لويس ماسينيون رسائل غير منشورة

لويس ماسينيون رسائل غير منشورة

" تعلّمتُ في الجيش الكولونيالي تأمل الموت ووجود الله"

"على عاتق فرنسا أن تضمن للحكومات العربية الاستقرار والأمن والحضارة"

تكشف هذه الصفحات النقاب عن كنز استشراقي عظيم الشأن هو رسائل ووثائق كتبها  المستشرق الفرنسي الكبير لويس ماسينيون باللغة الفرنسية وأرسلها إلى الأب أنستاس ماري الكرملي على مدى الثلث الأول من القرن العشرين. هذا الكنز الاستشراقي يصدر قريباً في كتاب بالعربية  لدى دار الجمل في ألمانيا  بعدما عرّب صفحاته ووثّقها ووضع فهارسها وإحالاتها المرجعية الباحث والمترجم العراقي علي بدر. أكثر من مئتين وثمانين نصاً تلقي الضوء على معلومات وجوانب مذهلة وغير معروفة من شخصية هذا العلاّمة الاستشراقي الذي اضطلع بأدوار حاسمة في فهم أغوار العلاقة بين الغرب والشرق والإسلام والمسيحية ، وفي الغوص على عوالم التصوف والروحانية والفلسفة والوجد، وفي درس الحلاج  وشؤون أخرى. إلاّ أن ما تكشف عنه هذه الوثائق في شكل خاص، أن ماسينيون كان ماثلاً بقوة على مقربة من الأحداث التي صنعت اتفاق سايكس - بيكو، وخصوصاً عمله الى جانب هذا الأخير ومشاركته في  سياسة بلده، ومحاولة إقناع المثقفين العرب، ربما، بالفكرة الكولونيالية.  "

الكتاب في جزءين، الأول يغطي الفترة من 1908 الى 1919، والثاني حتى العام 1936.

وفي ما يأتي نزر قليل من هذه الرسائل وفهارسها مع شذرات من تقديم علي بدر.

في العام 1907، كلف الجنرال دوبيلي، لويس ماسينيون القيام بمهمة تنقيبية عن الآثار جنوب بغداد، وقد وصل ماسينيون إلى بغداد منفصلا في بعثة آثارية تبحث عن قصر الأخيضر جنوب كربلاء، وكان عمره خمسة وعشرين عاما، فعاش حياة متقشفة، متخفيا بملابس ضابط تركي، يحميه العالِمان محمود شكري الآلوسي والقاضي علي نعمان الآلوسي. وبعدما ذهب ماسينيون في غارة الصحراء إلى الجنوب من بغداد للبحث عن قصر اللخميين قصر الأخيضر، رفض أحد الفرنسيين دفع كفالة مستحقة عليه بتحريض من مجموعة من الموظفين الرسميين، فاشتبه أحد الضباط الأتراك بماسينيون، وألقى القبض عليه بتهمة التجسس والاشتراك في المؤامرة الماسونية على السلطان عبد الحميد، وعُذّب وحُكم عليه بالموت، واقتيد عبر سفينة في دجلة إلى بغداد مارا من طاق كسرى حيث يرقد هناك الصحابي سلمان الفارسي الشاهد المسيحي على ولادة الإسلام، وفي السجن وعبر القمرة الصغيرة التي تفصله وأثناء تراقص موجات الماء المرتعشة فوق السقف، رأى ماسينيون حمامة محنية تهدل فوق شجرة نخيل، ومن ثم أخذت تهدل بصوتها العذب قرب نافذته، وبعد صمت قليل أدرك حقيقة العفو وهي تخرج عبر التعويذة التي حطمها، وتخرج عبر الاسم الذي تلفظه وهو الحلاج، لقد أدرك ماسينيون وهو يمر من الطاق، وعبر مرآته الداخلية، الغريب الذي زاره، مثلما زار قبل سبع سنوات هويسمان، الروائي الفرنسي الذي شهد ماسينيون موته قبل مجيئه إلى بغداد، فاختفى الغريب وراء ملامحه، ووقف الكفن الشفاف بينهما وهو يتقزح أمام عبارته الخلاقة. لقد تعرض ماسينيون إلى تحول روحي كبير، بينما كان آل الآلوسي يبذلون جهدا كبيرا لإنقاذه وكفالته أمام حازم بك.

  وبعدما تمكن علي الآلوسي ومحمود شكري الآلوسي من كفالته وإطلاق سراحه، عاد إلى منزل الآلوسي لمداواته وشفائه ورعايته حتى زالت جميع أعراض التعذيب عنه، فقاما بمرافقته حتى بلغ مكانا آمنا، ومنحاه خاتما مكتوبا عليه: عبده محمد ماسينيون ، ومن هناك رافقه الأب أنستاس ماري الكرملي إلى سوريا، ليذهب الكرملي إلى روما وماسينيون إلى باريس. وتبدأ هذه الرسائل منذ وصول ماسينيون إلى باريس ولا تنتهي إلا بموت الكرملي، وهي موجودة في دار المخطوطات العراقية في بغداد من الرقم  35022 إلى الرقم 35067.

كان قاسم محمد عباس  وهو في إطار عمل موسوعي لتحقيق الأعمال الكاملة للحلاج، وفي بحث متواصل عما تبقى من إرث للحلاج من مخطوطات ومقطّعات وشذرات في بغداد هو الذي نبّهني الى مجموعة من رسائل المستشرقين الفرنسيين، وماسينيون من بينهم، مرسلة إلى الأب أنستاس ماري الكرملي ، فذهبنا في ظهيرة يوم قائظ هناك لأفكّ لغزها، ولم يكن في إمكاني أن أكبت مفاجآتي أمام أكثر من مئتين وثمانين رسالة ووثيقة تخص ماسينيون مكتوبة باللغة الفرنسية كان قد أرسلها إلى الأب أنستاس ماري الكرملي على مدى الثلث الأول من القرن العشرين. وأنا إذ أستعيد هذه اللحظة التي مضى عليها عامان، لا يمكنني أن أكبت، إلى اليوم، ارتجافي الأول أمام الورق الذي شف لتقادمه، والحبر الذي نصل وهو يسجل أهم مرحلة من مراحل الاستشراق لا في الغرب فحسب إنما في العالم برمته.

إن أهمية هذه الرسائل تكمن في كشفها بشكل واضح وصريح عن العلاقات الثقافية والفكرية والمعرفية بين المثقفين العرب والمستشرقين في الثلث الأول من القرن العشرين، وتبيّن على نحو فعال الآليات التي ينتظم فيها الخطاب الاستشراقي عبر رسائل واحد من أهم المستشرقين لا في ذلك القرن فحسب، إنما منذ تأسيس مدرسة الاستشراق في وصفها المعرفة الخابرة بالشرق من أجل وصفه وفهمه، والاحتياز عليه وضمّه. وتبيّن على نحو جلي الانشباك الفوري والسريع لهذا الخطاب مع الفعاليات السياسية والممارسات الكولونيالية في المنطقة في الثلث الأول من القرن العشرين، وتبيّن كيف أن هذا الخطاب لم يكن بأجمعه قائما على الفكرة الكولونيالية في تفضيل المصالح الآنية إنما هنالك المعرفة الخالصة والمستقلة. صحيح أن بعض هذا الخطاب قد أستخدم كقوة واسعة النطاق لتبرير الهيمنة والسيطرة والضم من جهة، ومن جهة أخرى قوة للاجتثاث وتفكيك الهوية وتبرير الميكيافيلية السياسية، وتدفق الأحقاد، ولكن هنالك وفي الموازاة منه كان الخطاب العلمي والثقافي الذي يقارب بين هذه الثقافات والمجتمعات.

ما دفعني الى ترجمة هذه الرسائل وتحقيقها وتقديمها الى القارئ العربي هو شعوري العميق بأن هنالك عالما من القوى المرتدة التي تريد عزل الثقافات بعضها عن البعض، ينهض في الشرق بقوة، وبأن هنالك عالما من القوى المرتدة يريد بناء السياج الصلب الذي كان يسوّر المدينة الكولونيالية بشكل رمزي على أساس العرق، واللون، والطبقة، والثقافة، ويعزلها عن السكان المحليّين، وهو ينهض اليوم في الغرب بقوة (...).

***

وربما تكشف هذه الرسائل بشكل جلي عن طرف لامع ومتميز من ثقافتنا المعاصرة التي نشأت وتأسست أول القرن المنصرم. نشأت في القرن الذي شهد حقيقةً وواقعاً كل أنواع المواجهات الثقافية والسياسية مع الغرب، وتكشف بشكل واضح عن طرف مهمّ ومتنوّع من حياة النخبة المثقفة التي صاغت وأسست معارفها في تلك الحقبة والتي ترد مراراً عديدة في رسائل ماسينيون، وهم الزهاوي والرصافي والكرملي ومحمد رشيد رضا وجمال الدين الأفغاني ومصطفى جواد وكاظم الدجيلي وروفائيل بطي والشبيبي ومحمد كرد علي والقاسمي وتيمور وغيرهم. إن هذه الرسائل ترينا وعلى نحو فعال قائمة الفروق الظلية الكامنة في ثقافة الغرب، وقائمة الفروق الظلية بين المثقفين الغربيين أنفسهم، ولا سيّما أولئك الذين عملوا وتدربوا ونشطوا في مؤسسة الاستشراق، كما أنها ترسم أمامنا الخطوط الصحيحة للمواجهة الثقافية الممكنة اختلافاً والتقاءً، وربما تمكّننا عندما يكون الحوار حقيقياً وأصيلاً وقائماً على المعرفة، من أن نضفي على ثقافتنا معنى عملياً ونفعياً، وتشعرنا بأننا نقف مرة أخرى أمام أوروبا مثلما تقف أوروبا أمامنا، ومثلما نسوح نحن في التواءات ثقافتها يسوح ماسينيون سياحةً هائلةً في عدد كبير وضخم من المخطوطات في التراث العربي والإسلامي. إن هذه الرسائل تكشف لنا عن هذا الطابع الذي يعدُّ طابعاً ملغزاً وملتبساً في عمل ماسينيون حين قرّب بين الإسلام والمسيحية في صلب الحلاج، وقرّب بين الإسلام والمسيحية في شخصيتي فاطمة ومريم، وقرّب بين الأديان السماوية الثلاث في شخصية إبراهيم. ففي هذه الرسائل التي لا تشبه الرسائل الشخصية أبداً، تتحدد المواقف بشكل واضح وصريح، وتتجلى على نحو كامل المواقف الثقافية والمعرفية والدينية والسياسية، وتتضح مواقف ماسينيون من التصوف الإسلامي ومن الثقافة العربية برمتها، كما أنها تكشف عن انشباك ماسينيون الكامل، واهتمامه بكل ما ينتج من ثقافة في العالم العربي من صحف ومجلات وكتب وأخبار، وترسم لوحة واضحة لماسينيون الشخص - الإنسان وتفصح عن مواقفه من بعض المستشرقين ومن بعض المثقفين العرب، وترينا اللحظات التاريخية الحاسمة من مصير الشرق العربي بعد التحرر والاستقلال من الإمبراطورية العثمانية، حيث تكشف عن عمل ماسينيون السياسي في المنطقة العربية وعمله كداعية للكولونيالية ومنفذ لسياساتها في المنطقة في أخطر مرحلة من مراحل التاريخ العربي، وهي مرحلة الحرب العالمية الأولى، ومن ثم مرحلة الاستقلال وبناء المجتمعات الحديثة.

في الواقع إن هذه الوثائق والرسائل المبعثرة والمتناثرة والمكتوبة باللغة الفرنسية والموجودة في دار المخطوطات في بغداد قد خضعت لرؤيتي وتفكيري ومنهجي في كتاب، وهو كتاب يخصّني أكثر مما يخصّ ماسينيون. لقد انتزعت حق ماسينيون في الكلام، وحقه في الدفاع عن نفسه، وقمت بأسلبة stylisatoin تفكيره وحياته الخاصة وأفكاره ورسائله الشخصية ومواقفه وترجمتها وأفرغتها في قالب مدوّن وشكلٍ كتابيّ، وأخضعت هذه الوثائق لتحليلي ونقدي وتأويلي الخاص بي، وبالتالي فإن هذه الرسائل الشخصية التي أرسلها ماسنيون لصديق له في بغداد، تحوّلت إلى كتاب يحمل فكراً ربما لا يوافق عليه ماسينيون. ومثلما خضع الحلاج لرؤية ماسينيون ونقده وتأويله الخاص، فقد خضع هو لنقد الآخرين وتأويلهم وأفكارهم، وأصبحت هذه الوثائق كتاباً من المقدر له أن يكون في جزءين، يبدأ الجزء الأول من العام 1908 وهو العام الذي غادر فيه ماسينيون بغداد، بعدما أنقذه علي الآلوسي من حكم بالموت أصدره العثمانيون مشتبها فيه بالجاسوسية، وتؤشّر هذه الرسائل الى اهتدائه الديني وتعرّفه على الحلاج، وبحثه عن المخطوطات التي تفيده في تأسيس نظريته عن مسيحية الحلاج، وينتهي في العام 1919 بعدما أصبح ماسينيون مستشاراً لجورج بيكو الطرف الثاني من اتفاق سايكس بيكو، وانخراطه العملي في سياسة بلده، وتؤشر هذه الرسائل الى محاولات ماسينيون السياسية لهداية المثقفين العرب وإقناعهم بالفكرة الاستعمارية أو الكولونيالية.

بينما سيبدأ الجزء الثاني من العام 1919 وحتى العام 1936 (العام الذي تنقطع فيه الرسائل تماما بعد مرض الأب الكرملي ووفاته) وسيتحرك هذا الجزء على مساحة واسعة ومتجدّدة في تفكير ماسينيون، اهتمامه الأكبر بالسياسة (انخراطه في التبشير للانتداب الفرنسي في سوريا ومعركة ميسلون) اهتمامه بمساحة أوسع في التصوف، وأكثر شمولاً من النقطة التي بدأ معها في الحلاج، دراساته عن ابن عربي والسهروردي القتيل، والتستري، والقونوي، وملاّ صدرة الشيرازي، والعطار، وروزبهان البقلي، ودراساته الفلسفية في الفلسفة الغنوصية الإسلامية، وانشباكه في علاقات أكثر تنوعا مع المثقفين العرب والعراقيين، ولا سيما بعد عمله في الجامعة المصرية، وانشباكه في علاقات مع النخبة السياسية في العراق وفي العالم العربي ، ودراساته وأبحاثه عن فاطمة، وسلمان الفارسي، وأهل الكهف، وعلاقة الشيعة بالتصوف، وابن سينا والغزالي والفارابي، والأبحاث البلدانية عن القاهرة ودمياط والقدس والخليل والمدينة المنورة وبغداد والبصرة والكوفة.

وهنالك نقطتان تتعلقان بعملية تحقيق هذه الرسائل يجب إيضاحهما، الأولى تقنية، تتعلق بقراءة هذه الرسائل وإفراغها وترجمتها، فقد كان خط ماسينيون باللغة الفرنسية في غاية التعقيد والتداخل، كما أن الورق العادي لبعض هذه الرسائل قد شف تماما لقدمه، ونصل الحبر عنه حتى اختفى إلا بعض الآثار التي دلّت عليه، وبعض هذه الرسائل اختلطت فيها صورة الوجه مع صورة القفا، وبعضها قد تهرّأ تماما لسوء الخزن، وبعدما تجاوزنا هذه الصعوبات بمشقة بالغة، قمنا بإفراغها أولا، ومن ثم ترجمناها، واستبعدنا بعضها لقلّة أهميته (وهي رسائل قليلة جدا)، وحاولنا أن نقترب قدر الإمكان من إضاءة النقاط الغامضة فيها، لا بتخريج الأعلام والمصادر فحسب، إنما حاولنا أن نعود إلى كل مؤلفات ماسينيون ودراساته المتعددة والإفادة في التعليق على ما ورد فيها. كما إننا لجأنا إلى رسائل الكرملي مع أشخاص آخرين علّها تضيء ما غمض وما التبس، وتتبعنا سيرة الكرملي وماسينيون معا في النشر والإصدارات، وعدنا إلى المجلات والصحف والدوريات العراقية والعربية والأجنبية للوصول إلى ما فيها من نقاط جوهرية .

النقطة الثانية، تقنية فكرية، تتعلق بمصادرة هذه الوثائق وتحويلها إلى كتاب معبر عن وجهة نظر ما (...).

القاهرة منيرة ص ب 246

أبتي العزيز وصديقي

أرد وفي وقت واحد على رسالتيك 20 كانون الثاني و4 كانون الثاني (وماذا حصل كي لا تصلني هذه الأخيرة إلا هذا الصباح؟)(من المحتمل حدوث خطأ في 24)رأيت نسخة الأعوام 250-310 هجرية من الجزء الخامس من تأريخ الذهبي (1) في مكتبة مرجان.

اطلعت على أربع مخطوطات من سيرة الحلاج للذهبي إنها مأخوذة من مونوغرافية لابن باكويه حول الحلاج(2) وقد امتلكت منها مخطوطة كاملة منذ الربيع الفائت.

لا تعتقد بالذهبي ! له أكثر من عشرين مجلدا!

الجزء الأول عام 10-40  باريس 188 الخ.

الجزء الثاني عام 41-130

الجزء الثالث 131-190

الجزء الرابع 191-240

الجزء الخامس 241-300 اسطنبول

الجزء السادس 301-351

الجزء السابع 351-400

لقد كان لطفا منك أن تشير لي إلى هذه المخطوطة حول الحلاج، المجموعة فيها ست

صفحات مكرسة له وأربع لمن قبله.

بودي أن أشتري فعلا بسبعة مجيديات هذه المخطوطة (ما يعادل 35 فرنكا وهذا هو أعلى سعر أدفعه) ولكن في حالة واحدة هي أن تكون غير منشورة.

ذلك لأن أمر فقدان صفحتها الأولى يبدو لي أمر ا مشبوها، فقد يتعلق الأمر ببساطة بمقطع من الترجمة العربية ل تذكرة الأولياء (3) لفريد الدين العطار (نص فارسي طبعه نيكلسون) ومن نفحات الأنس (4) لمولانا جامي (نص فارسي طبعه سلفستر دوساسي ) فلتتكرم  علي وتشتره لي بعد أن تقابله مع نص العطار وجامي، وأن تلاحظ إنها سيرة غير منشورة، شكرا مقدما.

إني مسرور جدا لأن مستشفى الأخوات الراهبات قد شيدت وإن بإمكانك مساعدتهن، فليحفظهن الله ويجعل عملكم المشترك يزدهر.

أما في ما يتعلق بديوان الحلاج، فإن التعب الذي تسببه لي محاضراتي إلى الدرجة التي يجبرني على إرجاء نسخ المقالة التي كان بودي إرسالها إلى لغة العرب المقدامة، سامحني وصلّ لي كي أستطيع إتمام دروسي دون الإصابة بمرض خطير.

إني لست نحويا على الإطلاق، وا أسفاه، وأرى مذكرتي حول لهجة بغداد (5) قد جعلت

شعرك ينتصب في الواقع. ما كنت أريده هو على الأخص:

أولا: الإعلان عن نشر مخطوطة الأمثال البغدادية (6) التي صورتها كاملة هذا الربيع.

ثانيا: الشروع بفتح نقاش هنا مع المثقفين حول المعجم ومستقبل الموسيقى العربية بيد أني كنت مخطئا عندما لم أركز جهدي على نحو أكيد على الجانب النحوي والصوتي والمورفولوجي والتركيبي البحت.

نعم إن تلامذتي ينسخون محاضراتي في تاريخ المذاهب الفلسفية، لا بد أن يكون الجزء الثاني من كتابي قد وصلك.

لم أبرق إلى السيد كاظم الدجيلي(7) وذلك لأني لا أملك الوسائل الكفيلة من الناحية المادية للعيش في الغرب.

أولا لأني عملت وحيدا دائما (ومن هنا نشأت أخطائي)

ثانيا: لأنك لم تقل لي شيئا عن قيمته المعنوية.

ولولا هذا لكنت مسرورا جدا لفحص هذا الموضوع.

في ما يخص الأمثال، وقفت سلفا الظروف المادية للنشر هنا، وبما أن آل الآلوسي هم أول من اهتم بالموضوع فقد أصبح لديهم نوع من الحق المعنوي بالأفضلية، أما ما أنشره أنا بنفسي (فإني تعب وغير مؤهل) ولذا سأرسل لك نسختي المصورة، وإنه من المهم أن نتفق على هذا الأمر لكي يحمل المنشور على الأقل أسماءهم.

ما رأيك ؟ سوف لن يكون بمقدوري أن أعهد لك بالمخطوطة إلا إذا كنت مصمما على نشرها مباشرة (وليس على استرجاع نسخة) وأن تتم مراجعة التعليقات والحواشي بالاشتراك مع شكري أفندي في سبيل المثال الذي يهتم بوضع مبحث عن أمثال بغداد منذ أعوام عديدة، وربما سيتم إنجاز المشروع هنا.

شكرا على الإشارة إلى خدمات النقل في الباص بين بغداد وبعقوبة(8)

في الوحدة الموقرة للصلوات مع ذويك في مشاركة الكنيسة أطلب من الأخوات أن يصلين قليلا من أجل والدنا.

لويس ماسينيون

1- يقصد تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الذهبي المتوفى في العام 748 هجرية/ 1348 ميلادية، ويعد من أوسع الكتب التاريخية ويقع في واحد وعشرين مجلداً، وقد رتبه المؤلف بحسب السنين مبتدئاً بالسنة الأولى للهجرة الى آخر سنة سبعمئة هجرية، وقسم كتابه سبعين طبقة وجعل كل طبقة عشر سنوات رتب الأسماء  الواردة في كل طبقة على حروف الهجاء.

2-كتاب بداية حال الحلاج ونهايته لابن باكويه الصوفي، نشره ماسينيون.

3- تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار، وقد جمع فيه أقوال وأحاديث وتجارب أكثر من اثنين وسبعين وليا صوفيا، وقد ترجمه بافيه و كورتي إلى الفرنسية في العام 1889 في باريس، وترجمه ج.أي. آربري إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان أولياء مسلمون والصوفية .

4-   نفحات الأنس للشاعر الصوفي الفارسي جامي الذي ولد في خراسان في العام 1414 ميلادية، ودرس في هرات التصوف، وتابع الطريقة النقشبندية حتى توفي في العام 1492، وقد ترك العديد من المؤلفات بالعربية والفارسية، وقد ترجم سلفستر دوساسي كتاب نفحات الأنس في القرن التاسع عشر.

5-  يقصد مقالة طويلة تحت عنوان لهجة بغداد العامية صدرت في بغداد عن مطبعة الإرشاد مترجمة إلى اللغة العربية في العام 1962، وقد ترجمها أكرم فاضل، وقام ماسينيون فيها بتقسيم اللهجات البغدادية طبقا إلى التوزيع الديموغرافي للسكان في بغداد، ومن المثير أنه جعل الاختلافات اللهجية متطابقة مع التنوع والاختلاف الطائفي والديني، وهو طابع استشراقي بحت يهمل العناصر اللسانية في تحديد الاختلاف اللهجي، وقد قام بتدوين مسودات هذه المذكرة حينما كان في بغداد في العام 1908، وأعقبها ببعض تصوراته عن الأغاني الشائعة والآلات الموسيقية والتوزيع الموسيقي للأغاني.

6- يقصد بها رسالة الأمثال البغدادبة التي تجري بين العامة جمعها القاضي الطالقاني المؤيدي سنة 421 هجرية، ونشرها ماسينيون في القاهرة في العام 1913، ثم حققها في السنوات الأخيرة العميد عبد الرحمن التكريتي في بغداد تحقيقا أوسع كما ذكر ذلك كوركيس عواد وميخائيل عواد في أدب الرسائل ، ص235.

7- كاظم الدجيلي أحد أبرز المثقفين العراقيين في بداية هذا القرن، ولد في العام 1884 وتوفي في العام 1970، كان مدير تحرير مجلة لغة العرب التي أصدرها الأب انستاس ماري الكرملي، وقد كتب العديد من الموضوعات البلدانية فيها.

8-  ظهر في العدد الخامس تشرين الثاني من العام 1912 في مجلة لغة العرب في باب المشارفة والانتقاد ما يلي: سيارات أوتومبيل بغداد إلى بعقوبة، أنشئ هذه السنة بين بغداد وبعقوبة عجلات سيارات بين المدينتين يدفع الراكب فيها خمسة فرنكات، فركبها ثلاثة من النصارى، معهم اثنان من المسلمين فقطعت السيارة تلك المسافة في 40 دقيقة، ولما رجعت ووصلت قريبا من بغداد انقلبت بمن فيها عند قنطرة الباب الوسطاني، فتوفي واحد من المسلمين وجرح آخر جرحا بليغا، ولم يصب النصارى بضرر يذكر، فلا بد أن انكسار العجلة وتعطلها ينبه الأفكار إلى إصلاح الطريق في ذلك الموطن ص 211.

17 أيلول 1913

لافيل إفيك

من بورديك

الساحل الشمالي

أبتي المبجل وصديقي

أشكرك على رسالتيك في 14 و18 تموز، عدت لتوي من رحلة إلى بلجيكا وهولندا وألمانيا، وهذا ما أخر إجابتي عليك.

كتب لي هيرزفيلد(1) من برلين في 26 آب وهو يسعى للقائنا في نهاية هذا الشهر (وهو أمر قليل الاحتمال) بأنه لم يكن مسرورا جدا من لقائه بالدجيلي الذي اصطحبه حتى قصر شيرين(2) - وهو لا يعتقد أبدا أن الكتابة الموجودة في دكاكين هي كتابة حميرية.

ظهر أخيرا تفسير جامع البيان (3) في القاهرة لدى عمر الخشاب في ثلاثين مجلدا (مع غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري)(4) في الهامش وذلك بسعر زهيد هو خمسون فرنكا.

19pt + 12 فرنك (45+pt ثمن النقل والتغليف)

إن ما قاله لك شكري أفندي حول 63 مجلدا لمؤلف ابن عوف هو صحيح (صفات الحيوان في مجمله)

كنت اشتغلت على الفيضية ولم أنصص منها ولكن أعلم أن أحمد زكي باشا (من القاهرة) قد صور مختلف المصطلحات غير المتجانسة الموزعة في طوبقو والخ.

وصل معطف شقيقتي الذي بعثه الحاج علي، وهي الآن في رحلة، ولكن سأكتب إلى الحاج علي لأشكره نيابة عنها، أشكرك لأنك كنت مهتما بإرساله إلينا !

أشكرك بالأخص لإكمالك مجموعتي من لغة العرب ! لأنك أرسلت لي الطبعة التجريبية لخريطة جونز (كانت عندي سلفا ولكنك أضفت إليها لسترنغ(5) وهي خريطة مشكوك فيها)

في ما يخص ملاحظاتك النقدية عن كتاب الطواسين أنا أشكرك عليها، ولكنها لم تكن  في معظمها دقيقة.

فأنا حينما أتحدث في سبيل المثال عن هيلاج نامه فلم يكن المقصود هو الحلاج (مكتوب باللغة الفارسية ؟؟؟ مثلما تفترض أنت) بل هي كلمة هيلاج وهي كلمة مثيرة معربة، كان لا بد أن تكتب لها ملاحظة.

(حيث أن البرهان القاطع يردها إلى الإغريقية، ويقول أن معناها هو ماء الشباب واستخدمها ابن الرومي في معنى فلكي في بيت شعري شهير، وهو موضع الكدخدا والهيلاج)

أشكرك على صلواتك لأختي

تقبل يا أبتي المبجل وصديقي تحياتي الموقرة لصلواتي في قديستنا لوحدة قدسية الكنيسة وتباركك وتساعدك وتحميك وترشدك وتقويك

لويس ماسينيون

1-أرنست هيرزفيلد (1879-1948) ولد في ألمانيا وتوفي في بال (سويسرا) من علماء الآثار، نقب في آشور (شرقاط العراق) وسامراء.

2-  قصر شيرين مدينة إيرانية على الحدود العراقية المقابلة لمحافظة ديالى وهي ممر بين العراق وإيران.

3- جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر بن محمد بن يزيد بن خالد الطبري الآملي المتوفى في العام 310 هجرية وهو تفسير الطبري الشهير طبع في القاهرة في العام 1913 ( انظر هدية العارفين 325)

4- غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير للعلامة نظام الدين حسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري المعروف بنظام الأعرج المتوفى في العام 728 ، وكتابه طبع أكثر من مرة.

عبارة وردت بالعربية

5- أعاد رسم خطط بغداد العاصمة القديمة للخلافة العباسية في كتابه بلدان الخلافة الشرقية صدر في لندن 1900، ومكسيمليان سترك في كتابه خطط بغداد صدر في ليدن 1900، وقد انتقده ماسنيون انتقادا لاذعا لأنه يظن بأنه رسم خريطته في المكتبة ولم يعاين الأرض معاينة حقيقية، وهكذا أخطأ لسترنج بتحديد موقع قبر الجنيد، كما انتقده ماسينيون في مقالته :

Bagdad et sa topographie au Moyen Age, deux sources nouvelle, Acad. Des

IbL,

C.R. 1911, pp18-24.

22 شباط 1914

أبتي العزيز وصديقي

كانت الغاية من إرسال 25 نسخة من كتاب الأمثال هو بيعها لصالح مجلة لغة العرب، إني أعلم بأن هذا الكتاب لا يتضمن الدقة التي كنت أطمح الى إتمامها فيه، إلا أنه يمثل وثيقة هي الأولى من نوعها حول اللغة العامية ( نصف المتعلمة) في بغداد وفي القرن الخامس الهجري، وكنت سعيدا بمساهمة مادية كهذه في أعمالك.

لم يخطر في بالي أن هذا الأمر سيثير انزعاجك، وإن فعلت فإني آسف على ذلك.

عرفت دوسن(1) من مدة طويلة في اسطنبول، له عقل متميز وراق، وهو رجل مؤيد للكنيسة بيد أن صحبته سيئة، وهنالك خطر عليه في الذهاب إلى بغداد، لقد أنيط بمنصبه الآن إلى غي دوكايفا الذي تعرفت عليه في القاهرة وأنا أحبه كثيرا.

سوف يتناقش معك في الفيلولوجيا، كان قد نشر في السابق كتاب الأشربة لابن قتيبة(2 في المقتبس.

أتيت هنا مع زوجتي الشابة(3 ) لأريها الصحراء التي أحبها كثيرا، ومن ثم سأعود إلى باريس لأمضي سبعة عشر يوما في العسكرية.

أنهيت بفضل الله أطروحة الدكتوراه عن الحلاج وسلمتها إلى السوربون، أصلي إلى الله أن تكون هذه الأطروحة عملا صالحا.

أنا باق على تفاني المخلص لك ولطريقك في قدسيتنا وسيدتنا والقديس جوزيف في المشاركة المقدسة للكنيسة.

ابتي العزيز وصديقي

لويس ماسينيون

تسلمت من الأب بيير رسالة رقيقة وهو الآن في دير ب.س. بالماس، بني قاسم، من فالنس-اسبانيا وهو يحبك كثيرا.

1-  مستشرق فرنسي، أستاذ في جامعة بروكسل، متخصص في الأكادية واللغات السامية شارك في حفريات المعرة في العراق.

2-   كتاب الأشربة لأبي محمد عبد الله  بن قتيبة الدينوري الفقيه والمحدث الذي ولي قضاء دينور زمنا، اشتهر بمؤلفاته العديدة ومنها الشعر والشعراء ، و أدب الكاتب و عيون الأخبار و كتاب المعارف و كتاب الأشربة الذي نشره المستشرق الفرنسي دوكايفا في العام 1940.

3- عقد ماسينيون على الآنسة مارسيل دانزرت في العام 1914، وقد أخذ زوجته وذهب إلى صحراء سيرت وكان ينوي لقاء الأب فوكو، واتفقا على اللقاء في عين صلاح في الجزائر إلا أنه لم يفلح، كما يقول ماسينيون في كتابه La Parole Donnée,  كتاب العهد .

وفي رسالة من محمود شكري الآلوسي إلى الأب انستاس ماري الكرملي مؤرخة في 22 شباط من العام نفسه، يقول فيها: هذا وقد وردني أمس من صاحبنا الماسينيوني كتاب باللغة الفرنسية يدعونا إلى حضور عقد نكاحه إلى باريز، وقد دعاني إلى محل قريب، وعلى كل حال نشكر التفاتته إلى كل أحبته، وأرجو العفو عن هذا التحرير ولولا أمركم لأخرت الجواب إلى الغد .

وفي 25 شباط رسالة محمود الآلوسي إلى الأب أنستاس وذكرت لكم سابقا إنه ولابن العم (يقصد الحاج علي الآلوسي) كتاب من والدة لويز ووالدة زوجته وها هو مقدم إليكم فإن رأيت لزوم كتابة جواب حسب العادة المرعية عندهم، فأرجو إتعاب بنانكم بكتابته بالفرنسية ووضع إمضائي وإمضاء ابن العم وإرساله مع محرركم إليهم ). أدب الرسائل بين الآلوسي والكرملي، ص 336.

25 تموز  1914

أبتي المبجل وصديقي

فكرت بك مليا في يوم سيدتنا في جبل الكرمل هذا الصباح في الكنيسة وليشكرك الله عني على كل ما أدين لك به وليباركك الله في كل أعمالك الرسولية.

هل بإمكانك أن تشتري لي عن طريق أحد المسافرين إلى عانه (غرب الفرات) ستة قمصان من القطن شبيهة بتلك التي اشتريناها معا في العام 1908، وتلك التي اشتريتها لي عند عودتك في العام 1909، سأحتاج إليها فعلا لأنها تبلى، خبّرني عن المبلغ الإجمالي فضلا عن مبلغ الإرسال المسجل. شكرا!

أدين لك سلفا بثلاثة فرنكات ولكنك مدين لي ب 65,5 فرنكا، لأني طلبت من غوتيه(1) أن يحسب علي مبلغ البردكلتون الذي أوصيت عليه لأجلك، لقد انتظرت إلى الآن لكي أكتب إليك هذه الرسالة وأعلن عن إرساله إليك، ولكني أعتقد بما أني لم أتسلم أي رد إلى الآن فإن الكتاب لم يرسل بعد، فالمؤلف هو تحت إعادة الطبع على ورق من ستة عشر وهو غير متوافر الآن.

لا أظن حسب علمي أن الأب شيخو هو الذي كتب خرافات القرآن ولعله زيفنون الميتودي والمعادي جدا للكاثوليكية (لم يترجم إلى الإنكليزية(!) مؤلفا لأحد الكاثوليكيين بل نشر مؤلفا لأحد البروتستانيين (كلديساك) وهو اسم مستعار، والكتاب بعنوان ما في الكتاب الشريف من التحريف .

تقود مجلة المنار سجالا عنيفا معاديا للمسيحية، فهي تتهم الكاثوليكيين بأنهم يقولون أن المسيح هو ثمرة زنى ثلاثي (فهناك من سلالته رحاب بيزانة ، الخ)(2)

إني متألم جدا من هذا الهجوم الخبيث والصادر من رئيس المجلة (رشيد رضا) الذي كان شقيقه صديقا لي.

لا أخبار لدي عن شكري أفندي ولا عن حاج علي وهذا يحزنني كثيرا، قل لهما إني أحبهما كثيرا، وإني أذكرهما أمام الله، وذلك لعظيم طيبتهما التي منحاني إياها والثقة التي غمراني بها أنا الغريب الضيف، سلمهما الله تعالى، قل لهما إن رؤوف قد أتى أخيرا لرؤيتي في باريس.

في ما يخص كتاب العين (3)، كتبت إلى غولدتسيهر فهو الذي يعطينا أفضل النصائح المتعلقة بالإعلان.

أنا ممتن لك بما تخبرني به من أحداث تجري هناك، والتي تهمني كثيرا، وعن سيرة الرصافي والزهاوي.

تسلمت عدد تموز من لغة العرب ، وأرحب بمدحك العطوف مع إحساسي التام بعدم جدارتي به، أطبع مجلدي الضخم(4) (قبلت الجامعة بالأطروحة) حول الحلاج، وصلت إلى الصفحة 256، وبقي ما يزيد على 700 صفحة أصلي ليمكنني الله من إنجازها سريعا وبصورة جيدة.

فيباركك الله أبتي العزيز وصديقي مع كل بعثتك اللاتينية الأب المبجل ليون ميشيل والأب لويس، وكل معاونيك.

لتكن لديك ذكرى صغيرة بيتي وزوجتي، وإلى كل ذوينا أمام التذكارية التي وضعتها أمام محراب سيدتنا في بغداد فليجعلنا الله أن نعمل بمشيئته المقدسة.

هل بإمكاننا أن نحبه، وأن نجعله يحبنا أكثر.

أوحد بإجلال صلواتي إلى صلواتك.

لويس ماسينيون

1-  ليون غوتيه، مستشرق فرنسي تخرج من جامعة باريس، عين أستاذا للفلسفة الإسلامية في الجزائر، نشر حي بن يقظان لابن طفيل، الدرر الفاخرة للغزالي في العام 1878، ترجم الكشف في مناهج الأدلة لابن الرشد في العام 1905، فصل المقال لابن الرشد، ونشر مقالته عن الحلاج في مجلة تاريخ الأديان في العام 1925.

2-  وقد طلب الأب الكرملي مجلة المنار من محمود شكري الآلوسي فجاء جواب الأخير في رسالة مؤرخة في 11تشرين الثاني 1914:

اليوم تحريت ما عندي من أجزاء المجلد السادس عشر من مجلة المنار، فكان الذي وردني منه الجزء الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والتاسع والعاشر وهو ينتهي إلى صحيفة 800، ولم يكن مطلوبك في هذه الأجزاء ، فإن أحببت الوقوف عليها فهي دون أمرك (أدب الرسائل بين الآلوسي والكرملي ص 352)

3-   كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى في العام 175 هجرية/791 ميلادية، نشر الأب الكرملي قسما منه في 144 صفحة في بغداد في العام 1914، وقد حقق الدكتور عبد الله درويش الجزء الأول منه وصدر في مطبعة العاني في بغداد في العام 1967، ثم قامت وزارة الثقافة والإعلام العراقية بنشر سبعة أجزاء منه 1980-1984 بتحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور ابرهيم السامرائي.

4-يقصد كتابه وجد الحلاج .

27 حزيران 1917

أبتي العزيز وصديقي

الحمد لله على الخبر السعيد لخلاصكم(1) الذي نقل لي في روما، وأكدته نسخة من رسالتك في 6 نيسان أرسلتها لي والدتي.

لا بد إنها قد روت لك تقلبات حياتي للعامين الفائتين(2)، أنا حاليا في بعثة في الجبهة العربية مع ميناء القيد في القاهرة في الوكالة الديبلوماسية لفرنسا  (3)، إنه أمر مهم ولعله مفيد حتى إني أفتقد رفاقي في الفيلق 56 للمشاة الكولونيالي(4) الذين تعلمت معهم تأمل الموت ووجود الله.

فليسمح الله لي يا أبتي العزيز وصديقي لأنه أجاز لنا أن نشارك شخصيا بآلام الزمن الحاضر، وأن يمنحنا طرفا من صليبه المبارك.

سترى ربما هناك الكولونيل ليغمان(5) وهو إنكليزي كنت معه في جدة وفي عدن.

بلغ احتراماتي وإخلاصي إلى الأب ليون ميشيل وإلى الأب المبجل لويس وإلى الأب المبجل أوجيه، كما أريد أن تبلغ أصدقاءنا آل الآلوسي تحياتي ومودتي عندما تنقل لهم هذه الرسالة.

صلواتي الموقرة لك، أبتي العزيز جدا، وفي المشاركة المقدسة للكنيسة المناضلة وفي القلب المقدس جدا للمسيح وفي القلب الطاهر لمريم في المنزلة المقدسة في الجليل.

لويس ماسينيون

إن أبتي المبجل م.ب.شارل دو فوكو(6 الذي كنت مرتبطا بالعمل معه رسميا قد قتل في الصحراء في اليوم الأول من كانون الأول الماضي، أطلب منك صدقة، اذكره أمام الله لأجل ما قام به من عمل خير ولكي لا يموت هذا العمل(7)

تجدون طيا كتيبا عنه طبعته هنا.

1-  هذه الرسالة هي تهنئة بسلامة الكرملي بعد احتلال الإنكليز لبغداد في ربيع العام 1917، وقد حدثت معارك على مشارف المدينة، وانسحب الجيش العثماني ليلا بقيادة خليل باشا بعدما فجر باب الطلسم بالبارود، ودخل الجيش الإنكليزي بعد يومين، وخلال هذه الأيام عاشت بغداد أياما مرعبة من السلب والنهب والقتل، وقد تعرضت مكتبة الكرملي للاعتداء.

2-في رسالة من الآلوسي للكرملي مؤرخة في 11 تشرين الثاني  1914 جاء ما يأتي:

ما أدري ما صنع الله بصاحبنا المسينيوني، صانه الله من حوادث الزمان، وقد تشوش الفكر من أجله نسأله تعالى حسن العواقب وتهوين المصائب . وفي رسالة أخرى مؤرخة في 12 تشرين الثاني 1914 جاء ما يأتي:

إني أشكركم على بيان ما استوجب راحتي وسكون اضطراب فكري، وسأبشر ابن العم بمسر أخبار صاحبنا الأعز الماسينيوي، راجيا تبليغ والدته سلامنا وحسن أدعيتنا الخيرية لولدها ووالديه، وسلامنا عليه، ولا زلتم محفوفين بالسلامة (أدب الرسائل بين الآلوسي والكرملي ص353).

كانت تعبئة ماسينيون في 15 آذار 1915 وأصبح في الزواوي الأول، ثم ألحق بحملة الدردنيل، في العام 1916.

3-  وهو مكتب الخدمات السرية في القاهرة  .

4-  الفيلق الذي شارك في الحرب في صربيا وقد حصل ماسينيون على وسام الحرب لشجاعته في القتال هناك، وبعدها نقل إلى الجبهة العربية.

5-كولونيل إنكليزي، كان قائداً مهماً في الجيش البريطاني الذي احتل العراق في العام 1917، قتل في المنطقة الغربية على يد العشائر أثناء ثورة العشرين.

6- قتله أحد الثوار الجزائريين في الصحراء، وهو السنوسي سرمي من الطوارق.

7- يقول ماسينيون في كتابه العهد: وقد بلغني خبر وفاة فوكو في رسالة وجهتها لي زوجتي في كانون الثاني 1917(تأريخ زواجنا)، وأرفقت بها قصاصة من جريدة الأزمنة تعلن مقتل فوكو في الصحراء، وقد تملكني لحظتها شعور غريب ارتفعت خلاله فوق ذاتي وصعدت، وقد تملكني فرح مقدس إلى متراس الخندق المغطى بالثلوج، وقلت  لقد وجد خلاصه، لقد وجد مبتغاه .

La Parole Donnee, P67.

5 تشرين الأول 1917

أبتي العزيز وصديقي

إني متأثر جدا من جوابك الصائب.

إن الأخبار التي تمنحني إياها عن كل شيء هي في غايةالأهمية نسبة لي.

أفوض إلى صلواتك على نحو خاص جدا، عمل الأب المبجل دو فوكو الذي يبدو أن مثواه الأخير سيكون في القاهرة، هل تعلم أن الهدف الأساسي من عمله كان إخواننا المسلمين.

أكتب لك من معسكر في الصحراء(1) حيث أنا موجود مع كتيبة عربية تحتاج إلى إعادة تنظيم، إنها مكونة في معظمها من البغداديين المسلمين، وعدت في الحال إلى استخدام ال الماكو و مكيف و هوايا (2) البغدادية وهذا جعلني أتذكر الزمن الماضي ونعم الله وعدم وفائي له.

كل شيء تم حسابه على نحو رائع من قبل الرحمة السماوية، أمام كل ما تهبنا إياه أشعر بفقر إرادتي.

لا تنس صديقي البغدادي القديم الحسين بن منصور الحلاج وتقبل مودتي وإخلاصي في المشاركة المقدسة للكنيسة.

أنا سعيد لأنك تعرف المس ج. بل.

لويس ماسينيون

1-رقي بصفة ضابط مساعد في المفوضية الفرنسية العليا في سوريا وفلسطين وكليكلة في الفترة الممتدة من 27 آذار 1917 إلى 28 نيسان في العام 1919.

2-كلمات بالعامية العراقية (ماكو تعني لا يوجد، كيف تعني فرحان، هويا تعني كثيرا)

16 أيار  1918

أبتي العزيز وصديقي

أعهد بهذه الرسالة إلى الكونت سيار الضابط في أركان حرب- مبعوث الحكومة الفرنسية لدى المقر العام للجيش في بلاد الرافدين.

أنت تعلم بأن الحكومتين في فرنسا وإنكلترا، مكلفتان معا  القضية العربية، إن حكومة فرنسا لديها مصالح خاصة في الجزيرة وفي سوريا وهي مصالح معترف بها في المواثيق، وتقع على عاتق فرنسا أن تضمن إلى الحكومات العربية المستقلة التي ستتشكل في هذه المناطق بعد الحرب الاستقرار والأمن والحضارة.

إن البعثة السياسية الفرنسية التي أشارك فيها والتي يترأسها السيد جورج بيكو(1)   مكلفة التحضير لهذه المسائل ( ) ولهذا الغرض تمت دعوتها( )(2)

القطعات الحليفة العاملة في فلسطين ستذهب للإقامة بالغرب ونحن الآن في أورشليم منذ ستة أشهر، حيث البابا لم يعترف لنا بالحماية الدينية التقليدية إلا بعد مؤامرة صغيرة، وقد حصلت عليها بعثتنا لتستطيع ممارسة سلطانها خلال الأسبوع المقدس في قبر السيد المسيح حتى الخميس المقدس، وبوصفي مساعدا لرئيس الحملة فقد تناولت القربان رسميا باسم بلدي أمام القبر المقدس.

إن اللعبة الحاسمة تلعب الآن في فرنسا.

أسافر هذه الأيام إلى فرنسا بإجازة حيث تركت أهلي منذ ثلاثة أشهر، وحان الوقت لأراهم إن أراد الله.

صلّ من أجلي أبتي

ولكل الأعمال التي رغبت بإنجازها إذا أرادها الله لبلدي وللكنيسة (ولأجل إرساليتك).

بلغ تحياتي المخلصة إلى المس بل إن لم تكن قد غادرت بعد(3).

لويس ماسينيون

1-وهي معاهدة سايكس- بيكو السيئة الصيت بين  بريطانيا وفرنسا، والموقعة في لندن، والتي نصت على إعطاء العرب حقوقهم واستقلالهم مقابل مساندتهم للحلفاء بالتحرر من الدولة العثمانية،  وكان اللورد سايكس ممثلا  لبريطانيا بينما جورج بيكو كان ممثلا لفرنسا، وقامت روسيا (الطرف الثالث في الاتفاق) بفضحها بعد الثورة البلشفية، وتم بموجبها التنكر للحقوق العربية وتقسيم المنطقة العربية بين بريطانيا وفرنسا، وكان ماسينيون مساعدا ومستشارا لبيكو، وكان لورنس مساعدا ومستشارا للورد سايكس.

2-كلمات ساقطة من الرسالة.

3-  وقد كتب الآلوسي رسالة مؤرخة في 14 تشرين الثاني 1919 إلى الأب الكرملي جاء فيها: وقد شكرت فضلكم عن إرسال كتاب لويس ماسينيون، وقد سألت الخاتون (يقصد المس بل) عنه إذ مرت بباريس، فقالت متأسفة إنها لم تجتمع به (أدب الرسائل بين الآلوسي والكرملي ص478)

22 تموز 1919

أبتي العزيز وصديقي

عدت كما هي الحال في كل عام، ومنذ أحد عشر عاما في رحلة تأمل ضائع ووقور في النعم التي غمرتني بالقرب منك، وذلك عند عودتي إلى الكنيسة في حلب وبعلبك وبيروت خلال أسبوع القلب الأقدس وهو أسبوع السلام.

أفكر أمام الله بأصدقائنا المسلمين أكثر من أي وقت مضى، سيصطفون على ما أظن إلى جانبنا عند حصول المحن الأخيرة، وعندما تصبح الساعة قريبة، لأنهم مؤمنون وهذا الإيمان ليس فضيلة طبيعية من الدين حسب، إنما شيء أكبر من هذا ، إنه بركات الله(1) وهو يستجيبإبراهيم الحائر: لقد سمعت نداءك من أجل إسماعيل ، إنني أباركه،وسأجعله خصبا وسأجعله عظيما (2)أنضم معك بعمق في هذه الكنيسة المقدسة إلى صلاة انجلوس ومع كل ذويك.

فليبارك الله صنيعك والإرسالية اللاتينية الغالية في بلاد الرافدين.

المخلص لك باحترام جدا

لويس ماسينيون

1-كتب وعد الله ثم شطبها وكتب بركات الله.

2-كتبها ماسينيون باللاتينية.

24 كانون الثاني 1919

أرفق طيا رسالتي إلى الأب المبجل لوي

أبتي العزيز وصديقي

أشكرك كثيرا على أخبارك الجيدة التي تسلمتها في بيروت ثم سررت بتقديمي إلى أخيك في حلب، وهو في صحة جيدة.

أكتب لك من دمشق وكما ترى فإني كثير التنقل، إن ما تقوله عن الحالة النفسية في بغداد يعزز مخاوفي. ماذا تتوقع؟ في هذه الإعادة لبناء العالم التي تجري حاليا، هناك على فرنسا واجب ملح هو الحرص على ما هو أكثر إلحاحا، فبعد القضية الألمانية تأتي القضية السلافية، ويأتي دورنا نحن الذين نعنى بالقضية العربية على الخط الثالث.

أنا أعاني بقدر ما تعاني أنت، ولكن قربي من أوروبا وسماعي للراديو يجعلني أدرك على نحو أفضل مما لو كنت في بغداد، التغيرات الكبيرة التي تجري في العالم والتي هي في صالح فرنسا إلى حد كبير .

سيكون لهذا صداه هناك على الرغم من بعض الأطماع الانحرافية.

إن القضية الصهيونية في بغداد مهمة للغاية، وإني آسف لعدم متابعتي لها عن كثب، إن المسلمين هنا في دمشق معادون عنيفون للصهيونية.

بلغ مشاعر الود والإخلاص إلى شكري أفندي وحاج علي، يعلم الله ما أحمله أمامه كل صباح من ذكرى متحمسة لأصدقائي في بغداد.

أفوض أمري بإجلال مع كل ذوي، بتي المبجل وصديقي، إلى قرابينك وصلواتك.