نقد شعري لرسالة جامعية
نقد شعري لرسالة جامعية
د. حسن الربابعة
قيلت هذه القصيدة لمناسبة مناقشة رسالة الطالب فتحي محمد المسيعديين , بإشراف الأستاذ الدكتور علي إرشيد المحاسنة , يوم 26/11/ 2007 م , بعنوان " شعر الطِّرماح بن حكيم الطائي – دراسة موضوعية وفنية - " في جامعة مؤتة .
.للشاعر الدكتور حسن محمد الربابعة .
يـا طـرمَّـاحُ , كـم أتـتك أمـنَ الـصـخرِ تنحتُ اللفظَ نحتاً لو حذفتَ الهِجاءَ , في الناسِ صفحاً وتـرحَـمْتَ – صادقاً – ل" تميمٍ " لـو تـتـبَّعتَ رسمةَ الطيرِ وصفاً وترسمت في الصُِِّوى , والهام يزقو تـرصـفُ الكلمَ , لو أخذناه شرحاً لـو فـتـحـتَ لواردِ البحثِ فتحاً فـظـلـلـنا،وحولَ وِرْدِكَ ظمأى | وفودُتـرشـفُ الـوِرْدَ, والـقوافي وتـهـاجـي فـرزدقـاً وتـزيدُ ؟ مـن قـصـيـدٍ , لعزّ ذاكَ القصيدُ فَـرْدُهُـمْ جـيـشٌ , وقعقاعٌ شهيدُ فـي حـراكٍ , والإبـلَ حين تميد فـي صـحـارى , يئن فيها السِّيدُ شـبّ سِـفـراً , تـئطُّ منهُ القيودُ سـهـلَ قـولٍ , يطل منه الرشيدُ نـرشـفُ الـبحثَ , والظماءُ وفودُ | مديدُ
* نوقشت هذه الرسالة في جامعة مؤتة من لجنة المناقشة :الأستاذ الدكتور علي إرشيد المحاسنة مشرفاً ورئيسا ً، والأستاذ الدكتور موسى سامح الربابعة ً والأستاذ الدكتور زايد خالد المقابلة والدكتور حسن محمد الربابعة أعضاء ً .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل :" مداد العلماء يوزن بدماء الشهداء يوم القيامة"وبعد؛
فقد سرَّحت ناظري بهذه الرسالة الموسومة ب"شعر الطرماح بن حكيم الطائي دراسة موضوعية وفنية"من إعداد الطالب فتحي محمد المسعيديين ، في الأدب الأموي ونقده ،بإشراف الأستاذ الدكتور علي إرشيد المحاسنة، وذلك بفضل تزكية أخي الأستاذ المشرف ، أبي مدحت المَكرَّم ، أنسا الله له عمرا مديدا ، وهيأ له عيشا رغيدا ، وعلما غزيرا سديدا ،ونفع به طلبة العلم الساعين إليه ، يتلقون العلم على يديه ، من جهة،وينهلون من موارده الثرة على تؤدة، مما ينقِّر لهم في العلم تنقيرا و اختيارا ،من جهة أخرى،والى الزميلين الكريمين الأستاذين الدكتورين موسى سامح الربابعة وزايد خالد المقابلة ، والى الحضور الكرام بدءا بالطالب فتحي فتح الله علينا وعليه ما غلق من أمر العلم واستعصى ، وانتهاء بمن يهمه أمره ، أو حضر للمناقشة وأنصت وأصغى ، فأوعى .
لقد جاءت هذه الرسالة جيدة المستوى بمحوريها الرئيسين، مبنى ومعنى .
أمّا مبناها ،فعلى ثلاثة فصول أقام هيكلها ،حلَّ الطِّرماح الطائي ضيفا عليه فدرس سيرته من حيث اسمه ونسبه الطائي وكنيته ، وان كان قد نسي إن يذكر اسمه "حكيما " مكتفيا في ما يبدو بلقبه "الطرماح " الذي غلب عليه بمعنى الحية الطويل ،أو بمعنى الطويل المرتفع ، كما كان يزهو بلقبه هذا في شعره رافعا رأسه قائلا:
أنا الطرماح فاسأل بي بني ُثعَلٍ قومي إذا اختلط التصدبرُ بالحَقَب
واستوقفته ولادتُه بالشام ، وانتقل الى الكوفة ليدلِّلَ على حاضريته ، وان كان في شاعريته بدويَّا غالبا ،واستوقف الباحثَ ،مذهبُهُ الخارجي ، ويبدو انه لم يكن كالشراة الذين يحرصون حقا على الشهادة في سبيل الله شانُ عمران بن حطان القائل :
فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
لقد تمنَّى الشاعر الشهادة ولكنّ الباحثَ لم يبرز مجالات الحرب عنده، لنتأكد من مدى تأثره بمبدأ الجهاد عنده ، وهل تشدَّد كالخورج في حرية الخلافة؟،إذ ليست إرثا مستحقا من والد لولده ،عند الخوارج ، وعلى ذلك فليس الطرماحُ من أمثال شعراء الخوارج، ولا حتى مثل نسائهم اللائي هزمت إحداهن المدعوة غزالة الحجاجَ في إحدى المعارك ، ولعلَّ نظرة في كتاب الخوارج للدكتور إحسان عباس رحمه الله تعالى أن يبيِّنَ الفرق بين مذهب الخوارج ومذهب الطرماح ، وان كان الباحث الكريم لم تستوقفه بقليل تفصيل عن مذهب الازارقة والصفرية في دراسته هذه ، وان كان للحق تشكَّك فيها،واستوقفته منزلتُه الشعريةُ، فوضعه الباحث في مصافِّ كبار الشعراء الأمويين في عصره،من أمثال الفرزدق وجرير والكُميت، وكان يخالف الكميتَ المتعصبَ للكوفة بتعصبِ الطرماح الى أهل الشام .
وقد احتلَّ فصله هذا (25) خمسا وعشرين ورقة من مجموع أوراق رسالته التي بلغت (216)ست عشرة ورقة ومائتين ، مما يشكِّلُ نسبة(12 % ) اثنتي عشرة بالمائة من رقعة بناء الرسالة .
أمّا فصلهُ الثاني الموسوم ب"القضايا الموضوعية في شعر الطرماح "فتناول فيه ستة أغراض مألوفة في دراسات الشعراء الأمويين وهي : الفخر والهجاء ، والمدح للحي والرثاء للميت ، والغزل والزهد،وقد احتلت(29)تسعا وعشرين ورقة بنسبة مقاربة جدا للفصل السابق ،في تناسق مجانس لبنية الرسالة المعمارية .
أمّا الفخر عنده فتناول من آبائه الطائيين في جاهليتهم وإسلامهم ،بدءا باليمانية ومرورا بملك الحيرة الذي هزم الروم في عهد ابرويز الفارسي ، في معركة النهروان قرب الحيرة ، ونال فخرُه النساءَ النجائبَ الطائيَّات وذكر منهن عددا ،وافتخر بأجدادِه ممن ناصر الإسلام وبنيه ،وهذا مما ُيحمدُ له ، أمَّا أن يتفاخر على قبيلة تميم ويهجوها بأقذع صنوف الهجاء ، ويسبُّ أخت الفرزدق ، فغيرُ مرضيٍّ عنه ، لأنه يثيرُ الأحقادَ بين الناس ،وربَّما كان للخلفاء دورٌ في تأجيج الفتن ، لتسهيل القيادة على مبدأ " فرِّق تسد".، ومثل هذا كان مرجوا من الباحث إن يدلي برأيه فيه،ليرفعَ التهم الموجهة الى أهل الفضائل من المهجويين ، ممن لهم في تاريخنا شاو يذكر ، وليس مقبولا من الباحث أن يرخي الحبل على الغارب ، في ما يذهب القدْحُ بالشاعر حيث شطح ، وأغوى.،ويقال مثلهُ عن رثائيته يزيد بن المهلب ،فكان جديرا بالباحث أن يقف عند سيرته ، ليطمئنَّ الى سماته ، ويميّزَ ما حسُن من سيرته و ما خبُث منها.، وكان عليه أن يتوقف عند معركة النهروان التي قتل فيه مرثيه ، مستفيدا من أبعاد الزمان والمكان،في معاجم البلدان ،وأحداث التاريخ،وربما عزز دراسته بخريطة حديثة عن قديمة تبيِّن الموقعة،ليسهلَ النظرُ فيها وتحديدُها ، ويقال مثله عن أماكن أخرى ذكرها ، ولم يتبيَّنها .الباحث، ولم يترجم لها ،بل تركها تماوج سبهللا.
أمّا الفصل الثالث الموسوم ب"الدراسة الفنية "فشغل (129)مائة وتسعا وعشرين ورقة ،فشكَّل نسبة (60%)من بنية الرسالة، ولعلَّ هذا الفصل من أهم فصول الدراسة ،إذ عرض فيه لمقدمة القصائد،وآراء القدماء فيها ،وقد حشد آراء النقدة القدامى على نحو من تدرجهم الزمني،وهذا مما يُحمد له ،غير أنَّ بعض آراء النقاد المحدثين حشدت حشدا ، كأنها واجب بيتي ، لم توظف لغاية محددة يُفادُ منها للنقد،وعرض في فصله هذا مقدمات الطرماح الغزلية والطللية والظعائن ، والطيف ومقدمة القصيدة في الشيب والشباب، وبرز في مقدمته طيفُ سلمى زوجه ،وهو في غربته أو بعد أن طلقها وتركتْ له صمصاما صغيرا ،يتخشَّى عليه عادياتِ الزمان.
وكنتُ أتمنَّى أن تستوقفَه حركة الظعائن ،من أماكن حركتها الى نهايتها ، وما كان يعتوره من شعور حقيقي إزاء الظعائن ،ينضاف الى ذلك أهمية تحديد أماكن قبيلته ، وقد ذكرها في شعره ، لأنَّها وثيقة يفاد منها في تحديد مواقع قبيلته بين القبائل في الجزيرة العربية .، وقد برز الشعرُ القصصي في مقدمة الظعائن ، تمنيت أن تستوقفه مدة أطول ، ممّا هي عليه الآن ،وكان بإمكانه أن يفيدَ من عنصر الزمن في حالتيه ، شابا وشائبا من أحد مراجعه عنه " عبد العزيز طشطوش" الذي ذكره في حواشيه وأغفله في مراجعه،وعرض للصورة لغة واصطلاحا عند القدماء والمحدثين، واستوقفته صور صامتة كالصحراء ومتحركة كالناقة والثور الوحشي والذئب والطير والظليم والظباء والخيل ،والإنسان ،وتمنَّيتُ لو كان تقسيمه ثلاثة أقسام :الإنسان ، والحيوان بأنواعه من يدب على أربع ، من ظلف كالغزال ،وثور وحشي، ومما هو ذو منسم كالإبل ،وما كان ذا مخلب وناب كالذئب ،ومنه ما كان طيرا بجناحيه يطير ، ومنها لا يستطيع الطيران كالنعام ، وكنت أرنو الى وقفة طويلة عند الناقة التي ذكر كثيرا من أعضائها ،في جميع حالاتها واقفة وهاجعة ومتحركة ، عليها قتبُها ، متحرِّكة في صحارى هي لها سفينها ، كلُّ ذلك يمكن تجليته باللون والحركة مستفيدا من تقنيات الانترنت الحديثة ، ولو كان فعل ذلك ، لأمكن المتلقي من معرفة أعضاء الناقة عضوا عضوا يضعها عليها ، فيستغني المتلقي عن حفظ أجزاء من جسم الناقة صعبة الحفظ ، ولا يعرفُ موقعها ، وقد كثرت في أدبنا القديم وتعددت مرادفاتها ،أمّا التناص فلو بُني في فصل رابع لما اضرَّ ببنية الرسالة ، ولعله بذلك أليقُ ،، وقد وزَّعه على النصوص الدينية من قرآن كريم ، وحديث شريف ،وتاريخ ومثل ،وأيام العرب ،وقد وفق في بحثه هذا ،أمّا الموسيقا التي وردت عنده بالإلف المقصورة مرات ،فوزَّعها على سبع وثلاثين قصيدة شملت (1452)ألفا وأربعمائة واثنين وخمسين بيتا في ديوانه ،عزفها الشاعر على احد عشر بحرا ومجزوءا، احتل الطويل ثلثها ،وجدولتُهُ لها تحسب له ، وإن كان الأفضل إن يشير الى كل بحر بحاشية ليتمكن المتلقي من فحص البحر المطلوب ، ونلحظ في شعره البيت المدور وقد كثر ، ولم ينتبه الباحث للظاهرة هذه و لم يفسرها ، وانتهت الرسالة بخاتمة بيَّنت أبرزَ نتائجها .
وأخيرا فإنه للحقُّ لقد استمتعتُ بقراءة هذه الرسالة العلمية الجادَّة ،غيرَ مرة ، للغتها السليمة التي أكاد أبرؤها ،من عيوب اللغة ، وهنات النحو ،وضعف الأسلوب ،ولحرص الباحث على ضبط دقيق للنص الشعري ، لشاعر يعتاص اللغة ، وينحتها من صخر، دونما تكلف،،وانمازت بجودة مصادرها التي بلغت(65)خمسة وستين مصدرا ، وكثرة مراجعها اللازبة لها ، وقد بلغت (97)سبعة وتسعين مرجعا وعشر دوريات ومخطوطا ، فأتمنى لصاحبها كلَّ توفيق ، وعسى أن ترى النور بنشرها على نفقة الجامعة،.وأن يراها الأستاذ المشرف وهي في قائمة الرسائل المتميزة ،تومئ له بيد الشكر والعرفان ، وما ذلك على الله بعزيز .
أمّا الهنات في معناها فأشيرُ إليها حسب تسلسل الصفحات،مما لم بشر إليها الناقدان الفاضلان فإليكموها وعلى الله التكلان ، وأمَّا إٍٍن أدركني الوقت ، فيمكن للباحث أن يراجع التصويبات في نسخة رسالته إليَّ للأهمية.