ثم أزهر الحزن

ثم أزهر الحزن

     رواية: فاضل السباعي         عرض: غرناطة الطنطاوي

  عكفت على قراءة رواية ثم أزهر الحزن، للكاتب الكبير فاضل السباعي، وهي من القطع الكبير، وتضمّ بين دفتيها أربعمئة صفحة تقريباً.

   وقد استغرقت في قراءتها لما شدني إليها من أحداث متتالية حزينة واقعية، تكلم الفؤاد، وتنكأ جراحات لكثير من القرّاء، فأبكتني أكثر من مرة.. (كوثر) أرملة صغيرة مع بنيّات كزغب

    القطا، وجنين في بطنها، وكان إبداع ريشة الكاتب في وصف النوازل، وهي تنزل تترى على هذه الأسرة المنكوبة في زمن عصيب، لا يأبه فيه أحد بأحد إلا إذا لاحت في الأفق مصلحة ما.. بأسلوب انسيابي وتجسيد للواقع باقتدار، فيه وتوظيفٍ لظاهرة عيد الأم والأم المثالية، التي ظهرت على مسرح الحياة منذ زمن قريب توظيفاً جميلاً، وأضافت بعداً آخر ونهاية سعيدة للرواية.

    كم تمنى الأب أن يكون له ولد، يحمل اسمه، ويعين أمه وأخواته على نوائب الدهر، إذا غيّبه الثرى.. فهو يخشى على زوجته وبناته من بعده، وهنّ المهيضات الجناح، المكسورات الخاطر، كأنه كان يقرأ في سفر الغيب:

-لن يأتي علاء إلى الدنيا.. وأنا فيها..

   ويالها من ساعة رهيبة عندما علمت الأسرة الصغيرة بالمرض الخبيث المستعصي على الأطباء يغزو عاهلها، ويتركه قاعاً صفصفاً بعد أشهر قليلة.

    ويأتي علاء إلى الدنيا بعد أن رحل أبوه عنها.. وينشر الفرح والسرور في القلوب الحزينة.. فهنّ في حاجة لرجل بعد أن رحل رجلها –وليس الذكر كالأنثى- إذ كيف ستسير مركبة هذه الأسرة الأنثوية دون ربّان يوجهها.

فكانت الأم كوثر أماً مثالية في حبها وتفانيها من أجل أسرتها.. فقد قامت بحياكة الملابس للجيران.. وكانت بناتها يساعدنها ليلاً بعد أن يذاكرن دروسهن.. وبهذا استطاعت أن تبيع دارها وتضم إليه ما وفّرت لتشتري داراً في حي آخر، بعيداً عن جيرانها الذين ما فتئوا يتغامزون عليها:

-كوثر وبناتها يأكلن رؤوس الرجال..

    بعد أن مات خطيب ابنتها البكر نورة على الحدود برصاص الأعداء... وبعد هذه الحادثة المشؤومة، فتك المرض الخبيث بابنتها نورة وماتت وهي في ريعان الشباب، فهذه الدار دار أحزان.

وسارت المركبة الهوينى حتى وصلت إلى برّ الأمان، فالبنات درسن وتزوج بعضهنّ.

كانت رواية ممتعة، أحداثها واقعية في قالب فني، تشدّ القارئ أحياناً بحيوية أحداثها وانفعالات شخوصها، وأحياناً تتهادى بطيئة مستروحة.

    فالكاتب يؤكد لنا في هذه الرواية نظرته المتفائلة للحياة، وقدرته على سبر أغوار وخبايا النفوس، وخاصة النفس الأنثوية، بما تحمله من حبٍّ للكفاح، إلى حب الذات والغيرة والأنانية، وما يعتمل في نفوس البنات من انفعالات تخفيها بعيداً في قرارة أنفسهن.

    كما أنه عمّق تعلّق الأم بالتقاليد والعادات الإسلامية، التي زرعتها في نفوس بناتها، لولا رأي الأم كوثر في الحجاب، الذي –ربما كان- يعكس رأي الكاتب الشخصي في الحجاب، تقول الأم:

-متى بلغت إحداكن من العمر خمسة عشر عاماً غطت رأسها بهذا الإشارب، إلى أن نملك في المستقبل أمرنا، فيكون لنا شأن آخر.

ثم قالت مرة أخرى:

-يجب أن ننصاع لهذا التقليد، الحجاب.

    متى كان الحجاب تقليداً؟! فالروائي السباعي يتحدث باسم عائلة سورية مسلمة محافظة على القيم الإسلامية، وبهذا يكون قد ناقض نفسه، فالحجاب والقيم الإسلامية متلازمان.. ليته ما ذكر الحجاب..

    وعندما هوت هالة التي رُويت الرواية بلسانها إلى حمأ الرذيلة، فاستدركت نفسها قبل أن تفقد كرامتها وإلى الأبد، وقد تزوجت أخواتها الأصغر منها، مع أنها أكثرهم ذكاءً وجمالاً، فتقول:

    -فهل فيّ من عيب خفي؟ وذلك الذي انقدت إليه، ذات ليلة مشؤومة، في منزله الصغير، هل يعرف الناس من ذلك الخبر شيئاً؟ فتظل حياتي –حتى آخر العمر- شقاء لا هناءة فيه؟

   لو أن كاتبنا ألمح إلى أن غضب الله مما اقترفته يداها من عمل منحطّ، قد أخّر زواجها، ليكون رادعاً لها وتنبيهاً وعقوبة تمحو به ذنبها، لكان أفضل، وقابلاً للإقناع أكثر.

    أتمنّى على كاتبنا الكبير أن يعكس تطلعات الشعب السوري العربي المسلم في الحياة العزيزة الكريمة في ظلّ الإسلام، وقيمه الخالدة، فهي الأصلح لنا، والأقدر على النهوض بأمتنا من الوهدات السحيقة التي تردّت فيها، ثقافياً، وسياسياً، بسبب التنائي عن القيم العربية والإسلامية، ومنها الحجاب الذي هو أصل في حياة المسلمات السوريات، وليس من سقط المتاع.