فلسطينيات .. مشاهد من الداخل

عبدالكريم الكيلاني

فلسطينيات .. مشاهد من الداخل

الكتاب الحائز على جائزة الراحل أحمد بهاء الدين
فلسطينيات : مشاهدات‏ ‏من‏ ‏الداخل‏...‏ملاحظات‏ ‏من‏ ‏الخارج

آمال عويضة

عبدالكريم الكيلاني
 


تزامناً مع بداية العام الخامس لانتفاضة الأقصى، صدر للكاتبة الصحفية "آمال عويضة" كتابها الأول "فلسطينيات :مشاهدات ‏من‏ ‏الداخل‏...‏ملاحظات من ‏الخارج". وهو الكتاب الفائز بجائزة الكاتب الراحل "أحمد بهاء الدين" للباحثين الشبان في دورتها الرابعة ، والتي تم الإعلان عن نتائجها في إطارأمسية ثقافية أقيمت بمكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك وأداراها باقتدار محمد حسنين هيكل .
وتعد الكاتبة أول صحفية عربية تزور مناطق السلطة الفلسطينية فور اندلاع انتفاضة الأقصى، حيث سافرت بترشيح من الكاتب الراحل "عبد الوهاب مطاوع" رئيس تحرير مجلة الشباب حينها ، وهي أيضاً أول باحثة تفوز بجائزة "أحمد بهاء الدين" التي ذهبت في المرات الثلاث السابقة لباحثين من الذكور.
يقع الكتاب في 300 صفحة تقريباً، والغلاف والرسوم الداخلية للفنانة الفلسطينية أمية جحا. وهو عبارة عن تحقيق صحفي مطول يرتكز على 3‏ أسابيع ‏ قضتها الكاتبة متنقلة بين ‏غزة‏ ‏و‏الضفة، في الفترة من 28 أكتوبر ‏حتى 16 ‏نوفمبر‏ 2000. ويجمع بين ضفتيه مشاهدات، وملاحظات، وصور‏ ‏من‏ ‏الشارع،‏ و"‏فضفضات" ‏‏الناس. ويعتبر أول كتاب يؤرخ لانتفاضة الأقصى من داخل البيوت الفلسطينية حيث أفرد صفحاته لبطولات يومية بعيداً عن الأساطير ، ويتميز الكتاب بالمزج بين الكتابة الأدبية والأسلوب البحثي من خلال رسم الحياة اليومية في صياغة لا تخلو من المعلومة
يبدأ "فلسطينيات: مشاهدات من الداخل، ملاحظات من الخارج" بخريطة للوطن الفلسطيني‏، ومفتتح اقتنصته الكاتبة "آمال عويضة" من الصفحة 287 من ‏كتاب‏ "‏أبعاد‏ ‏في‏ ‏المواجهة‏ ‏العربية‏ الإسرائيلية" للكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، الصادر قبل 30 عاماً، وهي مقولة‏ للمفكر‏ ‏الفرنسي‏ ‏"بول‏ ‏فاليري"، يقول فيها:‏
"‏إن‏ ‏التاريخ‏ ‏هو‏ ‏أخطر‏ ‏مادة‏ ‏كيميائية‏ ‏أنتجها‏ ‏عقل‏ الإنسان، ذلك‏ ‏أن‏ ‏التاريخ‏ ‏يضخم‏ ‏الذكريات، ‏و‏يمزق‏ ‏نفوس الناس، و‏يقودهم‏ ‏وراء‏ أحلام ‏عظيمة‏ ‏قديمة‏ ‏أو‏ ‏أشباح‏ ‏اضطهاد‏ ‏غابر‏. ‏و‏بالنسبة‏ ‏للشعوب، ‏تماماً‏ ‏كالأفراد‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏درجة‏ الذاكرة ‏مطلوبة‏.. ‏فإن‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏النسيان‏ ‏واجبة‏."‏"
ويضيف "‏بهاء الدين"‏ الذي رحل عن دنيانا قبل عدة سنوات، تاركاً فراغاً فكرياً عميقاً لم ينجح أحد في سده:‏
‏ "‏و‏لاشك‏ ‏أن‏ ‏كلمة‏ "بول‏ ‏فاليري"‏ ‏فيها‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الصواب‏. ‏و‏لكن‏ ‏لعلنا‏، ‏نحن‏ ‏العرب‏ ‏و‏في‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏بالذات‏، ‏أحوج‏ ‏ما‏ ‏نكون‏ ‏إلى‏ كثير‏ ‏جداً‏ ‏من‏ ‏التذكر‏ ‏و‏القليل‏ ‏جدّاً ‏من‏ ‏النسيان‏؛ ‏لأن‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏حولنا‏ ‏يتذكر‏ ‏العالم‏ ‏الحقيقي‏.. ‏و‏ليس‏ ‏العالم‏ ‏في‏ ‏الكتب‏ ‏و‏النظريات، ‏ولأن‏ ‏التحدي‏ الإسرائيلي ‏الخطير‏ ‏يقوم‏ ‏على‏ أساس ‏استرجاع‏ ‏ذكريات‏ ‏اندثرت‏ ‏تماماً‏ ‏منذ‏ ألفين ‏من‏ ‏السنين‏. ‏عندما‏ ‏نرى‏ ‏هذا‏ ‏التحدي‏ ‏الصهيوني‏ ‏يركب‏ ‏موجة‏ ‏تاريخية‏ ‏عمرها‏ ‏مئات‏ ‏السنين‏ ‏من‏ ‏تخلف‏ ‏العرب‏ ‏و‏تقدم‏ أوروبا ‏العلمي‏ ‏و‏الحضاري‏ ‏و‏التكنولوجي، ‏و‏يستفيد‏ ‏من‏ ‏رواسب‏ ‏في‏ ‏الأعماق‏ ‏الأوروبية‏ ‏من‏ ‏معاداة‏ ‏العرب‏ ‏و‏الخوف‏ ‏من‏ ‏قوتهم‏ ‏و‏تذكر‏ أيام ازدهار ‏دولتهم‏.. ‏عندما‏ ‏نرى‏ ‏هذا‏ ‏كله‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نفكر‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الرؤيا‏ ‏التاريخية‏ ‏للموقف‏ ‏الذي‏ ‏نحن‏ ‏فيه،‏ ‏و‏لابد‏ ‏لنا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر.."
هكذا، بخريطة ومقتطف ودعوة للتذكر لخصت الكاتبة هدفها في أولى صفحات كتابها الصادر عن مركز الحضارة العربية، ومؤكدة أن تلك المقولة كانت بمثابة حافز دائم للكتابة؛ كي تتذكر ما شاهدته وعايشته طيلة 3 أسابيع في أراضي السلطة الفلسطينية وما زال يتكرر هناك منذ عقود.
وينقسم الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: مشاهدات من الداخل: (1) ويرصد ملامح الحياة اليومية في قطاع غزة من خلال المستشفيات والجرحى وأجساد الشهداء والقصص اليومية الدامية ، وزيارات لمنازل الشهداء، وعرائس الأقصى، مع رصد حياة طلاب المدارس بين جهاد الفصل والشارع .
كما تعرض الكاتبة في هذا القسم لقطات لشباب وشابات ومهتمات بقضايا المرأة وآخرين ، مع متابعة للمعوقات التي يواجهها الإعلاميون في مهمتهم الصعبة داخل الأراضي المحتلة.
كما تتابع الكاتبة الصلاة في الأقصى وحارساته من النساء، وزيارات لكنيستي القيامة وبيت لحم وتجربة البقاء مع أسرة مقدسية ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم اليومية.
بينما تدور أحداث الفصل الأخير من الكتاب حول الأسبوع الذي قضته الكاتبة رهينة المحبسين في قطاع غزة نظراً لانتهاء صلاحية تأشيرتها، وإغلاق المعبر بعد مقتل إحدى موظفاته.
أما القسم الثاني: ملاحظات من الخارج: فتعرضت فيه الكاتبة إلى بيانات الفصائل الفلسطينية، التي صدرت عقب اندلاع انتفاضة "الأقصى"، مع سرد تفاصيل شهود على وحشية الاحتلال في أثناء فترة الإجتياحات في إبريل 2002. كذلك تعرضت الكاتبة إلى دور شبكة الإنترنت في دعم الانتفاضة.
واختتمت هذا القسم بسرد أهم الأحداث في تاريخ فلسطين، حتى 29 سبتمبر 2003 الموافق للذكرى الثالثة لاندلاع انتفاضة الأقصى.
وتبقى خصوصية الكتاب كما جاء في كلمة د.جلال أمين أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ورئيس لجنة منح جائزة أحمد بهاء الدين في العام الماضي: " لقد سيطر على الكاتبة هاجس تعريف كل ما هو معتاد ويومي حتى تلفت انتباهنا إلى القضية التي اعتدناها فأصبحنا ندير مؤشر التليفزيون عن أخبارها، ولذا أصرت على تقديم تعريف لكلمات كالانتفاضة وغزة ورام الله والقدس، وكأنها تحاول إرجاع كل شيء إلى أصله حتى لا يحرمنا الاعتياد عليه من فهمه. كما لم تخجل الكاتبة من التعبير عن مخاوفها الإنسانية وتساؤلاتها البحثية ببراءة من يشاهد للمرة الأولى، مما أفادها كباحثة اعتمدت التلقائية في التسجيل ولم تفقد هدفها في التوثيق والتأريخ لفترة طولها 3 سنوات، على الرغم من أن رحلتها استغرقت 3 أسابيع.".
وهكذا قدم الكتاب صور مرسومة بعناية لشخصيات من الشارع لم تظهر يوماً على شاشة التليفزيون ولا يعرفها أحد ، تتوالى على صفحاته الشخصيات من لحم ودم، بعيداً عن أساطير البطولة التي يحاول البعض إسباغها على الباقين هناك إذ تتمثل البطولة كاملة في مجرد البقاء هناك، ولذا لم تتردد الكاتبة في إهداء ما كتبت بانحياز إلى "الأحياء‏ ‏و‏الشهداء‏ في الأراضي المحتلة، ‏الذين‏ ‏ما‏ ‏تخلوا‏ ‏يوماً‏ ‏عن‏ ‏حلم‏ ‏الوطن."