أدب الحرب عند المتنبي

د. حسن الربابعة

[email protected]

بين يدي هذه السلسلة (2)

باسم الله، وبحمده، تتمُّ الصالحات، ونعوذُ به أن ندّعيَ علماً، يتفلّتُ بي إلى ظُلمات الجهالة، كما نعوذُ به من فَلتاتِ اللسان، وزلاّتِ الأقلام، أو أظْلِمَ أو أظُلَمَ، أو أُلاثَ بغرور، أو بزهو الظهور، أو إدّعاءِ الفهم بما لا أفهمه، بحق الله مولانا  العليم، ونصلّي على شادخ الغرّة سيَّدِ المجاهدين، النبيّ الأميّ المكتوب اسمه في التوراة والإنجيل، وعلى آله وصحبه ومن سار على هداه، واقتدى بِسُنَّتِهِ إلى يوم الدين وبعد؛

 فهذه السلسلةُ الموسومُة "مُبعّضةٌ من أدب الحرب، عند العرب" (2) تنهضُ بين يدي المتلقي قراءة، أو على أذنيه بإصاخة مسمعيه، بثلاثة فصول عن أدب الحرب عند المتنبي  "ماليء الدنيا وشاغلِ الناس" كما قيل فيه وهي كالتالي:

1.     صورة المحارب في ديوان المتنبي.

2.     الشؤون الإدارية في الحرب عند المتنبي.

3.     العامل النفسي ودوره في شعر الحرب عند المتنبي.

أمّا الفصل الأول:  فنهضَ بمقدمةٍ وستةِ محاورَ، تتَسَّعُ وتضيقُ، حسب ما تمليه رُقْعَةُ الدراسة، عُزَّزتْ بأنموذجات تطبيقيةٍ هي: صورٌ من سمات المحارب وموقِعِ القادة أولاً وصورٌ من مَعدّات الحرب ودلالتها في شعره ثانياً، وصورٌ من لباسَ المُحارب ودلالاتها ثالثاً وصورٌ من الخَيلِ كوسيلةِ حَرْب رئيسة ودلالاتها رابعاً وَصُوَرٌ من فُنونِ الحرب خامساً وصُوَرٌ من الأبعاد المكانية والزمانية ودلالتها سادساً.

وللحقِّ فقد أبرزتِ المُقدَّمةُ شغورَ هذا المحورِ للدارس؛ حيث لمُ يُدرَسْ في   -حدود اطَّلاعه-  قديماً وحديثاً على أهميته، من مِثْلِ هذا المنحى عند الدّرَسةِ، وربما كان لخبرةِِ الدارس العسكرية دورٌ في الولوج إلى هذه الزاوية، بل إلى رَفًّ أو بعضِهِ من رفوفِ مكتبة أدبِ الحربِ؛ فتوقَّفَتِ الدراسةُ عند عددٍ من سماتِ المحارب بنوعيها؛ المعنويةِ والجسديةِ، فرأىَ مشاهدَ من سمة القائدِ منها: رغبتُهُ بتعريبِ القيادةِ،ِ وإعزازُهُ أهلَ العلمِ، وتميزُّهُِ عمَّن سِواه، كما برزَ للقائدِ حرصُهُ على توحيدِ الكلمةِ ورصِّ الصفوف، لِقطع الخلافِ بين القادةِ المتناحرين، وثَمَّةَ سماتٌ غيرُها؛ يتلقّاها المتلقي الكريم  قد يستحسِنُها، لأنهّا قديمةُ المطلبِ، حديثةُ الَمفقدْ، كما تجدُ من سماتِ القائدِ "سيف الدولة" تفديةَ نفسهِِ أمامَ جيشهِ، وهذهِ سمةٌ ينمازُ بها عن غيرهِ من قادةِ الجيوشْ؛ ممن يَدَّخِرونَ عادةً جيوشَهم، أو بعضَها دروعاً لهم ، كباشَ تضحيةٍ لهم، كانوا ادّخروها لمثل هذهِ المهامِ الخطرةْ، ولزبَّاتِ الزمان، هذا في المحورِ الأول.

أمّا في المحورْ الثاني فتوقّفتِ الدراسةُ عند مشاهدَ من أدواتِ الحربِ؛ دفاعاً وهجوماً؛ فمن أدواتِ الهجوم: المِنجنيقُ والنَِّبلُ والرُّمْحُ والسِيفُ والخنجرِ؛ كأنها تُعادلُ اليومَ "إجراءات المعركةِ الدفاعيةِ"، التي توظَّفُ في المعركةِ حسبَ مدياتِها.

وأمّا الأسلحةُ الدفاعيةِ عن الجسمْ فهي: مِغفَرٌ فوق الخوذةِ الفولاذية، ودِرعٌ متعددةٌ الأنواع، وتُرْسٌ، وللخِيلِ تجافِيفُ تذودُ عنها غائلةَ الأسلحة، وتدرَّعُ من دِرعِ فارسِها، وتتحوّل الأسلحةُ هذهِ بدلالاتِ البلاغةِ إلى حمايةِ الخليفة دروعاً، بتوظيفه قادةً أكفياءَ، كـ "سيف" الدولة لحمايته، كما تتحوَّلُ رسائلُ البطارقةِ إلى سيف الدولة فيها طاعتُهم لهُ، والإنقيادُ لأمرهِِ؛ تتحوّلُ دروعاً تقيهم صولاتِه،ِ وغير ذلك من مشاهد الفصل الثالث. 

أمّا من مشاهِد المحور الرابع فصورةُِ الخيلِ، التي تعشّقها المتنبي، وأجادَ الوصفَ فيها؛ لذا لا يُستغرَبُ الوصفُ من فارسٍ هكذا ديدنهُ، فرآها مدَّربةً، تفهمُ لُغةَ صاحبها بالإشارة، وهي لِحُسْنِ تدريبها، لا تحيدُ عن الاتجاه الذي يشير إليه الرُّمح، الذيَ ركَزهُ فارسُها، بين أُذنيها، إلى أي اتجاه يريدُهُ، وتتغيًّرُ لُغةُ الحواس عندها، فتسمعُ بعينها، إشارةَ فارسِها وتمتثلُ لما يريدُهُ، وخيلهُ نشيطةٌ، تجاذِبُ فرسانَها الأعنَّةَ، كأنها أفاعٍِ تَتَحَّسس منها، مقشعرَّة، وهي على أعناقها، وخيلهُ لعٍزَِّتها لا تأكلُ أعلافَ الرُّوم، إلاَّ إذا رفعوها لها على رؤوسِهم، وتفضٍّلُ أن تشربَ من الماء المُدَمَّى، وثمّةَ صورٌ للخيل يتلقّطها القارئُ من ميدان الحرب وهي ثابتةٌ ومتحرّكة، ومنها صورةُ الفرسان يتقيَّلونَ أفياءَها هنيهاتٍ من الزّمن متحفَّزين إلى الحركة، ثم ينطلقون على ظهورِها سراعاً لتأدية واجباتِهم الحربية.

 ويشخِّصُّ المتنبّي حِصَانَهُ في شِعب "بوّان"؛ حيث استراحَ الشاعر وحصانُهُ فترةً فيه، وكانَ الشّاعرُ على مضضٍ من هذه الاستراحة لأنّها مَكْسلةٌ، ولمّا أنْ عزمَ الرّحيلَ، تبرَّمَ الحِصانُ من حركة المتنبي الذي لا يعجِبُهُ رَغَدُ العيشِ فيه،ِ فدعاهُ إلى الاستراحة، لكنَّ المتنبي أزمعَ على الحركةِ برغم رَغْبَةِ الحصان، وميله إلى الجَمِام، فاستجابَ الحصانُ أخيراً، إلى أمر المتنبي، وأمرُهُ إلى الله يشكوهُ- وعزاهُ إلى أنَّ آدمَ من قَبْلُ لم تُعْجِبْهُ الجِنان:

يقولُ بِشْعبِ بَوّانٍ حِصاني           أعنْ هذا يُفَرٌُ إلى طِعانِ؟!

أبوكم  آدمٌ  سَنَّ  المعاصي           وعلَّمَكُمُْ  مُفارَقةََ الجِنـان

وفي المحور السادس التقطتِ الدراسةُ عدداً من الصّورِ، من فنون الحرب المتعددة منها: المطاردةُ، وحصارُ القٍِلاعِ، والكمائنُ، وبناءُ القلاعِ، واجتيازُ الأنهرِ، والالتفاف المزدوج، والإحاطةُ، والتستُّرُ، والتمويهُ، والحَرْبُ النفسية، وهي أمثلةٌ قليلُها يغني عن كثبرها تدَلُّ على خبرةِ شاعرٍ؛ التقط بعدستي عينه وخياله من مشاهدِ الحرب ألواناً. وأبرزَ صوراً من الأبعادِ المكانيةِ والزمانية، فأكثرَ من ذكرِ الثغوِر في رومياته، وتوقَّفَ عند قبائلَ ثائرةٍ على سيفِ الدولةِ في عملهِ، فقاتل على جبهتين، انتصر فيهما.

أمّا الفصلُ الثاني الموسوم بـ "الشؤون الإدارية في الحرب عند المتنبي" فتوقَّفَ عند مُقدَّمةٍ -أبرزت شغورَ هذا الدرسِ في أدبنا – كما أزعم- وثلاثة محاور هي: مصطلح الشؤون الإدارية؛ وقد تمّ تعريفها لغةً واصطلاحاً، ومن خلالهاِ تمت الدراسة أولاً.

أمّا الاتصالاتُ ثانياً فعرَّفتها، فَجُدْولَتْ أقسامُها وطُبَّق عليها أنموذجات، أما الشؤون الإدارية ثالثاً فتكلَّفنا لها مخطّطاً، عليه أقسامُهُ وأمثلةٌ عليه.

إن الاتصالات قد تعدَّدت في الدراسة منها الدلالةُ والأعلامُ والإشاراتُ والرموز والمراسلات ووسائل أخرى وشواهدها بارزةٌ فيها.

أمّا مُصخطط الشؤون الإدارية فهو من تسعة أقسامٍ هي: الصَّيانُة والتكديسُ، والماءُ والاستراحةُ، والمراسمُ، وشؤونُ القتلى، والجرحى، والأسرى، والطَّبابَة، عند المسلمين والرُّوم، وهذا كلهُ يجري بفِقِرَةٍ خاصّةٍ في أوامرِ العملياتِ الحربيّة في عصرنا الحاضر.

أمَّا الفصل الثالث الذي وُسِمَ بـ "العامل النفسي ودوره في شعر المتنبي"، فنهضَ بمقدمةَ بيَّنت الحاجةَ إليه، وشغورَهُ في الدراسة، وثلاثةِ محاورَ هي: أولاً العاملُ النفسي وتكبيرُهُ صورةَ سيف الدولة في الدعاية له وترصُّدهِ سماتِهِ، ثانياً العامل النفسي ودَوْرُهُ في قتالهِ القبائلَ العربيةَ المتمرّدةَ على سيف الدولة في عمله، والثالث العامل النفسي في روميات سيف الدولة.

أمّا تكبيرُ صورتهِ، فأبرزَهُ غازياً الرُّوم دائماً وتمنّى بِحُرْقَةٍ أن يَعِدَ بالعودة سالماً لطول رومياته:

أنتَ طُولَ الحياةِ للرُّومِ غازٍ        فَمتى الوَعْدُ أن يكونَ القفول؟!

وأعجبَهُ فيهِ سرعةَُ حَشْدِهِ، وتوقَّفَ عند اسمهِ عَليَّاً فأعجبَهُ، أما لقبهُ "سيف" فلم يعجبْهُ، مُتَفَلْسِفاً؛ لأنَّ السَّيفَ ينَكَسِرُ، وسيفُ الدولةِ عَكْسُهُ، كما أعجَبَهُ فيه، جاهزيتُهُ للقتال، وحبُّهُ للتَّضحية،ِ وافتداؤهُِ نفسَهُ أمامَ جيشهِ.

أمّا العاملُ النفسي ودورُهُ في قتالهِ القبائلَ العربية، فخذَّلَ القبائل، وعدَّ خروجَهم عليه إغضاباً لله؛ لأنهم يؤخَّرونه عن قتال الرُّوم، وَسَخِرَ من وسائلِ قتالهم بالنِّياق، لأنَّ قتالَهم بها فاشل، إذ هي لا تصلح للحرب، وإنَّ القبائلَ العربيةَ مهزومةٌ لا محالةَ؛ لأنَّ سَيْفَ الدولةِ انتصرَ على الرُّوم الأقوياء مراتٍ ومرات فكيف بهؤلاء الضعفاء؟

وأمّا المحورُ الثالثُ الأخيرُ فتوّقفَ عند تحدِّيات الرُّوم والمسلمين، وانّ حربَهم معه دينيِّة، فابتعثَ مشاعرَ المسلمين للجهاد، واستوقفنا عند مشاهَد مروِّعةٍ في ميدانِ الحرب، فشاركنا معهُ، لنشهدَ هاماتِ الرُّوم مفلَّقةً وأشلاءَهُمْ ممزقةً، في الميدان؛ مما أرعبَ الرُّوم، وانتقل الرُّعبُ إلى عذاراهم، فَصِرْنَ يحلَمْنَ بأنهُنَّ أسيرات على جمالٍ عربية يسارُ بهنَّ سبايا ذليلاتٍ مرعوباتٍ.

ولعلَّ مثلَ هذهِ الدراسة أن تكشف عن أنّ أدبَ الحرب، بحاجةٍ إلى دراسةٍ أخرى مماثلة أو مخالفة، وفي كلٍ منهما بعض، ما قد يُملأ به،  بعضَ رفوفٍ من زوايا أدب الحربِ المتواسعة.

وفي ختام القول؛ أشكرُ للأخ الوفيَّ، السَّيد زهير أحمد البطوش، مدير مؤسسة رام – مؤتة – على حماسته لنشر هاتين السلسلتين من أدب الحرب عند العرب، فعسى الله تعالى أن يَكْتُبَ له أجراً، ويسهَّلَ سرعةَ توزيعِهما إلى من هو جدير بالدرس والنقد والإفادة، و لا يفوتني أن أشكر للأختين الطابعتين، لما تعنّتاه من طباعة شاقة، يبدو في الدراسة اكثرُ الشعر مشكولاً، هما؛  الآنسة تهاني أبو عوّاد، والآنسة منال الصرايرة، وكلُّ العاملين في هذه المكتبة، والى ابنتي طالبة التمريض في جامعة مؤتة إسراء حسن التي اجتهدت في تصوير الغلاف وأربع صفحات من مقدمة هذا الكتاب ،وذلك لخلو الملف منه، فعسى الله -تعالى اسمه وجلّ- ألاّ يحرمهم أجراً، وعلى الله  قصد السبيل وهو ولي التوفيق، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربَّ العالمين.

12 شباط 2004م                                                      المؤلّف 

مؤتة- الكرك

الفصل الأوَّل

صورةُ المحُاربِ في ديوان الُمتنَّبِّي

ملخّصُ الدراسة:

نهضتِ الدراسةُ بمقدمة وستة محاور، هي:

-       صورٌ من سماتِ المُحارب وموقعِ القادة.

-       صورٌ من أدواتِ الحربِ ودلالاتُهِا في شعره.

-       صورٌ من لباسِ المُحاربِ ودلالاتُها في شعره.

-       صورٌ من الخيل ودلالاتُها في شعره.

-       صورٌ من فنونِ الحرب ودلالاتُها في شعره.

-       صورٌ من الأبعادِ المكانّية والزمانية ودلالاتُها في شعره.

أما المقدمة فأبرزتْ شغورَ هذا المحور للدّارس؛ إذ لم يُدْرَسْ قديما وحديثاً على رغم من أهميّته، وبروزِهِ في ديوانه، أما المحاورُ السَّتةُ الأخرى فبيّنتْ أهميةَ سماتِ المحاورِ، ومَعَدّاتِ القتال وألبستهَم والخيلَ وتنوَّعَها ودلالاتهِا مثلما وَضَّحَتْ صوراً من فنونِ القتالِ، وصوراً من الأبعادِ المكانية والزمانّية ودلالاتِها في شعره، مما لم تُدْرَسْ مِنْ قَبْلُ في حدود ظَنّ المؤلّف.

* نشر هذا البحث في مجلة المجمع العلمي، ج1، مجلد 47، بغداد، 1421هـ- 2000م، ص67.

1.المقدمة:

لا جَرَمَ أَنَّ لصورِ المُحاربِ، في شعرِ أحمدِ بن الحسين المتنبي (303-354هـ) حضوراً مِبرازا، تَقَعُ عليه العيْنُ في قصائدِ ديوانِه، فينقلُِكَ إلى الهيجاءِ وساحِها، فترى مَعَهُ بعينِ خيالِك مُحاربينَ رَجَلَةً وفرساناً، إمّا يتطاعنون بالرِّماحِ، أو يتقارعون بالسُّيوفِ، أو يتشاجرون بالقسِيّ والسِّهام، وتصيخُ بمسمعيك إلى حَمحماتِ الجياد، وتصفيقِ سنابِكها، وهي تَنْقُشُ صدورَ البُزاةِ على صُمَّ الصَّفا، أو تَطْبَعُ بالحرفِ الأوّلِ من اسم قائِدها"علي" فَتَمْزجُهُ بمقدوحِ الشَّرر، وصليلُ السيوفِ يمتشجُ مُقَعْقِعاً في البيَض والهاماتِ، في نقيع القساطلِ المتفرّقة، من أصقاعِ دولةِ بني العباس؛ داخلَ حدودِها وخارجَها، تقمعُ الفتنَ الداخليةَ، وتلتحمُ مع الرُّوم، في معاركَ شتّى كرّاً وفرّاً، والنتائجُ تماخضُ قتلى وجرحى، وأسرى وسبايا وإعزازاً وإذلالا.

وعلى الرَُّغمِ من حضور المحارب في شعرهِ، فإنّ الدراساتِ في هذا المجالِ نادرةٌ أو قليلةٌ؛ لم تستوفِهِ حَقَّهُ قدَيماً وحديثاً، فمن القدماء من دَرَسَ مقاطعَ مبتسرة من شعره، أو لخّص رأياً له في شعرهِ عامة، أو نَظَرَ إلى شعر الحربِ عنده؛ شأنُ الشّريفِ الرّضي، فأرتاه "قائد عسكر"(1) كأنما يُكَثّفُ توقيعا بليغاً فيه،ومنهم من قَرَّضَ شُهْرَتَهُ بين النّاس، واستحسنَ فيه البديهةَ والارتجالَ، دون أنْ يمثّلَ على فنَّ الحَرْبِ عِنْدَه، أو يظهرَ صورةَ الحربِ في ميدانهِ، شأنُ ابن رشيقٍ الذي يقول: " ثم جاءَ المتنبي فملأ الدنيا وَشَغَلَ النَّاس، ..كان كثيرَ البديهةِ والارتجالِ، وهو خاتم الشعراء......(2)

ومنهم من اهتمَّ بهيئتِهِ جالساً؛ وهو يُنْشِدُ بين يدي سيفِ الدولةِ، ولامتلاكِهِ القوافي والمعاني، شانُ الثعالبي الذي يقول فيه:" .. وقد تفرَّدَ عن أهِل زمِاِنه بِمِلكِ رقابِ القوافي ورقَّةِ المعاني.(3)

وَبعضُهم من استوفقهُ تصويرُهُ للمعارك، شأنُ ابنِ الأثير، فذهبَ يؤَكَدُ شهودهَ الحرْبَ مع سيفِ الدولة، ولهذا فلسانُهُ يِصَفُ ما رآه عَيانا، وكأنَّ ابنَ الأثيرِ يَشْهَدُ له بِصِدقْه، ويُعْجَبُ بتشخيصه صُورَ الحرْبِ، وَوَصْفَهُ لها وهو على أهميّة رأيهِ يَعوُزهُ تجليةُ الصورةِ الحربية، والتدليلُ عليها فيقولُ فيه:" إذا خاضَ في وصفِ المعركةِ، كانَ لسانُه أمضى من نِصالِها، وأشجعَ من أبطالِها، وقامت أقوالُه للسامعِ مقامَ أفعالها، حتى تَظُنَّ أنّ الفريقينِ قد تقابلا، والسّلاحين قد تواصلا"(4)، هذه أبرز آراء القدماء فيه، أمّا أبرزُ دراسات البَحَثَةِ المحدثين فيه، فدراسة موسومة "ب" الحَرب في شعرِ المتنبي؛(5) إذْ إنَّهُ خَصَّ الحربَ بالباب الرابع من رسالتِه، فَدَرَسَ أوصافاً لأبطالٍ ونفسياتِهم، وبعضَ الأسلحةِ، ونتائجَ المعارك، ولكنّه على َجهده، لم يَنْفُذْ إلى الصورةِ الفنيةِ للمُحاربِ، ولم يتغلغلْ في أبعادِها، وتنوِّعِ َدلالاتِها، كما طغى على تحليلهِ الشَّرْحُ المدرسيُّ للنَّصّ، ينثرُه دون أنْ تستوقفَِهُ في كثيرِ من الحالات، الدلالاتُ العميقةُ للصورة الحربيةِ، ولم يُكَلِّفْ نَفْسَهُ توثيقَ الشاهدِ الشعري ورقمَ صَفْحَتِهِ، فبدا بَحْثُهُ عائماً غائماً.

ومن الدراسات في هذا المجال دراسةٌ موسومة بـ" سيفيات المتنبي" دراسة نقديّة للاستخدام اللغوي(6): نَحَتْ فيها مَنحى لغوياً أكثرَ منه فنيا، واقتصرته على سَيفياتِه، فافتقدْنا الصورةَ الحربية في غيرِ سَيفياته، ولعلَّ عُذرَها غيرَ المستقصي لصورةِ الحربِ أن يكونَ في ضَوء مُعطياتِ رسالتِها وخُطَّتِها.

ومن الدراسات المتخصصة  في هذا المجال دراسةٌ موسومةٌ بـ" شعر الحرب في أدب العرب في العصرين الأموي والعباسي"(7)، خَصَّصَ البابَ الثالثَ من رِسالتهِ الجامعيّة، لدراسة "شعر الحرب في ظِلَّ الحمدانيين" وعلى تقديري لِجَهْدِهِ المكثّفِ وتعنّيه بدراساته، لأقوالِ الفِرنجة، في أوصاف الحرب، التي شَهدَها المتنبي وسيفُ الدولة، ومحاولتِةِ تعزيزَ فَضْلِ الشَّعرِ على رأي التاريخ، الذي لم يَفِهِ المؤرخون حَقَّهُ، فقد اتسمتْ دراستهُ بالسَّياسة والتاريخ، وَقَّلما كان يُبْرِزُ الصّورةَ الحربيةَ الا وهي مزجاة بأحضانهما، ولكنّه - للحِقّ- تَوَقَّفَ عند أَرْبَعِ قصائدَ روميّة للشاعر فَجَلّاها، ولكنَّ وَقفاتهِ الفنّيةَ لم تُسْتَكْمَلْ؛ وذلك أمرٌ بَدَهِيٌّ في ضَوءِ دراسة أخرى من رسالتهِ.

أَمّا منهجي في دراستي هذه ، فأحدَّدُ باختصارٍ، مفهومي للصورةِ أوّلا ودراستي ثانياً لمحاورَ سِتَّةٍ من صورِ الحربِ، أفترضُ أَنَّها تُقدِّم صورةً واضحةً إنْ لم تكن كافيةً للمحارب.

والصورة بمفهومِها العامّ على اختلاف تعريفاتها(8): هي هيئُةٌ تثيرُها الكلماتُ الشعريّةُ بالذُّهن؛ شريطَةَ أنْ تكونَ هذه الهيئةُ معبَّرةً وَمُوْحِية بآن، وهي بمفهومِها الخاصّ: تركيبةٌ عقليةٌ تَحْدُثُ بالتناسبِ، أوْ بالمقارنةِ بين عُنصرينِ هما؛ في أحيانٍ كثيرة: عُنْصُرٌ ظاهريٌّ، وآخر باطنَّي، وأنَّ جَمالَ ذلك التناسبِ أو المقارنةَ يُحَّدَّدُ بِعُنصرين هما: الحافزُ والقِيمةُ،لأنَّ كُلَّ صورةٍ فنّيةٍ تَنْشَأُ بدافعٍ وتؤدّي إلى قيمة(9).

وأفهمُ مما سبقَ أنَّ عناصرَ الصورة أربعةٌ: هي عُنْصُرُ ظاهريٌّ، يتأتّى من مُدْرَكاتِ الحواسِ الخمسِ، وعنصرٌ باطنيٌّ نفسيٌّ، وعنصرُ الدافعٍ المحرَكِ لهذه الصورة وإبداعِها، وعُنْصُرُ القيمةِ التي نَظّمَ لِأجلها شعرا.

وعليه؛ فَيُعْتَمَدُ النَّصُّ ومجادلتُهُ عندي في ديوان المتنبي، مشيراً إلى رقم الجزء والصفحة، وَقلّما أَرْجِعُ إلى نُقولِ غيري فيه، لكي لا يتحّولَ البحثُ قولاً على قول، أو يُحشى بأقوالِ المؤرّخين؛ فتضيعُ الصورةُ الفنيّةُ أو يُعَتَّمَ عليها، فَضَلاً عنْ أنَّ فسحةَ الدراسة قد تتضايقُ عن هذا النهج، وها أنا قسمت دراستي ستةَ محاورَ تقدَّمُ مشاهدَ من صورةِ المحارب، من كلِّ محور فيها، وهي على النحو التالي:

1-صورٌ من سِمات المحاربِ ومواقِعُ القادة.

2-صورٌ من مَعَدّاتِ الحَرْبِ ودلالاتُها.

3-صورُ من لِباسِ المحاربِ ودلالاتُها.

4-صورٌ من الخَيلِ ودلالاتُها.

5-صورٌ من فُنونِ الحربِ ودلالاتُها.

6-صورٌ من الأبعادِ المكانيةِ والزمانيةِ ودلالاتُها.

2."صور من سمات المحارب وموقع القادة"

تَلَفَّتَ المتنبي إلى صور المحاربينَ بنوعيها؛ المعنويَّةِ والجسديّةِ عامة، وإلى صور القادةِ خاصّة؛ وزّعها على قَاَدةٍ كثارٍ، وَخَصَّ سيفَ الدولةِ منها بسماتٍ انماز بها عَمنْ سواه، وراحَ يلتقطُ لهم صوراً متعدّدة في أنحاءٍ شتى، من أصقاعِ الدولة العباسية وخارجِها على الثغور.

أَمّا أبرزُ الصفاتِ العامة فتعريبُ القيادة، لأنه يرى إصلاحَ الناس بإصلاح الملوكِ فأصخْ إليه يقول(10):

وإنّما الناسُ بالملوكِ ومـا        تَصْلُحُ عُرْبٌ مُلوكُها عَجَـمُ

وحُجَّته أنّ للقيادةِ العربيةِ صوراً معنويةً خاصّة؛ يفتقدُها في القيادة العَجَميّة، وهي الأدبُ والحَسَبُ والعهدُ والذمة(11):

        لا أدبَ عندهمُ ولا حَسَـبُ       ولا عهـودَ لَهـُمْ ولا ذِمـَمُ

ويؤكّد أهميةَ تعريبِ القيادة فيهزأُ بقيادةِ كافورٍ لصورٍ جسديّةٍ ومعنويةٍ فيه فهو عَبْدٌ أسودُ فكيف يقودُ السادةَ الأحرار(12):

        ساداتُ كُلِّ أُناسٍ منْ نُفُوسِهِم     وسَادةُ المسلمينِ الأَعْبُدُ القُزُمُ

وَمِنْ سمِاتِ القائِد حِرْصُهُ على توحيدِ الكلمةِ، ورصِّ الصفوفِ، بقطعِ الخلافِ بين القادةِ المتناحرين بـ "الصُّلح"(13):

    حَسَمَ الصُّلحُ ما اشَتَهْتهُ الأعادي   وأذاعَتـْه ألْسُـنُ الحُسّـَادِ

ذلك؛ لأنَّ للصُّلْحِ صورةً معنويةً نفسيةً يصونُ بها النفوسَ من القتل، ويحقَّقُ بالتالي ما تَعْجِزُ الأسلحةُ عن تحقيقِه؛ موظفاً "التدوير" في البيت الأول يعادلُ به نفسيتَهُ الطموحَ التي لا تتوقّفُ السّمرُ فيه عن شطر فيهِ، الا وهي تُمَدُّ "الراء" إلى الشطر الثاني لتصونَ الأرواحَ بعد أن تركت" "السم" عند نهايـة الشطـر الأول(14):

    نِلتَ ما لا يُنال بالبيض  والسُّمـ(م)   ر وَصُنْتَ الأرواحَ في الأجسادِ

ومن سماتِ القائدِ المعنوية، عزيمةٌ قويّةٌ تَسْتَمِدُ ثِقتّها من الله سبحانه، فتستعذبُ طعمَ الموتِ في الهيجاءِ، على ما لاسمها من صورةٍ هوجاءَ، موظّفاً اسمَ الهيئة التي تُحْوَّلُ الطَّعّمَ الُمرَّ حُلواً في صورة ذوقية(15):

فَثِبْ واثقاً باللِه وِثْبَةَ ماجدٍ   يرى الموتّ في الهيجا جنى النَّحلِ في الفَمِ

وقوله:(16)

          ونفوسٌ إذا انبـرتْ لِقِتـالٍ      نَفـَذَتْ قَبـْلَ أنْ يَنْفَذَ الإقدامُ

 ومن سمات القائد المعنوية النزاهةُ التي يرتفعُ بها قدرُ ممدوحه:(17)

                رَفَعَتْ قدرَك النزاهةُ عَنْـه       وثَنَتْ قلبَك المساعي الجِسامُ

والقائدُ مدَّربٌ جَيّدَ ورامٍ ماهر، شأنُ علي بن محمد بن سيّار، رامي النشّاب، ذي الإصابةِ الدقيقة، موظّفا صورةً بصريةً سمعية، يعرضُ خلالهما لَهَبَ الرمية وصوتَ الانطلاقةِ إلى هدفها(18):

يُصيبُ بِبَعَضِها أفواقَ بَعضٍ     فَلْولا الكَسْرُ لاتَّصلتْ قَضِيْباً

يُريكَ النزعُ بينَ القوسِ  مْنِه     وبينّ رَمِيّهِ الهـدفَ اللهيبـا

ومن سماتِ القائد شجاعتُه في الحربِ نحو مساورِ الرُّومي الذي عرض صورتَه المعنوية شُجاعاً على استعارةٍ تصريحيَّة "ليث غاب" ذاكراً اسمه على باب من تمجيد اسمه وتخليدِ ذكراه:(19)

         أمسـاورٌ أم قَـرْنُُُُ شَمْسٍ هـذا؟    أو ليثُ غابٍ يَقْدُمُ الأُستاذا؟

وسيفُ الدولة شجاعٌ من أرومة شجاعة، كابراً عن كابر بأُسلوب نسبـي:(20)

    وأنتَ أبو الهيجا ابنُ حمدانَ يا آبنَهُ      تشاَبهَ مولودٌ كريـمٌ ووالِـدُ

         وحمدانُ حَمـدونُ وحمدانُ حارثٌ    وحارثُ نعمانٌ ونعمانُ راشِدُ

والقائدُ ذو سِمَةٍ معنويةٍ أكَبْرَها فيه، هي الكرمُ، شأنُ ممدوحِهِ العلويِّ الذي وَرِثَهُ كابرا عن كابر وعن سجيه: (21)

  كذا الفاطميونُ النّدى في بَنانِهم   أعزُّ امّحاءً مِنْ خُطوط الرّواجب

ومثله ممدوحُه القِائُد سيفُ الدولة الحمداني، الذي لا تكادُ تقفُ لكرمِهِ عند حدًّ:(22)

    وإذا سأَلتَ بَناَنَـهُ عـَنْ نَيْلـِه ِ   لَمْ يَرْضَ بالدُّنيا قضاءَ ذِمامِ

ويعرضُ أحياناً صِفتين للقائد على باب تمني هذه الخصيصة فيه، ليذكِّره بمواعيده التي لم تُنْجزْ، شأنه مع كافور:(23)

         تزيدُ عطاياه على اللُّبثِِ كَثْرةً     وَتَلْبَثُ أمواهُ السَّحابِ فَتَنْضَبُ

وتلفّتَ إلى الصورة الجسدية للقائد، فأعجَبهُ قيافةُ الحسنِ بن عليِ الهمذاني، بطوله المعتدلِ، كَقَدِّ القناةِ، ليس بأقيسَ أو أحدبَ، فناسبتْهُ الدَّرعُ الطويلة على بدنه في موقف حربي:(24)

        وغالَ فُضولَ الدِّرعِ مِنْ جَنَباتِها   على بَدَنٍ قَدُّ القناةِ لَهُ قَدُّ

وهذه أبرزُ السماتِ العامةِ للقائد، أما السَّمات الخاصة فانمازَ بها سيفُ الدولة عمن سواه منها: السِّمةُ المزدوجةُ، الفروسية والأدبُ معا:(25)

        وميدانُ الفصاحةِ والقوافي        وَمُمتحِنُ الفوارسِ والخيولِ

وهو قائد جيشٍ يَعْرِضُهُ ويتفقَّدُهُ:(26)

        ولمَّا عَرَضْتَ الجيشَ كانَ بهاؤُه    على الفارسِ المَرخي الذؤابةِ مِنْهُمُ

           

ومنه أنّه القائدُ الذي يُحْسِنُ تعبئةَ الصفوفِ  لِيَزُجَّها في ساح الوغى، والشاعر يرقبُهُ ويرافقه:(27)

         عَرَفْتُكَ والصُّفـوفُ معبّآتٌ       وَأَنـْتَ بِغَـيرِِ سيفِـكَ لا تَعِيجُ

ومن سماتِهِ الخاصَةِ أَنْ مَيَّزَتْهُ الخلافةُ عن غيره، فأَعدَّتْهُ لمواجهةِ الرُّوم، "ولقَّبتْهُ "سيف الدولة":(28)

        لأمـرٍ أعدَّتـْهُ الخِلافةُ للعُِدا     وَسَمَّتْهُ دونَ العالمينَ الصّارمَ العَضْبا

إنّ تلقيبَ الخليفةِ له "سيفَ الدولة" على أهميته، ظلمٌ له، بِخلاف اسمِهِ الحقيقي "علي" الذي يستأهلُه بحقّ؛ ذلك لأنَّ للسيف حدَّا يَنْقَطِعُ بالضرب حِينا، في حينَ أنَّ كَرَمَهُ لا ينبو، أمّا اسمُه "علي" فاسمٌ على مُسمّى وهو إنصاف بِحَقّه، متّبعا أسلوبَ المناطقة في المقارنة والتمنطق:(29)

          وإنَّ الذي سمّى "علياً" لَمُنْصِفٌ    وإنّ الـذي سَمّاهُ سَيْفَاً لَظَالِمُهْ

          ومـا كُلُّ سيفٍ يَقْطَعُ الهَامَ حَدُّهُ    وتقطعُ لَزباتِ الزمانِ مَكارِمُهْ

فهو سيفُ الِله المسلولُ، عاتِقُهُ عليه، وقائِمُه بيد جبَّارِ السّموات، على مال "جَبّار" من صورةٍ صوتيـةَ تَئِطُّ منها صِيغةُ مُبالغـةٍ، محمّلةٌ على كَفّ قدرةٍ إلهية لا تقهر:(30)

        على عاتقِ  المَلْكِ الأغَرَّ نِجادُهُ    وفي يدِ جَبّارِ السَّمواتِ قائِمُةُ

ومن سماتهِ الخاصّةِ أَنَّ حَرْبَهُ دينيُةً يُعَِزُّ بها الإسلامُ، ويعلو على بقية الأديان، وليس بغروى أن تكونَ حربُ سيفِ الدولةِ مع الرُّوم دينيةً؛ ذلك أنّ أناشيدَ الرُّوم على ما يذكره شلمبرجة الفرنسي كانت "النصرُ للهِ الذي هَدَمَ البلادَ العربية"، والنصرُ لله الذي شَتَّتَ من يُنْكِرُ التثليثَ المقدَّسَ، والنصرُ لله الذي جَلّل بالخيبةِ هذا الأميرَ القاسي "سيف الدولة" عدوَّ المسيحِ، النصرُ لله، النصرُ لله.(31)

         خَضَعَتْ لُمنْصُلِك المناصِلُ عُذْوَةً       وَأَذلَّ دِيُنكَ سائرَ الأديانِ(32)

ولكي يذلّهم، فلا بد من أن ينمازَ سيفُ الدولة بسرعةِ الحشد، في جاهزية قتاليةِ، َيرُدُّ بها على هجوِم الرُّوم، من حَلَبَ إلى الثغور:(33)

وظَنِّهمُ  أنّكَ المِصباحُ في حَلَبٍ      إذا قَصَدْتَ سواها عادها الظُّلَمُ

فلم تُتِمَّ "سَروجُ" فتحَ ناظرِهـا      إلا وجيشُك فـي جَفنيهِ مُزْدَحِمُ

ولهذه السماتِ الخاصةِ المتشجة، بصورة نفسيـة؛ ابتعث الرُّعب في قلوب العدو قبل التقائه:(34)

        بعثوا الرُّعْبَ في قـلوبِ الأعاديّ    فكانَ الِقتالُ قَبْلَ التّلاقي

كما يوزِّعُ الرُّعْبَ على قلوبِ الرُّوم قبل عيونهم:(35)

أبْصَروا الطَّعْنَ في القلوبِ دِراكاً    قبل أنْ يُبصروا الرِّماحَ خَيالاً

وتبدو الصورةُ البصريةُ في عيونِ الرُّوم كبيرةً مرعوبةَ الرؤية، فترى لِفزعِها طولَ أذرعِ القنا على مسافتهِ القصيرة، أميالا تنوشُهم أنّى كانوا، فَبَدا الرُّعب جيشا يبيدُ جموعَهم يَمنة ويَسرة:(36)

وإذا حـاولتْ طِعانـَك خَيـْلٌ       أَبْصَـرَتْ أذْرُعَ القَنا أميالا

بَسَطَ الرُّعبُ في اليمين يمينـاً       فَتَولّوا وفي الشِّمال شِمالا

ولعلَّ لهيبةِ سيفِ الدولة برعبهِ الممتدّ فيهم، دورا أَكَّدَهُ شَلمبرجة على لِسانِ الرُّوم في عصره فأسموه "الكافر الحمداني" وهو " المحارب الوحيدُ الأعظمُ الساميُّ الذي أعلنَ الحربَ المقدسةَ على النّصرانية:(37)

وحبُّ التضحية، وافتداءُ نفِسِه، أمامَ جيشهِ سمةٌ يمتازُ بها سيف الدولة عمن سواه:(38)

كـُلٌّ يُريـدُ رِجـاَلـهُ لِحَياِتـهِ         يـا مـَنْ يُرِيـدُ حياتَهُ لِرِجَاله

واهتمامُه بالصور النفسية للقادة مَكَّنَهُ من عَقِْدِ مقارنهٍ بين قائده سيفِ الدولة الذي يفتـدي جيشَه بنفسه، والدُّمسْتُق الرُّوميّ القائد، الذي يُضحّي بأصحابهِ لينجوَ بنفسه:(39)

مَضَى يَشْكُرُ الأصْحابَ في فَوْتهِ الظُّبى    بما شَغَلتْهُمُ هامُهمُ والمعاصمُ

ومن سماتهِ المعنويةِ الرَّحمةُ بالقبائل العربية المهزومة، لما لهم عليهِ من حَقّ الجوار، والأرومةِ المشتركة:(40)

لَهُمْ حَقٌّ بِشِرْكِكِ فـي نـِزارٍ      وأدنى الشّركِ في أَصْلٍ جِوارُ

إنَّهُ القائدُ الذي يعفو عن بني قومه إذا جنَحوا، ويترفَّقُ بهم، وهي صورة نفسية مُثلى، تُعْجِبُ الشاعر:(41)

عفا عنهم وأعتقهْم صِغاراً        وفـي أعناقِ أكثرِهم سِِخابُ

ومن صفاتِ سيفِ الدولة درايَتُهُ بشؤون الحرب؛ فَيَعْرِضُ علينا مشاهدَ من تركيزه أَسْلِحَتَهٍ على المرتفعات المحدقةِ بقِواته، للإنذارِ الأولىّ عن العدّو على ما يفهم من تركيزه هذا:(42)

تَبِيْتُ رماحُهُ فوَق الهوادي      وقد ضَرَبَ العَجاجُ لها رِواقاً

وسيفُ الدولةِ ذو رأي في الحرب ممتزجٍ بشجاعةٍ ببلغ بهما علياءَ القيادة:(43)

الرأيُ قَبْلَ شجاعةِ الشجعان  هو أوَّلٌ وهي الَمَحلُّ الثاني

فإذا هما اجتمعا لِنَفْسٍ حُرّةٍ   بَلَغَتْ من العلياءِ كُلَّ مكانِ

وأما أبرزَ سماتِ الجندِ فالفتَّوةُ والخبرة في الحرب بدليل أثارِ الجراح التي وَسَمَتْ وجوهَهم:(44)

وَكُلُّ فتىً للحَرْبِ فَوْقَ جَبِينِه   مِنَ الضّرْبِ سَطْرٌ بالأَسنّةِ مُعْجَمُ

وهم مستعدون للحرب، فيتفقَّدون لباسَهم الحربيَّ لهذه الغاية، ودروعُهم ضافيةٌ، وعيونُهم كعيونِ ذكرانِ الأفاعي؛ تتبدَّى مرعبةً من تحت خُوَذِهِم الفولاذية:(45)

يَمُدُّ يديهِ في المُفاضةِ ضَيْغَمٌ    وعينيهِ من تَحْتَ التّريكةِ أَرْقَمُ

وهم يجيدون تمويهَ أنفسهم وخيولهم؛ فتبدو بتجافيفها مدرَّعة ملثَّمة على محمل من صورة بصرية:(46)

لها في الوغي زِيُّ الفوارسِ فَوْقَها     فَكُـلُّ حِصانٍ دارعٌٍ مٌتلثِّمُ

ومن الفرسان "الملثم" لئلا تسقطَ عِمامتُهُ في ساح الوغى:(47)

سَأطلبُ حقِّي بالقنا ومشايخٍ       كَأَنَّهم من طُولِ ما التثموا مُرْدُ

وإذا كان الشاعر نقلنا إلى مشاهدَ بصريةٍ ونفسية للجند، وهم في حالة استعدادِهم للحربِ على خبرتهم وتمويههم؛ فها هو ينقلنا إلى صورِهم الحركية، وهم يمتطونَ صهواتِ خيولِهم، خِفافَ الأجسام، رشاقا، لا تكادُ تَشْعُرُ الخيولُ بهم على متونها، وهم محترفون في ضرب الهامات:(48)

 ضَروبٌ لهامِ الضاربي الهَامَِ في الوغي   خَفيِفٌ إذا ما أَثْقَلَ الفَرَسَ الِّلبْدُ

وهم جيدو الرماية من على صهوات أفراسهم، فيسدّدون رماحَهم إلى أعدائهم من بين آذانها:(49)

وجُرْداً مَدَدْنا بينِ آذانها الَقنا    فبِتـْنَ خِفافا يتَّبِعْنَ العَواليا

وهم يمشّطونَ الأرضَ بسيوفِهم، بحثا عن خصومهم في مَسْرَحِ عملياتهم، سواءً ارتفعَ آكامُها أم انخفضتْ غِيطانَها:(50)

تَرمي على شَفَراتِ الباتراتِ بهم   مكامنُ الأرْضِ والغيطانُ و الأَكَمُ

وابرزَ لنا في مشاهدَ مواقعَ القادة في ميدانِ القتال، ففي الهجوم يتحرّكُ سيفُ الدولة من موقعهِ إلى القلبِ والميمنةِ والميسرةِ، ويكشِفُ الموقفَ عن كثب، ويدير شؤونَ المعركةِ حسب ما يُسْتجَدُّ من مواقف:(51)

الجيشُ جَيْشُك غَيَرَ أَنّكَ جَيْشُهُ    فـي قَلْبهِ ويمينهِ وشمِاله

أمَّا صورةُ قائد الرُّوم؛ فأبرزها صورةً حركيةً مرتعبةً يفِرُّ قائدُها في مقدمة الفارين:(52)

لَعَلّكَ يوماً يا دُمُسْتـُقُ عائـدٌ     فَكم هاربٍ ممّا إليه يـؤولُ

نَجَوْتَ بإحدى مُهجتيك جريحةً    وخَلَّفْتَ إحدى مَهجتيك تسيلُ

وأمَّا في حالةِ تقدُّمِ الجيش؛ فإنَّ سيفَ الدولة يندفعُ في مقدمتهٍ لقتال الرُّوم:(53)

         فلما رَأوه وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِـهِ     دَرَوا أنَّ كُلَّ العالمينَ فُضُولُ

وانتقلنا مع الشاعر؛ لنشهدَ خطورة الرُّوم على المسلمين آنذاك، فهم اقوياء، يهدّدون، ويتوعَّدون، من جهة:(54)

        أبا الغَمَراتِ تُوعِدُنا النَّصارى   ونَحنُ نُجوُمها وهِيَ البروجُ

ومن جهة أخرى يحتشدون بعناصرَ قتاليةٍ من جنسيات شتى، شأنُهم في معركةِ الحَدَثِ، إذْ حشدوا لها روما وروساً وبلغارا في حرب منظمة، وقصدهم هَدْمُ قلعةِ الحَدَث:(55)

         تَجَمّـعَ فيـهِ كْـلُّ لِسـنٍ وَأُمَّـةٍ      فمـا تُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاَّ التَّراجمُ

         وكيفَ تُرَجِّي الرُّوم والروُس هَدْمَها   وذا الطّعنُ آساسٌ لها ودَعائِمُ(56)

ويقدَّرُ قواتِ الرُّوم بـ"خميس" من خمس فرق على ما نفهمه لغويا:(57)

كما يحدّد محورَ هجومهِ على قَلعة الَحَدثِ من الشرق باتجاه الغرب:(58)

        خَميسٌ بِشَرْقِ الأرضِ والغربِ زَحْفُهُ    وفي أُذُنِ الجوزاءِ مِنْهُ زَمازِمُ

كما تُقدَّرُ قوةُ الرُّوم لا بالخميس فحسب، بل بذكره الرتب العسكرية التي تقدُّر القوة بها، نحو توظيفهِ "البطاريق" الذي يرأس كُلُّ بطريقٍ منهم عشرة آلاف جندي على ما يذكره معاصره:(59)

وإذا ما استعنا بجمع بطريق على بطاريق فإنَّ جيشَ الرُّوم لا يقلُّ عن ثلاثين ألفا، وقد عزموا على قتالِ الذي كان يسمونه "كافرَ بني حمدان" على ما ذكرتُ من قبلُ، ذلك بأن اقسموا بَمِفرَق ملكِ الرُّوم على سحقِ سيفِ الدولة، ولكنَّ المتنبي صغَّر اسمَ قائدِها "شُمُشْقِيق" تحقيراً له، أو استهانة بأَيمانه التي خانه تنفيذها:(60)

        آلى الفتى ابنُ شُمُشْْقِيقٍ فَاَحْنَثَهُ     فَتى من الضَّرْبِ تُنْسَى عِْنَدَهُ الَكلِمُ

وأفرزَ للرومِ استخباراتٍ دقيقةً عن المسلمين، فقد علموا بمرضِ سيفِ الدولة ومكانه في "حلب" فأغاروا على الثغور:(61)

                 وَغَرَّ الدُّمسْتُق قَوَلُ العُدا (م)    ةِ أَنَّ عَلِيَّـا ثقيـلٌ وَصِـبْ

3."صور من أدوات الحرب ودلالاتها"

وللمحارب أدواتُ حربٍ منها: أدوات يقتلُ بها، ومنها ما يدفَعُ بها عنه أذاها، فما هي؟ وكيف وظّفها في شعره؟ وما دلالاتها؟ مبتدئا بأدوات الحربِ القاتلة، أُدرجُها على أنها إجراءاتُ معركةٍ دفاعيةٍ أََبتدئ بها حسب َمدياتها البعيدة فالقريبة ثم الأقرب على النحو الآتي: المنجنيق، والسّهم، والرمح، والسّيف.

أمّا المِنجنيقُ فذاتُ رمايةٍ بعيدةٍ بأحجارِ على ما تفهمه مـن مصطلحات المؤنث(62)، وانظر تأنيثها في الأسماء المؤنثة(63). وأبرزها الشاعر دلالة على دقة رماية سيف الدولة:(64)

تُصيِبُ المجانيقُ العظامُ بِكَفّه   دقائقَ قَدْ أعيَتْ قِسيَّ البنادق

وأمّا صورةُ السَّهمِ والقوسِ وملحقاتها من كنائن، فأبرزها السَّهْمُ حينا يصيب ممدوحُهُ هدفَه ، ويتركُ برمايته جراحا نازفة في صورة دموية حركية:(65)

        إذا نُكِبَتْ كَنَائِنُهُ استـبنّا    بِأنْصُلِهـا ِلأنصِلهـا نُدوبا

ولتحقيق دِقّة إصابته، يحافظُ على ما يمكنُ تسميُته بـ" نقطة التسديد الواحدة" فتقعُ سهِامُهُ؛ بعضُها فوقَ بعضٍ، ولولاَ تَكسُّرُ بعضِ نِِصاِلها ببعض لاتصلت قضيبا:(66)

        يُصِيبُ بِبِعْضهِا أفواقَ بَعْضٍ   ولولا الكَسْرُ لاُتَّصَلَتْ قضيبا

وتستوقُفِهُ الصّورةُ الحركيةُ للسَّهم البصريةُ للِهَبِه، وهو ينطلقُ من قوسِهِ إلى هدفه:(67)

يريكَ النَّزْعُ بين القوسِ مِنْهُ    وبين رَمِيّهِ الهـدفَ المَهِيْبا

ويبرزُ الرامي وهو يُصْلحُ خَلَلَ السِّهام أو يُذَلّل عُطلها، فتعطيه بما يأمرُها به وتمتثلُ لأمرهٍ:(68)

        كأَنَّ القِسيَّ العّاصِياتِ تطيُعُهُ   هوى أو بها في غَيْر أَنْمله زُهْدُ

وممدوحُهُ مِدقاقُ الإصابةِ بسَهْمِهِ، ذلك أَنّهُ يُنْفِذُ سَهَمَهُ في عُقْدةٍ ضَيّقةٍ في شَعَرةٍ سوداءَ ليس في النهار بل في رماية ليلية:(69)

        وَيُنْفِذُهُ في الَعقِْد وهو مُضَيَّقٌ    من الشَّعْرَة السوداءِ والليلُ مُسْوَدٌُ

وأبرز صورةً صوتيةً للسّهام وهي تترامى حوله، فيسمعُ لها حَفيفا من حواليه، يُطْلِقُها عليه غِلمانُ أبي العشائر؛ ممدوحِه:(70)

        وَمُنْتَسِبٍ عِنْدي إلى مَن أُحُُِّبهُ    وللنَّبلِ حولي من يديه حَفيِفُ

وتتحّولُ دلالاتُ السّهامِ في صورٍ متعددة منها: ما تعادلُ المصائبَ المتتاليةَ التي تنكسَّرُ على فؤاده لكثرتِها، على محمل الاستعارة المكنيّة التشخيصية:(71)

        رماني الدَّهْرُ بالأرزاءِ حتّى    فـؤادي فـي غِشاءٍ من نَبال

        فَصِرْتُ إذا أصابتْنِي سهِامٌ     تَكَسَّرتِ النِِّصالُ على النِّصالِ

كما تتحوَّل السِّهاُم خيولاً تنَْطَلِقُ في الثّغور:(72)

 رمى الدَّرْبَ بالجُرْدِ الجيادِ إلى العِدى   ومَا عَلِموا أَنَّ السِّهامَ خيولُ

وينقلُنا إلى "اشتباك بالسهام" بين سيفِ الدولة والرُّوم، فنشهدُ عنده تغيّرا في نواميس السِّهام، فإذا وابلُ سهامِ الرُّوم، على المسلمين طَلاَّ نَدِيا، وإذا بطَلِّ المسلمين على الرُّوم وبالا غزيراً:(73)

        إذا مَطَرَتْ مِنْهمَ وَمِنْكَ سَحاِئبٌ    فَوابِلُهُمْ طَلٌّ، وَطَلُّكَ وابِلُ

وأَمّا الرُّمحُ "سلاحُ المشاة والخيالة" الذي يوظَّفُ في مهاجمةِ العدوّ، والردِّ عليه دونما حاجةٍ إلى الالتحام معه(74)، فذو مترادفاتٍ منها: القَنا، والأسلُ، والسَّمْهَرِيَّةُ،وله أجزاءٌ يُستغنى بها عن ذِكْرِ الكُلِّ، كالكَعوب والسِّنان ونحوها، وله صُوَرٌ بارزةٌ في شِعرِه بدلالات منها: صورته مُعظّمَةٌ عند الشاعر فُيِقْسِمُ به، ويُشبِّهُ ممدوحَه به على مَحْمِل التشبيه البليغ:(75)

وَرُمْحي لأَنْتَ الرُّمْحُ لاما تَبُلُّهُ   نجيعا، ولولا الَقْدحُ لم يُثْقِبِ الزَّنْدُ

والرُّمْحُ مَطْلعُ قصيدة:(76)

نُعِـدُّ المَشْرَفيـَّةَ والعوالـي    وَتَـقْتُلُنـا المَنُـوْنُ بـلا قِتـالِ

والرُّمحُ الطويلُ خاصّة من أسلحةِ عبيدِ الشاعر لِلإغارة على خصومه:(77)

فَرَسٌ سابقٌ وَرُمْـحٌ طـويلٌ    ودِلاص "زُعـْفٌ "وَسْيفٌ صَقِيْلُ

وكما تَعَلّقَ بالرُّمح الطويل، فإنَّ ممدوحَهُ تعلّق به مِثْلَهُ فهو من عشرين ذراعا، لِيُحِّققَ به مطامَحهُ متوحِّداً معه، راضيا به ومرضيَّا، على نحو تجسيمي، والذي نفهمه على أنّه إبراز الجمادِ المجرَّدِ من خلال الصور بالشعورِ والحركة والحياة: (78)       

         وأسْمَرُ ذيِ عِشْرينَ ترضاهُ وارِداً   ويرضاَك في إيرادِهِ الخيلَ سّاقِيا(79)

وبالرَّمْحِ حمى سيفُ الدولة قلعةَ الحَدَثِ من هجومِ الرُّوم، وخَلَطَ كُعوبَها في عظامهم:(80) 

وحماها بُِكلِّ مطَّرِدِ الأكْـ  (م)    عُبِ  جَوْرَ الزَّمَانِ و الأوجَالا

وقوله:(81)

        أَدَمْنا طَعْنَهُمْ والقتْلّ حَتـّى          خَلَطّنا في عِظامِهِمِ الكُعُوبا

وينقلنا إلى مشهد دموي تتراسلُ الحواسُ فيه، حيثُ يُديرُ أطرافَ الرِّماحِ على الرُّوم، بصورة حركية، فَتُدارُ معها كؤوسُ المنايا، لذيذةً عند ممدوحه، بصورتها الذوقية يَنتشِي بها مستغنياً بها عن لَذةِ الخَمّر:(82)

        يُديرُ بِأَطْرَافِ الرِّماحِ عَلَيْهِمِ   كُؤُوْسَ المنايا حَيْثُ لا تُشْتهيَ الخَمرُ

وصورةُ رِماحِ سيفِ الدولة نافذةٌ في دروعِ الرُّوم، وإن كانت مُحْكَمَةَ من أنساج داود التـي ذكرَها الله تعالى في كتابه الكريم:" أنِ اعْمَلْ سَابِغاتٍ وَقدّر في السَّرد"(83) فتتحوَّلُ الدرعُ على متانةِ صُنْعها برماحِ ممدوحهِ نسيجا من عنكبـوت:(84)

        قواضٍ مواضٍ نَسْجُ داودَ عِنْدَها    إذا وَقَعَتْ فيه كَنَسْجِ الخَدَرْنَقِ

وأَمّا صورةُ السّيف فبدأها بمرادفاتٍ شتى وصنوفٍ مختلفة، منه الباترُ والحُسام، وسيفُ الهند، والنّزاريةُ، والمَشرفيُةُ، كما وظّفَ صورا من أجزاءٍ منه ك"نِجاده" وقائمِه، وفِرندِه، وغِمده ونحوِها، وابرزَ صورَهُ بدَلالاتِ شتّى منها:

أنَّ ممدوحه سيف الدولة من أرومة سيوف على محمل الاستعارة التصريحيَّة :(85)

          مَنْ للسُّيوفِ بأنْ تَكُوْنَ سَِمَّيها    في أَصِْلِه وفِرِنْدِهِ ووفائهِ؟

وصورُ السّيف جليلةُ القَدّر عِنَده، فها هو يُقْسِمُ به، على أنَّ ممدوحَهُ السيفَ لا السَّيفُ المسلولُ للضَّرْبِ في صورةٍ مُتَحوّلة:(86)

        وسيفي لأََنْتَ السَّيْفُ لا ما تَسُلُّهَ    بِضَرْبٍ وما السَّيفُ مِنْه لَكَ الغْمِدُ

وها هو يتعلَّقُ بصورته، فهو صَانعُ المجد، والعِلْمُ تَبَعٌ له، وخادمه في زمن يَحمي السَّيْفُ عِزَّ الأمة ومجدَها:(87)

        حتى رَجَعْتُ وأقلامي قوائلُ لي   المَجْدُ للسَّيفِ لَيس المجدُ للْقَلَمِ

        اكتبْ بنا أبداً بَعْدَ الكتـابِ بـهِ   فإنّمـا نَحْنُ للأسيافِ كالخَدَمِ

فترى مما سَبَق تَحَوَّلَ صورةِ السّيفِ إلى الكتابة في الأمجاد بالنَّصر، وبصورةِ تجسيمّيهَ تبدو الأقلامُ خَدَما للِسَّيْف: وَيُبِْرِزُ صورةَ المواجهةِ بالسَّيف في نهايةِ مِراحلِ المعركة كما يُسمي اليومَ "بالسلاح الأبيض" عند تطاعن الأقران ولا يَسْلَمُ من الكسر إلاّ السَّيفُ الصَّارِمُ في معركة الحَدَث:(88)

        فَللّهِ وَقْتٌ ذَوَّبَ الِغشَّ نارُهُ   فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صارِمٌ أو ضُبارِمُ

وقولُهَ مُمْتَدِحا الدورَ النهائيَّ للسّيفِ في ختامِ اجراءاتِ المعركةِ الدفاعيةِ:(89)

حَقْرَتَ الرُّدِيِنيّاتِ حَتّى طَرْحَتها   وحتّى كأَنَّ السَّيْفَ للُّرمْحِ شَاتِمُ

كما يتجلّى السَّيْفُ، في صورةٍ لونيّةً لَمْسيّةٍ ،بقطع رقابِ العدوّ على عَجَلٍ:(90)

        أَعْجَلْتَ اَلْسُنَهُمْ بِضَربِ رِقابِهِمْ    عـن قَوْلِهِمْ لا فارسٌ إلاّ ذا

والشّاعرُ نَفْسُهُ يَجْدَعُ بالسَّيفِ أُنوفَ الغادرينَ بهِ، في صورةٍ دمويّةٍ لَمْسيّةٍ نَفْسّيةٍ مُتشفيّة:(91)

 أَعْدَدْتُ للغادِريـنَ أَسْيافـاً     أَجـْدَعُ مِنْهُمْ بِهِنَّ آنافاً

وإذا حَمَلْنا النَّصَّ حرفياً فنجدُ جَمْعي القِلّةِ "أسيافاً/ آنافاً" متعادلين صَرْفِيّا متضادين فعلياً، فأعدّ لِكّلًّ عُدَّتَهُ بِقَدَرٍ، مُلَوَّحا بما مضى من دورهِ القتاليِ، على بابٍ مِنْ ذِكْرِ سيرةِ السّيفِ الحربيّةِ:(92)

        فإنَّ الحُسامَ الخضيبَ الذي    قـُتِلْتـُمْ بهِ في يدِ القاتلِ

        أَمامَ الكتيبـةِ تُزْهَـى بِـهِ     مكانَ السَّنانَ من العَاملِ

وها هو يشخّصُ وبإعزازٍ السَّيفَ اليماني، خاصّة ،فلو استطاع لأغمضَ عليه جفونَه وقايةً له وَحُبّاً:(93)

يا مُزِيْلَ الظَّلامِ عَنّي وروضـي    يومَ شُرْبي ومعقلي في البَرَازِ

واليمانيِّ الذي لو أَسْطَعتُ كانت     مقلتـي غمـدَه من الإعزازِِ

ويمايزُ بين السيوفِ فَيُعزُّ التصنيعَ العربيَّ، وَيَعُّدهُ أرهبَ من الهنديّ ذي "التصنيع الأجنبي":(94)

        تهابُ سيوفُ الهِنْدِ وهي حَدائِدٌ    فَكَيْفَ إذا كانتْ نِزارَّيةً عُرْبا

 وَيْبرُزُ السّيفُ العربيُّ المشرفُّي رسالةً يَزجُّها إلى الرُّوم:(95)

        ولا كُتْبَ إلاّ المَشرفّيةُ عِنُدَهُ       ولا رُسْلٌ إلا الخميسُ العَرَمْوَمُ

وذلك لأِنَّ للسَّيفَ العربيَّ المشرفيَّ هذا، لُغَةً يَفْهَمَها الدُّمسْتُق، على عجمهُ، لُغَـةَ السيَّـف:(96)

        وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشَرفِيَّةِ فِيهِمِ    على أَنَّ أصواتَ السُّيوف أعاجِمُ

وتستوقِفُهُ الصَّورَةُ السمعيّةُ لصليلِ السُّيوفِ، فيطربُهُ صَليلُها، ولا يطربُهُ الغناءُ واحتساءُ الخمر، شأُنهُ شأنُ سيفِ الدولةِ ممدوحِه، الذي أجابَ أبا فراس، عندما دعاه لسماعِ الغِناءِ ؛"أنا مَشْغولٌ بِقَرّعِ الحوافرِ عن المَزاهر"(97) فيما يروى، فأصخْ إليه يقول:(98)

لأِحبّتي أنْ يملأوا بالصَّافياتِ الأكؤبا

وعليهِمِ أنْ يبذلـوا وعلـىَّ إلاّ أَشْرَبـا

حتى تكونّ الباتراتُ المسمعاتُ فأطرَبا

والشاعرُ نفسُهُ ينتسبُ إلى عائلةِ السّلاحِ وأُسرتِها، فيتخذُ السّيفَ المَشرفيّ أبا له، والحربَ أُمّا، والرُّمْحَ أخا:(99)

وأنْ عَمَرْتُ  جَعَلْتُ الحَرْبَ والدةً    والسَّمْهَرِيَّ أخاً، والَمَشْرِفيَّ أبا

وَيَتَعنَّى إبرازَ صورةِ السيفِ اليماني خاصّة، وهو يَغشى الرُّوم المنهزمةَ، من ساحاتِ الوغى، أمامَ سيفِ الدولةِ، يَغشاهمُ بالسيفِ، وتساندُه رمايةُ الرّماحِ والأسنّةِ، والرُّوم يَرمونَ بأسلحتهم فيما أفهمه "رماية إعاقة" وهم مولو الأدبارِ، ولعلّ اشتراكَه في المعركة، غيرَ مَرَّة؛ مع سيفِ الدولةِ، جَعل لشعرهِ فَضْلاً على مؤَرّخي الرُّوم، مِمّنْ عاصروا حَرْبَ سيفِ الدولةِ، ومنهم "نيسفورُ فوكاس" الذي أشارَ إلى خِطّةِ الرُّوم في الانسحاب فقال:" والرُّوم كانوا يحاربون وهم في مرحلة الهزيمة"(100)، فَلْنُسَرِّحْ الخيالَ ساعةَ هزيمةِ الرُّوم، وهم يَرْمُونَ بأسلحتهمِ للإعاقة: وأسلحةُ المسلمينَ بأنواعِها تناكِفُهم رَمّيا بمدياتِها المختلفة: النَّبالُ للمسافاتِ البعيدةِ، والسيوفُ تواجِهُ الأنداد، والذُّعرُ يستشري فـي الرُّوم؛ فيدوسون أَسْلِحَتَهُمْ فَزَعـاً: (101)

        فَرَمَوا بما يَرْمُونَ عَنْه وأَدْبَرُوا   يطئون كَلَّ حَنِيّةٍ مَرْنانِ

        يَغشاهُمُ مَطَرُ السَّحابِ مُفَصَّلا   بِمُهنـَّدٍ وَمُثَقـَّفٍ وسِنانِ

وفي مشهدٍ آخرَ، يُشَخَّصُ حسامَ سَيفِ الدولةِ شاكياً، من كَثْرَةِ تَضرابِ يمينهِ،  والجماجمُ على ضربه شاهدةٌ:(202)

وَصُنِ الحُسامَِِِِ ولا تُذِلْهُ فَإَّنهُ    يشكو يَمِينَكَ والجَماجِمُ تَشّهدُ

وَ يُمايز بين السَّمِيِّ والمسمَّى من السيوف، فإذا كانَ السَّيْفُ، سَيْفُ الدولةِ قاطِعا باترا في الميدان، فإنّ سيفَ الدولةِ ينمازُ عنه، إذ هو بارٌّ وَصَولٌ على نحوٍ من توظيفِ التّضاد:(103)

        وما للسَّيْفِ إلاّ القَطْعُ فْعِلٌ    وَأَنَت القاطعُ البَرُّ الوَصُوْلُ.

              

(1)   البديعي، يوسف  الشيخ، الصبح المنبي عن حيثيته المتنبي، ورقة 48.

(2)   ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ج1، 193.

(3)   أبو منصور الثعالبي: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، ج1، 90.27.

(4)   ابن الأثير: المثل السائر، ص2-3.

(5)   أبو ناجي، حسن (الدكتور): الحرب في شعر المتنبي.

(6)   المانع، سعاد عبد العزيز (الدكتورة): سيفيَّات المتنبي، دراسة نقدية للاستخدام اللغوي.

(7)   المحاسني، زكي (الدكتور): شعر الحرب في أدب العرب في العصرين الأموي والعباسي.

(8)   الربابعة، حسن (الدكتور): الصورة الفنيّة في شعر البحتري، ورقة 9-22.

(9)   الرّباعي، عبد القادر (الدكتور): الصورة الفنية في النقد الشعري، ص85-86.

(10)   ديوان المتنبي، ج4، ص179.

(11)   ديوان المتنبي، ج4، ص179.

(12)   ديوان المتنبي، ج4، ص281.

(13)   ديوان المتنبي، ج4، ص131.

(14)   ديوان المتنبي، ج4، ص132.

(15)   ديوان المتنبي، ج4، ص150.

(16)   ديوان المتنبي، ج4، ص222.

(17)   ديوان المتنبي، ج4،ص225.

(18)   ديوان المتنبي، ج1، ص270.

(19)   ديوان المتنبي، ج13، ص185.

(20)   ديوان المتنبي، ج1، ص400.

(21)   ديوان المتنبي، ج1، ص280، البنان: أطراف الأصابع، والرَّواجب: البقع البيضاء في مفاصل الأصابع، وفي كل إصبع ثلاث بُرجمات إلا الإبهام.

(22)   ديوان المتنبي، ج4،ص125.

(23)   ديوان المتنبي، ج2، ص306.

(24)   ديوان المتنبي، ج2، ص108.

(25)   ديوان المتنبي، ج34،ص 214.

(26)   ديوان المتنبي، ج4،ص 74.

(27)   ديوان المتنبي، ج1،ص 360، وتَعيجُ: تبالي.

(28)   ديوان المتنبي، ج1، ص194، الصارم الغضب: السيف القاطع.

(29)   ديوان المتنبي، ج4،ص 61، الهام: الرءوس، ولزباّت الزمان: شدائده وقحطه.

(30)   ديوان المتنبي، ج4، ص60، الملَكْ: المراد بِهِ الخليفة.

(31)   المحاسني، زكي، شعر الحرب في أدب العرب، ص268.

(32)   ديوان المتنبي، ج4، ص313، والمُنْصَل: السّيف، وصرف حَلَبٍ من حيث ينبغي منعها.

(33)   ديوان المتنبي، ج4، 132.

(34)   ديوان المتنبي، ج3، 106.

(35)   ديوان المتنبي، ج3، 260، دراكاً: مُتتابعاً.

(36)   ديوان المتنبي، ج3، ص261، القنا: عيدان الرمّاح، والخيل: هنا بمعنى الفرسان.

(37)   المحاسني، زكي: شعر الحرب في أدب العرب، ص258-259.

(38)   ديوان المتنبي، ج1، ص213.

(39)   ديوان المتنبي، ج3، ص190.

(40)   ديوان المتنبي، ج2،ص 215،

(41)   ديوان المتنبي، ج1، ص213، والسِّخابُ: قلادة من قرنفل وغيره، ليس فيها من الجواهر شئ يلبسها الصبيان.

(42)   ديوان المتنبي، ج3،ص 45، الهوادى: أعناق الخيل، والعجاج: الغبار.

(43)   ديوان المتنبي، ج4،ص 307.

(44)   ديوان المتنبي، ج4،ص 75، الأسنة: أطراف الرّماح، والإعجام: التنقيط.

(45)   ديوان المتنبي، ج4،ص 75،المفاضة: الدّرع الواسعة، والتريكة: البيضة من الجديد وهي أصلاً بيضة النعامة التي انفلقت وخرج الفرخ منها وتركت.

(46)   ديوان المتنبي، ج4،ص 78، للخيل زي كزيّ فوارسها

(47)   ديوان المتنبي، ج2،ص 92، كنىّ بالمشايخ عن أصحابه.

(48)   ديوان المتنبي، ج2،ص 106، الجُرْدُ: خيل قصار الشعر، القنا: الرماح، والعوالي: صدور الرّماح.

(49)  ديوان المتنبي، ج4،ص 421.

(50)   ديوان المتنبي، ج4،ص 135، الشفرات: حدّ السّيف، مكامن الأرض: الخفيّات منها. الأكم: التّلُ.

(51)   ديوان المتنبي، ج3،ص 189.

(52)   ديوان المتنبي، ج3،ص 228.

(53)  ديوان المتنبي، ج3، ص226، فضول: زوائد.

(54)   ديوان المتنبي، ج1، ص 361، الغمرات: الشدائد، ونحن أبناء الحرب لا تفارقنا.

(55)   المحاسني، زكي: شعر الحرب في أدب العرب، ص265و 288-293، وحسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام خريطة 79، قلعة الحدث.

(56)   ديوان المتنبي، ج4، ص 99-100.

(57)   ابن منظور: لسان العرب مادة خمس..

(58)   ديوان المتنبي، ج4، ص100، الجوزاء: نجمان معترضان في جوز السماء وخص الجوزاء لأنها صورة الإنسان في السماء. والزَّمازم: صوت الرّعد

(59)   قدامة بن جعفر، الخراج وصناعة الكتاب، ص189.

(60)   ديوان المتنبي، ج4، ص130، آلى: حلف، أبن شمشقيق: بطريق الرُّوم؛ الحنث: تقض الحلف.

(61)   ديوان المتنبي، ج1، ص229.

 (62)   الموسوعة العسكرية: مادة منجنيق.

(63)   محمد حسن تكريني، بحث منشور عنوانه (بحث في الأسماء السماعية) في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، عدد35، ص241-261.

(64)   ديوانه: ج3، ص73.

(65)   ديوانه: ج1، ص270، نُكِبَتْ: قُلِبتْ على رأسها لِيُنْثَرَ ما فيها. والندوب: آثار الجروح.

(66)   ديوانه، ج1، ص270، والأفواق: جمع فُوق وهو موضع الوتر من السّهم.

(67)   ديوانه، ج1، ص270،النزع: جذب الوتر للرّمي، والرّميّ: المرمي فهو فعيل بمعنى مفعول.

(68)   ديوانه، ج2،ص 97.

(69)   ديوانه، ج2، ص97.

(70)   ديوانه، ج2، ص35،إلى من أحبهُ: يعني أبا العشائر.

(71)   ديوانه، ج3، ص141،النِّصال: الحديدة التي في السهم.

(72)   ديوانه، ج3، ص221، الدَّرْب: المدخل إلى بلاد الرُّوم.

(73)   ديوانه، ج3، ص236.

(74)   الموسوعة العسكرية مادة رُمح، ج3، ص98-102.

(75)   ديوان المتنبي، ج2،ص 107،الزند: ما يقتدح به؛ ويثقب: يوري ناراً، والنجيع: الدم.

(76)   ديوان المتنبي، ج3، ص140، المشرقية: السّيوف البراقة الملساء. والزّغف: اللينة، المحكمة النسيج.

(77)   ديوان المتنبي، ج3، ص274.

(78)   جبور عبد النور، المصطلح الأدبي، ص67.

(79)   ديوان المتنبي، ج4، ص430، أسمر: رمحاً أسمر ذا عشرين كعباً أو ذراعاً، ترضاه وارداً لدمائهم، ويرضاك ساقياً له منها.

(80)   ديوانه، ج3، ص265، المطرد: المتصل الذي لا عوج فيه، الأوحال: المخاوف.

(81)   ديوانه، ج1، ص265، الكعوب: ما بين الأنبوبتين من القناة.

(82)   ديوانه، ج2، ص256، يدير الغلام.

(83)   سورة سبأ، 10.

(84)   ديوانه، ج3، ص53، قواضٍ: قواتل يعني الرماح، مواضٍ: نوافذ، الخدرنق: العنكبُوت والجمع خدارن.

(85)   ديوانه، ج1، ص133، فرند السّيف: جوهرُ.

(86)   ديوانه، ج2، ص107، الغشّ: الضعاف من الرجال والأسلحة، ةالصارم: السيف القاطع،، الضبارم: الشجاع الجريء، وسيفي: قسم، إذا سللت السيف فأنت السيف حقيقة.

(87)   ديوانه، ج4، ص291-292.

(88)   ديوانه، ج4، ص101.

(89)    ديوانه، ج4، ص104.

(90)   ديوانه، ج2، ص187.

(91)   ديوانه، ج3، ص36.

(92)   ديوانه، ج3، ص159.

(93)   ديوانه، ج2،ص 284، البَرَاز: الخلاء أو الصحراء.

(94)   ديوانه، ج1، ص186.

(95)   ديوانه، ج4، ص70.

(96)   ديوانه، ج4، ص106.

(97)   ديوان أبي فراس الحمداني، طبعة بيروت، 1910، ص73.

(98)  د ديوانه، ج1، ص234.

(99)  د ديوانه، ج1، ص248.

(100)  الحاسني، زكي، شعر الحرب، ص267، ينقل عن شلمبرجة الذي أشار إلى فوكاس المؤرخ، ص118.

(101)   ديوان المتنبي،ج4، ص315.

(202)   ديوان المتنبي، ج2، ص59

(103)   ديوان المتنبي، ج3، 139.