اعتذاريات الشعراء للرسول
اعتذاريات الشعراء للرسول
صلى الله عليه وسلم
أحمد الجدع
المؤلف : أحمد عبد اللطيف الجدع
الناشر : دار الضياء للنشر والتوزيع
[email protected]الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد ،
يقسم مؤرخو الأدب المعاصرون عصور الأدب العربي كما أقرها المستشرقون: فهم يتبعون في دراساتهم ما اتبعه المستشرقون باعتبار عصور الأدب هي الجاهلي والإسلامي والعباسي والحديث ، مع التفريعات التي فرعوها..، ولنا على هذا التقسيم ملحوظات جمة من أهمها اعتبار العصر الإسلامي متضمناً لعصر النبوة والخلافة الراشدة الأولى والدولة الأموية ، ثم أخرجوا الدولة العباسية والعصر الحديث من الإسلام الأدبي !
وقد قبل المثقفون هذه التقسيمات في وقت كانت الهيمنة الاستعمارية طاغية باغية ، والعقول المسلمة منبهرة بالغرب وإنجازاته ، فما ناقشهم أحد وما اعترض على تقسيماتهم معترض ..
أما وقد بدت تباشير الصحوة الإسلامية في كل مجال ، فليس لنا من عذر أن تبقى تقسيماتنا للعصور الأدبية هي تقسيمات المستشرقين وأساليبنا في الدراسات الأدبية هي أساليبهم ..
وقد أصاب الدارسون المحدثون الذين دعوا أولئك الذين حذوا حذو المستشرقين بالمتغربين ، وهم يعنون أنهم يتبعون الغرب في أفكارهم حذوك النعل بالنعل !
ولله ما أدق هذه التسمية .. فالتغرب باتباع الغرب هو "تغرب .. وغربة .. في الفكر والعواطف والشعور ، لا بد أن نتخلص منه ، ولا بد أن ننزعه عن كواهلنا.. ومن عقولنا .. ولا بد أن ننقذ أدباءنا من غوائله ..
ولعل من أخبث أهداف المستشرقين في هذا التقسيم هو تغييب عصر النبوة واعتباره جزءاً بسيطاً من عصر هو أوسع منه .. وقد أفلحوا في أهدافهم حتى قرأنا لعدد من الباحثين المسلمين آراء تعتبر عصر النبوة عصراً ضعيفاً في الشعر والأدب ، وهو في الحقيقة على عكس ذلك تماماً ، هو ، على قصر مدته الزمنية ، عصر فاعل ومؤثر ومنتج ، يمثل فترة في تاريخ الأدب الإسلامي هي فترة الميلاد والبعث ، وفترة التأصيل والتوجيه وفترة التأثير على أهم حوادث التاريخ الإسلامي النبوي ..
إن تهميش هذا العصر كلفنا ثمناً باهظاً دفعناه في دراسات كثيرة منبتة عن العصر الذي كان يجب أن نجعله مقياسنا الأصيل .. ولنا أن نتصور ماذا تكون النتائج التي فقدت المقاييس !
ويغنينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحث في أمر تقسيم العصور السياسية والأدبية ، فيخبرنا بما لا يدع مجالاً للشك أو الوهم أو التردد في حديث شريف صحيح الإسناد صحيح المتن بأن عصور الإسلام كما يلي :
1- عصر النبوة .
2- عصر الخلافة الراشدة الأولى .
3- عصر الملك العضوض .
4- العصر الجبري .
5- عصر الخلافة الراشدة الثانية (القادمة بإذن الله) .
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف :
" إن أول دينكم نبوة ورحمة ، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، تكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله ، ثم تكون ملكاً عاضاً ، فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه الله جل جلاله ، ثم يكون ملكاً جبرياً ، فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه الله جل جلاله ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض ، يرضى عنها ساكن السماء ، وساكن الأرض ، لا تدع السماء من مطر إلا صبته مدراراً ، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته " ([1]) .
وأنا أدعو أدباء الإسلام المعاصرين أن يصدعوا بما أمر به رسول الله وما وجه إليه ، فيدرسوا تاريخنا السياسي والأدبي تبعاً لهذه العصور .
والأمة التي لا أصالة لها لا مستقبل لها ..
وقد رأيت أن أوجه همي إلى دراسة الأدب في العصر النبوي ، ورأيت أن أبدأ بذلك في كتاب لَفَتُّ فيه الأنظار إلى أجمل القصائد في عصر النبوة ، فاخترتها وشرحتها وطبعتها في كتابي : "معلقات الشعر في عصر النبوة" ثم رأيت أن يكون كتابي هذا الذي أكتب له مقدمته هذه هو الثاني في هذه المسيرة ، فبحثت فيه اعتذاريات الشعراء للرسول صلى الله عليه وسلم وحاولت فيها أن أعرض هذه الحركة الشعرية التي انبعثت بعد النصر المؤزر للفكرة الإسلامية وانهيار صرح الأصنام انهياراً تاماً بفتح مكة ، وإقبال الشعراء على الاعتذار لرسول الله عن مواقفهم السابقة في مناصرة الأصنام ومعاداة الإسلام ، فأبدعوا هذه القصائد الاعتذارية وألقوها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنين فيها إقلاعهم عن غيهم ودخولهم في رشدهم ..
أسأل الله أن ييسر لي وأن يعينني على متابعة هذا الطريق ، فدراسة الأدب في عصر النبوة واجب على كل أديب وباحث مسلم ، وأنا في ختام مقدمتي هذه أدعو الأدباء والباحثين الغيورين إلى تناول هذا العصر بالدراسة والبحث ، فما أكثر موضوعات هذا العصر التي تنتظر الباحثين من ذوي الهمم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
([1]
) حديث صحيح رواه الإمام أحمد والبزار والطيالسي ، وقال الهيثمي : "ورجاله رجال الثقات" ورواه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة ، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة . وألقى الإسلام بجرانه أي ثبت واستقر.