التصوير الفني في شعر سيد قطب

الرابطة الأدبية - فلسطين

رسالة ماجستير جديدة عن شعر سيد قطب في ذكرى استشهاده

سيد قطب رحمه الله

الرابطة الأدبية - فلسطين 

 في نهاية أغسطس من عام 1966 استشهد سيد قطب وذلك في التاسع والعشرين تحديداً، وفي نهاية أغسطس هذا العام 2007 أجازت كلية الآداب رسالة الباحثة حنان أحمد غنيم عن (التصوير الفني في شعر سيد قطب) في تزامن قدري، أعاد إلى الأذهان جوانب خافية من أدبه ونقده وإبداعه الشعري المتميز.

نظرية وشاعر

 وقد اعتمدت هذه الدراسة في معظم خطواتها التطبيقية والجمالية على نظرية سيد قطب النقدية في التصوير الفني، تلك النظرية التي طبّق جمالياتها من خلال القرآن الكريم، وتناولت الباحثة خمسة محاور، تمثلت في تمهيد تناول حياة سيّد قطب، التي تميزت من الناحية العلمية بالثراء والتنوع كأديب وناقد ومفكر ومربّ، تماهت مع ولعه الشديد بالقراءة منذ صغره، وتناول التمهيد مفهوم التصوير الفني الذي تبناه سيد قطب في نظرية التصوير الفني في نقده النظري، ونقده التطبيقي، إضافةً إلى التصوير الفني بينه والآخرين. حيث عدّ التصوير للمعاني الذهنية والحالات النفسية، وإبرازها في صور حسية سمةً أولى للتعبير القرآني، وهي تقوم على اتباع طريقة تصوير المعاني الذهنية، والحالات النفسية، وإبرازها في صور حسية، والسير على طريق تصوير المشاهد الطبيعية، والحوادث الماضية، والقصص المروية، والأمثال القصصية، ومشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، والنماذج الإنسانية؛ كأنها كلها حاضرة وشاخصة بالتخييل الحسي الذي يفعمها بالحركة المتخيلة.

محاور

 وتناول الفصل الأول مصادر التصوير الفني عند سيد قطب والمؤثرات فيه. وقد تمثلت تلك المصادر في القرآن الكريم، والطبيعة، والتراث بأنواعه: الأسطوري والديني والأدبي، وثقافة العصر، والخيال.

 وتناول الفصل الثاني خصائص التصوير الفني في شعره، وفق تصوره الجمالي لتلك الخصائص في نقده النظري والتطبيقي، وقد تم رصد تلك الخصائص في شعره، وهي: التخييل الحسي، والتجسيم الفني، والتناسق الفني، والحياة الشاخصة، والحركة المتجددة. وهي خصائص قد تفاوت حضورها في شعره.

 وتناول الفصل الثالث آفاق التصوير الفني في شعر سيد قطب، ورصد البحث تلك الآفاق من خلال تصوير المعاني الذهنية، وتصوير الحالات النفسية، وتصوير الحوادث الواقعية، ومشاهد الطبيعة المصورة، وتصوير النماذج الإنسانية، إضافةً إلى التصوير في القصة الشعرية.

نتائج

 وقد وصلت الدراسة إلى جملة من الملاحظات والنتائج والتوصيات، منها التأكيد على تميز سيد قطب عن رفاقه الأدباء الذين وضعوا في أولوياتهم الاهتمام بأدوات التصوير الغربية، وفق مذاهب أدبية متعددة؛ حيث تميز عنهم بوضع نظرية خاصة متكاملة حول آفاق التصوير الفني وخصائصه، ومضى -شأن رواد النقد الأوائل- يستمدّ من خلال القرآن الكريم أفكاره وخصائص نظريته.

 وبينت اعتماد سيد قطب في بناء نظريته، وفي تطبيقاتها، على خياله الواسع، وذوقه المرهف، وإحساسه العميق، ووجدانه النقدي، وشاعريته الخصبة، وثقافته المتكئة على تراث أصيل ومعاصرة واعية.

 وأكدت على تميز نظرية التصوير الفني عند سيد قطب بالوضوح والتكامل، وفصّلها في كتبه النقدية، وجعلها محور دراساته البيانية لأسلوب القرآن، مما أكسبها حضوراً، لا يقف معزولاً في ميدان التنظير بعيداً عن مساحات التطبيق.

 وأكدت على اهتمام سيد قطب الكبير بالتصوير في شعره، وحضور ذلك في ذهنه الناقد عندما قدّم لديوانه الأول "شاطئ المجهول"، مبيناً أن الشاعر في ذلك الديوان يقف موقف المصوّر في كثير من القصائد، حتى لا تكاد تخلو قصيدة من تصوير، وكأن الديوان متحف صور.

 وأشارت إلى أن الخيال يعدّ مصدراً هاماً من مصادر الصورة الشعرية عند سيد قطب، ذلك الخيال الذي استمده من جمال الريف الذي عاش فيه طفولته وصباه، ومن خلال الروايات الخيالية عن الحب والأساطير؛ التي التقط الصور منها، إضافةً إلى بعد شخصي تمثّل في سيد قطب, الذي كان بطبيعته صاحب نفسيّة متخيّلة, وحالمة, فقد كان يؤثر الهدوء والسكون, ويكره الضجّة والزحام, ويفضّل أن يعيش ساعات من يومه مع خيالاته, وتطلعاته, وأحلامه.

 وبينت أن الخيال عند سيد قطب وسيلة لسبر أغوار معالم أوسع وأرحب من عالمه المادي المحسوس؛ بهدف الوصول إلى حقائق أشمل وأعمق من حقائق العالم الحسي الذي يعيشه. فالخيال عنده خيال هادف, أنار له الطريق ليغيّر من واقعه المعيش, وهو كذلك خيال محمود, نتائجه إيجابية وليس مذموماً أو مجنّحاً. كما أن الخيال من أهم وسائل سيد قطب لإدراك التصوير الفني في القرآن, لذا جعل الخيال سمةً من سمات التصوير، ومنحها اسم التخييل الحسي.

إحصاءات دقيقة

 وبينت من خلال الإحصاء الدقيق أن تقانة التشخيص قد شكّلت حضوراً بارزاً وملحوظاً في شعر سيد قطب, وتمثّل ذلك في كثير من صوره الشعرية. وأن تشخيص المعنويات نال حضوراً أكبر من تشخيص الماديات، حيث بلغ حضور تشخيص المعنويات نسبة 64%، بينما بلغ حضور تشخيص الماديات نسبة 36%. ويدل ذلك على حضور الخيال الواسع لدى الشاعر.

 وتتبعت الباحثة تمثّل التشخيص المعنوي، الذي برز أكثر ما يكون في موضوع الزمن بمراحله المختلفة ومفرداته المتنوعة، ثم جاءت المشاعر والأحاسيس لتحتل المركز الثاني في أولويات التشخيص، ثم شكّل الفؤاد والأماني والحياة حضوراً متوسطاً، وتدرج بعد ذلك حضور الاعتقاد والأقدار، والموت، والحلم، والنفس، والعقل، والصفات، والأشياء.

 وبينت أن تشخيص الماديات شكّل لوحة جمالية كبرى لعالم الشاعر الخيالي، حيث يستطيع المتلقي أن يرى من خلال ذلك الحضور الكون بمجمله، والأرض بمفردات مكوّناتها، والوطن كجزء حميم، والإنسان بمتعلقاته ومكوّنات حضوره.

تقانات

 وبينت اعتماد قطب تقانة التخييل الحسي بتوقع الحركة التالية، وهي لون من ألون التخييل, يتمثّل في تلك الصور المتحركة, التي تجعل الخيال يذهب معها, لكن الصورة لا تكتمل؛ وإنّما تتوقّف عند لقطة معينة, فيعمل حسّ القارئ وخياله على تخيّلها، وتصوّر حدوثها في أية لحظة. بالإضافة إلى اعتماد قطب تقانة التخييل الحسي بحركات سريعة متخيلة، يترك المجال فيها للخيال عند رسم بعض الصور؛ ليتمثّل حركات سريعة متتابعة متخيلة, يكمل بها ملامح الصّور، ويتمّمها.

 وأكدت على اعتماد قطب تقانة التخييل الحسي بحركة متخيلة ينشئها التعبير، وتعتمد على وجود ألفاظ تبنى عليها الصورة, فتلقي تلك الألفاظ في النّفس حركة متخيّلة لم يكن المتلقي ليتخيّلها؛ لأنّها هي السّبب فيها. بالإضافة إلى اعتماد قطب تقانة التجسيم الفني من خلال تجسيم المعنويات على وجه التّصيير والتّحويل، وهذا النوع من التجسيم له أنواع منها: تجسيم الحالات المعنوية النفسية، وتجسيم الحالات المعنوية العقلية، والهيئة المجسّمة بدل الوصف الحسي، ووصف المعنوي بشيء محسوس مجسّم، وهي أنواع وظفها قطب بالفعل في شعره وفق نظريته في لتصوير.

 وتتبعت الباحثة مواطن اهتمام قطب في شعره على تقانة التناسق الفني بأنواعه: تناسق التعبير مع المضمون، واستقلال اللفظ برسم الصورة، والتقابل بين صورتين حاضرتين، والتقابل بين صورتين ماضية وحاضرة، وتناسق الإيقاع الموسيقي، والتناسق في رسم الصورة، والتناسق في رسم الإطار العام للنص بمجمله، والتناسق في مدة العرض.

 وأكدت على أن تصوير الحالات النفسية يعدّ من أبرز آفاق التصوير الفني عند سيد قطب، حيث إنه يفوق الكلام عن الحالات النفسيّة المجردة البعيدة عن التصوير, كما فاق المعاني الذهنيّة المصورة, والمعاني الذهنية المجردة, وقد امتلك تصوير الحالات النفسية قيمة واضحة في نقل تلك الحالات إلى الأذهان, ورسمها في الخيال, حتى أصبحت كأنّها صورة شاخصة مرئيّة.

ملاحظات فنية

 وأشارت الباحثة إلى ملاحظات فنية مميزة في شعر سيد تميز بها مع شعراء عصره عن كثير من شعر السابقين، حيث اتجه شعر سيد قطب بشكل كبير نسبياً إلى التنوع في القافية، فبلغ عدد القصائد التي نوّع فيها القافية 58 قصيدة من مجمل قصائده في ديوانه البالغ عددها 133 قصيدة، أي بنسبة43.6%. بينما بلغ عدد قصائده التي اتبع فيها القافية الموحدة 75 قصيدة بنسبة 56.4%.

 كما لاحظت الباحثة ازدحام شعر سيد قطب بالنماذج الإنسانية التي صورها أجمل تصوير، وبروز ظاهرة التصوير الفنّي بالقصة الشعرية في شعره، من خلال قوة العرض والإحياء، فيكاد المتلقي أن يرى أبطال قصصه الذين دبّت فيهم الحياة يتحركون أمامه, وينفعلون كأناسٍ يمشون ويتحركون على خشبة المسرح. كما يتضح في القصة الشعريّة عند سيد قطب تصوير العواطف والانفعالات, حتى لكأن المتلقي يرى الأشخاص المرتسمة على ملامح وجوههم ملامح الألم أو اليأس، أو ملامح التعب والإرهاق, ويستشعر كل هذه الأحاسيس. بالإضافة إلى اهتمام سيد قطب برسم الشخصيات في قصصه الشعرية رسماً فنيّاً متناسقاً, بفضل طريقة التصوير التي عرضها من خلالها, فهي شخصيات شاخصة مجسّمة بشكل بارز.

توصيات

 وقد أوصت الباحثة في نهاية رسالتها بتوصيات هامة منها: إعداد دراسة عن السرد القصصي عند سيد قطب، وإعداد دراسة عن الآفاق النقدية التي تنبثق معالمها من دراسات القرآن الكريم قديماً وحديثاً، والاهتمام بدراسة الطاقات الإبداعية المميزة التي ظُلمت بتغييبها لسبب أو لآخر، والاهتمام بدراسة المحاولات النقدية العربية الخالصة، التي تعمل على تشكيل اتجاه نقدي نابع من ثقافتنا.

جدّة وعمق

 وقد أشادت لجنة المناقشة بالبحث عن التصوير الفني في شعر سيد قطب، لأنها تتعلق بموضوع جديد لم يتناوله الدارسون، إذ لم يحظَ شعر سيد قطب بدراسة مستقلة؛ وقد أسهمت عدة ظروف موضوعية في ذلك، منها انتقال الشاعر إلى مرحلة فكرية أخرى، أبعدته عن الشعر نسبياً، ووضعته في ظروف معارضة، جنت على نتاجه، الذي تم تغييبه ومحاصرته. وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور كمال غنيم مشرفا ورئيساً، والأستاذ الدكتور نبيل أبو علي مناقشاً داخلياً، والأستاذ الدكتور سليمان أبو عزب مناقشاً خارجياً. وقد قال أبو عزب البالغ من العمر خمسة وستين عاماً: إن هذه الرسالة عن التصوير الفني في شعر سيد قطب تعد أفضل رسالة دراسات عليا ناقشها على الإطلاق، وأكد أبو علي على تميز موضوعها بالجدة والعمق في التحليل.