مشاهير حلب في عمل تأريخي موسع

مشاهير حلب في عمل تأريخي موسع

فيصل خرتش

يعتبر الحلبيون أن مدينتهم (حلب) واحدة من أهم مدن العالم,عراقة وأصالة ودورا سياسيا واقتصاديا,وثقافيا, ومن المعروف أن المنطقة الجغرافية التي تقع فيها حلب.

تعد انموذجا لنشأة الحياة وتطورها فهي معتدلة المناخ متوسطة بين الفرات والبحر تصل بين البادية والجبال تربط بين الاناضول وشبه الجزيرة العربية تشكل عقدة مرور اجبارية بين الشرق الاقصى واوروبا .‏

تعرضت هذه المدينة للهدم والتدمير والزلازل عدة مرات , لكنها نهضت من جديد لتعود الى الحياة والحركة والنشاط. وقد تلاقت وتداخلت فيها عدة حضارات عبرت بها خلال عشرات القرون فاستدعت كل تلك الحضارات السابقة في اطار التسامح والاحترام والفهم والتقدير وفيها حركة تجارية واسعة تجري في أسواقها وخاناتها القديمة,اسواق فيها الحرير والمنسوجات والتوابل والمصوغات والخشبيات والزجاج وكل ما يخطر ببال انسان كانت تستقبل اكثر من عشرين الف جمل في سفرة واحدة وتباع البضائع بسرعة فائقة, مفسحة المجال لبضائع غيرها ويذكر ادارفيو قنصل فرنسا في حلب عام 1679 م ان المدينة كان فيها 75 ممثلية تجارية اجنبية مختلفة وتجري فيها الصفقات بشتى اللغات والعملات بجو من المودة والرقي الحضاري خلال هذا التاريخ الطويل كانت حلب موضع اهتمام ابنائها وزوارها ومحبيها فكتبت حولها الكتب ونظمت القصائد وألفت الموسوعات في القديم ومع مطلع القرن العشرين بدأت بعض الكتب المتخصصة تأخذ طريقها حول بعض الموضوعات المتصلة بحلب في الادب او الامثال او التاريخ او الموسيقا وكان من ابرز من كتب حول حلب العلامة خير الدين الأسدي الذي نذر حياته لمدينته وتاريخها واعلامها وحكاياتها وامثالها وتراثها المتنوع وفي هذا السياق يأتي كتاب الباحث عامر رشيد مبيض حول اعلام مدينة حلب وقد بذل فيه جهدا واسعا دؤوبا بروح من العمل الاكاديمي والتوثيق المنهجي والاختيار الموفق للشخصيات التي تحدث عنها كما يقول الباحث محمد قجة.‏ 

جهد الباحث عامر رشيد مبيض في موسوعته ان يحيط بجوانب الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والفنية في مدينة حلب من خلال حديثه عن الشخصيات التي اختارها وهكذا تم التركيز على الاعلام الذين لعبوا دورا في المضمار الوطني ومن لعبوا دورا في النشاط الفكري بكافة مجالاته .‏

 وكذلك من مارسوا نشاطا اقتصاديا بارزا ذا اثر في حركة المدينة كما ركز الباحث عامر مبيض على اعلام الحركة التربوية والحركة الفنية والنشاطات في المجال النسائي فكريا واجتماعيا وتربويا وقد اتخذ المؤلف لنفسه معايير دقيقة في اختيار الشخصيات التي قدمها وهذه المعايير تدل على دقة ومعرفة وحس توثيقي وحرص على المعرفة الدقيقة.‏ 

مئة أوائل من حلب عمل تأريخي موسع وهو حصيلة سنوات عديدة من البحث والتنقيب والجمع والترتيب يضم تراجم مسهبة لرجالات المدينة ولكل اثر قديم او حديث فيها على امتداد القرن الماضي 1901-2001 ما جعل الكتاب لا يقتصر على المئة الأوائل في حلب بل تعداها الى المئات ممن وافتهم المنية او لا يزالون احياء ورأى المؤلف ان يغني موسوعته هذه بالصورة التوضيحية النادرة و بتلك التي التقطها بعدسته للمعالم الاثرية الماثلة ولبعض الاحياء القديمة والحديثة او بصورة للاعلام المترجم لهم وبنماذج من انتاجهم وان يستعرض فيها اطرافا من الوقائع التاريخية الهامة التي جرت في القرن الماضي كلما مست الحاجة او اقتضى السياق .

والمتصفح لهذا الانجاز الضخم سيعجب بما تحلى به المؤلف الباحث من جد العالم وصبر المجتهد وهو يتسقط الوثائق الخطية ويجري اللقاءات الشخصية ويستكتب من يعهد فيهم الثقة في النقل والامانة في الرواية.‏ 

بزغت فكرة اعداد هذا المؤلف الضخم كما يذكر عامر رشيد مبيض بعد ان احس بفقر المكتبة الحلبية الى المصادر والمراجع العامة الشاملة لتراجم اعلامها ,ذلك بعد انقضاء عقود من الزمن على تأليف آخر كتاب جامع في تراجع اعلام مدينة حلب للشيخ العلامة محمد راغب الطباخ وما صنف بعد هذا الكتاب كان يختص بجانب دون آخر وبفئة من العلماء او الاعلام دون اخرى وقد شهد القرن العشرون تألق عدد كبير من الاعلام في شتى مجالات الادب والفن والعلوم لما شهده هذا القرن من نهضة عربية تأثرت بمنجزات العلم والحضارة في الغرب كما شهد مراحل تاريخية اتسمت بالحس الوطني المتعاظم اسفرت عن استقلال معظم الدول العربية وتطلع ابناء الامة العربية الى تأكيدالهوية واثبات الذات والسير على طريق التقدم والتحضر للاخذ بأسباب الحياة الجديدة ومن هنا كان العزم على التأريخ لهذه النهضة والترجمة لاعلامها في مدينة حلب ومن عاش فيها في كتاب يجمع بين الترجمة للاعلام وفق المنهج القديم واعلام آخرين تتصل اسهاماتهم بهذا العصر اتصالا وثيقا ويبدو ان ذلك كان عملا صعبا يتطلب الجهد والمشقة والصبر وكلفه ذلك اكثر من ثلاثة آلاف مجلة ومئات القصاصات الصحفية التي استفاد منها في جميع فصول الكتاب الى جانب الصور الوثائقية والسؤال والجواب عن الاموات والاحياء وبين صفحات الصحف الحلبية القديمة التي تقدر بالاطنان وزيارات لآلاف الأسر الحلبية الى بيوتها ومقابرها لمعرفة تاريخ ولادة او وفاة والانتظار في مكاتب المهندسين والمحامين واساتذة الجامعات وعيادة الادباء والرواد والأعلام ووزع المؤلف مئات الاستمارات والملصقات للإعلام عن فكرة الكتاب في جميع المراكز الثقافية والنقابات والدوائر الحكومية والجمعيات والنوادي الرياضية والاجتماعية ونشر في الصحف عددا من المرات عن فكرة مشروع هذا الكتاب منذ 1998‏ 

يقول المؤلف وهو يصف معاناته : مئات الساعات امضيتها بين اقبية البيوت الحلبية القديمة افتش بعد اذن اصحابها بين اكوام الاوراق والاكياس المهترئة وقد احصل على وثيقة مهمة تفيدني في بحثي او جريدة قديمة او صورة وثائقية وقد لا اجد شيئا كما قطعت الاف الكيلومترات بين المدن السورية من اجل لقاء مع من يعرف شيئاً عن أحد الأعلام الذين عاصرهم في حلب, أو لمقابلة عائلة حلبية هاجرت من حلب منذ زمن للحصول على معلومة او صورة هكذا عدا عن زياراتي لأكثر من ثلاثة آلاف اسرة في مدينة حلب التي يبلغ عدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين ونصف شخص .‏

هذا الكتاب الموسوعة اضافة هامة ونوعية الى الكتب التي تحدثت عن مدينة حلب في شتى مراحل تاريخها وشتى ميادين الحياة فيها وهذا العمل تكريم للمدينة ولرجالاتها الذين لعبوا ادوارا مختلفة في تكوينها وتطويرها . وهو عمل ذو طابع مؤسساتي لكن المؤلف بجهده الدؤوب وعشقه وحبه لمدينته استطاع بمفرده ان يقدم عملا له صفة الموسوعية المؤسساتية بعد جهد استمر خمس سنوات من العمل المتواصل