نظرات في كتاب الله

عبد الله الطنطاوي

نظرات في كتاب الله

تأليف:الإمام الشهيد حسن البنا

جمع وتحقيق:عصام تليمة

عرض: عبد الله الطنطاوي

تمهيد:

هذا الكتاب القيم، هو في الأصل مجموعة مقالات ودراسات وأبحاث كتبها الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله رحمة واسعة - في عدد من الصحف والمجلات المصرية، الإخوانية وغير الإخوانية، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، ولم يتهيأ لأحد جمعها، ونشرها، حتى نهض بهذا العبء، الأستاذ الشيخ الشاب عصام تليمة الذي يحتلّ الإمام من نفسه، وقلبه، وعقله، وفكره، حيزاً كبيراً، فهو من أبرّ تلاميذه الذين تتلمذوا في مدرسة الإمام البنا، دون أن يلتقوه، فالشيخ عصام من الشبان الذين تتلمذوا على تلاميذ البنا، وعلى كتابات البنا وأحاديثه.

وقد كان التلميذ (عصام) من نهض لجمع تراث البنا، بعد أن نام عنه أهله زمناً طويلاً جداً، وكل الأعذار التي يقدّمونها في ذلك السبات أو البيات الطويل، غير كاف لتسويغ التقصير الذي لحق بتراث الإمام، على الرغم من أهمية تلك الأعذار، وجدّيتها. فالناس لم يعرفوا الإمام إلا من خلال رسائله - وهي مهمة جداً- وإلا من خلال ما كُتب عنه، وهو مهمٌّ جداً أيضاً، ولكن الأهم من هذا وذاك، أن تطالع الإمام فيما ترك من ذكر حسن، وسيرة قويمة، وسلوك متميز، وكتابات تنبئ عما كان يعتمل في نفسه، وعقله، من أفكار، ومشروعات، وطروحات، رشّحته ليكون هو ومدرسته الدعوية الرشيدة، المجدّد للقرن الرابع عشر.

على أيّ حال، بدأ الأستاذ تليمة مشروعه المبارك، وأصدر منه حتى اليوم ثلاثة كتب: كتابنا هذا، ونظرات في التربية

 

والسلوك، وأحاديث الجمعة. ويعمل في جمع ما كتب الإمام عن العقيدة.

نظرات في كتاب الله

جمع الأستاذ عصام مادة هذا الكتاب -إذن - من الصحف، وذكر اسم المجلة التي نشر فيها، ورقم العدد وتاريخه، وحققها، وعلق عليها تعليقات مفيدة، وصوّب ما كان فيها من أخطاء مطبعية، وهي كثيرة، وأثبت للآيات القرآنية أرقامها وسورها، وخرّج الأحاديث الواردة فيها، وعزاها إلى مصادرها، ووضع عنوانات فرعية لتوضيح المعاني، وملأ بعض الفجوات التي في النص، وميزها من النص الأصلي بوضعها بين معقوفتين.

قدّم الأستاذ القرضاوي الكتاب بمقدمة لطيفة، أثنى فيها على الرجل القرآني (حسن البنا) وعدّه من المجدّدين لهذا الدين، وكذلك مدرسته المتميزة بأهدافها، ووسائلها، ومناهجها، ورجالها، وآثارها في حياة الأمة.. هذا الرجل الذي "شغله تأليف الكتائب عن تأليف الكتب، ورأى أن إنشاء الرجال الذين يقومون بنصرة هذا الدين، هو واجبه الأول، وإذا وجد هؤلاء الرجال قاموا بالتأليف والتصنيف، وملؤوا الدنيا علماً".

وقال الشيخ القرضاوي في تقديمه للكتاب:

"ولا ريب أن حسن البنا كان من أقوى الناس صلة بالقرآن الكريم، حفظاً واستظهاراً له، وتلاوة لآياته، وفهماً وتدبراً لمعانيه، كأنما المصحف مائدة ممدودة بين يديه، يأخذ منها ما يشاء بيسر وسهولة، أو كأنه شجرة دانية له، يقطف منها ما يريد، فهو رجل القرآن حقاً."

ثم جاءت مقدمة جامع الكتاب، بيّن فيها عمله في الجمع والتحقيق والتعليق، والصعوبات التي صاحبت كل ذلك، والهدف من جمع تراث الإمام "فبهذا التراث يتضح المشروع الفكري للبنا" ويستبين موقفه من قضايا العصر، ومن الحضارة الغربية، وهو موقف يتمثل فيه العقلانية، والإنصاف، والمعرفة بدقائق تلك الحضارة.. يقول الإمام لتلميذ له ذهب للدراسة في إنجلترا:

"كن مع القوم ناقداً بصيراً، ومنصفاً خبيراً، لا تستهويك محاسنهم، فتنسى مساويهم، ولا تؤلمك مساويهم فتنسى محاسنهم، بل ادرسهم دارسة الفاحص المدقق، وأحط بكل ما تستطيع من شؤونهم علماً، ثم انقد ذلك كله بعين البصيرة، فما كان حسناً فأهده إلى أمتك وقومك، وعد به مظفراً مؤيداً، وما كان غير ذلك، فألقه إليهم".

ثم قدم الأستاذ تليمة بحثاً ممتعاً عن (حسن البنا والدراسات القرآنية) تحدث فيه عن حسن البنا ابن القرآن، وحسن البناء ورأيه في تحفيظ القرآن للصغار، والبناء ومعركة المصحف، والبنا والحقيقة القرآنية، والبنا والمنهج الأمثل لفهم القرآن، والقرآن معيار البنا في كل أموره، والبنا والعلاج بالقرآن – وقد خالف الدكتور القرضاوي الإمام البنا في بعض هذا – والبنا والتفسير الموضوعي. وتحدث الشيخ تليمة عمن اقتبس البنا هذا المنهج، وهو الدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز، ثم تحدث عن موقف البنا مع التفاسير السابقة والمعاصرة، وتحدث عن موقف الإمام الشهيد من الإسرائيليات.

ثم تحدث عن خصائص تفسير البنا، فرأى أنه تفسير أثري، وواقعي، وممزوج بالفقه. أما أدوات البناء في تفسيره، فهي أولاً: القرآن، والسنة، والآثار.

وثانياً: اللغة العربية وآدابها.

وثالثاً: العلوم الإٍسلامية.

ورابعاً: العلوم العصرية.

فقد كان البنا يطلع على كتابات الغربيين، ويوظف تلك الكتابات في خدمة الفكرة الإسلامية، وفي خدمة الآية التي يتعرض لها، فقد كان الإمام البنا "سريع القراءة بدرجة مدهشة، وهذا يرجع لكثرة الاطلاع، فكان يكفيه نصف ساعة للاطلاع على الجرائد اليومية، وكان يقرأ مجلة (المختار) من الجلدة إلى الجلدة، ليتعرف على أفكار الغرب" على حد تعبير تلميذ الإمام البنا: الأستاذ عبد الحليم الوشاحي.

وتأتي نصوص الإمام البنا في الصفحة 63من الكتاب، وكان الفصل الأول بعنوان (مقدمات) وفيها:

- كيف أكتب القسم الديني لجريدة الإخوان المسلمين (صفر 1352هـ). بيّن الإمام خطته في الكتابة على كل علم من علوم: التفسير، والعقائد، والفقه، والتصوف، والعظة المنبرية، والفتاوى، والمأثورات.

وتحدث الإمام عن وسائل المحافظة على القرآن الكريم، وهي المذكرة التي قدمها إلى وزارة المعارف، ومشيخة الأزهر، وجمعيات المحافظة على القرآن الكريم، وكل من توسم فيهم التشجيع على تحقيق الوسائل المذكورة فيها. "وهي مكتوبة بقلم العالم الخبير" على حد تعبير الأستاذ الكبير محب الدين الخطيب، رئيس تحرير مجلة (الفتح) التي نشرت هذه المذكرة في شعبان 1349هـ.

وتحدث الإمام عن مشكلة حفظ القرآن وحلها، وعن المنهج الذي ينهض بأمة من الأمم، وتحدث في المقدمات عن القرآن الكريم، والحاجة إلى التفسير، وعناية السلف به، وعن التفسير بالرأي، وعن تأثر أسلوب التفسير بالثقافات والعصور المختلفة، وعن مزالق المفسرين في القصص والمعجزات النبوية بأسلوب غير لائق، بل مثير للدهشة والفتنة، وغير متفق مع العقل والنقل.

وتحدث عن العلوم الكونية الواردة في القرآن الكريم، وحذر من التغالي فيه، بزعم أن القرآن الكريم قد تضمن كل أصول العلوم الكونية، "وحاولوا أن يصلوا إلى ذلك بتطبيق آيات الخلق والتكوين وما إليها، على ما عَرَف الناس من هذه العلوم

ومن هؤلاء: الإمام الغزالي قديماً في (جواهر القرآن) والشيخ طنطاوي جوهري حديثاً في تفسير (الجواهر) والدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه عن: (القرآن والطب) وأمثالها".

وعدَّ الإمام هذه الكتابات تكليفاً بما لم يكلفنا الله به، قد يصل، في كثير من الأحيان، إلى التكلف، وخروجاً بالقرآن عما نزل له من الهداية والإصلاح الاجتماعي، وتقرير قواعدها في النفوس والمجتمعات، وتعريضاً لمعاني كتاب الله تبارك وتعالى، لاختلاف الآراء، وتضارب المقررات العلمية..

وقدم الإمام بعض الخواطر حول ترجمة معاني القرآن الكريم.

ثم جاء تفسيره لفاتحة الكتاب، فسورة البقرة، فسورة التوبة، فسورة الرعد، فسورة الحجرات، فسورة المجادلة، ثم تفسير بعض الآيات من سور عدة، تحدث فيها عن المحكم والمتشابه في القرآن الكريم، وعن المسلمين بين الوحدة والفرقة، وفلاح المسلمين في وحدتهم وتماسكهم وعن أن الرضا بحكم الله ورسوله من دلائل الإيمان، ومن صور الخلود في كتاب الله: فلسطين والحبشة في آية واحدة، ومن سلوك المؤمن: غض البصر، وحفظ الفرج، وأخيراً تحدث عن معركة المصحف، وأن الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك، وأن القضاء والتشريع والحكمة من حكم الله.

وتحدث عن مشكلة غير المسلمين في مجتمع المسلمين ودولة الإسلام، ورأى "أننا لا نقدم لهم هذه الأحكام على أنها دين يؤمنون به، أو عقيدة جديدة تخالف ما يعتقدون، ولكنا نقدمه على أنه قانون اجتماعي تُحارَبُ به الجريمة التي حرّمتْها كل الأديان".

وتحدث عن مشكلة الأجانب، وعن مدى صلاحية الشريعة الإسلامية لهذا الزمان ولكل زمان..

ثم تأتي مراجع التحقيق التي حوت عشرات المصادر والمراجع المهمة من القرآن الكريم وعلومه، ومن السنة النبوية وعلومها، ومن كتب السيرة والتاريخ والتراجم، ومن الفقه وأصوله، ومن الدوريات والمجلات والصحف، ثم من التقنيات الحديثة، والمقابلات الشخصية مع أربعة من كبار الشخصيات ذوات الصلة بالإمام الشهيد، ومدرسته الفكرية المتميزة.

والحق إن الأستاذ الشيخ عصام تليمة قد بذل جهداً علمياً لا يقل عن جهده العضلي، وبذل من ذات نفسه، ووقته، وماله، ما جعل هذا العمل متميزاً بالأصالة في سائر جوانبه الفنية الغنية، وهو يشير إلى ميلاد عالم جاد، يعد بالكثير الكثير في قابل الأيام.