشروط التي كانت تسمح لنظام الرئيس الأسد في سوريا بالتلاعب بالتناقضات الإقليمية والدولية لبناء مركز قوة محلي مستقل أو على درجة كبيرة من الاستقلال. والمواجهة الثانية هي مع روح التحرر المتنامية في أوساط المجتمع المدني والطبقات الوسطى في سوريا ولبنان معا، تحت تأثير الشعور العميق والصحيح بانحسار موارد النظام وتراجع موقفه الإستراتيجي ونشوء توازن قوة إقليمي يخلق فرصا جديدة.

وفي ذات السياق، يتابع رضوان زيادة تطور مسار العلاقات السورية اللبنانية وفق ما يسميه مشقة الأخوة، على خلفية تنامي الدور الإقليمي للنظام السوري بعد حرب تشرين الأول عام 1973. لكنه يلاحظ أنه مع مجيء الرئيس بشار الأسد إلى السلطة دخلت العلاقة السورية اللبنانية منعطفا جديدا، أفضى إلى إنهاء التواجد العسكري والاستخباراتي في لبنان، وتزايد الضغوطات الدولية على سوريا. ويعتبر زيادة أن الإصلاحات الداخلية هي الطريقة الأنجع والأقل تكلفة سياسية وأمنية للمحاولة للالتفاف على الضغوطات الخارجية، بل واحتوائها، لكن النظام السوري أضاع عمليا فرصة حقيقية أتيحت له خلال فترة «ربيع دمشق».

السؤال الأبرز هو عن دور القوى الاجتماعية والدينية وسيناريوهات التغيير، وهنا يقدم ياسين الحاج صالح قراءة حول مستقبل سوريا من جهة تسليمه بأن سياسات التغيير تواجه بنية مأزومة، لكنه يرى أن سوريا تعاني من مشكلتين كبيرتين: نظام سياسي مغلق وجامد، ومجتمع يعاني من تكسر شديد ومتفاقم يتبع خطوطا أهلية. وتتغذى كل من المشكلتين من الأخرى. فالتبعثر الاجتماعي النشط، أو ما يسميه أزمة الثقة الوطنية، يجعل من السلطة القسرية حلا من أجل الحفاظ على الوحدة الاجتماعية. بالمقابل يدعم النظام المغلق «أهلنة» المجتمع السوري ونزع مدنيته بآليات موضوعية وأخرى ذاتية واعية.

وفي جانب آخر، يتناول عبدالرحمن الحاج ظواهر الإسلام السياسي وتياراته في سوريا من خلال مرحلتين، الأولى تضم مرحلة الانتداب الفرنسي وما بعد الاستقلال وقيام الدولة الوطنية وحتى وصول الأسد إلى الحكم عام 1970، والثانية هي مرحلة الرئيس الأسد الأب ثم الرئيس بشار الأسد، وتمتد إلى اليوم. ثم يقدم صورة للمشهد الإسلامي الراهن، تتجسد في جماعة الإخوان المسلمين، التي لم يعد لها وجود فعلي في سوريا منذ أحداث ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، لكنها تحظى بتعاطف شعبي كبير، والإسلاميون المستقلون الذين هم أفراد قلائل، معظمهم مثقفون إصلاحيون، وتجمعات سلفية جهادية صغيرة، لا رابط تنظيميا بينها، ونشأت بعد حرب الخليج الثانية.

ويقدم حازم النهار مقاربة لدور المجتمع المدني في التغيير، ملاحظا أن السلطة تعاملت على مدى عقود عديدة كما لو أن المجتمع وُجد ليخدمها، واستغنت عن وظيفتها في خدمته، فانقطعت الروابط بين الدولة والمجتمع. وعليه فإن الدولة الحديثة والمجتمع المدني يشكلان معا حاجة سورية واقعية لإنجاز جملة من الإصلاحات الهيكلية والضرورية، ومخرجا من الاستقرار السياسي البليد والفشل الاجتماعي المزمن.

وتشكلت على مدى سنوات عديدة بيئة خصبة لتردي أوضاع حقوق الإنسان في سوريا. وترجع رزان زيتونة أسباب ذلك التردي إلى حالة الطوارئ المعلنة منذ عام 1963 التي عملت على تغييب الدستور، وتهميش القوانين الوطنية لصالح القوانين الاستثنائية والاحتكام إلى القضاء الاستثنائي، وكبح حرية الرأي والتعبير، فضلا عن الشلل الذي أصاب المجتمع المدني، والفساد السياسي والمادي الذي لحق بالمؤسستين التشريعية والتنفيذية.