هل تعرف الإخوان السوريين
هل تعرف الإخوان السوريين !!؟
د.خالد الأحمد *
(1)
لما طرح الإخوان المسلمون في سوريا مشروعهم السياسي صيف العام (2004) علق بعض العلمانيين والليبراليين يقولون : غيّر الإخـوان السوريون منهجهم ، وتخلوا عن العنف ، وقبلوا المنهج السياسي ... وهذا يدل على جهل وعدم معرفة بالإخوان المسلمين عامة والإخوان السوريين خاصة ، واستمرار لنظرية ( تصنع الطرابيش من البندورة).
عدنان سعد الدين |
وخير دليل نتعرف من خلاله على حقيقة منهج الإخوان المسلمين السوريين هو التعرف على تاريخهم ، ومازال رجال السياسة السوريين خلال الخمسينات يعيشون بيننا ، وهم خير حكم يدل الشعب العربي السوري على الحقيقة ...
وسأنقل من كتاب الأستاذ عدنان سعد الدين حفظه الله ومده بالصحة والعافية ، كتابه الذي نشرته دار عمار في عمان عام (2006) بعنوان : الإخوان المسلمون في سوريا : مذكرات وذكريات ، هذا السفر العظيم الذي صدر منه المجلد الأول والثاني ، ونسأل الله أن يتـمه وينفع المسلمين بـه ...
وسنأخذ منه موضوع ( المشاركة في الحكم ) ، لأن الجماعة التي تشارك في الحكم ، ليست جماعة عنف ، وإنما تؤمن بالعمل السياسي ، وترى أن الإصلاح يكون بالتدريج ، وأن المشاركة في الحكم ( في حكومة لاتحكم بالشريعة الإســلامية ) جائزة ، وهذه المشاركة سوف تحقق بعض الإصلاحات ، وعندئذ المشاركة في الحكم ، ( والمشاركة معناها استلام وزارات وليس فقط المشاركة في الانتخابات ) ، منهج سلكه الإخوان المسلمون في سوريا منذ تأسيسهم كما سنرى من النقل الذي سأعرضه من كتاب الأستاذ عدنان سعدالدين ، وهذا هو منهج الإخوان الأصلي :
يقول الأستاذ سعد الدين حفظه الله : ص 182 ( ...وليس أمام الحركة الإسلامية طريق متاح إلا طريق العمل السياسي الحزبي الذي يؤدي إلى المشاركة في الحكم مع الآخرين ، وقد لاحظ أعداء الإسلام أن البلاد الإسلامية التي تحكم بالديموقراطية البرلمانية ينتعش فيها الإسلام ، وتقوى الحركة الإسلامية ، وتفرض وجودها على الساحة كمنافس قوي للأحزاب المناوئة ، ومن هنا حرص الأعداء الدوليون أن يحكم العالم الإسلامي بالحديد والنار ، فقامت الانقلابات العسكرية في معظم بلدان العالم الإسلامي ، .....فرأى فريق من العلماء والفقهاء المعاصرين جواز المشاركة في الحكم غير الإسلامي ، لإنقاذ مايمكن إنقاذه ، وتغيير مايمكن تغييره ، ودفع أكبر الشرين بارتكاب أخفهما ).
ثم يعرض الأستاذ عدنان سعدالدين أدلـة هؤلاء العلماء الذين أجازوا المشاركة في الحكم ، وألخصها فيمايلي :
1- أن يوسف عليه السلام شارك في الحكم في مجتمع مشرك ،بطلب منه ...
2- كان النجاشي مسلماً ، وكان يقوم على نظام حكم بغير شرع الله .
3- سئل ابن تيمية عمن يتولى الولايات والإقطاعات للحكام الظلمة ، وهو يجاهد في تخفيف الظلم عن المسلمين ، ولكنه لايتمكن من رفعه كله ، فهل له أن يستمر في ولايته ؟ وهل يكون آثماً في ذلك ؟ فأجاب الشيخ : إذا كان مجتهداً في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه ، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره ...فإنه يجوز له البقاء على الولاية ولا إثم عليه في ذلك ، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه ، وقد يكون واجباً إذا لم يقم به غيره قادراً عليه . ( ص 189) .
ثم يقول الأستاذ عدنان سعد الدين في ص 192 :
( ...كانت الحركة الإسلامية التي تضم الإخوان المسلمين ، وعدداً من جهابذة العلماء الذين وردت أسماؤهم وجاء ذكرهم في صفحات سابقة ، من أسبق الحركات والجماعات الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي في الإحاطة بشؤون العصر ومتطلباته ، وفي إدراكهم لفقه الواقع في مجالات السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية ، فقرروا المشاركة بالحكم لدرء مايمكنهم درؤه من المفاسد ، وجلب مايمكنهم جلبه من المصالح ، ثم انتشر هذا الفقـه لدى الجماعات الإسلامية الأخرى في أندونسيا وشبه القارة الهندية وماليزيا وتركيا والدول العربية ، اقتناعاً منهم أن البعد كلياً عن الحكم وتركه صيداً سهلاً في أيدي العلمانيين والملحدين والمناوئين للرسالة الإسلامية خطأ فادح ، وتفريط لاتحمد عقباه ، بل ربما كان ذنباً وإثماً لايغتفر . ) .
( قررت الجماعة في سوريا الاشتراك بالحكم ، كما قررت وباشرت خوض الانتخابات النيابية من قبل ؛ لولا أن الفترة القصيرة التي أعقبت دخولهم البرلمان لم تسعفهم ، إذ الدول الكبرى التي كانت تراقب باهتمام كبير صعود الإخوان السوريين ، وتقدمهم السريع بعد الاستقلال ، قررت تعطيل المسيرة ، وتحطيم تلك النهضة ، فلجأت إلى تحريض الجيش على هدم الحياة الدستورية عبر ضباط طموحين لم يكن ولاؤهم لوطنهم خالصاً ، إذ كانوا من جيش الانتداب الفرنسي لأكثر من عشرين عاماً ، ثم اضطرت الحكومة الوطنية تسليمهم قيادة الجيش ( السوري ) الناشئ ، فتعاونوا وتآمروا مع المخابرات الأمريكية ، وقام حسني الزعيم بانقلابه العسكري وعطل الحياة الدستورية ، وحل البرلمان ، لذلك لم يتح لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا أن تشارك في الحكم إلا في نهاية عام (1949م) ، فنجح الإخوان في الانتخابات بعشرة نواب ، وشكلوا مع حلفائهم كتلة برلمانية كان لها تأثير كبير على مجرى الأحداث داخلياً وخارجياً على سوريا في تاريخها الحديث ، لكن الانقلابات توالت ، ودخلت سوريا في دوامة الأحداث المؤلمة وماتزال تعاني منها حتى يومنا هذا ).
ويقول الأستاذ عدنان في ص 293 : ( ...وتشكلت حكومة ديموقراطية برئاسة خالد العظم (29/12/1949) شارك فيها الإخوان المسلمون ، وشغلوا حقيبة الأشغال العامة والمواصلات التي أسندت للأستاذ محمد المبارك يرحمه الله ، كممثل للإخوان المسلمين في وزارة العظم ، فحقق الأستاذ المبارك إنجازات عظيمة منها ميناء اللاذقية الذي بناه المبارك يرحمه الله بمساعدة مالية سعودية ) .
ثم يقول الأستاذ عدنان سعد الدين : ( كانت التربية والتوجيه والتكوين والتنشئة الإيمانية والأخلاقية المرتكز الأساسي في مناهج جماعة الإخوان في سورية ، يليها العمل السياسي في المشاركة البرلمانية والوزارات الائتلافية ، والتصدي لأخطاء الساسة والوزراء والمسؤولين ، وانتقادها وتصويبها عن طريق صحافتهم ، وعبر ممثليهم في البرلمان ، ومراجعة كبار رجال الدولة بدءاً من رئيس الجمهورية في كل العهود ....) .
هذا هو منهج جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، يشهد به رجال السياسة الذين عاشوا خلال الخمسينات ، ومازالوا يعيشون بيننا ، فأرجو أن يكون هذا واضحاً لدى المثقفين السياسيين السوريين عامة ، ولدى أبناء الصحوة الإسلامية خاصة ، هذا هو منهج الإخوان المسلمين السوريين : العمل التربوي ثم الإعلامي ثم السياسي ....ولاشيء غير ذلك .....
* كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية