إيتالو كالفينو في حوارات مع ذاته

إيتالو كالفينو في حوارات مع ذاته

ناشد الكتّاب الإبقاء على ما هو إنساني في عالم بعيد عن الإنسانية

مازن حجازي

يحظى ايتالو كالفينو بشهرة كبيرة في العالم، خصوصا في البلدان الناطقة باللغتين الانجليزية والفرنسية، ومع ذلك لم تترجم معظم اعماله للعربية، على الرغم من صدور العديد من اعماله القصصية والروائية والنقدية.

ولد كالفينو في كوبا عام 1923، ونشأ في سان ريمو بايطاليا. وهو كاتب وصحافي وناقد وروائي اهتم في الستينات بالمدارس النقدية والفلسفية الجديدة في فرنسا خصوصا، وبرولان بارت وجاك دريدا على وجه الخصوص. مما أثر كثيرا على طبيعة اعماله الروائية ومنحها عمقا فلسفيا واسبغ على نظرته الى الاشياء والعالم طابعا جديا مختلفا عما هو سائد.

دار «أزمنة» اصدرت اخيرا ترجمة لكتابه «آلة الأدب.. حوارات وتسع اوراق» انجزها حسام بدار.

في هذا الكتاب يتلاشى المؤلف ويختفي ليفسح مكانا لشخص آخر اكثر عمقا، لشخص يدرك ان المؤلف هو آلة، ويعرف كيف لتلك الآلة ان تعمل.

ولكالفينو رؤية خاصة حول دور المؤلف والقارئ، اذ يرى ان الادب ليس مدرسة، وينبغي افتراض جمهور اكثر ثقافة، بل اكثر ثقافة من الكاتب نفسه. ويقول: «يمكن

للادب المساهمة بصورة غير مباشرة فقط ـ مثلا من خلال الرفض الثابت للحلول الابوية. ولو افترضنا ان القارئ اقل ثقافة من الكاتب واتخذنا نحوه وجهة تعليمية وتربوية وتطمينية، فإن ما نقوم به ببساطة انما هو التباين، لأن اي محاولة لتلطيف الموقف بالمسكنات، مثل المناداة بأن الادب للشعب انما هي خطوة الى الوراء وليس للامام».

ويتحدث كالفينو عن اقتران الادب بالسياسة في الحياة المعاصرة، وبعد ان يستعرض سلبيات تأثير السياسة على الادب يرى ان الادب مع ذلك ضروري للسياسة عندما يعطي صوتا لما هو من دون صوت، وعندما يعطي اسما لمن لا اسم له، ويشبّه الادب في هذه الحالة بالاذن التي تستطيع سماع اشياء أبعد من نطاق فهم لغة السياسة او هو شبيه بالعين التي تستطيع ان تبصر أبعد من نطاق الطيف الذي تلاحظه السياسة.

ويستدرك بأن هناك ايضا نوعا آخر من التأثير الذي يمكن للادب ان يمارسه، من جانب الكاتب، وهذا يتمثل في القدرة على فرض نماذج من اللغة والرؤية والخيال والجهد العقلي والترابط المنطقي للحقائق، اي بابتكار نموذج من القيم هي في وقت واحد جمالية واخلاقية وضرورية لاي خطة عمل، خاصة في الحياة السياسية.

ويرى ان اي نتيجة تكتسب عن طريق الادب، قد تعتبر ارضا صلبة لجميع الانشطة العملية لأي شخص يركن الى عقله ويكون قادرا على استيعاب الفوضى التي تسود هذا العالم.

وفي ختام حواراته يقول: ان ما نطلبه من الكتّاب هو ان يضمنوا لنا الابقاء على ما نسميه «انسانيا» في عالم يبدو بعيدا كل البعد عن الانسانية، وان يضمنوا الابقاء على حوار «انساني» كسلوى لنا عن فقدان الانسانية في كل حوار آخر وعلاقة اخرى. والانسانية في رأيه تعني كل ما هو مزاجي، وعاطفي، وصريح، وليس شيئا متزمتا على الاطلاق.