هَرْمَجدُّون و العصر الألفي السعيد(1)

بيان إلى أمة الإسلام

و مسيحيي الشرق

عن أحداث آخر الزمان

هَــرْمَجـــدُّون

(ARMAGEDDON)

و العصر الألفي السعيد

نبوءة دينية       أم     أسطورة صهيونية؟

(رد على كتابَيْ: هرمجدون، و عمر أمة الإسلام)

محمود النجيرى

ماجستير في مقارنة الأديان

من جامعة عين شمس

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى:

{ليس بأمانيِّكم و لا أمانى أهل الكتاب من يعملْ سُوءًا يُجز به و لا يجدْ له من دون الله وليًا و لا نصيرًا} [ سورة النساء : آية 123]

بسم الله، و الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله.

يكثر فى أيام الكوارث و الفتن و الأزمات و المحن إطلاق النبوءات بالمستقبل، و التطلع لما فى غدٍ. و عادة ما يجد البسطاء و المقهورون فى ذلك متنفسًا من ضيق الحاضر و شدة كربه. و لكن العجيب أن يعمد بعض الكتاب إلى استغلال ذلك، فيصدرون كتبا لا مضمون لها، يغرقون فى الرجم بالغيب فيها، و التنبوء بالمستقبل، و اللعب بعواطف الناس.

و الأكثر عجبا أن يجعلوا كل ذلك باسم الدين، فيخدعون أقواما بما يطرحون من نظريات يحددون فيها أوقاتًا بعينها لأحداث تكون بين يدى الساعة، و كأن الله أطلعهم على الغيب، و كشف لهم سُجُفه المحجوبة!

 و ربما يعمد هؤلاء إلى النقل عمن يرجمون بالغيب من غير المسلمين، مصدقين لهم و متابعين،   فيروجون لأقوال تسقط بها عدالتهم، و توردهم موارد التهم، و يقحمون أنفسهم فيما لا يحسنون، و لما يأتهم تأويله، و يتورطون فى ادعاءات يتبين بعد حين زيفها.

و قد يركب الغرور بعض هؤلاء الكتاب فيظنون فى أنفسهم ما ليس فيهم، و يتكلمون كلاما أكبر من حجمهم، و يدخلون مضايق لا يستطيعون منها مخرجا، و يتجرءون على الخوض فى الغيبيات، و كأنهم خصوا بعلم لدنى، أو أنهم أُتوا ما لم يؤت أحد من العالمين، فيصدرون البيانات لأهل الأرض عما سيكون بعد حين، فيصيبهم غرورهم فى مقتل، و يكون طريق نهايتهم و سقوطهم.

و كم من كتب رجمت بالغيب، ثم مرت الأيام و كذبتها الحدثان؛ و طويت فى عالم النسيان، و انطفأ كتابها بعد لحظات انتشاء كاذبة مغرورة.  و قد حدث هذا فعلا لعدة كتب و كتَّاب، ألا أن هذا لم يفد غيرهم عظةً و عبرة،  فأعادوا الكرة بعد الكرة.

و المؤسف ألا يكتفى هؤلاء بالرجم بالغيب، حتى نراهم يتورطون فى خطأ إلباس العقائد الصِّهيونية ثيابا إسلامية فيتحدثون عن نبوءة "هرمجدون" دون تمحيص لخلفياتها، و يروجون لما يحف بها من عقائد صهيونية إنجيلية  أو يهودية من خلال النصوص الإسلامية نفسها، فيوقعون نصوص ديننا على أفكار طائشة لأقوام منبوذين، و يعطون هذه الأفكار مصداقية ليست لها، كأنها حق تواطأت عليه الأديان. و ما نظرية هرمجدون لنهاية العالم إلا حلم مريض لقوم سخفاء.

إن الأصوليين الإنجيليين المتصهينين فى أمريكا و من والاهم، و المتطرفين اليهود المتصهينين فى إسرائيل- يضع كل منهم مخططا لنهاية العالم، ينسجون فيه من الدين و السياسة، و يتعاونون لإلباس عقائدهم الباطلة ثوب الحقيقة الدينية، و يدعون أنهم يحملون صكاً إلهيًا بتدمير العالم، و سوقه إلى حرب نووية مدمرة، تهيئ لمجيء المسيح المنتظر. و كأن المسيح ملك السلام عليه السلام، لا يأتي إلا على الدماء و الأشلاء!

فهل يصح أن نقول نحن بالنظرية الهرمجدونية العنصرية التى رفضها أكثر المسيحيين فى العالم؟ و أن ندَّعى أنها قدر إلهى لا يمكن دفعه؟ أم أن الصواب أن نقاوم الدعوة إلى تدمير العالم، و شن الحرب النووية باسم الله، و على بركته؟

إن كتابنا هذا يحاول أن يدرس حقيقة عقيدة هرمجدون الصهيونية، و الإطار النظرى الذى غلفها به الصهاينة الجدد، و تأثيرها على السياسة الأمريكية، و علاقتها بأحلام اليهود فى السيطرة على العالم، و تحالفهم مع المسيحيين الصهاينة المؤمنين بهرمجدون، و إلى أين ينتهى هذا الحلف؟ و موقع القدس فى مخطط هؤلاء لنهاية العالم، و خطورة أفكارهم على السلم الدولى.

و إنا لنهدف من وراء ذلك إلى دعوة مسيحيى العالم إلى التأمل فى خطورة هذه العقائد الصهيونية العنصرية على الجنس البشرى كله، و ندعو  إلى تكاتف جميع العقلاء فى العالم لمقاومة دعوات الكراهية و التدمير و التكبر و الاستعلاء باسم الدين، و الالتقاء بدلا من ذلك على الحوار و التعايش من أجل سعادة الإنسان ، و حتى يكون العالم مكانا أفضل لجميع المؤمنين بالله و بالنبوات، و رغبة فى فجر باسم لأطفالنا حبات قلوبنا و نور عيوننا.

و الله أسأل أن يلهمنا الرشد، و يقينا شر أنفسنا، (قولوا آمنا بالله و ما أُنزل إلينا و ما أُنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحق و يعقوب و الأسباط و ما أُوتى موسى و عيسى و ما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم و نحن له مسلمون)[البقرة: 136].

و الحمــــد للـــــه ,,,,,,

محمود النجيرى

23 ربيع الأول 1423 هـ

4/6/2002م