التربية السياسية في المجتمع المسلم

محمد عبد الكريم النعيمي

التربية السياسية في المجتمع المسلم

تأليف: خالد أحمد الشنتوت

عرض: محمد عبد الكريم النعيمي

   صدرت عن دار البيارق في عمان الطبعة الأولى من كتاب (التربية السياسية في المجتمع المسلم ) ، للباحث الأستاذ : خالد أحمد الشنتوت ، سنة 1421هـ الموافق - 2000م ، يقع هذا الكتاب في (161) صفحة من القطع العادي .

ويتناول قضية التربية السياسية كجزء أساس أصيل من التربية

الإسلامية ،وتأتي قيمة الكتاب في ظل ضعف الوعي السياسي وغبـش الصورة لدى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، خاصة فيما يخص إقامة المجتمع المسلم ، الذي يسبق ويمهد لإقامة الدولة المسلمة ، وهذا الغبـش والوعي السياسي الضعيف - برأي الباحث - سبب تعثر الحركات الإسلامية المعاصرة وتشويه صورة الحركة الإسلامية من ورائه ، لذا يهدف الباحث إلى تنقية مفهوم السياسـة الإسلامية وتمييزها عن السياسة الجاهليـة في أذهان شباب الصحوة وقادتها .

وهذا عرض سريع للكتاب : 

 1 ـ بدأ الباحث مقدمته بالمبشرات التي تؤكد عودة المسلمين إلى الالتزام بدينهم كما هو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وساق لذلك الآيات  والأحاديث الصحيحة ، ومنها أن روما تفتح بعد القسطنطينية ، وقد فتحت القسنطنطينية ، وستفتح روما بالتأكيد [ تقول آخر الدراسات المستقبلية أن المسلمين سيكونون أغلبية في أوربا عام 2050] .

ويعرف الباحث التربية السياسية فيقول : هي إعداد المواطن المسلم الصالح الذي يعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسـه ، طمعاً في ثواب الله عزوجل ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق المشروعة ؛ التي بينتها شريعة الله عزوجل .

ثم يلخص الباحث في المقدمة موضوع بحثه في أسئلة يطرحها تدور عليها رحى البحث ، وهي :

1- هل السياسة جزء من الإسلام ؟

2- ما موقف الإسلام من المكيافيلية ؟ لأنها - بنظره - أصل السياسة الجاهلية .

3- ما موقف الإسلام من الديمقراطية ؟ وبعبارة أخرى هل السياسة الإسلامية ديمقراطية ؟ أم تختلف عنها ؟

4- ماهي أهـداف السياسة الإسلامية ؟ وما هي خصائصها التي تميزها عن سواها ؟

أما عن أهميـة البحـث فيرى الباحث أن تعثر كثير من الحركات الإسلامية يعود إلى عدم تبلور مفهوم السياسة الإسلامية ، وتميّـزها في سلوكهم وممارساتهم عن السياسة الجاهلية ، مما شـوه صورة العمل الإسلامي عندما رقـع بممارسات سياسية غير إسلامية .

  2 ـ  في الفصل الأول من فصول الكتاب العشرة تحدث الباحث عن علاقة الإسلام بالسياسة ، مناقشاً الشبهة الغربية المسيحية الأصل ، التي تعزل الدين عن السياسة بل وعن واقع الحياة كلها وتحصره داخل الكنيسة والمعبد ، وتحاول الأيدي المتربصة بالإسلام إسقاطها على واقع الحياة الإسلامية ، وقد بين الباحث أن الإسلام هو الانقياد التام والخضوع لما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم ، بما في ذلك تطبيق النظرية السياسية التي جاء بها رحمة للعالمين ، لا كتلك النظريات المتعفنة التي تفوح روائحُها إثر كل تجربةٍ لتطبيق إحداها .

ويخلص الباحث إلى أن السياسة جزء من الإسلام ، فالإسلام لايقوم بأفراد ، بل في مجتمع ، وكل مجتمع لابد له من سياسة ، وقد أخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً قوله : [ يامعشر العريب ، الأرض الأرض ، فإنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولاجماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة ] . سنن الدارمي ص 79 ـ

ويستشهد الباحث بشيخ الإسلام ابن تيميـة يرحمه الله [ الذي كان قائد جماعة تلتزم بأمره ، الذي يوجهه إليها كأمر وليس موعظة ، وكانت جماعته عاملة قائمة للدعوة والجهاد ... وكان يرحمه الله إمام أمـة يطبق الحدود الشرعية فيما يستطيعه ، ويغير المنكر باليد واللسان ] كما يقول عنه عبد الرحمن عبدالخالق .

والعمل الجماعي هو العمل السياسي ، والعمل السياسي فرض كفاية بعد أن تقوم الدولة المسلمة ، أما الآن فهو فرض عين على كل مسلم كما يقول الشيخ سعيد حوى يرحمه الله .

كما عدد الباحث الأسباب التي جعلت المسلمين يهملون السياسة ومنها: آراء المعتزلة والخوارج ، ثم مفهوم السياسة المكيافيلية ، والحكم الجبري ، وغيرها .

   ثم ينطلق الباحث إلى تجلية مفهوم السياسة لغة وعُرفاً ، فيقرر أن السياسة هي : القيادة باللطف واللين والحكمة والبصيرة ، فهي بذلك مناقضة للمفهوم العسكري الذي يتعجل تحقيق الأهداف وقطف الثمار بالعنف والقوة بحكم موقعه وطبيعة مهمته في الذود عن البلاد والعباد عند الضرورة ، وبالتالي فالعسكري منضو تحت إمرة السياسي لأن مؤسسته ( الجيش ) قطاع من قطاعات الأمـة ، والسياسي يقود الأمـة .

   ومن ثم يطرح الباحث سؤالاً عن ذلك السياسي الذي يتأتى له أن يقود أمة ، هل عن علم أتقنه ؟ أم عن فن وُهِبَه ؟

   ويخلص الباحث بعد عرضٍ للأمرين جميعاً إلى أن السياسة علم وفن معاً ، لا يستقيم بأحدهما دون الآخر للسياسي أمر .

   وأما السياسة الإسلامية - خاصة - فهي : قيادة المسلمين إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة ، وتهدف إلى عبودية البشرية لرب واحد تتحقق مع تلك العبودية غاية خلقهم ، وتهدف إلى تعميم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجلب المصالح ودرأ المفاسد .

   وهذا الدين لا يقوم به إلا جماعة ، ولا تتحقق فرائضه إلا بتآزر جماعي ، ولابد لهذه الجماعة من أمير يحقق لها مصالح الدنيا وقبل ذلك يؤمن لها إقامة فرائض الدين ، ولابد أن يطاع الأمير ، وإلا ماصار أميراً .

  3 ـ  وفي الفصل الثاني يعرض الباحث  مفهوم المكيافيللية ، وموقف الإسلام منها ، ولو تجاوزنا صاحب النظرية تلك - التي نسبت إلى اسمه - إلى تجلية مفهوم النظرية ذاتها التي ضمّنها كتابَه الشهير ( الأمير ) ، وهي نظرية سياسية  تجعل الغاية تبرر الوسيلة ، فالغاية  عند الحاكم هي استمراره في كرسي الحكم ، لذلك كل مايفعله من قتل وسلب ونهب وتدمير مباح له وجائز كي يحافظ على كرسي حكمه ، وهذه الغاية لا تصب في مصلحة الشعب طبعاً ، وإنما هي ضمانٌ لتثبيت الحاكم المستبد على كرسيه بكل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية ، وبالتالي حقق مكيافللي بنظريته انفصالَ التفكير السياسي عن الأخلاق ، ومن هنا نكشف المدخل الذي جعل الباحث يربط     - في المقدمة - بين المكيافيللية والأنظمة الجاهلية ، بل ويجعلها أصل السياسة الجاهلية ، وهذا المدخل إذاً هو : الفصل بين السياسة والأخلاق ، وهو ما يُلاحظُ فعلاً في الأنظمة السياسية المعاصرة .

   ويعد تفكير مكيافيللي على هذا النحو حلقةً متأخرة من مسلسل فصل الدين عن الحياة ، وجعلِ السياسة تقوم على المصلحة المجردة وحذر واتقاء الرعية ، والحس البليد والضمير الميت الذي لا يُؤنب على خطأ أو تجاوز .

   وأما موقف الإسـلام من هذه النظرية ، فإن الإسلام نقيضُ سياستها المصلحية ، إذ يقوم على مبادئَ ومُثُلٍ يحتذيها في أحلك الظروف وأشـد الأزمات ، وغايته السياسية في مجتمعه تتمثل في حفظ الدين عليهم وتطبيق حدوده وحماية بيضته والذب عن حوزته وإقامة العدل بين الرعية ، كما تتمثل غايته على مستوى الأمة المسلمة في تجسيد أخوة تعاون وتآلف وتصد للقوى المتربصة ، ويذهب الإسلام في سياسته الدولية العامة إلى نشر دعوة الإسلام والتعاون الإنساني للخير والمصالح المشتركة .

   وهذا السياسي المسلم الذي توافر له علم كسبه وفن وُهِبه يجب أن يتصف بصفات تدعم سياسته ، ومن أهمها ذكاء يُحسنُ معه تصريف الأمور وعلم ينفعه في أداء مهمته ، والتحلي بالفرائض والفضائل والتخلي عن المعاصي والرذائل ، والشجاعة المتزنة المتعقلة ، والتجمل بالحلم والصبر ، والتثبت في كل ما يصله ، والوفاء بما وعد وتعهد وقطع ، والحزم في غير تجبر ، والعفو في غير ضعف ، وتقبل النصح من رعيته ، وتكوين عصبة وبطانة صالحة قوية تعينه على أمور الحكم .

وخلص الباحث إلى أن السياسة الإسلامية سياسة عقائدية ، تقوم على المبادئ ، وهي سلوك إنساني لاينفصل عن الدين والأخلاق ، ومن أهم أسسها أن الغاية لاتبرر الوسيلة ،  وعدد الباحث عدة أمثلة منها موقف السلطان عبد الحميد الذي كان بحاجة ماسة إلى دعم اليهود لاستمرار حكمه ، وقد وعدوه بذلك وبذلوا له الأموال الكثيرة مقابل أن يسمح لهم بالهجرة إلى فلسطين ، ولكنه رفض لأن القضية قضية عقيدة ، مع أن رفضه كلفه خسارة ملكه .

   4 ـ ينتقل الباحث في الفصل الثالث إلى أكثر المواضيع إثارة للجدل اليوم في أوساط الإسلاميين ، وهو موضوع الديمقراطية وصلته بالإسلام ، الديمقراطية التي التبس مفهومها السـياسي البشري بالنظرة الإسلامية الإلهية في تصريف أمور الحياة ، وتكمن أهم نقطة التقاء وإلباس بين المفهومَين في نظام الانتخابات في الأول ، والشورى في الأخير ، والأمر شبيه بالتباس مفهوم الاشتراكية بمفهوم الاقتصاد الإسلامي قبل بضعة عقود ، حيث نادى بعض المفكرين المسلمين باشتراكية الإسلام ، لأن مصطلح الاشتراكية صار يشـد الأنظار ، ولايسمع الناس إلا من خلاله ، ثم تبين بعد ذلك بعقدين أو ثلاث فقط أن الاشتراكية وهم وسراب خدع الفقراء والطبقة الكادحة ، فركب الوصوليون موجتهم ووصلوا إلى كراسي الحكم التي اسـتغلوها ونهبوا لقمـة الكادحين من أفواه أطفالهم باسم الاشتراكية ، وهذه الاسطوانة تتكرر اليوم مع الديموقراطية   .

   ويبرز الباحث خَلَلين في تجربة الديمقراطية الأولى في (أثينا) قبل الميلاد  - بالإضافة إلى نشأتها الوثنية - ، وهما :

1- الاعتماد في القرار على الكثرة العددية للمصوتين المختلفين والمتفاوتين في درجات التفكير ، فصوت المثقف البعيد الرؤية كقيمة صوت الفلاح البسيط القصير الرؤية - وهو مدلول لفظة الديمقراطية أي : حكم الشعب - .

2- مع هذا التساوي في قيمة الصوت إلا أن العبيد ( وكان عددهم أكثر من السادة يومذاك )معزولون عن معترك التصويت - مما يشي بطبقية قائمة - .

   أما التطبيق الحديث للديمقراطية وشبهة مقارنتها بالإسلام فقد أورد الباحث  وجود نقاط تشابه بين النظامين ( الديموقراطية والشورى ) ؛ هي التي ألبست على المسلمين وجعلت منهم منادين لتطبيقها في حمأة التسلط الديكتاتوري الفردي الذي تباركه الدول الديمقراطية نفسها في أوروبا ، دون الانتباه إلى أن الشـورى نظام رباني ، والديموقراطية نظام بشري وسيان بينهما ، وذكر الباحث أزمة الديموقراطية وانتحارها في أميركا نفسها ، حتى سيطر اليهود باسم الديموقراطية عليها ممادفع وايزمان للقول : إن الصهيونية هي صاحبة السيادة الحقيقية في الولايات المتحدة الأمريكية ... ويقول : إن فئة لاتتجاوز (3%) من مجموع المواطنين ـ وهم اليهود ـ أصبحت تسير اتخابـات الولايـات المتحدة الأمريكية وتوجهها لأغراض غير أميركية  كما يقول قـدري قلـعي في كتابه  أميركا وغطرسـة القوة ( ص51) . كما يؤكد أن أميركا تحارب الديموقراطية في العالم ، وتقيم أنظمة ديكتاتورية تحقق لها مصالحها في العالم الثالث ، ومن آخر الأمثلة الانتخابات الجزائرية التي ألغيت لأن الإسلاميين حصلوا على أغلبية .

ويعدد الباحث نقاط الاتفاق بين الديموقراطية والشورى  ومن أهمها محاربة الديكتاتورية والطغيان الفردي ، ونقاط الاختلاف ومن أهمها الفرق بين الانتخاب في الديموقراطية والانتخاب في الشورى ، ففي الأولى يهتم الانتخاب بالكم ، بينما يهتم في الثانية بالكيف ثم الكم ، ولذلك يمتاز الانتخاب في الشورى بأنه على مراحل [ بينها الباحث في كتابه اللاحق : الانتخابات أمانة وشهادة ] .

  5 ـ ينتقل الباحث في الفصل الرابع مستعرضاً خصائص السياسة الإسلامية التي ميزتها عن الديمقراطية والاشتراكية وعن كافة الأنظمة البشرية .

   وأول هذه الخصائص هي ( البيعة ) ، وتعني في المفهوم الإسلامي : مبايعة الأمير ذي الشوكة المطبق لشرع الله عز وجل على السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية . وهي واجبة على كل مسلم . فالبيعة باختصار هي الطاعة ، طاعة أولي الأمر الذين أمرنا الله عزوجل بطاعتهم .

   ويركز الباحث في حنايا حديثه عن خاصية البيعة على العمل الجماعي وضرورته والنتائج الوخيمة للتشرذم والانقسام ، كما يجلي معنى ( أولي الأمر ) في المفهوم الإسلامي مستعرضاً آراء علماء السلف في هذا المصطلح ومناقشاً لها ، ويبدو الباحث أشدَّ اقتناعاً مِن بينها برأي شيخ الإسلام ابن تيمية القائل :        " وأولو الأمر صنفان : الأمراء والعلماء ، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس " ، إذ يأخذ الباحث باستعراض نماذج ممن ينطبق عليهم وصف ابن تيمية من الأمراء والعلماء ، بمن فيهم ابن تيمية نفسُه . ويرى الباحث أن أولي الأمر هم الأمراء والعلماء إذا كانا متفقين ، أما إذا اختلف العلماء مع الأمراء ، فأولو الأمر هم العلماء كما يقول الجويني إمام الحرمين يرحمه الله .

  6 ـ في الفصل الخامس ينتقل الباحث إلى الخاصية الثانية من خصائص النظام الإسلامي ، وهي خاصية ( الشـورى ) والتي تُعَدُّ من أبرز الخصائص المميزة لهذا النظام الإلهي الذي يقدر حاجة الفرد والمجتمع ، ويشير الباحث إلى أهمية تربية الفرد نفسَه ومجتمعه القريب من حوله على مبدأ الشورى ليترسخ في تصوره ويبادر إليه في قراراته .

   وأهم ما يفصِّلُ الباحث في شأنه في هذا الفصل هو قيمة الشورى بالنسبة لولي الأمر ، هل هي مُلزِمةٌ إذا انعقدت آراء المستشارين الغالبة على أمر ما ؟ أم هي مُعلِمةٌ يُوسِّعُ فيها ولي الأمر مداركه ويستجلي حقائقَ مغيّبةً من القضية دونَ التزام برأي الغلبة من مستشاريه ؟

   ويصل الباحث إلى نتيجة - يراها الدكتور توفيق الشاوي - أن الشورى إذا كانت بمعنى تشاور أهل الحل والعقد بشأن قرار سياسي أو اجتماعي خطير ، أو لوضع نظام دستوري أو استنباط حكم فقهي فهي حين إذن مُلزِمةٌ إلزاماً قاطعاً .

  أما إذا كانت المشورة في أمرٍ شخصي فردي أو مستقرئةً خبرةً معينة - وتسمى حينئذ استشارة - فهي مُعلِمةٌ لا إلزام فيها .

  7 ـ وأما الخاصية الثالثة من خواص النظام الإسلامي في الحكم ، فهي ( التعاون ) ، ويتناولها الباحث في الفصل السادس من فصول الكتاب العشرة ، فيقرر أن الصحوة الإسلامية المعاصرة قد اجتازت مرحلة الفرد إلى واقع جماعي عفوي متزايد يضطرها إلى تنظيمه وربطه برباط وثيق من مودة الأخوة والشعور بوحدة الهدف والمصير ، مما يمهد لآفاق تعاون إيجابي فاعل رحب يتجاوز الخلافات الفقهية والفكرية والحزبية .

   ويجد الباحث عند ذكره لتعاون الجماعات الإسلامية مدخلاً مناسباً لبحث قضية تعدد الجماعات والموقف الفقهي المعارض لمبدئها ، ويورد حججاً وأدلةً شرعية وتاريخية تجوِّز تعدد الأحزاب ، أو على الأقل تتقبل وجودها في ظل حرية الرأي في الإسلام .

  8 ـ وفي الفصل السابع تطالعنا الخاصية الرابعة من خصائص التصور السياسي الإسلامي ، وهي خاصية ( العدالة ) ، وهي خاصية أصيلة في الفكر الإسلامي ، حتى إن الدولة الكافرة العادلة تبقى وتدوم  - في التصور هذا – بينما تزول الدولة المسلمة الظالمة ولاتبقى ، والعدالة تستغرق كل مواطني الدولة المسلمة من مسلمين وغير مسلمين ، وتقام العدالة في العصر الحاضر بما يسمى اليوم بتحقيق تكافؤ الفرص ، إذ تكفل الدولة المسلمة لمواطنيها حقَّ الحياة وحق التعليم وحق العمل وحق الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات .

  9 ـ  وفي الفصل الثامن يسوق الباحث حديثه عن آخر الخصائص السياسية الإسلامية ، وهي ( الاهتمام بالمسلمين ) ، فرابطة العقيدة أوثق من كل رابطة ، والمسلمون - كما يقول سيد قطب - أسمى من أن تجمعهم حظيرة وكلأ وماء كما توحِّد هذه البهائم ، وبالتالي فالاهتمام بالمسلمين واجب تمليه الشريعة الجامعة ، والانصهار الجماعي - كمبدأ - ضرورة ملحة لتكتمل في كل فرد خاصية الأنس والتعاون ، ولكن العزلة التي يعاني منها الفرد اليوم غلَّبت فيه جانبَ الفردية ، بل وجعلت منها نموذجاً انعزالياً متضخم الشهوات الأنانية   .

   وتتمثل عناصر الاهتمام بالمسلمين في موالاتهم وعدم موالاة أعدائهم ونصرتهم وحبهم وودهم ومخالطتهم وطاعة قياداتهم السياسية والعلمية - المخلصة - .

ويدخل الباحث في ثنايا علم الاجتماع ليذكر الحاجات الاجتماعية ومنها الحاجة إلى الانتماء ، والحاجة إلى الاتباع ، ويذكر علماء الاجتماع أن الاهتمام يشكل العنصر الأول من المسؤولية الاجتماعية ، وهذا الاهتمام هو الرابطة العاطفية بين الفرد وجماعته ، يحول الجماعة من وجود خارجي إلى وجود داخلي ضمن الفرد ، وذلك عندما يتوحد الفرد مع الجماعة .

ويؤكد علماء الاجتماع أن المجتمع سابق على الفرد ، لذا عندما يتفاعل الفرد مع المجتمع هذا هو الوضع السليم ، أما إذا انعزل الفرد ذهذا وضع شـاذ ، ويكتسب الفرد صفاته الانسانية من خلال مشاركته في المجتمع .

ونفـر الباحث المسلمين من الوهم القائل ( الابتعاد عن الناس عبادة ) وبين الباحث أن هذه ( الرهبنة ) غريبة عن مفهوم الإسلام ، وذكر الباحث الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : [ أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، ..... ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد ( الحرم النبوي ) شهراً .... ] .

وبين االباحث كيف نهتم بالمسلمين ، ومامعنى الولاء والبراء ، وما مكانته في عقيدة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

    10ـ أما الفصل التاسع من الكتاب فقد تصدى لمُرجئي أيِّ عملٍ إسلامي - مهما قل شأنه - إلى مابعد قيام الدولة الإسلامية ، وذوو هذا الاتجاه يستعجلون قيام الدولة المسلمة ويسعون إلى تحقيق قيامها بالعنف ، وربما أخلد بعضهم إلى اليأس بسلبية منتظراً أن تتدخلَ السماء بمعجزة .

وناقش بهدوء النظريتين الموجودتين في ساحة العمل الإسلامي : وهما أنقيم الدولة أولاً ، وبها نقيم المجتمع المسلم ، أي الدولة قبل المجتمع .  أم نقيم المجتمع المسلم ، وهو مؤسسات اجتماعية اسلامية لابد منها ، ثم تقوم الدولة المسلمة ، ووضح أن الباحث من انصار الرأي الثاني ، وهو نقيم المجتمع المسلم ثم تولد الدولة المسلمة بشكل منطقي من المجتمع المسلم .

   وقد تتطرق الباحث إلى قيام الدولة المسلمة الأولى وإرهاصات قيامها والإعدادات - التي يغفلها هؤلاء - التي مهدت لقيامها ، من إعداد الفرد المسلم فالأسرة فالمجتمع ، مما كون قاعدة صلبة داخل المجتمع المشرك نفسه في مكة ، وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في تكوين هذه القاعدة بروية وتمهل وإتقان في إرساء دعائمها , وبالتالي فالمجتمع سابق على الدولة في القيام , وإنشاء دولة واهية المجتمع - القاعدة - معرَّض للزوال سريعاً .، وهو مبدأ عقلي صرف .

   ويسوق الباحث أمثلة عن كيفية إقامة المجتمع المسلم في بيئات مختلفة ، ثم يعرض لمقومات الدولة المسلمة الأولى حتى يتهيأ المسلمون لإقامة الدولة المسلمة إن كانوا قريبين من تلك المقومات ، أو حتى يوفروها لإقامة الدولة المسلمة إن كانوا بعيدين عنها - وهو الحاصل - .

   والدولة المسلمة الأولى ما قامت إلا بعد أن وفرت المقومات التالية :

1- المنهج : وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي الراشدين من خلفائه ، ويحتاج المسلمون اليوم إلى فهم جماعي لهذا المنهج .

2- القيادة : وقد تمثلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن .

3- الشعب : وهو مجتمع فريد لا يختلف عنا في تكوينه ومداركه ، وإنما في طريقة تربيته ، وفي مدى إيمانه وإخلاصه لله في عمله وجميع حياته .

4- الأرض : وهي نتيجة تتوافر بعد قيام المقومات السابقة ، وهي في عرف المسلم أي بقعة من الأرض يتمكن فيها من إقامة فرائضه الدينية وينعم فيها بحكم الإسلام . ويفصل الباحث مبيناً كيف هيأ الله سبحانه وتعالى المدينة المنورة ، وكيف هيأ الأوس والخزرج لتقبل الدعوة الإسلامية ، بل التحمس لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعوته للهجرة إليهم لحمايته كي يبلغ الرسالة .

وقد نقل الباحث من السيرة بشيء من التفصيل بيعة العقبة الأولى ثم الثانية ، حيث هيأ الله عزوجل الأرض ( وهي المدينة المنورة ) لتقوم عليها الدولة المسلمة ، بعد أن وجد المجتمع المسلم ، ويذكرنا الباحث بأن عملنا الإسلامي لابد أن يبقى على صلة وثيقة جداً بربنا سبحانه وتعالى الذي يهيئ لنا أرضاً بعد أن يقوم المجتمع المسلم .

وذكر الباحث بالتفصيل علاقة الدولة بالمجتمع من زاوية علم الاجتماع ، وخلص إلى أن الدولة مؤسسة من مؤسسات المجتمع . والدولة المسلموة مؤسسة من مؤسسات المجتمع المسلم . يقول الباحث ص 135 ( حاولت الدولة الشيوعية إقامة المجتمع الشيوعي ، الذي بشر به ماركس ولينين ، وخلال سبعين عاماً قتلوا عشرات الملايين من البشر ، وأنفقت ملايين البلايين من الدولارات ، ولكنها أخفقت أخيراً وانهارت وأغلق ( يالستين ) قبل أيام مكاتب الحزب الشيوعي في موسكو وختمها بالشـمع الأحـمر ) .

11 ـ وفي الفصل العاشر الأخير يختتم الباحث كتابه بعرض ملخص له ، ويذكر ويوصي أبناء الصحوة الإسلامية بالعمل الجماعي المنضبط بالشريعة ، والتزود منها بأكبر قدر من دروس الجهاد والإمارة والسياسات الشرعية ، كما يوصي المشايخ العلماء بالمسارعة إلى تشكيل هيئة أهل الحل والعقد لتولي أمور المسلمين وسياستهم - وهو ما ظهرت بوادره اليوم بإذن الله تعالى في العراق - ، كما يوصي المؤسسات التربوية المختلفة بغرس قواعد السياسة الإسلامية في نفوس الناشئة منذ الصغر ليتكون بهم – بإذن الله – المجتمع المسلم الممهد لقيام دولة الإسلام .       

ملاحظات على الكتاب

1 ـ تتبين أهمية هذا الكتاب من تفرد عنوانه وموضوعه ، فبينما صار كثير من الكتّاب يبحثون في مواضيع التربية الإسلامية ، لم يُسبق الباحث إلى هذا الموضوع إلا في حدود ضيقة جداً ، ولم يسمع طلاب العلم بمثل هذا العنوان سابقاً ، أما في المضمون فقد اهتم الباحث بمواضيع أساسية للدعوة الإسلامية ، منها أن السياسة جزء أساس من الإسلام ، وأن التربية السياسية جزء أساس من التربية الإسلامية ، وغيرها كثير .

2 ـ  عرض الباحث فكر ومنهج مكيافللي ، وقلما وجدنا مسلماً عرض هذا الفكر ونقده من وجهة نظر إسلامية ، مع أن فكر مكيافللي يسيطر على السياسة العالمية منذ أكثر من قرنين ومايزال .

3 ـ بين الباحث العلاقة بين المجتمع والدولة ، وأسبقية وجود المجتمع للدولة ، كمابين ماهية المجتمع ، وهذا من تخصصه الجامعي الذي درسـه كطالب في جامعة دمشق ، ودرّسـه عقداً من السنوات في سوريا والجزائر ، ومن الجدير بالذكر قوله : المجتمع هو مجموعة أسر مترابطة تقيم المؤسسات الاجتماعية ، لذلك فالمؤسسات الاجتماعية الإسلامية لابد من إقامتها قبل الدولة المسلمة ، وكل محاولة لإقامة دولة مسلمة قبل هذه المؤسسات هي إجهاض لجهود الحركة الإسلامية .

وكيف نقيم مؤسسات إسلامية في المجتمع المعاصر ، هذا أمر صعب جداً ، ولكنه غير مستحيل ، وقد أقامت الحركة الإسلامية في الأردن ـ يحفظهم الله ـ مؤسسات إسلامية صحية وتعليمية ، ولابد من مؤسسات اقتصادية أيضاً ، ناهيك عن المؤسسات الاجتماعية الخيرية . عندئذ يعرف عامة المسلمين أن الحركة الإسلامية هي التي ستوفر لهم الحياة الإسلامية الكريمة ، وهي التي ستحفظ لهم دنياهم ودينهم ، عندئذ يقبلون أفواجاً عليها كما حصل في الجزائر في مطلع التسعينات .

4ـ ذكر الباحث في المقدمة أن الاسم الأكاديمي لهذا الكتاب هو ( منهج التربية السياسية في المجتمع المسلم ) . وهذا يلزم الباحث بمتابعة البحث في ( وسائل التربية السياسية في المجتمع المسلم ) ، وقد نما لعلمي أن الباحث ـ أمد الله في عمره ـ بدأ بهذا البحث ( وسائل التربية السياسية ) ، ونسأل الله عزوجل أن يعينه على إتمامـه ونشـره .

 وفي الختام ندعو الله عزوجل أن يحفظ المسلمين من كل مكروه ، وأن يبصرهم في دينهم ، وييسر لهم الالتزام بكتابه وسنة رسوله ، إنه على كل شيء قدير .