الأدب الفلسطيني: الكتاب السادس للدكتور كمال غنيم
الأدب الفلسطيني: الكتاب السادس للدكتور كمال غنيم
د. كمال أحمد غنيم
صدر في نهاية العام الماضي 2004 عن مكتبة الطالب الجامعي في الجامعة الإسلامية بغزة كتاب (الأدب الفلسطيني: أوراق في الأدب والنقد) للدكتور (كمال أحمد غنيم) الأستاذ في الأدب والنقد.
واحتوى الكتاب في طبعته الأولى على مائة وستين صفحة من القطع المتوسط، ورسم لوحة الغلاف الفنان بلال الجعبير، وقد انقسم إلى ثلاثة فصول، تناولت الشعر والمسرح والقصة.
وقد درس قسم الشعر قصيدة "الجيل الجديد" للشاعر الفلسطيني محمود مفلح، حيث بيّن أن الفكرة العامة في القصيدة تدور حول نشوء جيل جديد يتمتع بالنقاء والتوثب ومعرفة الطريق، وقد عزز الشاعر فكرته الأساسية وجعلها محوراً لعدد من المعاني الجزئية التي تتضافر لتأكيد الفكرة العامة، إذ تطرق للحديث عن سوء الواقع وحاجته إلى التغيير، وضرورة الاستفادة من القيم القرآنية في مواجهة الواقع، وشجاعة الجيل الجديد في العمل على التغيير، والتساؤل عن ممارسات أعداء الحياة ومدى إعاقتهم للتغيير المندفع.
وقد بيّن أن الشاعر قدّم أفكاره وعواطفه من خلال الإيحاء المؤثر من خلال اختيار الألفاظ المناسبة، والصور المعبرة عن المعاني، والإيقاع الموسيقي من خلال وحدة التفعيلة وتعدد القوافي.
ووضح أن الشاعر قد تمثل بصدق فني واقع الأمة المكفهر، وفجرها المشرق في الزمن الجديد، واستطاع أن يمزج ذلك بفنية عالية، راوحت بين توظيف التراث وبين توليد معان جديدة، وصور مستمدة من البيئة، والخيال المحلق في فضاءات قريبة، منحت النص قدرة على التماهي بشكل كبير مع الواقع، ومنحت المتلقي قدرة أوسع على التفاعل والمشاركة.
كما تناول الكتاب بالتفصيل تحليل البناء الدرامي في شعر معين بسيسو الغنائي، فقد رصد ظاهرة بروز البناء الدرامي فيه ابتداءً من منتصف الستينات، مما مهّد لكتابته المسرحية الشعرية عام 1969. فقد باتت أعمال معين منذ منتصف الستينيات تتجه نحو المسرح بشكل قوي، ولم يخفِ الكاتب أنه كان يبحث في البداية عن مؤثرات مسرح معين في شعره، حتى تبين له أن شعر معين هو الذي قاده إلى المسرح، حيث بدأت العناصر الدرامية تتبلور في قصائده الغنائية في السنوات القليلة التي سبقت عام 1969م، حيث انبعثت هناك مسرحيته الأولى "مأساة جيفارا"، وتبعتها مسرحية "ثورة الزنج" عام 1970م، ثم "شمشون ودليلة" عام 1971م، ومجموعة من القطع المسرحية نُشرت عام 1973م.
وقد ظهر ذلك في مجموعاته الشعرية الثلاث التي سبقت أول عمل مسرحي، وهي: (فلسطين في القلب) عام 1965م، و(الأشجار تموت واقفة) عام 1966م، و(قصائد على زجاج النوافذ) عام 1969م، وتمثّل ذلك أكثر ما يكون في عدة قصائد، منها:" أسطورة غيلان الثلج"، و"تحت وسادة شاعر ميت"، و"مقامة إلى بديع الزمان"، و"قصيدة من فصل واحد"، و"قصيدة فوق الجدار"، ثم توالى الأمر بعد ذلك في مجموعاته التالية، التي تزامنت مع كتابته المسرحية، أو التي جاءت بعدها.
وأثبت الكتاب نجاح بسيسو في توظيف العناصر الدرامية كأداة فنية متميزة في شعره، وذلك من خلال استقصاء: الفكرة، والحبكة، والحوار الدرامي بنوعيه الخارجي والداخلي (الديالوج والمونولوج)، والبطل الدرامي، والحدث الدرامي، والمفارقة، والجوقة.
كما رصد الكتاب ظاهرة تكامل القالب المسرحي في بعض قصائد الشاعر المتقدمة على كتابته المسرحية، من ذلك قصيدة "مقامة إلى بديع الزمان"، واتسعت دائرة التكامل الدرامي في شعره الغنائي بعد بداية كتابته المسرحية، من ذلك مجموعته الشعرية "جئت لأدعوك باسمك".
وبذلك استطاع معين في بعض قصائده أن يوظف القالب المسرحي بشكله المتكامل، مما أزال الفوارق بينها وبين المسرحية، واقترب من الإبداع الدرامي بشكل كبير انسجم مع أعماله المسرحية التي توالت في السبعينيات معبرة عن تفاعل الصراع بين ذات الشاعر ودائرة الموضوع وتناميه بشكل متصاعد.
وأشار الكتاب إلى مدى انسجام الرؤية الرمزية في شعري معين الغنائي والمسرحي، وتمايز الأول بأدواته الدرامية الموظفة عن الأخير الغارق نسبياً في لجة الغنائية.
أما على صعيد قسم المسرح فقد تحدث عن موضوعات المسرح الفلسطيني، مؤكدا على أن المسرح الحديث قد زخر بالتعبير عن حاجات إنسانية متنوعة، ومختلفة، ومتضاربة في بعض الأحيان، إذ ظل بعضها تطهيريا حريصا على سمو الإنسان، واتجه بعضها إلى الحرص على تغيير بعض القيم، وانصرف بعضها إلى التعبير عن النفس والدعاية لفكرة ما أو لقضية من القضايا، أو الدعوة لرأي أو تثبيت قيم الخير في المجتمع أو تكوين رأي عام حول قضية ما.
وبين أن المسرح الفلسطيني لم يخرج عن هذه القضايا، وإن دار في محاور أساسية تمثلت في المحور القومي المستند إلى التراث، والمحور الوطني الرامي إلى وحدة الصف ومقاومة الصعاب، والمحور الاجتماعي الساعي إلى نهضة اجتماعية تدفع بالشعب الفلسطيني إلى دروب التطور والتقدم، بالإضافة إلى محاور أخرى ساهمت في تكامل الحياة المسرحية بفلسطين.
وتحدث عن اتجاه الكتاب الفلسطينيين في المرحلة الأولى من خلال مرورهم بأطوار الكتابة المسرحية القائمة على الترجمة والاقتباس والإعداد والتأليف، إلى الواقع الفلسطيني المميز بظروفه السياسية والاجتماعية، كما لجأوا إلى التاريخ العربي، والأدب الشعبي منوعين بين الجد والهزل والشعر والنثر ومسرح الكبار والصغار.
وأكد على تآزر المسرح النثري مع المسرح الشعري في معالجة العديد من القضايا السياسية، مثل: قضية الأرض، وأبعاد المعاناة، وآفاق الثورة، ومعوقاتها، وتشريح أبعاد الموقف العربي، والحلول المطروحة للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الأحداث السياسية الآنية، كما عالج العديد من القضايا الاجتماعية، مثل: الأسرة، والعادات والتقاليد، والتغيرات الاجتماعية، ومسألة تفاوت الطبقات، وتناولوا قضايا أخرى تتعلق بالجوانب الدينية والعاطفية والإنسانية والفكاهية والتراثية.
واختار في قسم القصة أن يقدم دراسة فنية في رواية (الرصيف) للدكتور محمود الزهار، فبين أنها تتناول جانباً من مأساة الشعب الفلسطيني، وأن فضاءها هو مرحلة ما بعد عام 1967، وقد كتبها الدكتور محمود الزهار عام 1985، ونشرها عام 2002.
ولخص الرواية بأنها حكاية الشاب الفلسطيني (محمد الفائز) الذي يسير في فضاء الرواية من ليبيا؛ مروراً بمحطات مرسي مطروح والإسكندرية والقاهرة؛ وصولاً إلى تل أبيب، وقد وضع في مخيلته هدفاً واحداً، يمكن معرفة أبعاده من خلال علاقاته العابرة في أرصفة المحطات، وفضاء السيارات، والقطارات.
"وكأن كاتب القصة شاء من خلال رحلة بطله الممتدة أن يبلور الأبعاد المختلفة لمأساته، فهو شاب يمزج بين الإنسانية اللامتناهية والحزم الشديد، في توازن ملائكي، يمد يد العون لكل من يراه، أجنبياً كان أو مواطناً من بلده فلسطين، أو فتاة من عمق الأمة العربية، أو حشداً من المسافرين، يترك فيهم بصمة قدسية واضحة، وفي خلفية اللوحة التي يرسمها الكاتب نرى جذور المأساة هناك، لدى عائلته الصغيرة التي تشتت شملها، بين الشهيد والفقيد، والنازح في المنفى البعيد، وذروة الأسى تتمثل في فقد أخته الصغيرة، التي عهدت بها أمه إليه وهو طفل في أثناء الهجرة عام 1948، وفقد الأم لإحدى عينيها وهي تحاول العودة لاسترجاع ابنتها، والإحساس الثقيل بالمسئولية الجسيمة تجاه ما حدث، والبحث الدءوب عنها على مرّ السنين، والنتيجة الحتمية لتنامي الرفض تجاه هذه المصائر البشعة لأسرة أو لأمة لا ذنب لها، ولذلك تأتي النهاية حتمية ومبررة من خلال عملية (محمد الفائز) الاستشهادية والبطولية، التي ينفذها في عمق تل أبيب؛ عابراً إليها كل تلك المسافات الشاسعة، ويتخلل ذلك استعراض لجرائم المحتل في عمق الوطن العربي، مثل مذبحة مدرسة بحر البقر والضباط المصريين والسويس".
وقد درس الكتاب رواية (الرصيف) للدكتور محمود الزهار، من خلال استقصاء وتحليل المشكِّلات السردية، التي وظّفها الكاتب، حيث قام بتحليل دلالات العنوان، وارتباطه كعنوان مكانيّ بسيادة الإحساس بالغربة، ودرس وظيفة بداية الرواية الواصفة، التي تنتمي إلى الوصف المشهدي، ثم درس اللغة بمحاورها المختلفة: "السرد، والمناجاة، والحوار، والرؤى السردية"، وأكد على طغيان الحوار على السرد، وتنويع صاحب القصة في أساليب السرد، وبروز الرؤية السردية الخارجية في الأغلب، والاعتماد على الراوي العليم، وغلبة توظيف ضمير الغائب، واعتماد مبدأ التقسيط في الوصف.
ورصد الكتاب الحدث وتطوراته، واعتماده على الحيوية والتواصل دون وقفات طويلة، ودون الاعتماد على ذروة حادة، كما رصد الشخوص وأنواعها وأبعادها، مبيناً واقعيتها، ومدى النجاح في تطبيق معادلة الأبعاد الثلاثة في رسمها، ورصد المكان ودلالاته، واعتماد الرواية على المكان المفتوح، للتعبير عن الحيرة وعدم الاستقرار.
كما رصد الزمن بتصنيفاته الشكلية الثلاثة، حيث تجعل الرواية وحدة الزمن خيارها، وتختار على صعيد (الترتيب) النسق الزمني المتقطع، وتخضع على صعيد (الديمومة) لعملية الانتقاء الفني، وتظهر فيها حالات (التوتر) الثلاثة بتوظيف فني جميل، يتناسب مع طبيعة الحدث.
ويحدد الكتاب شكل البناء الروائي في الرواية، وميلها الواضح إلى الشكل الدرامي، مع بروز ملامح الشكل البانورامي الملحمي فيها بشكل نسبيّ .
ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يُعدّ الكتاب السادس للدكتور الشاعر كمال غنيم، فقد صدرت له مجموعتان شعريتان هما : "شروخ في جدار الصمت" و"شهوة الفرح"، وكتابان نقديان هما: "عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر" و"المسرح الفلسطيني: دراسة تاريخية نقدية في الأدب المسرحي"، وكتاب تربوي هو: "تعلم بنفسك"، كما أنه كتب سيناريو ثلاثة أفلام رسوم متحركة هي: "عودة الغزالة"، و"الأسد الصغير" و"بحيرة الطمع"، بالإضافة إلى المسرح والأوبريت والفيلم التسجيلي.