الاثنينية: مرور خمسة وعشرين عاماً
1403–1428هـ/ 1982–2007م
عبد الله الطنطاوي
صدر هذا الكتاب عن (الاثنينية) في جدّة- السعودية، لمؤسسها وراعيها سعادة الأستاذ الكبير عبد المقصود خوجه- بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسها،
وجاءت هذه (الإضاءة) في مستهل الكتاب:
"مضت الأيام والليالي والسنون.. على تلك الليلة الأولى التي دعا فيها مؤسس هذا "الملتقى" الأدبي الثقافي الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة.. ولأول مرة جمعاً من الأدباء والمثقفين والمفكرين لتكريم رائد من رواد الأدب والفكر والصحافة.. في منزله، هو: الشيخ عبد القدوس الأنصاري.. المؤرخ والأديب والصحفي والباحث الأثري الكبير. كانت تلك الليلة هي أول شمعة تضاء لتكريم حياة وعطاء رائد من الرواد في دنيا الفكر والأدب والثقافة والصحافة في بلادنا، ثم تتابعت الليالي (مساء الاثنين من كل أسبوع) لتكريم رائد آخر.. وثالث.. وعاشر.. لتسمي الصحافة هذا الملتقى الأسبوعي بـ "الاثنينية" اعترافاً به.. وبمكانة جغرافيته في وسط جدة الثقافي الذي لفت انتباهه إليه، كما لفت إليه انتباه أبناء الوطن قاطبة.. حشد صاحب هذا الملتقى كل إمكاناته الاجتماعية والثقافية والمالية لـ "إنجاحه": ترحيباً بضيفه.. وابتهاجاً بحضوره.. تغمرهما سعادة غير مفتعلة منه، وتحيط بهما أثرة أخذت تعرف عن صاحبه منذ ذلك الحين.
ومع انتقال صاحب هذا "الملتقى" إلى منزله الجديد قبل عشرين عاماً.. خص "الاثنينية" ولقاءاتها الأسبوعية بـ "مبنى" أفرده لها إلى جواره، يضم قاعة لاستقبال ضيوفها وحضورها، وقاعة شتوية لأمسياتها وندواتها، ومكاتب لسكرتارياتها وأرشيفها.. لتدخل "الاثنينية" بعد هذا التوسع المكاني إلى زمن الانطلاق عربياً وإسلامياً.. لتكون منصة تكريم لرواد الفكر والأدب والثقافة منهما.
وهكذا.. تواصلت "الاثنينية" وتواصل تكريمها للرواد من أبناء الوطن.. وللرواد من أبناء العالمين العربي والإسلامي على اتساعه.. عاماً بعد عام، حتى لكأنه لم يبق أحد من أجيال الرواد إلا وجرى تكريمه والاحتفاء بعطائه ومكانته، لتنتقل "الاثنينية" بعد ذلك إلى دائرة أخرى.. هي دائرة تكريم المبدعين من أوسع الزوايا: في الأدب والشعر والرواية والدراسات.. كما في التراث والفن والتشكيل، وفي الطب والهندسة والتخطيط.. كما في البيئة والفلك والفضاء، ثم لتوسّع من لقاءات أمسياتها "الاثنينية" إلى أمسيات أخرى تعقد على ضفافها، وهي تخطو خطوتها التوثيقية الكبرى.. بتفريغ محتويات أمسيات تكريمها لطباعتها وإصدارها في "سلسلة" موثقة (مراجعة) بترتيب حدوثها هي "سلسلة الاثنينية" لتتوسع بعد ذلك.. في طباعة أعمال الرواد وغيرهم ممن لم يتمكنوا من طباعتها لسبب أو لآخر في سلسلتها الجديدة، "كتاب الاثنينية" وهي تحتفي في ذات الوقت بالأعمال الأدبية الجديدة وأدبائها.. وتعقد الندوات لاستقبالها ومحاورة أصحابها، اتفاقاً أو اختلافاً، لتقوم بعد ذلك بجهد ربما لم يتأت لأية مؤسسة ثقافية عامة أو خاصة.. عندما شاركت في احتفالية اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، بطباعة ذلك الكم من كتب التراث والأعمال الجديدة والكاملة لعدد كبير من أدباء مكة ومثقفيها..
ثم كان أن فتحت "الاثنينية" أبوابها لمشاركة فعالة لـ "المرأة" من خلال الدائرة التلفزيونية المغلقة التي أقامتها.. حتى تتمكن المرأة في ظل التقاليد المرعية من الإسهام إسهاماً حقيقياً في أمسيات الاثنينية واللقاءات على ضفافها، واحتفاليات استقبالها للكتب الجديدة، لتقوم أخيراً بافتتاح موقع لها على الشبكة العنكبوتية حتى يتمكن الجميع من الوصول إليه والاستفادة منه، والاستعانة به، والتصوير عنه.. خدمة للبحث.. وللفكر والأدب والثقافة بصفة عامة.
لقد تحولت "الاثنينية" عبر جهود صاحبها وكوكبة من المثقفين من حوله إلى مؤسسة ثقافية من خلال استمرار وتواصل أمسياتها واللقاءات التي تجري على ضفافها.. والسلاسل التي تصدرها والكتب التي تقوم بطباعتها، مؤسسة ترسخ بنيانها... عبر حضورها الحي والخلاب بامتداد هذه السنوات ليبدأ التفكير العملي.. في البحث عن الصيغ القانونية الملائمة لتحويلها رسمياً إلى مؤسسة ثقافية أدبية فكرية.. لها شرعيتها القانونية التامة واستقلاليتها الكاملة.
وفي هذا الملف الذي يصدر بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على إنشاء "الاثنينية" يسرنا أن نروي القصة الكاملة لبداياتها.. ومراحل تطورها، والإضافات التي أرتأتها واعتمدتها.. منذ أن كانت فكرة تتردد بين عقل وقلب صاحبها، وسط غمامة من أحلام الطفولة.. وهو يتذكر والده الكاتب والأديب الشيخ محمد سعيد عبد المقصود خوجه –رحمه الله- بين تلك الكوكبة من الأدباء والشعراء والمفكرين والمثقفين في صباحات أيام "أم القرى" وفي مساءات الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك، لقد أحب أولئك الأدباء، وهو لا يدري من هم، وعشق كلامهم.. وهو لا يعرف ما هو.. ليخرج كل ذلك بعد سنين طويلة في هذا الثوب الثقافي الحضاري الراقي الجميل: "الاثنينية".. التي تحتفل ويحتفل مؤسسها اليوم بمرور خمسة وعشرين عاماً على إنشائها.
الشيخ عبد المقصود خوجه |
وجاء في (المقدمة) التي دبّجتها يراعة الأستاذ عبد المقصود خوجة:
"في البدء كانت الكلمة نهراً يتدفق رواء وخضرة وحياة، بحراً يفيض ثراءً وأحلاماً لا نهائية، وشمساً تدفئ العقول بـ "المعرفة" والقلوب بـ "الذكرى" والوعي بـ "الحقيقة" مطلب الإنسان ومبتغاه.
ومع البداية الأولى.. كان العشق لها.. والحب لأصحابها يختلط بأيامي وسنوات طفولتي الباكرة: فمن جلسات الصباح التي كان يلتقي فيها نخبة من كتّاب وشعراء وأدباء الوطن في مكتب والدي (محمد سعيد عبد المقصود خوجه) –رحمه الله- رئيس تحرير أول صحيفة صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها (الملك عبد العزيز –رحمه الله-) إلى تلك الأمسيات الباذخة والزاخرة التي كان يعقدها والدي –يرحمه الله- على ضفاف مواسم الحج من كل عام في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك على شرف أدباء وكتّاب وشعراء ومفكري العالمين العربي والإسلامي.. كان الحب على امتدادها يتجذّر.. وكان العشق على أمدائها يستطيل سنديانات وأشجار سرو.. وكان الفؤاد الصغير يتوخَّى بين ما يسمعه ولا يفهمه وبين القليل الذي يفهمه كلمات ويجهله معاني.. وبين مالا يفهمه ولا يعيه أصلاً، لكن البهجة كانت تغمر القلب الصغير، دافئة ودائمة وغير مبررة.
ثم انطوت تلك الصباحات المشرقة والأمسيات الوضيئة.. على قِصرها –بعد أن عالجت والدي أقداره ليلحق بربه وهو في ريعان شبابه وفتوة رجولته.. فانطفأت بانطفائه تلك الصباحات والأمسيات ليزدحم الفؤاد الصغير بالأحزان، ثم توالت بي الأيام.. والليالي.. تدفعني سعياً وأدفعها عملاً.. تستفزّني وأستفزها، ولكن صورة والدي وتلك الصباحات المشرقة والأمسيات الوضّاءة ما كانت لتغيب عن قلبي وعقلي إلا لتشرق من جديد تذكرني وتناديني بحنين العودة إليها.. فلم يمت الحب الذي ولد.. ولم ينطوِ العشق الذي تنفسته في بواكير أيامي.. بل ظلا يحتفظان بوهجيهما تحت رماد الليالي والسنين، فإذا صرفتني ظروفي وأعمالي عن أن أكون ذلك الكاتب المحترف أو الأديب المتفرّغ الذي يتنفس حبه للكلمة.. ويمارس عشقه لشدوها وهو يطالع الناس بنتاجه دوماً أو بين حين وحين.. فإنني أحمد الله على أن ظروفي وأعمالي لم تصرفاني عن أن أكون أحد أولئك القرّاء المتابعين والمتلهفين لكل جديد جيّد من الكلمات والأفكار والأعمال.. ممن لا يشعرون بالشبع من الكلمة ولا يحسّون بالجوع معها، لكأن القراءة قد غدت سبيل وصالي الباقي مع من أحببت.. ومع ما عشقت..
وعندما دار الزمن دورته واستقرت بي أيامي في (جدة) مدينة الوسط الثقافي –على حد وصف أحد المثقفين لها- احتواني الماضي مجدداً.. وتدفق الحب الذي لم يمت، والعشق الذي لم ينطو شلالين من الرغبة والعزيمة ونور الحب وسناه ليلهماني خطواتي وسط حيرتي وترددي.. فكان لقاء الاثنين الذي سرعان ما سمّته الصحافة "الاثنينية".. وأخذت في تداوله منذ أول لقاءاته في الثاني والعشرين من شهر محرم لعام ألف وأربعمائة وثلاث للهجرة (8 نوفمبر 1982م) فلم تكن الفكرة إذاً شخصية بقدر ما كانت استلهاماً لتلك الصباحات والأمسيات.. وتجاوباً مع ذلك الحب.. وتلاقياً مع ذلك العشق.. ومحاولة لاسترجاع مشاعر البهجة التي كانت تغمرني صغيراً ولا أدري أسبابها، ثم احتفاء واحتفالاً بأولئك الذين غدوا عبر دورة الزمان، رموزاً ومشاعل على درب الأدب والفكر.. وأشجاراً باسقة ظليلة في حياتنا الثقافية.. جديرة بالالتفات والالتفاف حولها وعناق عطائها..
تواصلت "الاثنينية" بين سعادتي بنجاحها ودهشتي النشوى بتزايد حضورها المتفاوت الأجيال والأعمار.. تواصلت لتجاوب ضيوفها.. ودعم وحماسة روادها.. أسبوعاً بعد أسبوع.. وشهراً بعد شهر، ثم غدت وكأنها جزء من طقس الحياة الثقافية وليلها البهيج ينتظم انعقادها العام تلو العام، بادئة مع مطلع الشتاء ومنتهية مع أواخر الربيع من كل عام دون تدبير أو ترتيب مسبق محكم.. فقد أصبحت لها آليتها المستمدة من إسهامات ضيوفها ومشاركات ومداخلات جمهور حضورها.
ومع توالي الأسابيع والشهور والأعوام.. كانت "الاثنينية" تدخل من حيث أريد أو لا أريد دائرة الصالونات الأدبية.. إلا أنها كانت صالوناً مختلفاً في (مبناه) و(معناه) عن بقية الصوالين الأدبية المعرفة.. فلم يقم مبناها على المناقشات المفتوحة لحضورها من الأدباء والمفكرين والشعراء والكتّاب والصحفيين أو سياحتهم حول العديد من الموضوعات الأدبية المتفرقة.. ولكنه قام على إطار الاحتفاء والاحتفال بواحد من طلائع تلك الشخصيات الأدبية المعاصرة التي أسهمت بجهد بارز في الحياة الأدبية.. وكان لها عطاؤها الباقي وكان لها رصيدها من التجارب الجديرة بالاسترجاع والتأمل بل وتناقلها من جيل لجيل، كما أنه لم يقم معناها على إحياء ذكر صاحبها.. بقدر ما قام على الاحتفاء بذكر ضيوفها وجهادهم: إكباراً ووفاءً لجهودهم واعتزازاً بعطائهم الذي مهّد الطريق وبدد ظلماته أمام نهضتنا الأدبية والثقافية المعاصرة، فلولا جيل الكبار.. وتجاوبهم، لما كانت تباشير هذه النهضة الأدبية الثقافية التي نعيش أجواءها.
لقد أثرى –دون شك- ضيوف "الاثنينية" لياليها: بآدابهم وثقافتهم.. بعلمهم وخلقهم ومواقفهم ومكنونات تجاربهم المثيرة للفضول وللسؤال وللحوار.. وكان تواصل الحاضرين معهم بالتعقيب والاستيضاح والمداخلات تكثيفاً للمتعة وتعميقاً لنغم الاستمتاع بتلك الأمسيات.
ثم خرجت "الاثنينية" من دائرتها الإقليمية.. إلى محيطها العربي والإسلامي عندما قُدّر لها أن تستضيف عدداً من مفكري وأدباء وشعراء وكتّاب العالَمين العربي والإسلامي، فكأن خروجها إلى هذا المحيط الكبير إضافة لها وإثراء لطبيعتها وحلقة جديدة في عقد تميّزها وترجيعاً للصدى الباقي في قلبي وعقلي لصباحات مكة وأمسيات (منى) التي كان يعقدها والدي في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى، كما أسلفت، على شرف علماء وأدباء ومفكري العالَمين العربي والإسلامي.
لقد كانت حصيلة ليالي "الاثنينية" الطويلة والجميلة مع تلك المشاعل والرموز الأدبية.. وغيرهم –كماً هائلاً راقياً من الأفكار والكلمات والتجارب الأدبية الملهمة تشكّل في محتواها صفحات من التاريخ الأدبي غير المدوّن الذي لم يَعرف به ولم يسمع عنه كثيرون من المفكرين والأدباء والشعراء والكتّاب، فضلاً عن ناشئة الفكر وشداة الأدب من أجيال الشباب الماثلة والمتعاقبة، كما أنها تشكّل في مبناها شهادة للتاريخ على عمر البدايات والتكوين الأدبي لهذا الوطن.. من الرجال الذين عاصروه وأسهموا فيه ثم حملوه في صدورهم وامتد بهم العمر –حفظهم الله- حتى رووه للأجيال ليكون أمانة في يدها ووعياً في ضميرها، ولذلك ما كان يصح أن تُترك تلك الصفحات حبيسة أشرطة التسجيل، مع أنه كان ولا يزال من تقاليد "الاثنينية" أن تتيح لروادها، بل ولغير روادها، الحصول على نسخ من تسجيلاتها، ليكونوا على صلة واطلاع بحصيلتها وخدمة للتوثيق التاريخي فانبثقت فكرة طباعة "الاثنينيات" في أجزاء.. بترتيب تواريخ حدوثها، من منطلق أن التدوين يبقى أهم الوسائل –على كثرتها- وتنوعها.. وشدة جاذبية بعضها –لحفظ الآثار الأدبية وتناقلها وتداولها والاستفادة منها للباحثين والدارسين والمهتمين بكتابة تاريخنا الأدبي –من القرن الرابع عشر الهجري إلى مطالع القرن الخامس عشر.
لقد حرصتُ، عند الأخذ لفكرة طباعة "الاثنينيات" على أمرين:
الأول: أن أستأذن من صاحب النص، ضيف "الاثنينية" في طباعته ونشره.
والثاني: أن أقدم له النص بعد تفريغه من أشرطة التسجيل.. ليقوم هو بمراجعته وتصويبه وتنقيحه.. وتوثيقه.
كما حرصت بعد ذلك على أمر لا يقل أهمية عن سابقه، هو: وضع ترجمة تاريخية وأدبية كاملة لشخصية الضيف.. صاحب النص –خدمة للهدف الذي نتوخاه من طباعة ونشر تلك النصوص، ووضعها بين يدي الباحثين والدارسين وناشئة الفكر والأدب والمهتمين من القرّاء عامة.
ولا يسعني، وقد وجدت تجاوباً صادقاً وحميماً (من ضيوف الاثنينيات) لفكرة طباعتها ونشرها.. مشفوعاً بهذا الجهد السخي والملحوظ منهم والذي يتابعه قراء هذه الأجزاء إلا أن أتوجه بالشكر والتقدير لهم.. لكل ما بذلوه من جهد وتجشموه من تعب وعناء، فهم، إلى جانب أنهم أصحاب هذه النصوص، فقد أجهدوا أنفسهم، ولم يضنّوا بأوقاتهم في سبيل تصحيحها وتنقيحها وتصويبها وتوثيق ما تقتضي الضرورة بتوثيقه، كما أتوجه في هذا الإطار بشكر خاص لأستاذنا الدكتور صلاح الدين المنجد، العالم والأديب المعروف.. الذي تولى مشكوراً مراجعة وتصويب وتوثيق ما جاء في نصوص (الاثنينيات) عامة وخاصة الذين لبّوا نداء ربهم قبل أن تنبثق وتتحقق فكرة طباعة (الاثنينيات) ولقد كان للرأي الثاقب للأديب الكبير الأستاذ عبد العزيز الرفاعي والجهد المشكور للشاعر الرقيق الأستاذ أحمد سالم باعطب من إعادة مراجعة وتصحيح النصوص الأثر الكبير في إظهار هذا الكتاب بهذه الدرجة من الإتقان والإخراج الذي تتضاءل أمامه كلمات الشكر والتقدير والعرفان بالفضل، كما أخص بالشكر والتقدير الأديبين الكبيرين الأستاذين صالح محمد جمال وأحمد محمد جمال، على جهودهما المشتركة في طباعة بعض الاثنينيات طباعة تجريبية، كان لها أكثر الأثر وأفضله في انتقاء الأسلوب الأمثل لطباعة الجزء الأول من (الاثنينيات).
ومع سعادتي بتقديم الجزء الأول من (الاثنينيات) والذي يضم أربع عشرة "اثنينية" أقيمت خلال العام الأول من عمر الاثنينيات أي قبل ثمان سنوات.. فإن الأمل يزحمني بالتطلّع إلى الوقت الذي تتواكب فيه طباعة (الاثنينيات) مع حدوثها عاماً بعد عام، ولا أظن أن يتحقق ذلك إلا بطباعة جزأين من (الاثنينيات) في كل عام: جزء عن (اثنينيات) السنوات الثمان الماضية بترتيب حدوثها، والآخر عن (اثنينيات) العام ذاته.
وغني عن الإيضاح أن أقول: إن ما تضمه هذه "الاثنينيات" إنما هو تعبير عفوي من أصحابها، لا يحمل أي معنى توجيهي أو اختياري من قبلي ولا يدل على وجهة نظري فيما تطرقوا إليه، إنما تحمل النصوص أفكار أصحابها، بغض النظر عن اتفاقي مع هذه الأفكار، أو اختلافي.
كما هو غني عن البيان، أن من تقاليد "الاثنينية" أن تعطي المعلقين حرية التعليق والتعقيب لتلاقح الأفكار، فالحوار الصحيح كالزند الذي يورى ليشعل الضوء.
وأمر آخر يهمني إيضاحه أيضاً، هو أن ترتيب صدور هذه السلسلة عن حلقات "الاثنينية"، لا يعكس البتة شيئاً من معاني الترتيب لمقام أصحابها، أو أولياتهم من حيث المكانة العلمية والأدبية وإنما هو ترتيب اقتضته ظروف الزمان.. أو التلاحق مما سبق أن ألمحت إليه.
ومتى تلاحقت حلقات هذه السلسلة، فسيعلم المتتبعون لها، أن "الاثنينية" لم تكن وقفاً على فئة معينة من قادة الفكر أو الرجال البارزين في المجتمع والحياة العامة بل لقد فتحت بابها على مصراعيه للأدباء والشعراء والعلماء والمفكرين والفنانين، والنابغين والبارزين في أي حقل من حقول الحياة رأته جديراً بالتكريم.
وبودي أن أؤكد حقيقة كبرى وألح عليها، هي أن هذه "الاثنينية" لا هدف لها إلا العمل على تكريم رجال لهم مكانتهم في المجتمع، في مختلف حقوله.. وهذا التكريم ليس له من هدف إلا معناه فحسب، والله أسأل أن يمدنا بالعون والتوفيق لاستكمال هذه المهمة.
وبعد..؟
في البدء كانت الكلمة..
وفي المنتهى تبقى الكلمة.. ذلك النهر الخالد الذي يمضي من زمن لزمن.. ومن جيل لجيل.. ومن أرض لأرض يزرعها ويلهمها ويوقد شموع أحلامها.
وتحدث الكتاب عن (قصة الاثنينية) وسلسلة أمسياتها التي طبعت في 26 مجلداً حسب الجدول المذكور، كما تحدث عن (كتاب الاثنينية) فقد تم –حتى إعداد هذا الكتاب- طباعة 46 كتاباً في 111 مجلداً، وذكر الكتاب هذه الكتب والدواوين الشعرية وأسماء أصحابها.
وتحدث الكتاب عن الأبعاد الجديدة في مسيرة الاثنينية.. عن حفلات تكريم الوفود، وبيّن الندوات التي عقدت على ضفاف الاثنينية، والاحتفاء بالأعمال الفكرية، والمشاركة في مناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426هـ - 2005م.
كما تحدث عن توأمة الاثنينية مع "النادي الجراري" المغربي، وعن الخطوات الجديدة بإنشاء موقع لها على الانترنيت للاستفادة من معطيات العصر وتوظيفها لخدمة الكلمة ورجالاتها، طلعت "الاثنينية" لروادها بثوب قشيب على شبكة الإنترنت من موقعها:
وصدرت إلكترونياً كعمل تكاملت صورته مع احتفالية فعاليات مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية، وقد ضم الموقع كل الإصدارات التي نشرت تحت مظلة (كتاب الاثنينية) إضافة إلى سلسلة فعالياتها المسماة "الاثنينية".
وقد تم حتى الآن رصد 137 مجلداً (مئة وسبعة وثلاثين مجلداً) في 62248 صفحة (اثنين وستين ألف ومئتين وثمان وأربعين صفحة) وعدد 2006 صورة (ألفين ومئتين وست صور فوتوغرافية).
* منها سلسلة "الاثنينية وعددها 23 جزءاً (ثلاثة وعشرون جزءاً) في 26 مجلداً (ستة وعشرين مجلداً) في 14132 صفحة (أربعة عشر ألف ومئة واثنتين وثلاثين صفحة).
* وكتب "الاثنينية وعددها 46 (ستة وأربعون) عنواناً في 111 مجلداً (مئة وأحد عشر مجلداً) في 30632 صفحة (ثلاثين ألف وستمائة واثنتين وثلاثين صفحة) بما فيها الكتب التي طبعتها الاثنينية بمناسبة الاحتفاء باختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ الموافق 2005م وعددها 17 عنواناً (سبعة عشر عنواناً) في 57 مجلداً (سبعة وخمسين مجلداً) في 27616 صفحة (سبعة وعشرين ألف وستمئة وست عشرة صفحة).
وضم الموقع كل ما صدر عنها تحت مظلة (كتاب الاثنينية) مضافاً إليها سلسلة فعالياتها، كما تحدث عن مساهمة المرأة، وعن فكرة تحويل "الاثنينية" إلى مؤسسة ثقافية.
وقدّم الكتاب عدداً من الشهادات الأدبية، وبعض المقتطفات الصحفية التي تحدثت عن أمسيات "الاثنينية" ثم سرد أسماء الأدباء، والشعراء، والعلماء الذين تمّ تكريمهم خلال ربع قرن من المسيرة المباركة.
والحق:
إن جهود "الاثنينية"، برعاية منشئها، وراعيها، والباذل الكثير من الجهود، والتخطيط، والأسفار، والعلاقات، والأموال –لا يمكن أن يحيط بها وبتعريفها كتاب كهذا الكتاب الذي بذلوا فيه الكثير، ولكن: أنّى له الإحاطة بجهود ربع قرن من العمل المضني؟
بارك الله في هذه المؤسسة الرائدة، وبصاحبها وراعيها ومؤسسها الأستاذ الكبير الشيخ عبد المقصود خوجه، وبسائر العاملين والسائرين في ركاب هذه المؤسسة التي دخلت التاريخ الأدبي والثقافي من أوسع أبوابه.