الغرب والعالم الإسلامي

عادل كامل

تمر العلاقات بين العالم الإسلامي والبلدان الغربية بأزمة حقيقية . 
كما تصطبغ نظرة كل طرف الي الآخر بالتحيز
 والإرهاب والعدوانية ، علي الرغم مما شهده الماضي من فترات 
من التبادل المثمر والكثيف . يرد هذا في مقدمة التقرير
 الذي نشره معهد العلاقات الخارجية في شتوتغارت ـ 2004 ـ
 بثلاث لغات هي العربية والألمانية والإنكليزية .. فقد كان 
لضربات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، 
والحربين في أفغانستان والعراق ، تأثير أثار 
العواطف وجذب جميع الأنظار . 
لكن اعتبار وجود عداء طبيعي بين الجانبين ينبع من تباين الأديان والثقافات ،
 يعد نقطة انطلاق نمطية ولا معني لها . وعلي الرغم من ذلك ، وفيما وراء مسار التعاون
 القائم بين الحكومات الغربية وغالبية حكومات البلدان الإسلامية ، لا يمكننا أن 
نتجاهل ما تتسم به علاقة الطرفين الآن من نزاعات وغياب للثقة . وترجع هذه المشكلات 
الي أسباب ثلاثة : المصالح المتباينة ، والسياسات الراهنة ، والعوامل الثقافية والنفسية .
ويتميز هذا التقرير عن غيره من التقارير الأخري من زاوية تقديمه 
لنظرة إسلامية بشان القضايا الرئيسية التي تؤثر في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب . 
كما يجسد هذا التقرير حصيلة عمل ستة من المفكرين والأكاديميين : ثلاثة من الشرق الأوسط ، 
وواحد من أوربا ، وواحد من جنوب أسيا ، وواحد من جنوب شرق أسيا .
هل هناك خط واضح يميز العالم الغربي الصناعي عن البلدان الإسلامية النامية ؟ في واقع الأمر ، 
عندما تجري كثير من وسائل الأعلام الدولية مقارنات بين الغرب وبين العالم الإسلامي ، 
فان صورة العالم الإسلامي التي تتبادر الي الذهن عادة ما تكون صورة التخلف والتعصب الديني 
والقمع وغياب الحرية وحقوق الإنسان ، وخاصة بالنسبة للمراة . وتزداد سلبية 
الصورة العامة مع إضافة الاقتران الحالي بين الإسلام والإرهاب ، 
وينمو في الغرب تصور المسلمين كهمج ، مما يسفر عن تجاهل الدور المهم الذي لعبته حضارتهم في تطور البشرية .
وحقيقة إن العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب تقع علي مجري تصادمي ، 
كما يثبت ذلك العنف والحروب التي شهدتها السنتان الأخيرتان . لكن الموقف السياسي 
والاقتصادي أكثر تعقيدا ، إذ يجري الحفاظ علي العلاقات التجارية المكثفة بين بلدان العالم الإسلامي وأوربا 
والولايات المتحدة الأمريكية . بل وحتي البلدان 
الإسلامية المعروفة بموقفها المحافظ ومشروعيتها المتأسسة علي الدين ، مثل 
السعودية ، لا يوجد لديها أي مشكلة في استثمار أموالها في الغرب والتعاون مع 
البلدان الغربية ، بل وحتي دعوة جنود الولايات المتحدة الي أراضيها . وهو الأمر 
الذي يشير الي أن العلاقات الغربية ـ الإسلامية لا تقوم في الأساس علي الدين أو 
الايدولوجيا ، وإنما تدفعها المصالح الذاتية . فقد ساندت الولايات المتحدة ـ 
علي سبيل المثال ـ في السابق (( المجاهدين )) الأفغان وحرب (( الجهاد )) التي 
قادتها ضد الاتحاد السوفيتي . ولا يعد العراق استثناء ً ، ذلك ان الولايات 
المتحدة قد هددت العراق أكثر من مرة وقامت بغزوه مؤخرا علي الرغم من ان العراق 
دولة علمانية ، ولم يكن ذلك بسبب وجود أغلبية مسلمة في العراق وإنما لأسباب سياسية .
ويلفت التقرير النظر الي الخلفية الممتدة عبر قرون طويلة كان تاريخا من 
المواجهة العسكرية ، لكنه كان أيضا تاريخا للتبادل السلمي والثقافي وللفوائد 
المشتركة . ومع ذلك ، يبدو ان الوعي التاريخي للكثيرين ، سواء في العالم 
الإسلامي أو في الغرب ( خاصة أوربا ) قد تشكل عبر فترات المواجهة .
بالنسبة الي المسلمين ، يصعب محو الذكريات التاريخية التي خلفها الصليبيون . ان 
الحملات الصليبية التي شنها البابا ( اوريان الثاني ) عام 1095 ، كان لها هدف 
ديني محدد يتمثل في الاستيلاء علي القدس وغيرها من الأراضي المقدسة التي تقع في 
حوزة المسلمين . وقد بدأت المذابح ضد المسلمين في أعقاب استيلاء الصليبيين علي 
القدس في عام 1099 . كما ان الحكم المسيحي الذي أعقبها في الأراضي المقدسة حتي 
عام 1245 ترك جراحا عميقة في العلاقات الثقافية بين الجماعتين الدينيتين وفي 
ذاكرة المسلمين التاريخية . ولقد تعززت صورة الحملات الصليبية من خلال استخدام 
القادة العسكريين والساسة والصحفيين الأوربيين المصطلحات المرتبطة بالصليبيين 
أثناء الغزو الاستعماري للأراضي الإسلامية . وقد أشار القائد العسكري البريطاني 
( اللنبي ) الي الحملات الصليبية عند دخوله القدس في أعقاب الحرب العالمية 
الأولي . وعلي نحو غير موفق فقد استخدم الرئيس جورج دبليو بوش مصطلح (( الحملة 
الصليبية )) للدلالة علي الحملة المعادية للإرهاب التي تلت هجمة الحادي عشر من أيلول ..
وبالمثل ، وعلي مدار ما يقرب من ألف سنة ـ منذ هبوط المسلمين العرب في شبه 
جزيرة أيبيريا عام 711 وحتي هزيمة العثمانيين في فيينا عام 1683 ـ كانت النظرة 
الي المسلمين في أوربا تعتبرهم تجسيدا ً للعدو .
يوضح هذا ان العلاقات المعاصرة بين المسلمين والغرب ، وخاصة العلاقات بين أوربا 
والبلدان الإسلامية المجاورة لها ، تتأثر بالعبء الثقيل للتاريخ . ليحد التقرير 
حكما ً مغايراً يدعو الي مقاربة نقدية نحو دراسة وتدريس التاريخ علي الجانبين : 
فهناك حاجة ملحة الي النقد الذاتي من اجل تخليص التاريخ من كثير من الغموض وسوء 
التفسير الإيديولوجي . فعلي سبيل المثال ، نظر المسلمون الأوائل الي التراث 
اليوناني والروماني بانفتاح وإعجاب ، بل وقاموا حتي باستخدام وتطوير وتحويل 
كثير من الخصائص التي شكلت أساس الحضارة الغربية في مختلف مجالات الفلسفة 
والأخلاق والعلم . ومن منظور التبادل الثقافي ، علينا ان نتذكر ان الطلاب 
الأوربيين درسوا في الجامعات الإسلامية في أسبانيا في العصور الوسطي ، كما بدأت 
البعثات من البلدان الإسلامية بالدراسة في الجامعات الأوربية منذ منتصف القرن 
التاسع عشر . وهذا له أثره علي أجيال المستقبل ، في بناء التاريخ المعاصر ، بدل 
التوقف عند الحملات الصليبية علي القدس أو حصار العثمانيين لفينا .
ويتطرق التقرير الي دور الاستشراق السلبي ، مستشهدا بكلمة دونها ادوارد سعيد ، 
تقول ان الاستشراق عمل علي تصوير (( الإسلام برمته باعتباره يقع خارج عالم 
المعروف والمألوف والمقبول الذي نسكنه )) ولكن بغض النظر عن خطاب الاستشراق ، 
هناك أيضا مقاربات غربية منهجية أكثر توازنا لدراسة الإسلام . إن نتائج 
المقاربات ـ مثل الإصدارات النقدية وترجمات النصوص الإسلامية ، أو الحفاظ علي 
المخطوطات الإسلامية ، أو إنتاج أدوات مرجعية بلغات أوربية ـ تحظي جميعها 
بتقدير كثير من العلماء المسلمين .
بيد ان عصر الاستعمار أدي الي بعث المركزية العرقية ، موفرا ً بها الأساس 
الإيديولوجي والسيكولوجي للهيمنة السياسية والاقتصادية . فالتصور حول الماضي 
أعيد ابتكاره لخدمة الاحتياجات الأخيرة .. وهو الذي يتطلب نزع قناع قادة الساسة 
والاقتصاد الذين يستخدمونها من اجل حماية مصالحهم الشخصية في العالم الإسلامي . 
وهو الذي يجعل شعور اغلب الشعوب في الشرق الأوسط بأنهم في الموقف الأضعف والذي 
يؤثر بعمق علي جميع أشكال التواصل ، بوجود قضايا محورية في مقدمتها :
ـ القضية الفلسطينية والمواقف التي يتخذها الغرب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي ..
ـ القضية العراقية ، الحرب واحتلال العراق من جانب قوات الولايات المتحدة وبريطانيا ..
ـ السيناريوهات الخطرة المحتملة التي يناقشها علانية المسوؤلون في الولايات 
المتحدة وتضم الخطط الرامية الي احداث مزيد من التغيرات الجذرية في المنطقة ، 
بما في ذلك التهديدات الموجهة ضد سوريا وإيران ..
ـ مشكلات أخري متنوعة تؤثر في المناطق الإسلامية مثل : الصراع الداخلي من اجل 
الإصلاح في إيران ، وضع البلقان ( قضية كوسوفا والنزاع الألباني المقدوني ) ، 
الشيشان ، كشمير ، أفغانستان ، وضع المسلمين في الصين ، وأخيرا ً المحاولات 
التي قامت بها تركيا والدول الإسلامية في البلقان للانضمام الي الاتحاد الأوربي .
وفي سياق هذا التشخيص ، فقد أدي سوء الحكم وتعثر التنمية في كثير من بقاع 
العالم الإسلامي الي تعقيد العلاقات مع الغرب ، مولدا ً خللا هائلا في توازنات 
القوي ، مما سهل علي الغرب الأقوي ، وخاصة الولايات المتحدة ، التلاعب والهيمنة 
والمعاملة فاضحة الظلم للعالم الإسلامي الأضعف . كما ان الفجوة التنموية 
الهائلة تغذي أيضا مشاعر التحامل والحسد والازدراء التي تضيف المزيد الي 
القضايا والضغوط والصراعات التي تفسد العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب ، 
علاوة علي عوامل أخري مختلفة . لقد أسفر هذا عن اعتماد كثير من البلدان 
الإسلامية علي المساعدة الاقتصادية الغربية ، وفي بعض الحالات علي العون 
العسكري والحماية من جانب الغرب . وهو الآمر الذي يضع تلك البلدان تحت تأثير 
الإغراءات والضغوط التي تجعلها تتصرف بما يتفق ومصالح الغرب ، وخاصة الولايات 
المتحدة ، وبذلك ، تساوم تلك البلدان علي استقلالها وسيادتها وتضحي ببعض من 
مصالحها الحيوية ، فضلا عن مصالح الشعوب الإسلامية الأخري . كما يؤدي ذلك أيضا 
الي الانقسام والنزاع وإيقاع الفوضي بين بلدان العالم الإسلامي ..
يستنج التقرير ان الصعوبات الرئيسية في التواصل بين العالمين لم تظهر فجأة . 
لكنها ظهرت ببطء عبر الزمن نتيجة المعايير المزدوجة التي يستخدمها الغرب في 
تعامله مع العالم الإسلامي . وتعود المشاعر السلبية التي رسخها ذلك لدي كثير من 
المسلمين الي عديد من الخبرات مع الغرب خلال التاريخ الحديث .. فقد خلف الحكم 
الأوربي الإمبريالي في المناطق الإسلامية بصمات شائنة وقمعية ووحشية في عقول 
الحضارات المعنية .. وهو الذي يفضي الي غياب الحقيقة والعدالة . فمع مرور الوقت 
، ضعفت أو دمرت جسور الثقة بين الغرب والعالم الإسلامي أو استبدلت بنقيضها . 
لقد ظهرت سحب الرياء الفكري الكثيفة ، وحجبت عقول وأراء الجانبين . وهو الذي 
يتطلب الي مزيد من التبادل الفكري والأكاديمي والشعبي ، وذلك عن طريق إعطاء 
مزيد من الناس فرصة الالتقاء ومناقشة الاهتمامات المشتركة ، ومن خلال استخدام 
وسائل الأعلام الموجودة والجديدة . فعندما يشعر العالم الإسلامي انه يعامل 
بوصفه كيانا ً متساويا محترما ، ويحصل علي فرصة عادلة للمساهمة في المجتمع 
المعولم ، يمكن عندئذ إرساء الحجر الأول في عملية إعادة بناء الجسر الذي يربط 
الغرب والعالم الإسلامي . وقد تتمثل الخطوة الأولي الجوهرية في الاستغناء عن أي 
فرض فكري للمعايير المزدوجة التي تجعل الحوار عسيرا ً من البداية . كالشعار 
الذي حمل (( الحرب ضد الإرهاب )) وقد أصبح تقريبا أداة لتبرير الأفعال الغاشمة 
ضد الدول دون أي إحساس بالمساءلة أو احترام القانون الدولي . وقد اختتم التقرير 
بـ 18 توصية تسهم بردم التصدع ، ومن اجل حضارة مشتركة ومتصلة ، حملت التوصية 
الأخيرة هذا النداء : (( ينبغي أن تعمل أوربا والعالم الإسلامي معا لتنسيق 
الجهود من اجل حفظ التعددية القطبية والنهوض بها . كما ينبغي أن تشكل الأمم 
المتحدة والقانون الدولي الأساس الشرعي الوحيد لإدارة السلام والأمن الدوليين